حوار مع الأنثروبولوجي البوسني صفوت مصطفى خليلوفيتش

تأخر الدراسات الأنثروبولوجية في البلاد الإسلامية عائد إلى أن أمر الإنسان مهمل عموما

لم تتقدم الشعوب لأنها تمتلك فلسفة كبيرة وأيديولوجية متينة وإنما بجديتها في العمل

في الغرب طالما أنه ليس هناك قانون يجرم الفعل فهو مباح.. ولذلك انتشرت معهم الممارسات الشاذة

عندما طرح الدكتور البوسني صفوت مصطفى خليلوفيتش بحثه العلمي الذي حمل عنوان: «ظاهرة الإلحاد من منظور الأنثروبولوجيا القرآنية» وذلك في المؤتمر الدولي الثاني «قضايا المجتمع المعاصر في ميزان الشرع، الذي نظمته كلية العلوم الشرعية في مسقط، وأنا أستمع إلى الورقة البحثية دارت في ذهني مجموعة من التساؤلات التي بنيت عليها هذا الحوار، فخليلوفيتش مفكر بوسني له الكثير من الأبحاث والكتب المنشورة بلغات عدة منها كتابه «الإنسان في القرآن مدخل لدراسة الأنثروبولوجيا القرآنية» «والإسلام والغرب» وكذلك الإمام الرازي الخصاص ومنهجه في التفسير، وأصول تفسير القرآن الكريم، والسيرة النبوية بثوبها الجديد – قراءة عصرية لأحداث السيرة النبوية. ويعمل حاليا بروفسورا ورئيس قسم التربية الدينية بكلية التربية الإسلامية بجامعة زنيتسا، البوسنة والهرسك، وهو عضو مجلس الأمناء في الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين.

ذكر خليلوفيتش في ورقته المقدمة أن الإيديولوجيات التي أسست على المبادئ المادية التي تنكر وجود الخالق سبحانه لم تستطع تأمين السلام والتوازن والسعادة للإنسان، ولا يمكنها أن تقدم إجابات عن الأسئلة الحساسة حول الوجود، وهذا هو السبب في الأزمات العديدة التي حلت بالعالم المعاصر، والتي أصبحت أكثر صعوبة وتعقيدا مع مرور الوقت، والحقيقة أن كل الأزمات تنبع من الأزمة الرئيسة، وهي أزمة «إنسانية الإنسان».

كيف بدأت بالبحث والتأليف في الأنثروبولوجيا القرآنية، وماذا يبحث هذا العلم؟

هذه المادة شرفني الله عز وجل بتدريسها في كلية التربية الإسلامية في جامعة زينيتسا، ومدينة «زينيتسا» هي مدينة كبيرة، وأكبر تمركز للمسلمين في البوسنة في هذه المدينة وما حولها، ومنها كانت تنطلق قوافل المجاهدين للدفاع عن البوسنة وسراييفو، وكلية التربية الإسلامية أنشئت أثناء الحرب قبل 30 عاما بالضبط سنة 1993م، لتكوين كوادر قادرة ومتخصصة لتعليم التربية الإسلامية في المراحل الابتدائية إلى الثانوية، والمعول في بلادنا على المدارس الحكومية، فمنذ ذلك الوقت حتى سنة 2004م كانت أكاديمية للتربية الإسلامية وبعد 2004م تطورت إلى كلية، وأفسح المجال إلى إدخال مواد منها «مدخل إلى دراسة الأنثروبولوجيا القرآنية» وهي في الحقيقة مادة جميلة تتعلق بتفسير موضوع الإنسان في القرآن الكريم، ولكن لها تعلق وطيد بمجموعة مختلفة من العلوم، منها علم النفس والاجتماع والأحياء والتاريخ وعلوم الكون والفلسفة.

وقد ألفت كتابا باللغة البوسنية الذي ترجم إلى اللغة الإنجليزية ترجمة دقيقة جدا، ونشرته دار السلام في القاهرة، ونشر في بلادنا في مركز الدراسات المستقبلة في سراييفو، ثم ترجم من الإنجليزية إلى العربية في مدينة الرياض، وقد ترجمته أستاذة اللغة الإنجليزية والدراسات الإسلامية في الأزهر وهي هدير أبو النجاة وحمل عنوان «الإنسان في القرآن- مدخل لدراسة الأنثروبولوجيا القرآنية».

