ما السبـيل إلى مجتمـع اللآعنف ؟

د.يـوسف عـنصر

جامـعة منتوري – قسنطينة – / الجزائر

مقدمــة

تعد ظاهرة العنف من أخطر الظواهر الاجتماعية المهددة لاستقرار الأمم و المجتمعات الإنسانية لما لها من آثار آنية و انعكاسات مستقبلية أصبحت تهدد حياة المجتمعات و الجماعات و الأفراد. إذا كان العنف ظاهرة منتشرة في كل المجتمعات الإنسانية فهي أيضا ملازمة لكل حياة اجتماعية كما أن للعنف درجات فقد يكون عنفا بسيطا أو حفيفا و قد يكون أكثر غلظة و قد يكون أكثر خطورة.

فهو يعني كل أشكال التطاول أو التعدي على حرية الآخرين، و هو سلوك عدواني بين طرفين متصارعين يهدف كل منهما إلى تحقيق مكاسب معينة أو تغيير وضع اجتماعي معين، و العنف هو وسيلة لا يقرها القانون، و كما هو واضح فإن من يستخدم العنف يكون غالبا الطرف الأضعف الذي يواجهه طرف آخر يملك السلطة.(محمد أحمد بيومي، ص100).

فقد يكون لفظيا، رمزيا أو ماديا… كما يمكن أن يكون فرديا أو جماعيا و يشمل كافة المجالات: المجال الأسري، الاجتماعي، التربوي، الرياضي، السياسي…

و قد أصبح الحديث عن”مجتمع المخاطرة”، مجتمع العنف، مجتمع اللآأمن يشكل موضوعا للكثير من المناقشات و المحاضرات و البحوث الأمنية، بل أصبح يشكل هاجسا لكل واحد منا للحد الذي أصبحنا فيه نخاف من كل جديد خوفا مرضيا Néophobie.

فما هي الوسائل الكفيلة ببلوغ مجتمع اللآعنف؟ هل يجوز لنا أن نطمح طموحا مشروعا لمجتمع أكثر سلمًا و إنسانية؟ لقد ظهر العنف في مختلف المجتمعات الإنسانية، فقد ظهر العنف في المجتمعات التقليدية، فالمتأمل لتاريخ البشرية يدرك أنه مليء بمظاهر العنف و الصراعات و الحروب و قد اتخذ العنف أشكالا مختلفة باختلاف المجتمعات و الثقافات، أما العنف في المجتمعات المعاصرة ونتيجة للتقدم العلمي و التكنولوجي و نتيجة للتطور و التقدم في مختلف مجالات الحياة الاجتماعية، فقد ظهرت أشكال جديدة للعنف ” تفنن” العقل البشري المبدع في تطوير تكنولوجيات عنف جديدة لم تكن معروفة من قبل. و قد ساهمة دول متطورة كثيرة في نشر العنف و الإرهاب و تسليطه على الشعوب الضعيفة بزعامة الو.م.أ. فالعنف و الظلم بدأ قديما باحتلال شعوب العالم واستغلال ثرواتهم و يظهر في الساحة الدولية ما يشهد العالم من عنف و ظلم و إرهاب فكيف نرى واقع الأمة في زمن العولمة و التكتلات و سيطرت منطق القوة. و ما حدث مؤخرا من عدوان همجي على غزة بفلسطين، و ما يحدث بالعراق و أماكن كثيرة من العالم لدليل على تفشي ظاهرة العنف و الظلم و الإرهاب الذي تدعمه الدول المتقدمة المدججة بمختلف و سائل التدمير. و قد عملت على استعمال أسلحة الدمار الشامل، و زرع الصراعات

العرقية و النزاعات الدينية. و قد شهدت أغلب دول العالم أزمات أمنية زعزعة استقرارها و أثرت سلبا عليها ذلك أن الأمن و الاستقرار عاملان أساسيان في تقدم و ازدهار الشعوب.

إن ما حدث في الجزائر في السنوات الأخيرة يجعل ظاهرة العنف ظاهرة مقلقة تسترعي اهتمام كافة أأفراد المجتمع، وقد باتت لا تشكل ظواهر فردية معزولة و لكنها تمثل ظواهر اجتماعية منتشرة       و تزداد انتشارا و تفاقما. لكن إذا تساءلنا عن سبب انتشار ظاهرة العنف بأشكاله المختلفة ببلادنا، فقد يقدم كل واحد منا إجابة من منظوره الخاص استنادا إلى خبرات و تجارب مر بها أو من خلال ما أوتي من قدرة على تفسير الأشياء و الحوادث و قدرته على إدراك العلاقات بينها. إلا أن التفسير العلمي لظاهرة العنف باعتبارها ظاهرة معقدة يتطلب القيام بدراسات علمية ميدانية متعمقة ترتكز على قدر كبير و الدقة و التعمق و الموضوعية في تفسيرها تأخذ بعين الاعتبار مختلف العوامل الاجتماعية و النفسية و الثقافية و الاقتصادية و السياسية. تتجلى أعراض العنف في سلوكات عديدة نذكر منها: الكذب و السرقة، التمرد، حدة الطبع و الانفعال، التخريب و الشغب، الشعور بالرفض و الحرمان، نقص الحب و تهديد الأمن، الشعور بالنقص في الأسرة و المدرسة، تعاطي المخدرات و التجارة بها، عدم الرضا، اللامبالاة، الغضب، عدم الاعتراف بالحقوق التمييز العنصري، التعدي و التهميش، عدم احترام و رفض الآخرين.(عبد الرحمن عيسوي، ص20).

