أخلاقيات الاقتصاد الغربي / حفريات أنثروبولوجية

الاقتصاد والأنثروبولوجيا

 

 

جعفر نجم نصر*

في ظل جائحة كورونا (فايروس Covid-19) التي عصفت بالعالم أجمع، وما أحدثته من تحولات وتغيرات على مسارات مختلفة، كان أولاها الاقتصاد العالمي، أعيد النظر في الأخلاقيات التي تحكم وتضبط الممارسات الاقتصادية من جهة، وتوجه السلوك الاجتماعي، التعاوني من جهة أخرى.

وهنا برز الحديث عن حضور القيم الاقتصادية، الأخلاقية ودورها في مساعدة المعوزين والمشردين، وفاقدي الأعمال من العاطلين والمفصولين أو المسرّحين؛ ولكن حين التمعن جيداً في الأخلاقيات الغربية عبر الحفريات الأنثرويولوجية التي عملناها، تبين أن اقتصاديات الغرب ( اقتصاد السوق ) لا يمكن لها أن تقوم بالحد الممكن من أخلاقيات الهبة والدعم، لكونها أنحلت عن منظومتها القيمية بفعل تحولاتها الاقتصادية، وجعلها بعيدة عن تلك الأخلاقيات التي مازالت موجودة في المجتمعات التقليدية، التي يُنظر إليها والى قيمها باستعلاء من ( المركزية الغربية ) التي فقدت بوصلتها الأخلاقية واستبدلتها بنسق استهلاكي لا يبقي ولا يذر.

أن هذا البحث يحاول كشف وتحليل جذور وبواعث هذهِ الاخلاقيات عبر حفريات انثروبولوجية تسعى للمعالجة الثقافية للمنطق الاقتصادي/ المادي الذي هيمن على مسارات الغرب إلى الزمن الراهن.

الحفريات الأنثروبولوجية للثروة والتبادل :

شغل موضوع التبادل جزءاً كبيراً من اهتمام علماء الأنثروبولوجيا الاقتصادية، واعتبره البعض محوراً هاماً للنشاط الاقتصادي وليس الإنتاج؛ ومن ثم فقد ظهرت أهميته في تحليل النظم الاقتصادية للمجتمعات التقليدية، بينما ظل هذا المدخل يشكل خلافاً في الرأي بين علماء الأنثروبولوجيا والاقتصاد، فعلماء الاقتصاد يعتبرون أن التبادل لا يشكل إلااحدى العمليات الاقتصادية أو حلقة من حلقات النشاط الاقتصادي، بينما نجد أن بعض علماء الأنثروبولوجيا وبشكل خاص رواد الاتجاه الشكلي يعتبرون أن التبادل والعمليات المرتبطة بهِ هي محور النشاط الاقتصادي، ومن ثمّ يجب أن يكون التركيز عليه لفهم الاقتصاد بالمجتمعات التقليدية؛ والتبادل يشير الى العمليات المختلفة التي تتحرك في غضونها السلع والخدمات بين الأفراد والجماعات([1]).

ومن الجلي أن الاهتمام بعملية التبادل متأتي ليس من جهة الاهتمام الاقتصادي فحسب، بل أن للأمر مغزى جوهري بالنسبة للأنثرويولوجيين، لأنهُ يرتبط بالنسبة لهم بالبُعد الثقافي والاجتماعي، والذي يمارس حضوراً وتأثيراً واضحاً على سائر العمليات الاقتصادية ولاسيما ( التبادلية ) منها على وجه الخصوص.

أن المنظور الثقافي (Cultural Perspective) الذي يعتمدهُ الأنثروبولوجيون في رؤيتهم للسلوك الاقتصادي يضيف أبعاداً غير اقتصادية للواقع الاقتصادي ، وهي أبعاد يهملها علماء الاقتصاد. فالاقتصاديون مثلاً يقيسون قيمة الأشياء بما تحققهُ من نقود باعتبار النقود هي الوحدات التي تحدد بها أسعار الأشياء. أما الانثرويولوجيون فيّعدون النقود وسيلة من بين الوسائل المتعددة التي تنظم حياة الإنسان وتعينه على بلوغ أهدافه المتعددة التي يتصدرها هدفه المرتبط بتحقيق المكانة الاجتماعية المحترمة والمرموقة([2]).

ولعل حضور البُعد الثقافي وطغيانه في المجالات أو الشؤون الحياتية كافة، ومن ضمنها العمليات الاقتصادية، جعل عملية التبادل على سبيل المثال تأخذ صيغاً وأشكالاً عدة في المجتمعات التي درسها الانثروبولوجيين، تلك المجتمعات التي سيطرت على نوازعها أو تنظيماتها الاقتصادية بما يعرف بـ( اقتصاديات الهبة ) ذات المنحى الأخلاقي والوجداني المهُيمن.

وهذا المنحى هو ما تحدث عنه الانثروبولوجي كارل بولايني (Karl Polanyi) إذ قال: “والاكتشاف البارز من البحوث التاريخية والانثروبولوجية هي أن اقتصاد الإنسان، بشكل عام، كامن في علاقاته الاجتماعية، فهو لا يعمل كي يحافظ على مصالحه الفردية في حيازة السلع المادية، إنما يعمل لكي يحافظ على مكانته الاجتماعية وتطلعاته ومقتنياته الاجتماعية”([3]).