ما أصول علم الإنسان في القرآن؟

أصول علم الإنسان في القرآن هي أربعة: أولها أن الإنسان مخلوق وهذا موضوع كبير ونصف الكتاب يدور حول هذا الأصل، ومعنى أن الإنسان مخلوق هو أن له خالقا خلقه، فالله تعالى يقول: «الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْآنَ* خَلَقَ الْإِنْسَانَ»، وتوجد في الكتاب مناقشة مستفيضة مع الملحدين والمنكرين لوجود الخالق، والذين يقولون إن الحياة صدفة حدثت نتيجة انفجار حدث قبل مليارات من السنوات، وهم لا يعرفون ما الذي انفجر، ومن فجره، ومن أوجد المادة التي انفجرت، فناقشتهم في هذا الكتاب بنقاش علمي دقيق وفق مناهجهم.

والأصل الثاني الذي تطرقت إليه في هذا الكتاب أن الإنسان مخلوق مشرف، أو مكرم، قال تعالى: «وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا» من بين المخلوقات الكثيرة، نجد أن الله اختار تكريم الإنسان بالعقل، فالحيوانات مظهرها جميل ولكنها لا تعمر الأرض بالبناء والتعمير، ثم إن الإنسان مشرف بنزول وحي الله له وقد أوحى الله للإنسان منذ بدء الخليقة وحتى خاتم الأنبياء والمرسلين محمد -صلـى الله عليه وسلم- والقرآن باق إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.

كما أن الله تعالى كرّم الإنسان بتكريمات كثيرة منها: «لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ» فالإنسان جميل بطريقة فردانية، وللأسف الشديد أصبح العالم المعاصر يسعى إلى تنميط الجمال، فتجد أن هنالك نموذجا للجمال تحاول الفتيات تقليده، ففي العالم المعاصر تختفي فردانية الجمال، وتصبح هنالك نماذج متشابهة، وهذا يبتعد عن الحكمة الإلهية التي أبدعت في تصوير البشر، قال تعالى: «هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ» خالق يوجد من العدم، بارئ يخلق خلقا بريئا عن النقص، ولذلك نجد أن الله خلقنا متفردين عن بعضنا البعض، فهنالك البصمة اليدوية، وبصمة العين، بل اكتشف العلماء في العرق الذي يخرج من جسم الإنسان أنه لا يجود شخصان على كوكب الأرض عَرَقُهما واحد، ومن هذا المنطلق نجد أن الكلب لديه القدرة على تمييز رائحة كل شخص من خلال هذه التباينات في رائحة العرق.

فالله لا يخلق شيئا قبيحا، صحيح أنه من الممكن أن يكون بعض الناس مشوهين، ولكن هذا وفق إرادة الله لأن الله وصف نفسه بأنه أحكم الحاكمين، وهو يعوضهم عن ذلك بطرق أخرى لا نراها غالبا.

والأصل الثالث هو أن الإنسان مخلوق مكلف حياته ليست عبثا، وليست كما قالوا قديما: إن هي إلا أرحام تدفع، وأرض تبلع، بل هو مكلف من الله بالعبادة التي فيها إدراك لوجود الخالق، وأن أعيش كمسلم، وكيف أجعل حياتي موافقة للشريعة الخاتمة.

والأصل الرابع هو أنه مخلوق مسؤول، أي أنه ينتظره حساب، على خلاف الحيوانات مثلا، فالدببة والغزلان والفئران والزواحف لن تسأل يوم القيامة، أما الإنسان فيحاسب، وهذا جعلني أتطرق للحديث عن الخطيئة، لأن هنالك أنثروبولوجيات إنجيلية قائمة على أن كل بني آدم يحمل وزر أبيه آدم، والرب العظيم في السماء ضحى بابنه لأجل نجاة الخلق، من خلال كلام فلسفي، وهذا كلام غير منطقي فلسفيا، فكيف نقوم بتحميل الولد الذي يولد بريئا وزر آدم، وقد تطلب مني الحديث عن الخطيئة من خلال المفهوم القرآني، وهو أمر مهم، لدرجة أنه طبع ككتاب مستقل حمل عنوان «ما الذي نعرفه عن الذنوب والمعاصي في القرآن».

ولا أزعم أني وفيت الأنثروبولوجيا القرآنية حقها، لأنه موضوع كبير جدا، والقرآن الكريم حافل بهذه المداخل المتعلقة مثلا كيف يفرح الناس وكيف يحزنون، وماذا يفعلون في حالة ولادة أحدهم، فأنا لم أتطرق للجزئيات وإنما تطرقت إلى المسائل الكبرى المتعلقة بوجود الإنسان، من أين هو، وموته، من خلال المفاهيم القرآنية للوجود والموت، والعمل، والحساب.