و يتخذ العنف أشكالا منها العنف الجسدي و النفسي، اللفظي… و يمكن القول أن انتشار ظاهرة العنف يرتبط ارتباطا وثيقا بمختلف مؤسسات التنشئة الاجتماعية و تعد الأسرة أولى هذه المؤسسات و أهمها حيث يتم تحت رعايتها نشأة الفرد من الصفر حتى يصبح مسؤولا يعتمد عليه و يكون ذلك من خلال:

  1. ضبط السلوك.
  2. اكتساب المعايير الاجتماعية.
  3. اكتساب المراكز الاجتماعية.
  4. اكتساب الأدوار الاجتماعية.

(محمد عرفات الشرايعة، ص10)

لذلك تلعب الأسرة دورا هاما في غرس القيم النبيلة و احترام الآخر، الأخوة و حب الوطن و غيرها من القيم التي يتعلمها الفرد داخل أسرته و التي تجعل منه مواطنا صالحا يحب الآخرين و يعاملهم بالحسن و يستخدم الوسائل المشروعة و تبتعد عن كافة السلوكات التي تلحق الأذى بالآخرين أو الضرر بالآخرين. أما إذا أخلت الأسرة بأداء واجباتها و أصبحت تساهم في نشر ثقافة العنف “فمن يصلح الملح إذا الملح فسد؟” إذا أبتت دراسات و بحوث عديدة الدور الهام الذي يقوم به الوالدان في نشر ثقافة السلم و الأخوة و المحبة و احترام الآخر أو في نشر العنف و التعدي على حقوق و حريات الغير. كما ورد في السنة الصحيحة أن الطفل يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه.   لذلك فإن مسؤولية الأسرة كبيرة في هذا المجال وقد أشارت بعض الدراسات إلى أثر إساءة المعاملة على سلوك الأطفال فيما يلي:

  • إن الطفل المساء إليه يكون قلقا، مضطربا و شديد التعلق بوالديه.
  • القيام بأنواع مختلفة من الشذوذ قد يصل إلى درجة السلوك العدواني ليلفت الانتباه أو القيام بسلوك يتميز بالمقاومة و العناد و الثورة.
  • في حالات أخرى قد يعرض الطفل المنبوذ نفسه للجروح(عدوان موجه نحو الذات) ليلفت إليه الانتباه.
  • القيام بسلوك يدل على حقد الأطفال على البيئة المحيطة بهم و نجدهم يسببون مشاكل عديدة لأنفسهم و المحيطين بهم.(حسن مصطفى عبد المعطي، ص57).

كما أن الأسرة تلعب دورا كبيرا في محاربة إدمان المخدرات و الانحرافات السلوكية و الوقاية منها. ثم تأتي المدرسة لتساهم بدورها في التنشئة الاجتماعية و التربية و التعليم و لاشك في أن ما يتعلمه التلميذ في المدرسة يسهم في تشكيل شخصيته. لذلك فإن المدرسة تلعب دورا هاما في تكوين الأجيال و تربيتهم على السلوك القويم و الانضباط و الثقة بالنفس و غرس مختلف القيم النبيلة و التي من بينها محاربة كل أشكال العنف و التعدي على الآخرين و نشر قيم التسامح و الأخوة و السلم. أما إذا أصبحت المدرسة فضاءا لممارسة العنف أو تعلمه فإن هذا يزيد من تعقيد الأمور و انتشار السلوكات السلبية التي يرفضها المجتمع.

غير بعيد عما يحدث داخل الأسرة و المدرسة، تلعب وسائل الإعلام المختلفة دورا هاما في نشر ثقافة اللآعنف، أو دورا خطير في نشر العنف بأشكاله المختلفة.

و تعد البرامج التلفزيونية من أهم وسائل الإعلام الذي يمكن من خلال برامجه إرساء قواعد الألفة و المحبة بين الأفراد و ينتمي الحوار الاجتماعي و يعمق الانتماء الاجتماعي بين المشاهدين و مجتمعهم الذين يعيشون فيه، و تكون هذه البرامج أكثر تأثيرا على الأطفال لصغر سنهم. كذلك “يؤخذ على بعض البرامج التي تسترعي انتباه الأطفال تلك المعدة للكبار، التي تؤثر بشكل كبير في ميول الأطفال و نفسيتهم، و ب

خاصة ما تثيره من رعب وعنف، و مما قد يتسبب في غرس السلوك العدواني عندهم، و ذلك لما يترسب عند الأطفال لدى مشاهدتهم المسلسلات التي تعتمد على العنف و الجريمة في محتواها”

(عبد الفتاح أبو معال، ص112).

و لا يخفى على أحد منا أن كثيرا من الأفلام و المسلسلات و حتى الرسوم المتحركة يعمل على نشر العنف بطريقة مقصودة أو غير مقصودة كتلك التي تقوم على فنون القتال، الحرب، المخدرات، الاعتداءات و غيرها من مشاهد العنف.

و قد زاد تأثير وسائل الإعلام نتيجة للثورة الإعلامية التي بدأت تظهر نتائجها الآن في الاتصال و الأقمار التي تجوب الفضاء الخارجي، و شبكات المعلومات       Web, E-mail, Internet

ونظام الإعلام الشامل Multimédia…الخ. كل ذلك يساهم في خلق أو إنتاج محيط و بيئة إعلامية ذات أبعاد اجتماعية و ثقافية لم تكن معهودة من قبل.(حميد جاعد محسن الدليمي، ص41).