ولقد نسج على ذات المنوال أحد أعمدة التطورية – المحدثة في الانثروبولوجيا الأمريكية مارشال سالينز (Marshall Sahlins) إلا أنه تفرد في معالجة مهمة بين فيها الفوارق الرمزية المتضمنة في الاقتصادين ( البدائي والحديث )، فالبدائيون بالنسبة له يعرفون أنفسهم وينتجون نظامهم الاقتصادي الرمزي على الديانات الرسمية وصلات القرابة، بخلاف أهل الاقتصاد والحديث ويقصد به (الثقافة الغربية) التي تنتج رموزها من روح الاقتصاد ذاته([4]). وبإيجاز يسود الاستهلاك الواضح – التبضع في الأسواق التجارية على المجتمع البرجوازي، أما المجتمع القبلي فيعيش في موطنه متبعاً القيم الأسرية. ونستشهد في هذا الصدد بحكمة سالينز الموجزة المميزة التي تقول :

إن المال لدى الغرب يماثل صلات القرابة لدى سائر من عداه. إلا أن المال وصلات القرابة يكرسان سحرهما كخطابات رمزية([5]).

أن البُعد القيمي / الأخلاقي في اقتصاديات الهبة هو الذي يحكم سائر العمليات الاقتصادية بالنسبة للمجتمعات البدائية وحتى بالنسبة لكثير من المجتمعات التقليدية الراهنة، بخلاف الرموز المادية المنبجسة عن الاقتصاد الرأسمالي التي تعد هي المحرك الباعث، بل وهي المهيمنة على سائر العمليات الاقتصادية والاجتماعية، لاسيما ( عملية التبادل ) التي يتداخل فيها الاقتصادي بالثقافي بنحو كبير.

ولكن الأمر المهم الذي ينبغي الإشارة إليه هنا هو تلك القدرة التكيفية للثقافة لهؤلاء البدائيون، والتي أشار إليها “Robert. B. Edgerton” :

“الوظائف الاجتماعية والنفسية لمعتقد ما أو ممارسة ما تظل راسخة زمناً طويلاً، مما يجعلها على طول الزمن تحدث تكيفاً تاماً معها، وهذا الأمر يكون واضحاً كذلك في الكثير من الممارسات الاقتصادية، حتى وأن بدت غير عقلانية”([6]).

ولقد كان الأمر الأخير الموضوعة الأثيرة والمحورية في الكثير من أعمال المتخصصين في الانثروبولوجيا الاقتصادية، ولكنهم اهتموا كذلك بتطور الوسيط المادي / النقدي للتبادل لديهم، والذي انتقل من الأشياء المادية / العينية (كالحيوانات)، (الملح) أو (الصوف)، الى غيرها من الوسائط حتى وصل الى النقود.

فلقد تراوحت اهتمامات الانثروبولوجيين بين المغزى الثقافي / الاقتصادي المترتب على بروز المال وتداوله عند البدائيين من جهة، وكيف أنه ظل خاضعاً لـ (اقتصاديات الهبة) ذات المنحى الاجتماعي / الأخلاقي من جهة أخرى، ولهذا سنجد أن تراكمية الدراسات في هذا الحقل الاقتصادي قد استقرت لديهم الى أن أوجدوا فضاء معرفي خاص به أطلقوا عليه بعدئذ بـ ( أنثرويولوجيا النقود ).

وفي هذا السياق يقول الانثروبولوجي المعاصر ماثيو أنجيلكه (Mathew Engelke) : “للانثروبولوجيا اهتمام قديم ومستمر بموضوع المال. إن دراسة (كايتلين زالوم) لمتداولي العقود الآجلة ليست سوى قمة جبل الجليد. ولو ألقينا نظرة على تاريخ التخصص، وعلى مسار الشؤون العالمية منذ باكورتها في منتصف القرن التاسع عشر، لصار هذا الانشغال بالمال منطقياً  جداً، لأنه العصر الذي انتشرت فيه التجارة بمعدلات غير مسبوقة، بعد أن تبعت في غالب الأحيان خط التوسع الاستعماري وملامحه العامة في المقام الأول. وقد عنى ذلك في العديد من الأماكن، إدخال أنظمة نقدية لم توجد من قبل، وفي حالات أخرى، إحداث تغييرات في أنظمة التجارة القائمة على الأصداف أو الخرز، أو العملات الأخرى([7]).”

الهبة والتبادل عند مارسيل موس “Marcel Mauss” :

ينظر  الكثير من الانثربولوجيين الى أعمال مارسيل موس وكارل بولانيي، على أنهما أسهما أسهاماً كبيراً في بناء صرح الانثروبولوجيا الاقتصادية النقدية النظري، وذلك لأن كلاهما استمدا معلوماتهما من الاقتصاديين في التركيز على آليات التداول (Circulation) (لا التبادل فحسب)، فيما عارضا بقوة فرضياتهم ونتائجهم الرئيسة. وفُسِّرت مقالة موس الشهيرة عن الهبة تفسيراً ضيقاً جداً، على أنها مساهمة في نظرية التبادل، حيث أعتبرت الهبة، تحت ستار تلك النظرية، جانباً من جوانب التباين بين (الهبات والسلع) وهو تباين يُعتبر غالباً حالة مثالية من الانقسام بين الغرب وبقية العالم. وفي الحقيقة كان هدف موس هو : حل المعارضة بين الهبات المحض والنقود الأنانية من أجل كشف المبادئ الكونية للالتزام المتبادل والتكامل الاجتماعي([8]).

أننا نريد الوقوف ملياً على إطروحات موس، والتي تعد المرتكز الرئيس لهذا البحث برمته، لكونها تعد بمثابة العمل الانثروبولوجي الأبرز في مجالي (الثروة والتبادل) ضمن منطق (اقتصاديات الهبة)، ولكونها إطروحات تمتلك من الراهنية والقابلية على التطبيق في قراءة المشهد التبادلي العالمي وأخلاقياته، ولعلهُ مما ينبغي الإشارة إليه هنا، هو أننا لا نتوخى الوقوف على البُعد أو المغزى الاقتصادي الخاص بالهبات بالدرجة الأولى، وإنما يهمنا المغزى الديني الذي أولاه موس مساحة لا بأس بها في أطروحاته، والذي يعد تأطيراً نظرياً لفهم المشهدية التبادلية للثروة ومغزاها الأخلاقي الموجه أو الباعث لها.