لماذا نجد هنالك تأخرا في الدراسات الأنثروبولوجية في البلاد العربية؟

كل معتقد وكل مذهب على هذه الدنيا له أنثروبولوجيا، فهنالك أنثروبولوجية إسلامية وهناك أنثروبولوجية يهودية وهنالك أنثروبولوجية إنجيلية، هي علم الإنسان في إطار معتقد معين، فهي تناقش ما هو الإنسان، لذلك في الغرب نجد عندهم اهتماما بنشر الأنثروبولوجية الإنجيلية، ومن خلالها ينشرون تلك الأفكار الإنجيلية، فتوجد هنالك كلية لاهوت في سراييفو وهؤلاء جيراننا يفهمون اللغة البوسنية ولكنهم غير مسلمين وهم أقلية، وقد زرتهم عند التحضير لهذه الدراسة، ودخلت إلى محاضرة مسجلة على الإنترنت، وقد رأيت مشاهد من هذه المحاضرة وأسفت أن مثل هذه الأفكار يتم تجسيدها في مشاهد تمثيلية تسيء إلى الأنبياء، بحيث تظهرهم بغير ملابس، وهي قصص موجودة في سفر التكوين.

وقد وجدت أن تأخر الدراسات الأنثروبولوجية في البلاد العربية يرجع إلى أمر آخر، وهو أن أمر الإنسان عموما مهمل في البلاد العربية والإسلامية، الإنسان الذي هو أشرف مخلوقات الله، للأسف الشديد أهمل في بلاد الإسلام، فتوجد هنالك فوارق اجتماعية ضخمة، فتجد أن هنالك من هم في ثراء فاحش بينما الفقراء بالملايين، وفي البلاد العربية والإسلامية تجد هنالك ملايين الجوعى، ولو نظرت إلى الدول العربية التي تعاني من اضطرابات سياسية تجد الفقر بكل تجلياته، وكذلك في الدول الإسلامية غير العربية، التي ترفع شعار الإسلام حتى في تسمياتها الرسمية، لكن مواطنوها يهربون منها من وطأة الفقر ويلجؤون إلى دول الكفار فتجدهم في أوروبا، وكذلك في البوسنة تجدهم بعشرات الآلاف فتجدهم في الطرقات يحاولون بيع أي شيء مثل المناديل والماء على المارة لأجل اكتساب لقمة العيش، فالناس يعطون لهم مبالغ ضئيلة من النقود في نوع من التعاطف، وشفقة عليهم، يأتون من بلاد إسلامية ويذهبون إلى الغرب، لأنه أهمل الإنسان في بلادهم أيما إهمال.

وفي المقابل لي أصدقاء أعزاء في لكسومبورج وهي دولة صغيرة لكنها من أغنى الدول في العالم، قبل 30 عاما ذهب هناك أحد الأصدقاء اسمه شمس الدين أفندي، لجأ فيها هو وأسرته، وكانت منطقة «سنجق» تابعة لصربيا التي انتزعتها من البوسنة قبل 100 سنة، فضُمت لصربيا قهرا في اتفاقية مؤتمر برلين في 1878م عندما اجتمعت القوى الاستعمارية الكبرى وهي إنجلترا وفرنسا والنمسا وإيطاليا، وكانت مملكة النمسا امبراطورية نمساوية هنجارية، واتفقوا على تقسيم العالم الإسلامي، فسلمت البوسنة إلى الامبراطورية النمساوية الهنجارية، وبمقتضى هذه الاتفاقية سلمت مصر إلى الاستعمار الإنجليزي، والفرنسيون جاءوا إلى بلاد الشام، فعندما بدأ الصرب الحرب على البوسنة أخبره أحدهم أن اسمه على قائمة الصرب ومطلوب قتله فورا وليس إلقاء القبض عليه، وقال له انج بنفسك، فاستطاع هو أن يهرب إلى مقدونيا ثم إلى تركيا ثم إلى ألمانيا ووصل إلى لكسنبورج، حيث كان له أخ هناك، وقد درس أولاده في هذه الدولة وأصبحت عندهم مشروعات عملاقة، لكنه لم يحصل على الجنسية وتوجد عنده إقامة دائمة أما أولاده فقد حصلوا على الجنسية، وجاء هو إلى صنجك التي تبعد 3000 كيلو متر عن لكسنبورج، وكانت توجد عنده مشاكل صحية حيث إنه يأخذ أدوية للقلب، فجاءته جلطة في القلب، فاتصل هو مباشرة إلى مركز تأمين صحي في لكسونبورج فأرسلوا له طائرة صغيرة مع فريق طبي متكامل وقطعت هذه الطائرة 3000 كيلو متر فأسعفوه في الطائرة وأرجعوه إلى لكسنبورج، مع أنه لا توجد عنده جنسية في لوكسنبورج وإنما مجرد إقامة دائمة، فانظر كيف أنهم يهتمون بالإنسان، بينما تنظر إلى القتل والفقر والجوع في الدول العربية، في حين أن طائفة توجد في أيديهم ثروات هائلة، ولا ينفقونها على بني وطنهم أو بني دينهم، فتجد أنه حال يؤسف عليه في تقدير الإنسان.