و من أجل مواجهة هذه الآثار السلبية تقترح إحدى الباحثات التوجيهات المهمة الآتية:

  1. ضرورة أن يشترك الأهل و يتدخلون في كيفية تعرض أبنائهم لوسائل الإعلام.
  2. تحديد أوقات محددة لمشاهدة التلفزيون.
  3. لا بد من أن تقوم وسائل الإعلام بمراقبة نوعية الأفلام التي تعرض و القنوات الفضائية التي يشاهدها الأحداث.
  4. تكوين لجنة رقابة مختصة بمراجعة الأفلام التي تعرض في التلفزيون المحلى بطريقة دقيقة و تحليلها تربويا ونفسيا و اجتماعيا.
  5. زيادة اهتمام وسائل الإعلام بالبرامج التي تقوى القيم العربية و الإسلامية و تؤيد قيم الآباء و الأجداد و تعمل على غرسها في عقول الأطفال من خلال وسائل الإعلام المختلفة.

(أماني عمر الحسيني، ص134).

لقد تساءل تشارلز رايت    Charles R. Wright في بحث له بعنوان “الإعلام رؤية اجتماعية” هل صحيح أن العنف و الجريمة التي تعرض في الأفلام و على شاشة التلفزيون من الممكن أن تضر الأطفال بأن تصبغ سلوكهم بالعنف و العدوان لحد قد يصل إلى الوقوع في الجريمة؟ و تشرح هذه الدراسة أن التأثر بالعنف التلفزيوني قد تم إقراره في عدد من الدراسات ولكن يرى الباحث هنا أن هذا التأثير يقع بدرجات وصور مختلفة على الأشخاص الموجودين في ظروف مختلفة. بمعنى أن الطفل العادي الذي يعيش حياة طبيعية قد لا يتأثر بما شاهد من العنف، في حين يتأثر بشدة طفل آخر في ظروف غير عادية و يعني من اضطراب نفسي و من حقد على من حوله، مثل هذا الطفل، طبقا لهذه النظرية ذو استعداد مسبق ليصبح عدوانيا. و هكذا فإن عملية تأثير العنف التلفزيوني يلزمها أيضا توفر ضروف معينة في البيئة التي يعيش بها الطفل.(أماني عمر الحسيني، ص135).

من جهة أخرى أصبح كثير من مشاهد العنف يمارس يوميا في مجتمعنا، في شوارعنا و أسواقنا، و لا يخفى على أحد مختلف    مشاهد هذا العنف التي تظهر في سرقة السيارات، الحقائب، الهواتف النقالة، جيوب المواطنين، بالإضافة إلى حالات كثيرة من المشاجرات و الخلافات التي تحدث لأسباب مبررة أو لأسباب تافهة في كثير من الحالات.

لقد ساهم في انتشار مثل هذه المشاهد العنيفة توفر أسواقنا على مختلف أنواع الأسلحة البيضاء من خناجر و سكاكين و قنابل مسيلة للدموع و أحدث وسائل الدفاع الذاتي التي أصبحت تستعمل لممارسة العنف ضد الآخرين.

وقد زاد الطين بله انتشار ظاهرة انتشار ظاهرة تعاطي المخدرات و تناول الخمور و المسكرات هذه الآفات المهددة للعالم بأسره. و تشير هذه الأرقام المخيفة المتضمنة في الجدول الآتي كمية الموارد المخدرة المضبوطة في العالم:

العقار 1983

(طن)

1984

(طن)

1985

(طن)

1990

(طن)

1995

(طن)

الحشيش 12000 26000 7000 12800 11650
الهيروين 12 11 14 18 24
الكوكايين 41 59 56 77 69
الأفيون 83 89 16 44 51

(محمد أحمد مشا قبة، ص27).

في مجال تعاطي المخدرات في الجزائر ليست لدينا أرقام مضبوطة حول حجم الظاهرة، لكن ما تبثه وسائل الإعلام المختلفة و لاسيما الجرائد اليومية و أخبار المحاكم تشير إلى ضرورة دق ناقوس الخطر و أننا أمام مشكلة حقيقية ينبغي اتخاذ الإجراءات الضرورية قبل فوات الأوان.

و لاشك أن الوقاية من مختلف الآفات الاجتماعية مسؤولية الجميع انطلاقا من الأسرة و مسؤولية الوالدين على وجه الخصوص في الوقاية و التحذير من خطورتها و الابتعاد عن كل ما من شأنه أن يدعو أو يشجع على الانحراف، و استعمال العنف و الوسائل غير المشروعة في الحياة الاجتماعية.

من جهتها تساهم المدرسة في تدعيم ما تلقاه الأطفال من تنشئة اجتماعية في الأسرة، و ذلك بمحاربة كل أشكال العنف و العمل على غرس القيم الدينية و الإنسانية المشجعة على إحلال الأمن والسلم و الأخوة و احترام الآخر.

في مجال الإعلام يمكن أن تستخدم وسائل الإعلام المختلفة المرئية و المسموعة و المكتوبة و الرقمية في محاربة ظاهرة العنف، وذلك بإعداد برامج خاصة بهذا الشأن تتناول خطورة الظاهر، كيفية الوقاية منها وسبل العلاج و ذلك بمشاركة الجميع.