إن جل إطروحات موس حول ما تقدم ذكره نجدها في كتابه ذائع الصيت ( مقالة في الهبة ) الذي عدهُ (أنجيلكه) بمثابة : نقد علني لما اعتبره موس الطريقة ( القاسية ) و( الوحشية ) التي يشتغل بها النظام الرأسمالي الحديث، والأنظمة القانونية التي يقوم عليها، والتي يحدد من خلالها معالم الفصل الحاصل للأشخاص عن الأشياء. وموس ليس خجلاً من تقديم استنتاجات أخلاقية ولمّا يفقد الأمل بعُد : “إذ يقول: لحسن الحظ، لم يصنف كل شيء بالكامل بمفردات البيع والشراء ولا تزال للأمور قيمة عاطفية مثلما لها قيمة مُفسدة هنا، إذا افترضنا أن قيماً من هذا النوع موجودة ببساطة”. وقوية هي كلمة مُفسدة هنا، إذ على الرغم من ربطها فوراً بالفساد الأخلاقي، إلا أنها قد تتصل ( القابلية للشراء ) (Purchas)، أو ( القابلية للتثمين النقدي ) (Buyable)، وها هنا يكمن الموضع الذي يتدخل فيه المال في نقاشات القيمة([9]).

أن الفهم الدقيق لأطروحات موس في (مقالة الهبة) إنما ترتكز على فهم عمله المنهجي / الأثنوغرافي الشامل بجميع مجالات الحياة الاجتماعية للمجتمع المدروس : السياسية والاقتصادية والأنشطة التقنية والممارسات السحرية والطقوسية والمعتقدات الأسطورية والدينية … ولا شك في أن هذا العمل ليس غاية معرفية في حد ذاته، فطابعهُ الشمولي يفسر الحاجة إليه مادةً أوليةً للبحث الأثنولوجي في مرحلة أولى، ولإجراء مقارنات بين المجتمعات المدروسة أثنوغرافياً وإثنولوجياً من أفق بناء معرفية أنثروبولوجية بالمجتمع الإنساني([10]).

وتأسيساً على منهجيته الشمولية في دراستها وتغطيتها لعدة مجالات وأنساق، كانت مسألة اهتمامه بما أصطلح عليه بـ ( الواقعة الاجتماعية الكلية )، أحدى أولوياته في مجمل أعماله، وبعبارة أخرى : أرتبط موس بشكل وثيق بفكرة الكلية (holism) أكثر من أميل دوركهايم.

أن تجليات هذه المقاربات المنهجية للواقعة الاجتماعية الكلية تتضح أكثر في كتاب ( الهبة )؛ وهي أرتبطت بأشتغال تأسيسي محوري حول ما اصطلح عليه بـ( الإنسان الكلي )، الذي هو التجسيد الفعلي لتلك الواقعة الاجتماعية الكلية. والإنسان الكلي يقصد به موس : هو كائن مجتمعي تختلط وتتفاعل لديه، في نصاب واحد، كل من المعتقدات الجماعية والأحوال النفسية والممارسات الجسدية([11]).

فالإنسان الكلي بنظر موس ومن خلال صلته بموضوعة الهبة وآليات التبادل المعنوية / الأخلاقية، إنما يعبر من خلال هباته تلك عن صلاته مع الطبيعة والجماعة والمقدس والمجال الأسطوري / البدائي في الوقت عينه، أي يعيش ويمارس حياته ضمن دوره حياة متصلة بكل الأشياء، تفعل وتنفعل بالوجود الاجتماعي والروحي والطبيعي في آن واحد؛ وهذا بطبيعة الحال كما سنرى لاحقاً خلاف الإنسان الغربي ( صاحب الفردانية المُهيمنة ).

فموس يتحدث عن الخدمات الاقتصادية والاجتماعية والروحية للهبة ضمن أنساق متعددة متواشجة لا أنفصال بينها إذ تشتمل تلك الظاهرة بحسب رأيه على : صفتي التطوع والإلزام، الخيار والإجبار في آن واحد، إذ تنخرط هذه التقابلات في أطراف فعل التبادل والتناظر ويفتح المجال تباعاً أمام علاقات الهبة([12]).

إن موس للوهلة الأولى يبدو أنه يتحدث عن عملية اقتصادية، ولكن المسائل المعنوية والأخلاقية التي تتطل وتهيمن على المشهد التبادلي برمته وبحسب قوله :

“لا يتبادل هؤلاء أملاكاً وثروات فقط، كالأثاث والعقارات والأشياء النافعة اقتصادياً، فما يتبادلونه هو قبل كل شيء مجاملات ومآدب وطقوس وخدمات عسكرية ونساء وأطفال ورقصات وحفلات ومعارض، حيث لا يحتل السوق إلا فترة زمنية محددة، وحيث لا يمثل انتقال الثروات إلا بنداً من بنود أكثر شمولية واستمراراً، …، تجري طوعاً وتأخذ شكل الخدمات والهدايا، … ، إننا نقترح أن نطلق على كل هذا أسم ( نظام الخدمات الكلية ) ([13]).”

من الواضح أن الأفراد الذين يتدخلون ويتداخلون في دائرة التهادي أو الهبات المتبادلة، أنما يخضعون لقواعد اجتماعية صارمة لا يمكن الخروج عليها، ولكن هذا ليس كل الأمر وحقيقته، إذ يقبع خلف هذه العمليات التي تتسيّد المشهد الاقتصادي للتجمعات البدائية وحتى التقليدية كذلك، قواعد ومعايير تتربط بحركة اجتماعية أوسع، ترتبط بمخاض اجتماعي يتمثل في ديمومة حياة المجتمع ذاته، عبر هذه العملية أو غيرها من عمليات اقتصادية / ثقافية / دينية، يتجلى الإنسان الكلي الذي هو انعكاس الواقعة الاجتماعية الكلية (الهبة) التي تمسك خيوط اللعبة الاجتماعية برمتها، ومن ضمنها البعد الديني.

