عرض كتاب: المرأة الريفية وواقع تملّكها لجسدها

المرأة الريفية وواقع تملّكها لجسدها

الكتاب: المرأة الريفية وواقع تملّكها لجسدها، دراسة في أنثروبولوجيا الجسد

المؤلف: سوسان جرجس

الناشر: دار نينوى

 

يتناول كتاب “المرأة الريفية وواقع تملّكها لجسدها” مسألة جسد المرأة عبر ما يحمله من تصوّرات ودلالات ثقافية واجتماعية، في وقت تتوسّع فيه أطر التثاقف ويتزايد فيه تأثير انفتاح التواصل بشتّى أنواعه ومجالاته بسبب تنامي انعكاسات عيشنا في زمن ما نسميه اليوم بعصر العولمة المتميّز بكثافة سيرورة حراكِه المجتمعي وبدينامياته المتسارعة التي تزيدُ وتيرة تغيراتها يومًا بعد يوم.

إنّ الدراسة الأنتربولوجية للجسد الأنثوي هي دراسة مسكونة بالمقدّس وبأحكام القيمة حيث سعت المؤسسات الاجتماعية إلى ضبط وإخضاع هذا الجسد لمنطق الشرع والعقل حتى إنّها جعلت منه “تابو” يحرم الاقتراب منه، وذلك بفعلِ تمثّل الأنثى، وفق أيديولوجية هذه المؤسسات، فتنة؛ فضلاً عن ذلك فقد تمّ، وبتفعيل من المحيط الاجتماعي والايديولوجيا الدينية، تمثّل المرأة باعتبارها كائناً دونيا متمايزاً عن الرجل بصفاته ووظائفه وبناه الذاتية والرمزية والخيالية.

في مثل هذا المجتمع الذي تصمم فيه نظرات الرجال أجساد النساء، ما زال الزواج يُعتَبر مورد رزق المرأة والمبرّر الاجتماعي الوحيد لوجودها، وهو مفروض عليها لسببين: الإنجاب وإرضاء حاجات الذكر الجنسية، ما يدفع الرجل إلى محاصرة المرأة محاصرة ملكية مستخدماً بذلك كافة أشكال العنف الجسدي والرمزي. وعلى الرغم ممّا تتعرّض له المرأة من تسلّط ورقابة فإنّها لا تلبث أن تصيغ آليات دفاعها الخاصة التي تعرف تمامًا حجم تأثيرها في مجتمع “فحولي.

إنّ هذه الصورة التي تمّ رسم خطوطها العريضة تسود في مجتمعات بطريركية تقليدية كثيرة ومنها مجتمع السهل العكاري (ميدان هذا العمل الأنتربولوجي).

إنّ سهل عكار كغيره من مجتمعات لبنان الريفية، يُصَنَّفُ باعتباره ريفًا تقليديًا ذا بنية أبوية. وفي ثقافة العكاريين إنّ المرأة خُلِقَت قبل كل شيء كي تكون زوجة، هاجسها الوحيد هو صون شرفها عن طريق الزواج، الذي يعتبر معيار النجاح النسائي والضمان الاجتماعي وربما الاقتصادي الوحيد للمرأة في المجتمع التقليدي.

إنّ الثقافة المجتمعيّة التي تُعامِل الإنسان على أساس جسده لا بدّ وأن تحدّد له وظيفة؛ وفي سهل عكار حيث ساد عموماً (وخاصة ما قبل السبعينات: المرحلة التي اعتمدناها نتيجة لاعتبارات عدة كأساس للتحولات الاجتماعية) نمط الانتاج الزراعي نُظِرَ إلى المرأة كيدٍ عاملة إضافةَ طبعًا إلى وظيفتها الجنسية والإنجابية المؤكدة. وإذا كان الرجل السهلي يبحث عادة عن زوجة صغيرة السن، جميلة، قوية البنية فإن العذرية هي الصفة التي ما كان ليتناساها كونها تحمل دليلا ملموسا على حسن أخلاق المرأة وتشكل أيضا دليلاً حسياً على القوة الذكورية وقدرتها على الاطّلاع بجنسانيةٍ عضوية موجّهة في أهدافها نحو الإنجاب.

مع تقهقر نمط الانتاج الزراعي، وفي ظلّ الحداثة والعولمة التقنية مع ما لها من آثار اقتصادية وثقافية غيّرت وما زالت تغيّر الكثير من الأنماط المعيشية في العالم كله، تأثرت ثقافة المرأة الجسدية في عكار وخضعت لتحوّلات وظائفية وقيمية- وإن كنّا لا نزعم أنّ ذلك باستقلال أنثوي خالص، إنّما بدعم “رجولي” يكفل استمرار الهيمنة الذكورية. وعلى كل حال فإنّ الغالبية العظمى من النساء أصبحن على دراية بوسائل منع الحمل، وعلى وعيٍ كبير بأهمية التخطيط الأسري؛ كما أنّ قيمة الشرف وإن كانت لا تزال تمثّل قيمة مركزية في التنشئة الاجتماعية للمرأة فإنّ الاحتشام بمعنى إجراءات حماية الشرف قد طاله بعض التعديلات، كما أنّه وعلى الرغم من كل الانفتاح العالمي وزيادة الثقافة والتعليم إلّا أنّ المجتمعات التقليدية (ومنها سهل عكار) ما زالت تمارس التمويه والضعف في التربية الجسدية الأنثوية والجنسية وخاصة لدى العائلات” المحافظة”.