إن العنف باعتباره تجاوزا و اعتداءا على حرية الآخرين و أمنهم تدينه مختلف القوانين لذلك يبقى الردع القانوني هو أنجع وسيلة لمحاربة و معاقبة كل من يستعمل العنف و الوسائل غير المشروعة اجتماعيا و قانونيا ودينيا. و هذا لايتم تحقيقه إلا بتظافر جهود الجميع و لاسيما أجهزة الأمن و مصالح الدرك الوطني و مختلف مؤسسات الدولة. و لما كان القانون يتضمن العقوبات فإنه يكون عاملا مانعا عن الانحراف و له فاعلية في ظل أربعة شروط هـي:

  1. أن يكون العقاب قاسيا بدرجة كافية ليعيد التوازن بهدف الوصول إلى الامتثال.
  2. أن يكون مباشرا و فوريا بدرجة كافية ليربط في الأذهان العلاقة الوثيقة بين العقاب و الانحراف.
  3. أن يكون واحدا نسبيا. بمعنى أن يطبق على جميع الأشخاص الذين يرتكبون انحرافا معينا.
  4. أن يكون مؤكدا و موثوقا به لتصبح للشروط الأخرى فاعلية محققة.

و لما كانت هذه الشروط متساندة فإن تطبيقها يتوقف على اعتبارات متعددة يتعلق بعضها بالقيم. فإنه من الصعب أن تحدد الفاعلية النسبية لأي منها أو إمكان تطبيقها جميعا إلى أقصى درجة من درجات الكفاية.(معن خليل عمر، ص181).

استنادا إلى ما مر معناه فإن الطموح إلى المجتمع اللآعنف مشروع و ممكن التحقيق و ذلك بـ:

أولاً:

تحصين المجتمع من خطر “الغزو الفكري الجديد” المتمثل في عولمة القيم و نشر قيم جديدة مضللة، و منها عولمة العنف و إظهار أن ما تقوم به الو.م.أ USA  و إسرائيل دفاعا عن النفس وأن ما يقوم به غيرهم عنف و إرهاب. و تساهم التربية في مختلف أطوارها في تعليم و توعية المواطن ليصبح إنسانا يميز بين الإرهاب باعتباره سلبا للأمان و بين العنف المسلح من أجل تحرير الوطن.

ثانيا:

على الأسرة أن تتحمل مسؤوليتها الكاملة في تنشئة أبنائها و عدم التخلي عنها مهما كانت الأسباب لأنها مسؤولية دينية و دنيوية فكلنا راع و كل مسؤول عن رعيته و أن نشر ثقافة السلم و الأخوة و الإنسانية مسؤولية الجميع.

ثالثا:

أن تقوم المدرسة برسالتها في مجال التربية و التعليم و العمل على نشر قيم التسامح و الأخلاق الحميدة و محاربة كل أنواع العنف في المدرسة و الملاعب و الشارع و في كل شبر من ربوع الوطن.

رابعا:

أن تقوم المساجد بالدور المنوط بها في نشر القيم الإسلامية و التعاليم الدينية الصحيحة و أن الإسلام بريء من العنف و الإرهاب، الذي يريد أعداء الدين إلصاقه به.

خامسا:

أن تلعب وسائل الإعلام المختلفة دورها الكامل في محاربة كل أشكال العنف و إدانتها و التركيز على عوامل و مقومات الوحدة و الإنسجام.

سادسا:

تطبيق القوانين و ذلك بتسليط العقوبة على الذين يستعملون العنف و الوسائل غير المشروعة و تطبيق القانون و ذلك باتخاذ كافة الإجراءات لفرض العقوبات الرادعة على السلوك العدواني مع جعل القانون  فوق الجميع و ذلك بمساعدة مختلف أجهزة الأمن و الدرك الوطني و مجالس القضاء…

سابعا:

العمل على تجسيد السلم و الأمن و اللآعنف على واقع مجتمعنا و هو مسؤولية الجميع: مؤسسات تنشئة اجتماعية، مؤسسات تربوية و إعلامية، مؤسسات حكومية و جمعيات وطنية و محلية

و لجان أحياء و أن يؤمن الجميع بأننا نعيش دولة واحدة يجمعنا الدين الواحد و اللغة الواحدة و القيم

و العادات المشتركة و أن العنف ليس شعارنا و أن محاربته واجبنا و أن مجتمع اللآعنف غايتنا و أن مصيرنا مشترك و أن مستقبلنا زاهر بإذن الله و عونه و بإرادة و عزيمة أبناء وطننا الحبيب.

المراجــع:

  1. محمد أحمد بيومي: ظاهرة العنف الأسباب و العلاج، دار المعرفة الإسكندرية 1992.
  2. عبد الرحمان عيسوي: بسيكولوجية الطفولة، و المراهقة، دار النهضة العربية للطباعة والنشر، بيروت1997.
  3. محمد عرفات الشرايعة: التنشئة الاجتماعية، دار يافا العلمية و دار مكين عمان الأردن2006.
  4. حسين مصطفى عبد المعطي: الأسرة و مشكلات الأبناء، دار السحاب للنشر و التوزيع، القاهرة2004.
  5. عبد الفتاح أبو معال: أثر وسائل الإعلام على تعليم الأطفال و تثقيفهم، دار الشروق للنشر و التوزيع، عمان، الأردن2006.
  6. حميد جاعد محسن الدليمي: علم اجتماع الإعلام رؤية سوسيولوجية مستقلة، دار الشروق، عمان، الأردن2006.
  7. أماني عمر الحسيني: الإعلام و المجتمع، عالم الكتب، القاهرة 2005.
  8. محمد أحمد مشاقبـة: الإدمان على المخدرات، الإرشاد و العلاج النفسي، دار الشروق للنشر و التوزيع، عمان، الأردن2007.
  9. معن خليل عمر: الضبط الاجتماعي، دار الشروق للنشر و التوزيع، عمان، الأردن2006.