فلقد أشار موس لذلك بقوله :

“هناك موضوع رابع له دوره أيضاً في هذا النظام وفي هذه الأخلاق الخاصين بالهدايا، إنهُ الهدية التي تقدم للبشر من إجل إرضاء الآلهة والطبيعة([14]).”

إذ أنه يتحدث عن عمليات تبادل لا محدودة، ترتبط بالمقدس عند البدائين وحسبما قال :

“في كل مجتمعات سيبيريا الشمالية الشرقية، ولدى الأسكيمو في غرب الأسكا، وكذلك لدى سكان الجانب الآسيوي في مضيق بيرنغ (Behring)، يحدث البوتلاتش (نظام التهادي بشتى أنواعه) تأثيراً ليس فقط في ممارسيه من الرجال الذين يتنافسون بالكرم، وعلى كيفية النفاذ الى الأشياء موضوع التبادل والاستهلاك، وعلى أرواح الموتى التي تحضر الاحتفالات وتشارك فيها ويحمل الرجال أسماءها، بل على الطبيعة أيضاً، فتبادل الهدايا بين البشر المتجانسين من حيث الروح يحث أرواح الموتى، وكذلك الآلهة والأشياء … أن تكون كريمة معهم، وذلك أن تبادل الهاديا كما يفسره أصحابه يؤدي الى وفرة في الثروات([15]).”

ولقد تحدث الانثروبولوجي المعروف ديفيد غرايبر (David Graeber) أحد المفكرين الأوائل في أنثروبولوجيا القيمة عن النزعة الكونية لتلك التبادلية مستعيناً بمقاربات أنثرويولوجية كثيرة في هذا السياق، إذ يقول :
كريستوفر غريغوري عالم الأنثروبولوجيا الاقتصادية أحد المشتغلين في بابوا (غينيا الجديدة)، يشير الى أن هذا الاتجاه العام تميل فيه اقتصاديات الهدايا الى تجسيد الأشياء. إن اقتصاديات السلع الأساسية مثل اقتصادنا، تفعل العكس. فهي تميل الى معاملة البشر، أو على الأقل، جوانب من البشر، مثل الأشياء ؛ المثال الأكثر وضوحاً هو العمل البشري : في الاقتصاد الحديث نتحدث عن ( السلع والخدمات ) كما لو كان النشاط البشري نفسه شيئاً مشابهاً لكائن ما، والذي يمكن شراؤه أو بيعه بنفس الطريقة التي يتم بها شراء الجبن أو الحديد أو الإطارات.

غريغوري يحدد مجموعة مرتبة من التعارضات. الهدايا هي المعاملات التي تهدف الى خلق أو تأثير علاقات ( نوعية ) بين الأشخاص، أنها تجري داخل شبكة موجودة مسبقاً من العلاقات الشخصية، … ، ومن ناحية أخرى، يقصد من بورصة السلع الأساسية أن تحدد معادلة كمية للقيمة بين الأشياء، وينبغي أن يتم ذلك من الناحية المثالية عاماً بشكل غير شخصي، لذلك هناك ميل الى معاملة البشر المعنيين مثل الأشياء. إعطاء شخص ما هدية عادة يضع هذا الشخص في الديون الخاصة وبالتالي يصبح النجاح في تبادل الهدايا مسألة التخلي عن الثروة قدر الإمكان، وذلك للحصول على ميزة اجتماعية([16]).

أن أخلاقيات اقتصاديات الهبة بحسب منظور موس كانت هي التي تحكم اقتصاديات البدائيين، بل وأنها تحكم الكثير من بعض اقتصاديات المجتمعات التقليدية التي مازال البُعد الأخلاقي، الديني هو الذي يحكم منظورها في (التملك) و( الأنفاق )، بناءاً على فكرة موداها أن الهبات أو الهدايا أمر إلزامي / قهري ضروري لاستمرارية التضامن الاجتماعي لذلك ( الإنسان الكلي ) الذي يتواشج تفكيره وسلوكه مع الاقتصاد والدين والطبيعة بنحوٍ شمولي / أخلاقي.

من اقتصاديات الهبة الى اقتصاديات السوق :

لقد تحدث موس عن البُعد الأخلاقي الإلزامي القائم في المجتمعات الغربية فضلاً عن ضرورة وإلزامية (الهبات)، إذ قال في هذا الصدد : “إن جزءاً معتبراً من أخلاقنا ومن حياتنا في حد ذاتهما مازال محكوماً بالمناخ العام للهبة، حيث تتداخل الإلزامية والحرية. ومن حسن الحظ أن مفردات الشراء والبيع لم تتحول بعد الى وحدات تصنيف حصرية لمجمل الموجودات في هذا العالم، …”([17]).

على الرغم من كل ذلك إلا أنه لم يغب عن ناظري موس مسألة ( المصلحة ) أو ( المنفعة ) المترتبة على أي عمل اقتصادي قديماً أو حديثاً، ولكنهُ يعيد المقارنة مرةً أخرى بين الشعوب البدائية أو التقليدية التي تسعى نحو منفعة معنوية / ضمنية في عملية الهبات والتبادلات، وبين الشعوب المتحضرة / الحديثة التي فرضت عليها اشتراطاتها الحياتية الجديدة، السعي نحو منفعة / مادية صرفة مُعلنة، بعبارة أخرى أن موس كان يدرك إدراكاً تاماً، أنهُ على الرغم من وجود نظام ( الهبات ) في المجتمع الغربي الذي عاصرهُ في بدايات القرن العشرين، إلا أن هذا الأمر تراجع الى حدٍ كبير وطغت عليه المنفعة أو المصلحة ( المادية ).