ما علاقة الإلحاد بالانتحار أنثروبولوجيا؟

الخالق سبحانه وتعالى أوجد الكون، وهذا الكون وجد من أجل الإنسان، ويوجد قوم ينكرون وجود الخالق، فنحن لا يمكن أن نرى الله بأعيننا في الدنيا وقد قال الله تعالى: «لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار»، وإنما وضع الله البصمات والآثار والعلامات والآيات الدالة على عظمته وحكمته في الكون الذي خلقه لأن الإنسان مشرف بالعقل يفكر به، فعندما يمشي الإنسان في الصحراء فهو يترك آثارا قبل أن تمحوها الرياح، وكما قالوا قديما البعرة تدل على البعيد والطريق يدل على المسير فكيف بسماء ذات أبراج وأرض ذات فجاج ألا يدل ذلك على اللطيف الخبير، فالإلحاد يودي إلى نتيجة وهي أن الحياة عبث، وهناك فلسفات وأيديولوجيات مثل الوجودية التي تبناها جان بول سارتر وحتى الكاتب الروسي دوستويفسكي، فهم ينكرون وجود الخالق وعندما تسألهم لماذا نعيش، يجيبونك: إن الحياة عبث، سواء كنت صالحا أو طالحا، فتعيش الآن هنا ومصيرك الموت، ولا يؤمنون بيوم الدينونة، ولكن الإنسان عندنا مشرف بالعقل، والعبثية لا يقبلها العقل البشري، فإنكار وجود الخالق يودي إلى العبث، فتصبح الحياة بدون هدف وبدون أمل فتؤدي هذه الأفكار إلى الانتحار، وهم في كتاباتهم يؤيدون ذلك، فبحسب أفكارهم أننا جئنا إلى هذه الدنيا التي يوجد فيها الكثير من الكذب والافتراء والغش والظلم، وهذه الآلام تنتهي بالانتحار.

فهذا له تعلق وطيد بعدم وجود هدف للحياة، ثم لماذا أكون صالحا حسب تفكيرهم، فكل شيء حلال، فعندهم فلسفة تقول: كل ما هو ممكن مباح، وطالما أنه ليس هناك قانون يجرم الفعل فهو مباح، فلذلك انتشرت معهم الممارسات الشاذة التي لا تقبل بها الفطرة السليمة، فانتشر عندهم سفاح القربى، وتبادل الزوجات، وهذا شائع عندهم، فهم توجد عندهم عدالة اجتماعية واهتمام بالإنسان ولكن بدون الوحي تجد أنهم لا يعيشون لهدف وغاية سامية، فهم مشبعون بالاحتياجات المادية بعيدا عن الاهتمام الحقيقي بالجانب الروحي، فإذا لم تصل لهم رسالة الإسلام بالطريقة الصحيحة، فهم يرون الخراب الذي لحق ببلاد المسلمين والدمار والحروب والقتل، وقصور في فهم الدين فسينفرون من هذا الدين الذي يرون نقيضه في الواقع، وكذلك أصيبوا بخيبة أمل من النصرانية المتعلقة بالأفكار الخاوية والتناقضات والخطيئة الأبدية، ولذلك تجد عندهم الكثير من حالات الانتحار.

ما أبرز الإشكالات عند المسلمين المعاصرين؟

مشكلة المسلمين المعاصرين سوء الفهم للعمل، فالبلدان الأخرى تقدمت من خلال جديتهم في العمل، وإتقانهم له، أما المسلمون فيوجد عندهم سطحية تجاه العمل، وأصبحت عندهم كلمة «إن شاء الله» معناها أن الأمر لا يحصل في غالب الأحيان، أما المسلمون في القديم عندما يقولون «إن شاء الله» فإنهم يقولونها وهم على يقين من حصول الأمر من خلال سعيهم الحثيث واجتهادهم في تحقيقه.