اللآعنف ؟

د.يـوسف عـنصر

جامـعة منتوري – قسنطينة – / الجزائر

مقدمــة

تعد ظاهرة العنف من أخطر الظواهر الاجتماعية المهددة لاستقرار الأمم و المجتمعات الإنسانية لما لها من آثار آنية و انعكاسات مستقبلية أصبحت تهدد حياة المجتمعات و الجماعات و الأفراد. إذا كان العنف ظاهرة منتشرة في كل المجتمعات الإنسانية فهي أيضا ملازمة لكل حياة اجتماعية كما أن للعنف درجات فقد يكون عنفا بسيطا أو حفيفا و قد يكون أكثر غلظة و قد يكون أكثر خطورة.

فهو يعني كل أشكال التطاول أو التعدي على حرية الآخرين، و هو سلوك عدواني بين طرفين متصارعين يهدف كل منهما إلى تحقيق مكاسب معينة أو تغيير وضع اجتماعي معين، و العنف هو وسيلة لا يقرها القانون، و كما هو واضح فإن من يستخدم العنف يكون غالبا الطرف الأضعف الذي يواجهه طرف آخر يملك السلطة.(محمد أحمد بيومي، ص100).

فقد يكون لفظيا، رمزيا أو ماديا… كما يمكن أن يكون فرديا أو جماعيا و يشمل كافة المجالات: المجال الأسري، الاجتماعي، التربوي، الرياضي، السياسي…

و قد أصبح الحديث عن”مجتمع المخاطرة”، مجتمع العنف، مجتمع اللآأمن يشكل موضوعا للكثير من المناقشات و المحاضرات و البحوث الأمنية، بل أصبح يشكل هاجسا لكل واحد منا للحد الذي أصبحنا فيه نخاف من كل جديد خوفا مرضيا Néophobie.

فما هي الوسائل الكفيلة ببلوغ مجتمع اللآعنف؟ هل يجوز لنا أن نطمح طموحا مشروعا لمجتمع أكثر سلمًا و إنسانية؟ لقد ظهر العنف في مختلف المجتمعات الإنسانية، فقد ظهر العنف في المجتمعات التقليدية، فالمتأمل لتاريخ البشرية يدرك أنه مليء بمظاهر العنف و الصراعات و الحروب و قد اتخذ العنف أشكالا مختلفة باختلاف المجتمعات و الثقافات، أما العنف في المجتمعات المعاصرة ونتيجة للتقدم العلمي و التكنولوجي و نتيجة للتطور و التقدم في مختلف مجالات الحياة الاجتماعية، فقد ظهرت أشكال جديدة للعنف ” تفنن” العقل البشري المبدع في تطوير تكنولوجيات عنف جديدة لم تكن معروفة من قبل. و قد ساهمة دول متطورة كثيرة في نشر العنف و الإرهاب و تسليطه على الشعوب الضعيفة بزعامة الو.م.أ. فالعنف و الظلم بدأ قديما باحتلال شعوب العالم واستغلال ثرواتهم و يظهر في الساحة الدولية ما يشهد العالم من عنف و ظلم و إرهاب فكيف نرى واقع الأمة في زمن العولمة و التكتلات و سيطرت منطق القوة. و ما حدث مؤخرا من عدوان همجي على غزة بفلسطين، و ما يحدث بالعراق و أماكن كثيرة من العالم لدليل على تفشي ظاهرة العنف و الظلم و الإرهاب الذي تدعمه الدول المتقدمة المدججة بمختلف و سائل التدمير. و قد عملت على استعمال أسلحة الدمار الشامل، و زرع الصراعات

العرقية و النزاعات الدينية. و قد شهدت أغلب دول العالم أزمات أمنية زعزعة استقرارها و أثرت سلبا عليها ذلك أن الأمن و الاستقرار عاملان أساسيان في تقدم و ازدهار الشعوب.

إن ما حدث في الجزائر في السنوات الأخيرة يجعل ظاهرة العنف ظاهرة مقلقة تسترعي اهتمام كافة أأفراد المجتمع، وقد باتت لا تشكل ظواهر فردية معزولة و لكنها تمثل ظواهر اجتماعية منتشرة       و تزداد انتشارا و تفاقما. لكن إذا تساءلنا عن سبب انتشار ظاهرة العنف بأشكاله المختلفة ببلادنا، فقد يقدم كل واحد منا إجابة من منظوره الخاص استنادا إلى خبرات و تجارب مر بها أو من خلال ما أوتي من قدرة على تفسير الأشياء و الحوادث و قدرته على إدراك العلاقات بينها. إلا أن التفسير العلمي لظاهرة العنف باعتبارها ظاهرة معقدة يتطلب القيام بدراسات علمية ميدانية متعمقة ترتكز على قدر كبير و الدقة و التعمق و الموضوعية في تفسيرها تأخذ بعين الاعتبار مختلف العوامل الاجتماعية و النفسية و الثقافية و الاقتصادية و السياسية. تتجلى أعراض العنف في سلوكات عديدة نذكر منها: الكذب و السرقة، التمرد، حدة الطبع و الانفعال، التخريب و الشغب، الشعور بالرفض و الحرمان، نقص الحب و تهديد الأمن، الشعور بالنقص في الأسرة و المدرسة، تعاطي المخدرات و التجارة بها، عدم الرضا، اللامبالاة، الغضب، عدم الاعتراف بالحقوق التمييز العنصري، التعدي و التهميش، عدم احترام و رفض الآخرين.(عبد الرحمن عيسوي، ص20).