لعل السؤال الذي يطرح في هذه السياقات هو كيف انفصلت أو أنحلت المجتمعات الغربية عن روابطها والتزاماتها الأخلاقية المشاعة عن عملية التهادي وتبادل الهبات، والتي كانت كحال المجتمعات البدائية تمارس على نطاق واسع وأصبحت تمارس على نطاقات ضيقة للغاية بعدئذ ؟ وما هي العوامل أو الصيرورات الثقافية والاقتصادية التي اسهمت في تشكيل هذه الذهنية الاقتصادية القائمة على المصلحة أو المنفعة في سائر شؤونها الشخصية، والتي لا تعبئ بالبُعد الأخلاقي في تبادلاتها ؟.

لعل فهم صيرورات الحداثة الغربية التي انطلقت بموجات متسارعة، بدءاً من القرن الخامس عشر الميلادي صعوداً، والذي اقترن مع توجهات أيديولوجية وسياسية ودينية، أسهم في توجيه الذهنية الاقتصادية الغربية الأخلاقية على نحو كبير، يُعد أمراً محورياً في هذا السياق.

لعل الانفصال أو الانفصام الكبير الذي يمثل هذه الصيرورات لاسيما إذا أردنا أن نبقى ضمن دائرة إطروحات مارسيل موس إلا وهي دائرة ( الإنسان الكلي )، الذي لم يعد قائماً في ظل ذوبان ( الجماعاتية ) امام الهيمنة الكلية ( للدولة ) وطغيان النزعة ( الفردانية )، إذ لم تعد ممارسة أي عمل أياً كان تشير الى واقعة  اجتماعية كلية بالنسبة للفرد الغربي، بل أصبح الإنسان بذاته قائماً، بمعزلٍ تام عن كل الوقائع الاجتماعية الأخرى، أي أنهُ تجرد من هذه الشمولية ليبني لنفسه أو لنقل لتبني لهُ الحداثة تصوراً أو تخيلاً عن ذاته مفصولاً عن عوالمه الروحية والأخلاقية، وغدا مرتهناً للبعد المادي المهيمن على نوازعه الأخلاقية.

ولقد أشار لهذه المسألة آنفة الذكر أحد أبرز تلامذة موس وهو لويس دومون (Louis Dumont) إذ قال :

“لكي نرى ثقافتنا في وحدتها وخصوصيتها، يجب أن ننظر فيها أثناء مضاهاتنا إياها بالثقافات الأخرى. على هذا النحو فقط إنما نستطيع وعي ما هو بديهي بصورة أخرى : الأساس المألوف والضمني لخطابنا العادي. هكذا، عندما نتكلم عن ( فرد ) نشير الى شيئين في آن واحد : الى موضوع خارج عنا، والى قيمة، ترغمنا المقارنة على أن نميز تحليلياً هذي المظهرين : من جهة، الفاعل التجريبي المتكلم والمفكر، أي العينة الفردية من النوع البشري. كما نلقاها في كل المجتمعات البشرية، ومن جهة أخرى، الكائن الأخلاقي المستقل، القائم بذاته ومن ثم غير الاجتماعي جوهرياً، والذي يحمل قيمنا العليا، ويوجد في المقام الأول في أيديولوجيتنا الحديثة عن الإنسان والمجتمع، ومن جهة النظر هذه هناك نوعان من المجتمعات. فحيث الفرد هو القيمة العليا أتحدث عن الفردانية؛ وفي الحالة المقابلة  حيث توجد القيمة في المجتمع بوصفها كلاً أتحدث عن الفيضية ( أو الكلية كما عند موس )” ([18]).

من الواضح أن هنالك جملة من العوامل أو الصيرورات التي صنعت هذه الفردانية التي يتحدث عنها دومون، ولكن هنالك عاملين رئيسيين حسبما نعتقد هما اللذان أسهما في صناعة وتوليد هذه الفردانية المفصولة عن السياقات الأخلاقية ( الجماعاتية )، أولاهما : البُعد الديني المتمثل بحركة الإصلاح الديني / اللوثرية التي صاغت أولى ملامح الفردانية عبر فكرة (الخلاص الذاتي)، وثانيهما : هو اتساع السوق والحركة الاقتصادية التي فرضت شروطاً قاسية للانخراط بها قائمة على ( التخصص ) و( التفرد ) في الملكات الاقتصادية بمعزلاً عن الجماعة أياً كانت، وبذلك النحو كان الفرد يركز على مصالحه فقط، مما أسهم كل ذلك في إعادة إنتاج أخلاق الممارسات الاقتصادية بنحوٍ كبير.

فهل كانت الفردانية هنا بمثابة الانقلاب الأخلاقي / الاقتصادي الذي منح ( اقتصاديات السوق ) تلك الهيمنة بل والإلغاء والإضعاف شبه التام لـ ( اقتصاديات الهبة )؟.

يرى كارل بولانيي الذي تحدث عن جملة التحولات الكبرى التي أحدثها السوق عبر الاقتصاد الليبرالي وهيمنته على سائر الانساق المجتمعية : … هو قادر على إنشاء مؤسسته الخاصة وأعني بها السوق. وفي النهاية، فإن سيطرة النظام بواسطة السوق هو، لهذا السبب، ذو عواقب شاملة للنظام الاجتماعي بأكمله : وهو يعني أقل من تسيير المجتمع كتابع ملحق بالسوق، خصوصاً عن أن يكون الاقتصاد مطوقاً في العلاقات الاجتماعية، فإن العلاقات الاجتماعية هي المطوقة في النظام الاقتصادي. إن أهمية العامل الاقتصادي الحيوي في وجود المجتمع تمنع أي نتيجة أخرى. وبمجرد وجود النظام الاقتصادي في مؤسسات منفصلة قائمة على دوافع معينة تمنحهُ وضعاً خاصاً، فإن المجتمع أن يتكون بطريقة تسمح لذلك النظام بالقيام بوظيفته طبقاً لقوانينه الخاصة، وهذا هو معنى التأكيد أن اقتصاد السوق لا يمكنهُ أن يعمل إلا في مجتمع السوق([19]).