فلم تتقدم هذه الشعوب لأنها تمتلك فلسفة كبيرة وأيديولوجية متينة وإنما بجديتها في العمل، فالنبي صلـى الله عليه وسلم يقول: «إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه» المشكلة في المسلمين عدم الإتقان وعدم الإنتاج، وأصبحوا عالة على غيرهم، ومن المعروف أن الشعوب التي لا تنتج معظم طعامها، فإنها تكون تحت رحمة الآخرين، فإذا وقع حصار عليهم فهم لا يستطيعون أن يصبروا كثيرا لأنه لا يجدون ما يأكلونه، واعتمادهم على ما يصلهم من الخارج.

فالشعوب التي لا تنتج طعامها ولا تنتج دواءها ولا تنتج سلاحها، لا تملك قرارها، فهذه حقيقة لا غبار عليها، فمشكلة المجتمعات المسلمة أنها في الغالب الأعظم غير منتجة.

وهنالك مشكلة أخرى تتعلق بتوحيد الكلمة، والاعتزاز باللغة، فتوحيد الكلمة من الأنثروبولوجيا، فالشعوب الأوروبية التي أعيش بينها وأتحرك في دولها، مثل الألمان والإنجليز والفرنسيين والإيطاليين، وهم يحملون ديانات مختلفة، مثل الكاثوليكية، والأرثودوكسية، والبروستنتية، وهؤلاء البروستانت ينقسمون إلى عشرات الفرق وربما يصلون إلى مائة فرقة كل منها تكفر الأخرى، وهم من الناس المنحلين. وعندما كنت في ألمانيا، اطلعت على بيانات موثوقة صادرة من مراكز الدراسات أنه خلال الخمس عشرة سنة الأخيرة انسحب من الكنيسة حوالي 30 مليون ألماني، فهناك عندهم نظام يقوم على اتفاقية بين الكنيسة والدولة، فالذي يولد يعدونه نصرانيا، ومعناه أنه يذهب به إلى كنيسة ويعمد، وبعد أن يكبر ويعمل يخصم من راتبه مباشرة خمسة في المائة يذهب للكنيسة، وإذا لم يكن يريد ذلك فعليه أن يذهب إلى دائرة رسمية مخصصة ويشطب اسمه من النصرانية، وبذلك يخرج من النصرانية، فأكثرهم يصبحون «لا أدرية» «أجنوستيك»، وبعضهم يصبحون ملحدين، ولذلك يصبح هناك مجال واسع لدعوتهم إلى الإسلام، وقد كانت هناك حروب طاحنة بين النمساويين والإيطاليين والألمان والروس، والإنجليز والفرنسيين، وهناك كل قوم متشبثون بلغتهم، فمثلا دولة لكسونبورج يوجد بها نصف مليون نسمة فيها ثلاث لغات رسمية الألمانية والفرنسية التي يتحدث بها نصف السكان واللوكسمبورجية التي يتحدث بها النصف الآخر، ولذلك تجدهم متشبثين بلغتهم، يحافظون على لغتهم أيما حفاظ، ونحن نرى هنا في فنادق الدول الخليجية لو أن واحدا يجهل القدر الكافي من اللغة الإنجليزية فإنه يجد صعوبة في التفاهم مع طاقم الخدمة في تلك الفنادق، مع أن كلا الطرفين لا تعد اللغة الإنجليزية هي لغته الأم.

فيجب على الدول العربية أن تشترط على من يعمل فيها أن يعرف القدر الكافي من العربية، فإذا أهمل العرب اللغة العربية والأعاجم يأتون بكثرة فبعد 50 سنة قد تنقلب الأمور، لأن اللغة من الجهة الأنثروبولوجية، هي ليست فقط وسيلة للتواصل والخطاب، بقدر ما هي وسيلة للتفكير، فنحن نفكر على أساس اللغة، فأنا أنزعج عندما أجد إخوتي العرب يفعلون باللغة العربية هذا الأمر.
https://www.omandaily.om/إشراقات/na/صفوت-خليلوفيتش-الإنسان-جميل-بطريقة-فردانية-والعالم-المعاصر-يسعى-إلى-تنميط-الجمال

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.