و يتخذ العنف أشكالا منها العنف الجسدي و النفسي، اللفظي… و يمكن القول أن انتشار ظاهرة العنف يرتبط ارتباطا وثيقا بمختلف مؤسسات التنشئة الاجتماعية و تعد الأسرة أولى هذه المؤسسات و أهمها حيث يتم تحت رعايتها نشأة الفرد من الصفر حتى يصبح مسؤولا يعتمد عليه و يكون ذلك من خلال:

  1. ضبط السلوك.
  2. اكتساب المعايير الاجتماعية.
  3. اكتساب المراكز الاجتماعية.
  4. اكتساب الأدوار الاجتماعية.

(محمد عرفات الشرايعة، ص10)

لذلك تلعب الأسرة دورا هاما في غرس القيم النبيلة و احترام الآخر، الأخوة و حب الوطن و غيرها من القيم التي يتعلمها الفرد داخل أسرته و التي تجعل منه مواطنا صالحا يحب الآخرين و يعاملهم بالحسن و يستخدم الوسائل المشروعة و تبتعد عن كافة السلوكات التي تلحق الأذى بالآخرين أو الضرر بالآخرين. أما إذا أخلت الأسرة بأداء واجباتها و أصبحت تساهم في نشر ثقافة العنف “فمن يصلح الملح إذا الملح فسد؟” إذا أبتت دراسات و بحوث عديدة الدور الهام الذي يقوم به الوالدان في نشر ثقافة السلم و الأخوة و المحبة و احترام الآخر أو في نشر العنف و التعدي على حقوق و حريات الغير. كما ورد في السنة الصحيحة أن الطفل يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه.   لذلك فإن مسؤولية الأسرة كبيرة في هذا المجال وقد أشارت بعض الدراسات إلى أثر إساءة المعاملة على سلوك الأطفال فيما يلي:

  • إن الطفل المساء إليه يكون قلقا، مضطربا و شديد التعلق بوالديه.
  • القيام بأنواع مختلفة من الشذوذ قد يصل إلى درجة السلوك العدواني ليلفت الانتباه أو القيام بسلوك يتميز بالمقاومة و العناد و الثورة.
  • في حالات أخرى قد يعرض الطفل المنبوذ نفسه للجروح(عدوان موجه نحو الذات) ليلفت إليه الانتباه.
  • القيام بسلوك يدل على حقد الأطفال على البيئة المحيطة بهم و نجدهم يسببون مشاكل عديدة لأنفسهم و المحيطين بهم.(حسن مصطفى عبد المعطي، ص57).

كما أن الأسرة تلعب دورا كبيرا في محاربة إدمان المخدرات و الانحرافات السلوكية و الوقاية منها. ثم تأتي المدرسة لتساهم بدورها في التنشئة الاجتماعية و التربية و التعليم و لاشك في أن ما يتعلمه التلميذ في المدرسة يسهم في تشكيل شخصيته. لذلك فإن المدرسة تلعب دورا هاما في تكوين الأجيال و تربيتهم على السلوك القويم و الانضباط و الثقة بالنفس و غرس مختلف القيم النبيلة و التي من بينها محاربة كل أشكال العنف و التعدي على الآخرين و نشر قيم التسامح و الأخوة و السلم. أما إذا أصبحت المدرسة فضاءا لممارسة العنف أو تعلمه فإن هذا يزيد من تعقيد الأمور و انتشار السلوكات السلبية التي يرفضها المجتمع.

غير بعيد عما يحدث داخل الأسرة و المدرسة، تلعب وسائل الإعلام المختلفة دورا هاما في نشر ثقافة اللآعنف، أو دورا خطير في نشر العنف بأشكاله المختلفة.

و تعد البرامج التلفزيونية من أهم وسائل الإعلام الذي يمكن من خلال برامجه إرساء قواعد الألفة و المحبة بين الأفراد و ينتمي الحوار الاجتماعي و يعمق الانتماء الاجتماعي بين المشاهدين و مجتمعهم الذين يعيشون فيه، و تكون هذه البرامج أكثر تأثيرا على الأطفال لصغر سنهم. كذلك “يؤخذ على بعض البرامج التي تسترعي انتباه الأطفال تلك المعدة للكبار، التي تؤثر بشكل كبير في ميول الأطفال و نفسيتهم، و ب

خاصة ما تثيره من رعب وعنف، و مما قد يتسبب في غرس السلوك العدواني عندهم، و ذلك لما يترسب عند الأطفال لدى مشاهدتهم المسلسلات التي تعتمد على العنف و الجريمة في محتواها”

(عبد الفتاح أبو معال، ص112).

و لا يخفى على أحد منا أن كثيرا من الأفلام و المسلسلات و حتى الرسوم المتحركة يعمل على نشر العنف بطريقة مقصودة أو غير مقصودة كتلك التي تقوم على فنون القتال، الحرب، المخدرات، الاعتداءات و غيرها من مشاهد العنف.

و قد زاد تأثير وسائل الإعلام نتيجة للثورة الإعلامية التي بدأت تظهر نتائجها الآن في الاتصال و الأقمار التي تجوب الفضاء الخارجي، و شبكات المعلومات       Web, E-mail, Internet

ونظام الإعلام الشامل Multimédia…الخ. كل ذلك يساهم في خلق أو إنتاج محيط و بيئة إعلامية ذات أبعاد اجتماعية و ثقافية لم تكن معهودة من قبل.(حميد جاعد محسن الدليمي، ص41).