ويمكن لنا عد إطروحات تشارلز تايلر (Charles Taylor) بمثابة مدخل جوهري لفهم كيف تشكلت ( اقتصاديات السوق ) اللاأخلاقية، قبالة ( اقتصاديات الهبة )، أي أننا نريد أن نتكلم هنا عن العوامل الثقافية التي أسهمت في إيجاد تلك الاقتصاديات المادية، وهذا يعني أننا نتكلم عن التصور الاجتماعي الجديد للناس عن وجودهم انطلاقاً من المتخيل الاجتماعي (Social Imaginaries) الذي تشكل مرةً بوصفهِ جراء جملة التحولات والمغيرات الاجتماعية العامة التي حدثت في أوروبا أبان انطلاق عصر الحداثة، ومرةً بوصفه متخيل تشكل بعد اختراقات النظريات السياسية والاجتماعية والأخلاقية آنذاك، وهذا المعنى هو عين ما قاله تايلر.

إذ تحدث عن أن النظرية قد اقتحمت ذلك المتخيل الغربي وغدت ركناً أساسياً فيه، إذ بحسب قوله :

“يحدث في أكثر الأحيان أن يتسرب الى المتخيل الاجتماعي ما يبدأ على شكل صورة نظرية يحملها بعض الناس، وربما يكون التسرب الى أفراد النخبة في البداية، لكنه ُيتجاوزهم الى المجمع كله بعد ذلك([20]).”

إن فهم المتخيل الاجتماعي للعمليات الاقتصادية / الغربية ضمن سياقات حياتهم العامة والخاصة، لا يمكن إدراكه بمعزلٍ عن فهم وإدراك المتخيل الاجتماعي للدين، وذلك لأن انهيار الذهنية الدينية الغربية التي كانت تحكم دائرة ( اقتصاديات الهبة ) وتوجهها، يرتبط بانهيار توجهات ذلك المتخيل على المستوى الأخلاقي / الاقتصادي.

إذ يتحدث تايلر عن تلك الذهنية الدينية الجديدة قائلاً : تُمثل عملية نزع السحر عن الأشياء، أي عملية أفول عالم الأرواح والقوى السحرية، معلماً أساسياً في الحداثة الغربية وفق وجهات النظر كلها تقريباً. فقد كان هذا واحداً من منتجات حركة الإصلاح في المسيحية اللاتينية، وهي الحركة الإصلاحية التي أفضت الى الإصلاح البروتستانتي، لكنها ساهمت في تحويل الكنيسة الكاثوليكية أيضاً. كانت حركة الإصلاح هذه مصدراً من مصادر المحاولات الرامية الى إعادة تنظيم المجمع وإشاعة الانضباط فيه([21]).

وزوال السحر عن العالم لا ينفصل عن تطور العلوم التي أسهمت في إيجاد تفسيرات علمية اخترقت ذلك المتخيل الاجتماعي الغربي، المتشكل في بدايات عصر الحداثة. وهو ما تحدث عنه ماكس فيبر وبحسب مراجعات ريمون بودون (Raymond Boudon) : إن إقدر المساهمات في مجال ( أنفكاك السحر عن العالم ) هي تلك التي قدمتها الديانة التوحيدية، في النهاية. بهذه العبارة المقتبسة من شيلر، أعلن فيبر بطلان السحر نهائياً. ومن المتعارف عليه عموماً أن انفكاك السحر الذي يميزّ الحداثة مرده الى النجاحات التي حققها العلم، بنوع خاص([22]).

إننا إزاء ذاتاً اجتماعية تحمل هوية جمعية ذات خصائص وسمات مشتركة بين أغلب أفراد المجتمعات الأوروبية آنذاك، بل والى يومنا هذا، وكل هذه الخصائص منطوية في ظلال عقلانية مُدعاة، أسماها تشارلز تايلر بـ ( الانغمار الاجتماعي ) (Social embedding)، وهو طال العلاقة بالمجتمع والكون والمقدس في الآن ذاته، وعن ذلك يقول تايلر : نستطيع القول إن كلاً من الهوية المخففة ومشروع الإصلاح قد ساهم في مسيرة الانعتاق. فالانغمار، … ، مسألة متعلقة بالهوية – الحدود التي يصفها السياق العام على تخيل الذات ومتعلقة بالمتخيل الاجتماعي ايضاً : أي بالطرائق التي نتمكن عبرها من التفكير في المجتمع كله أو من تخيله. لكن الهوية المخففة الجديدة، مع إصرارها على الإخلاص والانضباط الفرديين، زادت المسافة بعداً، وزادت الانعتاق بعداً عن الأشكال القديمة من الشعائر والانتماءات الجمعية، بل اتخذت موقفاً عدائياً منها أيضاً. وبلغ الدافع الى الإصلاح حد إلغاء هذه الشعائر والانتماء جملة([23]).

تغير النظرة للمجتمع وللعالم وللمقدس، في ظل حمولات الهوية الجديدة آنفة الذكر، أسهمت في إعادة تشكيل أولويات الحياة والخيارات الاخلاقية لدى الفرد الأوروبي الحديث، إذ أصبح العمل الاقتصادي حينئذ يضاهي العمل الديني، والمصحلي/ المنفعي على الروحي/ اللانفعي؛ ولكن كل هذا يتم وهو الأخطر والأدهى في ظل نظام سياسي يوجه ويدعم ويقرر الأولويات.