لقد تمّ إجراء هذه العمل الأنتربولوجي الميداني في ثلاث قرى من “سهل عكار” الريفي وذلك باعتماد أطلس ثقافي/ مجالي نسبي. هذه القرى هي “المقيطع” و”الشيخ عياش” و”تل عباس الغربي”، وهي “حالات” (مجالية ثقافية) هدفنا منها إلى إجراء دراسة تحليلية مقارنة بين تحوّلاتهم في موضوع الدراسة، لا سيّما أنّ لمتمايزاتهم المجتمعية انعكاساتها الجوهرية على واقع المرأة في المجتمع.

ولتحديد هذا الأطلس تمّت مراعاة متغيرات عدة ـابرزها: نمط الإنتاج، الإنتماء الديني، الانتماء الجيلي، الحراك الاجتماعي، الدينامية الريفية…. وعلاقة كل من هذه المتغيرات بمتغيّر الجنس (ذكر/ أنثى).

لقد استخدمنا في هذا العمل البحثي أسلوب دراسة الحالة بهدف الحصول على معلومات دقيقة حول “واقع تملّك المرأة الريفية لجسدها”، وذلك على ضوء الإحاطة بالعوامل والأسباب كافة – وأحيانًا التناقضات الاجتماعية – التي ساهمت في بلورة الواقع على هذا الشكل أو ذاك.

وإن كنا نؤمن بضرورة تلازم الأسلوبين الاستقرائي والاستدلالي في الأعمال الأنتربولوجية الميدانية، فقد ركزنا على اعتماد شبكة تقنية مترابطة من: الملاحظة بالمشاركة، السير الحياتية والمقابلات الحرة مع عينة/ كرة ثلج من النساء البالغات من ضمن القرى الثلاث، مراعين تنوع المتغيرات الاجتماعية التي ستكون مرتكز التحليل الأنتربولوجي.

يتضمن الكتاب أربعة فصول:

ينطلق الفصل الأول من فرضية الثنائية الذكورية/ الأنثوية القائمة أساسًا بسبب التنشئة الاجتماعية وبسبب السلطة المهيمنة على جسد المرأة في الأسرة والمحيط خلال مرحلة ما قبل الزواج، وبالتالي فهذا الفصل يستعرض مسألة الوظيفة والدور للمرأة في سهل عكار واللذين يحدّدهما المجتمع بمؤسساته الانتاجية، الثقافية، الدينية، التقنية… ويضبطهما عبر مؤسسات التنشئة الاجتماعية؛ إنّ عرضنا لمسألتي الوظيفة والدور تمّ من خلال عناصر مادية (مجال، منزل، لباس…) وعناصر سوسيو- ثقافية (أسرة، عائلة، علاقة بين الذكر والأنثى، بين الأنثى والأنثى، بين الأنثى وأمها، بين الأنثى والأب، بين الأنثى والمحيط الاجتماعي، مدرسة…)، فضلاً عن ذلك فقد عرضنا في هذا الفصل لمسألة التربية الجنسية في سهل عكار لما لها من ارتباط مباشر بدلالات وظيفة ودور الجسد عند المرأة.

في الفصل الثاني من هذا الكتاب تكلمنا عن الصراع السلطوي الذكوري الأنثوي في أبعاده المعرفية، القانونية، الميتولوجية الدينية والأنتروبولوجية، بالتركيز على مفهوم العنف ضد المرأة وواقعه في سهل عكار، وما يستتبعه من استبطان المرأة لآليات دفاعها المتمثّلة بسلطة الجنس.

تناول الفصل الثالث وظيفة الإنجاب وسلطتها لدى المرأة في سهل عكار، بدءاً من مرحلة انتظار الحمل، ومعايشة تلك التجربة بكل ما تقدّمه من امتيازات واقعية ومتخيلة، مروراً بتجربة الولادة وآلامها وانعكاساتها في حياة المرأة في سهل عكار وصولًا الى طبيعة العلاقات المتبدّلة مع الزوج والمحيط عقب الإنجاب. فضلاً عن ذلك، فقد تكلمنا في هذا الفصل عن تنوّع العلاقات والأدوار والسلط ما بين الإنجاب وغيابه، وفيه عرضنا بمقاربة جندرية لما يتعلق بقرارات الإنجاب ضمن الأسرة، تجربة الإجهاض، العقم وانتفاء السلطة الاجتماعية.

وأما الفصل الرابع والأخير فقد سلّط الضوء على مسألة العذرية الأنثوية في سهل عكار بما هي قيمة مقدسة ومفهوم له رمزيته ودلالاته ضمن البناء الاجتماعي القائم، كما اهتمّ بتوصيف وتحليل آليات الحفاظ على العذرية في مجتمع السهل العكاري، فضلاً عما تفرضه تلك العذرية من طقوس في ليلة الزفاف وما يعقبها من تبعات اجتماعية جندرية التوجه، هذا مع الاهتمام بكيفية التعاطي الاجتماعي وتحوّلاته في حال انتهاك العذرية البيولوجية.

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.