و من أجل مواجهة هذه الآثار السلبية تقترح إحدى الباحثات التوجيهات المهمة الآتية:

  1. ضرورة أن يشترك الأهل و يتدخلون في كيفية تعرض أبنائهم لوسائل الإعلام.
  2. تحديد أوقات محددة لمشاهدة التلفزيون.
  3. لا بد من أن تقوم وسائل الإعلام بمراقبة نوعية الأفلام التي تعرض و القنوات الفضائية التي يشاهدها الأحداث.
  4. تكوين لجنة رقابة مختصة بمراجعة الأفلام التي تعرض في التلفزيون المحلى بطريقة دقيقة و تحليلها تربويا ونفسيا و اجتماعيا.
  5. زيادة اهتمام وسائل الإعلام بالبرامج التي تقوى القيم العربية و الإسلامية و تؤيد قيم الآباء و الأجداد و تعمل على غرسها في عقول الأطفال من خلال وسائل الإعلام المختلفة.

(أماني عمر الحسيني، ص134).

لقد تساءل تشارلز رايت    Charles R. Wright في بحث له بعنوان “الإعلام رؤية اجتماعية” هل صحيح أن العنف و الجريمة التي تعرض في الأفلام و على شاشة التلفزيون من الممكن أن تضر الأطفال بأن تصبغ سلوكهم بالعنف و العدوان لحد قد يصل إلى الوقوع في الجريمة؟ و تشرح هذه الدراسة أن التأثر بالعنف التلفزيوني قد تم إقراره في عدد من الدراسات ولكن يرى الباحث هنا أن هذا التأثير يقع بدرجات وصور مختلفة على الأشخاص الموجودين في ظروف مختلفة. بمعنى أن الطفل العادي الذي يعيش حياة طبيعية قد لا يتأثر بما شاهد من العنف، في حين يتأثر بشدة طفل آخر في ظروف غير عادية و يعني من اضطراب نفسي و من حقد على من حوله، مثل هذا الطفل، طبقا لهذه النظرية ذو استعداد مسبق ليصبح عدوانيا. و هكذا فإن عملية تأثير العنف التلفزيوني يلزمها أيضا توفر ضروف معينة في البيئة التي يعيش بها الطفل.(أماني عمر الحسيني، ص135).

من جهة أخرى أصبح كثير من مشاهد العنف يمارس يوميا في مجتمعنا، في شوارعنا و أسواقنا، و لا يخفى على أحد مختلف    مشاهد هذا العنف التي تظهر في سرقة السيارات، الحقائب، الهواتف النقالة، جيوب المواطنين، بالإضافة إلى حالات كثيرة من المشاجرات و الخلافات التي تحدث لأسباب مبررة أو لأسباب تافهة في كثير من الحالات.

لقد ساهم في انتشار مثل هذه المشاهد العنيفة توفر أسواقنا على مختلف أنواع الأسلحة البيضاء من خناجر و سكاكين و قنابل مسيلة للدموع و أحدث وسائل الدفاع الذاتي التي أصبحت تستعمل لممارسة العنف ضد الآخرين.

وقد زاد الطين بله انتشار ظاهرة انتشار ظاهرة تعاطي المخدرات و تناول الخمور و المسكرات هذه الآفات المهددة للعالم بأسره. و تشير هذه الأرقام المخيفة المتضمنة في الجدول الآتي كمية الموارد المخدرة المضبوطة في العالم:

العقار 1983

(طن)

1984

(طن)

1985

(طن)

1990

(طن)

1995

(طن)

الحشيش 12000 26000 7000 12800 11650
الهيروين 12 11 14 18 24
الكوكايين 41 59 56 77 69
الأفيون 83 89 16 44 51

(محمد أحمد مشا قبة، ص27).

في مجال تعاطي المخدرات في الجزائر ليست لدينا أرقام مضبوطة حول حجم الظاهرة، لكن ما تبثه وسائل الإعلام المختلفة و لاسيما الجرائد اليومية و أخبار المحاكم تشير إلى ضرورة دق ناقوس الخطر و أننا أمام مشكلة حقيقية ينبغي اتخاذ الإجراءات الضرورية قبل فوات الأوان.

و لاشك أن الوقاية من مختلف الآفات الاجتماعية مسؤولية الجميع انطلاقا من الأسرة و مسؤولية الوالدين على وجه الخصوص في الوقاية و التحذير من خطورتها و الابتعاد عن كل ما من شأنه أن يدعو أو يشجع على الانحراف، و استعمال العنف و الوسائل غير المشروعة في الحياة الاجتماعية.

من جهتها تساهم المدرسة في تدعيم ما تلقاه الأطفال من تنشئة اجتماعية في الأسرة، و ذلك بمحاربة كل أشكال العنف و العمل على غرس القيم الدينية و الإنسانية المشجعة على إحلال الأمن والسلم و الأخوة و احترام الآخر.

في مجال الإعلام يمكن أن تستخدم وسائل الإعلام المختلفة المرئية و المسموعة و المكتوبة و الرقمية في محاربة ظاهرة العنف، وذلك بإعداد برامج خاصة بهذا الشأن تتناول خطورة الظاهر، كيفية الوقاية منها وسبل العلاج و ذلك بمشاركة الجميع.