وفي هذا المجال يقول تايلر:

“تساهم هذه العوامل كلها، مادية وروحية في تفسير الصعود التدريجي للاقتصادي الى أن بلغ مكانته المركزية، وهو أمر مرئي على نحو واضح في القرن الثامن عشر. ويظهر عامل آخر في ذلك الوقت، أو لعله مجرد امتداد للعامل السياسي: اكتساب الفكرة القائلة إن التجارة والنشاط الاقتصادي هما السبيل الى السلم والوجود المنظم صدقية متزايدة. هكذا صارت ( التجارة الطيبة ) نقيضاً للنزعة التدميرية البرية الموجودة في البحث الأرستقراطي عن المجد العسكري، وكلما ازداد التفات المجتمع الى التجارة صار أكثر تهذيباً وتمدناً، وتميز في فنون السلم”([24]).

وهذا يعني أن القيم الروحية والاجتماعية والأخلاقية التي تحث على التعاون وعلى التهادي والتبادل اللامنفعي بدأت تنحسر الى حد كبير، بل أنزوت في تمظهرات اجتماعية محدودة، إذ غدا الافراد مجبورين عليها في نطاقات تفاعلية مظهرية لا تتوخى الأواصر الخاصة بالقرابة أو البُعد الروحي أو غيرهما.

لعل أول نقلة كبيرة أحدثتها هذه الفكرة الجديدة عن النظام، في النظرية وفي المتخيل الاجتماعي معاً، تتمثل في أننا صرنا نرى مجتمعنا باعتباره اقتصاداً، أي منظومة متداخلة من نشاطات الإنتاج والتبادل والاستهلاك، وهو ما يشكل نظاماً له قوانينه وآلياته الخاصة. وبدلاً من كونهِ مجرد إدارة، يقوم بها من هم في السلطة، للموارد التي نحتاجها كجماعة ما بيننا، ومجالاً لتعايش يمكن أن يكون مكتفياً بذاته من حيث المبدأ، شريطة عدم تعرضه لخطر الاضطراب والنزاع([25]).

فالسياقات الحيايتة العامة أصبحت سياقات علمانية بأمتياز في ظل تطور معرفي ترافق معه تطور اقتصادي هائل، وعليه فلقد حدثت عملية المفاصلة الكبرى بين النطاقات الزمنية والدنيوية والنطاقات الروحية أو الأخروية، مما يعني أن العلمنة حددت كذلك بطبيعة الحال النظام القيمي السائد الذي كان مسؤولاً عن ( اقتصاديات السوق)؛ ولقد كان رأي تشارلز تايلر صائباً عندما تحدث عن اختراق النظريات العلمية المتنوعة لبنية المتخيل الاجتماعي الغربي، وهذا ما أكده إريك هوبزباوم (Eric Hobsbawm) بقوله : وإذا نظرنا الى كل العلوم الطبيعية والاجتماعية خلال تلك الفترة، لتولتنا الدهشة البالغة لما أنطوت عليه من الثقة بالنفس. ولم تكن تبريراتها أقوى حجة مما كان للعلوم الاجتماعية، إلا أنها كانت واضحة وبارزة بالقدر نفسه([26]).

وفي ظل هذه الأجواء الجديدة، كان الدين يأخذُ منحاً مختلفاً، إذ نزوى تأثيره داخل المجتمعات الغربية، وبهذا يعني أن ( اقتصاديات الهبة ) قد فقدت بذلك منبعاً جوهرياً داعماً من منابع القيم الأخلاقية اللامصلحية أو اللامنفعية في ظل الاقتصاد الليبرالي وهيمنة السوق، وبهذا الصدد قال هوبزبادم : كان ( العلم ) هو النواة الأيديولوجية لتقدم العلمانية سواء كانت ليبرالية أم الى حد بسيط ولكنهُ متزايد اشتراكية، … ، ومقارنة بالأيديولوجية العلمانية فإن الدين خلال تلك الفترة يبدو نسبياً، قليل الأثر ولا يستلزم معالجة مطولة …، فقد كان من السهل الإعلان علناً عن عدم الإيمان بالله في منتصف القرن التاسع عشر، وفي العالم الغربي بصورة خاصة([27]).

في ظل هكذا تحولات هائلة لم يعد للعالم، القديم ومنظومته الأخلاقية التي تحكم الاقتصاديات من وجود، إلا التي استطاعت التكيف أو الاندماج مع البنى العلمانية من جهة واقتصاديات السوق من جهة أخرى، أو بعضها الذي ظل منبثاً في قطاعات من الضمير الجمعي / الأخلاقي.

ولقد أشار لها موس في سياقات حديثه عن الواجبات الأخلاقية في التبادل التي يجب أن تلتزم بها المجتمعات الرأسمالية التي سيدّت النقود كوسيط تبادلي، بل وكغاية بحد ذاته، إذ يقول:

“وهكذا، فإنهُ يصبح من الممكن ومن الواجب العودة الى ما بقي من عناصر الحياة القديمة. وسنجد فيها أشكالاً من الحياة ومن الأفعال التي لا تزال حاضرة الى الآن في كثير من المجتمعات والطبقات : لذة الصرف السخي للمال في الأعمال الفنية، لذة إكرام الضيف وإقامة الاحتفالات الخاصة والعامة، ويمكن القول أن التأمين الاجتماعي والتشجيع على التعاون والتعاقد وعلى إقامة الجمعيات المهنية، … ([28])، هو جزء من اقتصاديات الهبة التي انحسرت.

