رحيل مارك أوجيه…صانع التحوّل الجذري في الانثروبولوجيا

رحل الأنثروبولوجي والباحث الفرنسي مارك أوجيه(ولد في 2 سبتمبر 1935 في بواتييه)، وهو مدير الدراسات في مدرسة الدراسات العليا في العلوم الاجتماعية، وزوج الأنثروبولوجية النسوية فرانسواز هيريتير، وكان شخصية غير نمطية في العلوم الاجتماعية الناطقة بالفرنسية، دفعه فضوله إلى الاهتمام بالأشياء والتضاريس التي لم يتم دراستها كثيرًا: المقاهي، المترو… مدينة ديزني لاند للألعاب، وطقس امتطاء الدراجة الهوائية في الأوساط الحضرية. وهي تقريباً المواضيع التي عالجها باقتدار في مؤلفاته: «في المترو» (1986)، وفي «زيارة ثانية للمترو» (2008)، وفي «ديزني لاند ولا أماكن أخرى» (1997)، وكذلك «في مديح الدراجة» (2009)، وفي «يوميات شريد في المدينة» (2011)، وأيضاً «الأنثروبولوجي والعالم المعولَم» (2013).

صنع أوجيه تحوّلاً جذرياً على مستوى جغرافية البحث في الانثروبولوجيا، فما عاد البحث منشغلاً بالبدائي والبرّي وبالمجتمعات الراكدة، كما دأبت الدراسات التقليدية على ذلك؛ بل بات  منشغلاً بسكان باريس وروما ولندن وفرانكفورت وبيروت، بالمتخَمين بالتحضّر والتمدّن والواقعين رهن الآلة.

أوضح أوجيه في البداية، أنه جرت العادة أن يدرس علم الأنثروبولوجيا العلاقات الاجتماعية في مجموعة بشرية محدودة آخذاً في الاعتبار سياقها الجغرافي والتاريخي والسياسي، ولكن اليوم أصبح السياق كوكبياً وعولمياً.

قبل مائة عام فقط كان ثمة عالم أنثروبولوجيا يأتي من أوروبا ليجري دراساته على قرية آسيوية على سبيل المثال فنصبح هنا إزاء عالمين منفصلين، لكن الصورة اختلفت الآن حيث انتمينا كلنا للعالم نفسه تحت مظاهر عدة، وفي الوقت نفسه ينتمي «الملاحظ» من يجري الدراسة، أياً كان إلى من «يلاحظهم» ويصبح مواطناً مثلهم.

عرفنا أوجيه بالعربية من خلال كتبه الصغيرة الدسمة والمبسطة مثل “الزمن أطلالاً” و”اللا أمكنة” و”أنثروبولوجيا العوالم المعاصرة”… وغيرها الكثير في محاولة للبحث عن “المدينة الضائعة”؛ وهو قال يوماً “ينبغي أن نُحسِن النسيان كي نحافظ على وجودنا، وينبغي أن نحسن النسيان كي لا نفْنى، وينبغي أن نحسن النسيان كي نظلّ أوفياء”، صاغ عبارة “لا مكان” للإشارة إلى المساحات التي تمحى فيها اهتمامات العلاقات والتاريخ والهوية. من الأمثلة على عدم وجود مكان، طريق سريع أو غرفة فندق أو مطار أو سوبر ماركت.

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.