إن العنف باعتباره تجاوزا و اعتداءا على حرية الآخرين و أمنهم تدينه مختلف القوانين لذلك يبقى الردع القانوني هو أنجع وسيلة لمحاربة و معاقبة كل من يستعمل العنف و الوسائل غير المشروعة اجتماعيا و قانونيا ودينيا. و هذا لايتم تحقيقه إلا بتظافر جهود الجميع و لاسيما أجهزة الأمن و مصالح الدرك الوطني و مختلف مؤسسات الدولة. و لما كان القانون يتضمن العقوبات فإنه يكون عاملا مانعا عن الانحراف و له فاعلية في ظل أربعة شروط هـي:

  1. أن يكون العقاب قاسيا بدرجة كافية ليعيد التوازن بهدف الوصول إلى الامتثال.
  2. أن يكون مباشرا و فوريا بدرجة كافية ليربط في الأذهان العلاقة الوثيقة بين العقاب و الانحراف.
  3. أن يكون واحدا نسبيا. بمعنى أن يطبق على جميع الأشخاص الذين يرتكبون انحرافا معينا.
  4. أن يكون مؤكدا و موثوقا به لتصبح للشروط الأخرى فاعلية محققة.

و لما كانت هذه الشروط متساندة فإن تطبيقها يتوقف على اعتبارات متعددة يتعلق بعضها بالقيم. فإنه من الصعب أن تحدد الفاعلية النسبية لأي منها أو إمكان تطبيقها جميعا إلى أقصى درجة من درجات الكفاية.(معن خليل عمر، ص181).

استنادا إلى ما مر معناه فإن الطموح إلى المجتمع اللآعنف مشروع و ممكن التحقيق و ذلك بـ:

أولاً:

تحصين المجتمع من خطر “الغزو الفكري الجديد” المتمثل في عولمة القيم و نشر قيم جديدة مضللة، و منها عولمة العنف و إظهار أن ما تقوم به الو.م.أ USA  و إسرائيل دفاعا عن النفس وأن ما يقوم به غيرهم عنف و إرهاب. و تساهم التربية في مختلف أطوارها في تعليم و توعية المواطن ليصبح إنسانا يميز بين الإرهاب باعتباره سلبا للأمان و بين العنف المسلح من أجل تحرير الوطن.

ثانيا:

على الأسرة أن تتحمل مسؤوليتها الكاملة في تنشئة أبنائها و عدم التخلي عنها مهما كانت الأسباب لأنها مسؤولية دينية و دنيوية فكلنا راع و كل مسؤول عن رعيته و أن نشر ثقافة السلم و الأخوة و الإنسانية مسؤولية الجميع.

ثالثا:

أن تقوم المدرسة برسالتها في مجال التربية و التعليم و العمل على نشر قيم التسامح و الأخلاق الحميدة و محاربة كل أنواع العنف في المدرسة و الملاعب و الشارع و في كل شبر من ربوع الوطن.

رابعا:

أن تقوم المساجد بالدور المنوط بها في نشر القيم الإسلامية و التعاليم الدينية الصحيحة و أن الإسلام بريء من العنف و الإرهاب، الذي يريد أعداء الدين إلصاقه به.

خامسا:

أن تلعب وسائل الإعلام المختلفة دورها الكامل في محاربة كل أشكال العنف و إدانتها و التركيز على عوامل و مقومات الوحدة و الإنسجام.

سادسا:

تطبيق القوانين و ذلك بتسليط العقوبة على الذين يستعملون العنف و الوسائل غير المشروعة و تطبيق القانون و ذلك باتخاذ كافة الإجراءات لفرض العقوبات الرادعة على السلوك العدواني مع جعل القانون  فوق الجميع و ذلك بمساعدة مختلف أجهزة الأمن و الدرك الوطني و مجالس القضاء…

سابعا:

العمل على تجسيد السلم و الأمن و اللآعنف على واقع مجتمعنا و هو مسؤولية الجميع: مؤسسات تنشئة اجتماعية، مؤسسات تربوية و إعلامية، مؤسسات حكومية و جمعيات وطنية و محلية

و لجان أحياء و أن يؤمن الجميع بأننا نعيش دولة واحدة يجمعنا الدين الواحد و اللغة الواحدة و القيم

و العادات المشتركة و أن العنف ليس شعارنا و أن محاربته واجبنا و أن مجتمع اللآعنف غايتنا و أن مصيرنا مشترك و أن مستقبلنا زاهر بإذن الله و عونه و بإرادة و عزيمة أبناء وطننا الحبيب.

المراجــع:

  1. محمد أحمد بيومي: ظاهرة العنف الأسباب و العلاج، دار المعرفة الإسكندرية 1992.
  2. عبد الرحمان عيسوي: بسيكولوجية الطفولة، و المراهقة، دار النهضة العربية للطباعة والنشر، بيروت1997.
  3. محمد عرفات الشرايعة: التنشئة الاجتماعية، دار يافا العلمية و دار مكين عمان الأردن2006.
  4. حسين مصطفى عبد المعطي: الأسرة و مشكلات الأبناء، دار السحاب للنشر و التوزيع، القاهرة2004.
  5. عبد الفتاح أبو معال: أثر وسائل الإعلام على تعليم الأطفال و تثقيفهم، دار الشروق للنشر و التوزيع، عمان، الأردن2006.
  6. حميد جاعد محسن الدليمي: علم اجتماع الإعلام رؤية سوسيولوجية مستقلة، دار الشروق، عمان، الأردن2006.
  7. أماني عمر الحسيني: الإعلام و المجتمع، عالم الكتب، القاهرة 2005.
  8. محمد أحمد مشاقبـة: الإدمان على المخدرات، الإرشاد و العلاج النفسي، دار الشروق للنشر و التوزيع، عمان، الأردن2007.
  9. معن خليل عمر: الضبط الاجتماعي، دار الشروق للنشر و التوزيع، عمان، الأردن2006.