ولكنها مظاهر أخلاقية/ اقتصادية فردية الى حدٍ كبير، فالأمر المهيمن في ظل اقتصاديات السوق هو البحث عن المنفعة أو المصلحة وسياسة الأدخار المالية والأحجام عن مساعدة الآخرين، ولهذا وجدنا أن الدول الرأسمالية تدفع الآن نحو إعادة أخلاقيات التبادل الاقتصادي في ظل ضحايا السوق والتفاوت الطبقي الناجم عنه الذي خلف أعداد هائلة من العاطلين عن العمل والمعوزين، بل وحتى المشردين.

ويشير لهذا الأمر الأنثروبولوجي موريس غودولييه (Maurice Godelier) إذ يقول :

“إذ بالنظر الى موقع الذي تشغلهُ الدولة داخل هذا المجمع، فإليها يعود أمر إعادة تركيبة وردم الهوّة ورأب الصدوع. غير أن الدولة وحدها لا تكفي لأنجاز هذا العمل، وتتعقد هذه التناقضات وهذا العجز ليشكلا السياق الذي تعود فيه اليوم بإضطراد، الدعوة الى الهبة من الجهات كافة. وإنها لهبة قسرية تلك التي تسّنها الدولة بصورة ضرائب جديدة تدعوها ( تضامنية )، مرغمة أكبر عدد ممكن على مشاركة أولئك المحتاجين ومحاولة، بصورة جزئية، سّد تلك الثغرات التي يفتحها الاقتصاد في المجتمع([29]).”

وهذا يعني أن هنالك ثقافة تبادلية جديدة نشأت تحت وطأة النتائج السلبية لـ ( اقتصاديات السوق ) التي ابتلعت المنظومة الأخلاقية التبادلية واستبدلتها بنزعة استهلاكية لا تعبئ للآخرين الذين يتضورون الجوع والحرمان، في ظل تحول النقود من وصفها (كوسيط) للقيمة، الى قيمة في حد ذاتها، وكما يقول الكاتب الفرنسي آلان دونو “Alain Deneault” لم يحدث مسبقاً أن أتفق لشيءٍ مدين بقيمته فقط لدوره الوسيط ولقابليّته على التحول الى قيم أكثر تحديداً، لم يتفق لشيء مثل هذا أن تطور بالكلية ومن دون تحفظ – الى قيمة سيكولوجية مطلقة، الى هدف نهائي مُستغرق ومُسيطر على الوعي العملي. إن هذا الأشتهاء الأقصى للنقود لابد أن يزداد الى درجة أن تأخذ النقود صفة الوسيلة الخالصة “Pure Means” إن أهميتها المتزايدة تعتمد على كونها خالصة من كل شيءٍ هو ليس محض وسيلة … كلما كبُرت قيمة النقود كوسيلة، صار يُظن أنها في حد ذاتها قيمة مطلقة([30]).

إننا أمام مشهد كارثي، إذ أن تحول قيمة الأشياء من الوسائطية أو الوسيلة أصبح هو السمة الغالبة على اقتصاديات السوق أو النقل على الاقتصاديات الليبرالية، أننا أمام مسار أخلاقي/ منفعي / فرداني ساحق لكل الروح الإنسانية التي أدعتها الحداثة في يقظتها الانبجاسية الأولى، أن خير من يعبر عن هذا المسار عالم الاجتماع المعروف زيغمونت بومان (Zygmunt Bauman) إذ يقول في كتابه ( الأخلاق في عصر الحداثة السائلة ) : لقد حلت السوق الاستهلاكية محل بيروقراطية الحداثة الصلبة في مهمة تجريد الأشياء من قيمتها : مهمة التخلص من سموم التكاتف الاجتماعي الذي يعززه الوجود المشترك. إن الأمر كما اختصره إيمانويل لفيناس حين قال متأملاً إن المجتمع : بدلاً من أن يكون بدعة اخترعت لجعل الاجتماع الإنساني المسالم والودود ممكناً لكائنات أنانية بالولادة ( كما اقترح هوبز )، قد يكون حيلة لجعل الحياة الأنانية، المهتمة بنفسها، ولا تشير إلا لنفسها قابلة للتحقيق لكائنات أخلاقية بالولادة، وذلك بالحد من المسؤولية تجاه الأخرين([31]).

خاتمة نقدية:

لقد قدم الكثير من الباحثين والمفكرين الذين قمنا بمراجعة اطروحاتهم منظومة فكرية متماسكة حول مآلات اخلاقيات الاقتصاد الغربي، لاسيما اطروحات مارسيل موس الذي بين بجلاء لا لبس فيه كيف أن النزعة المادية ومنطق اقتصاديات السوق قد أسهم في خلع الانسان الغربي من منظومته القيمية التي كانت تقوم على (الهبات)، وجعلته يتجه نحو منطق المرابحة والمغالبة والاكتناز.

ولقد تقصى موس علة ذلك ببحث ثقافي/ اجتماعي عبر دراسته لما اصطلح عليه بـ(الانسان الكلي) الذي كان يعيش في تواشج او وحدة كلية بين نمط تفكيره وخلجاته النفسية ومنظومته الدينية والاجتماعية مع تماهي تام مع عالم الطبيعة، مما جعل منه آنذاك يمتلك حساً وجدانياً واخلاقياً عبر العيش بشمولية اكثر بل وأعمق.

وأن الانفصال الذي حدث بحسب رأيه هو عبر بروز النزعة الفردانية التي فصلت الانسان عن سائر منظوماته آنفة الذكر، بل أسهمت في تجزئة الانسان من الداخل، وهذا الامر اسهم فيما بعد كما اشار لويس دومون (أحد تلامذة موس) إلى ان الحداثة أسهمت في صناعة انسان غربي معني بذاته لأجل ذاته فحسب، وهذا الامر تحدث عنه فيما بعد تشارلز تايلر الذي بين كيف ان الانسان الغربي تمت صناعة متخيله الاجتماعي بعيداً عن منظومته القيمية او الاخلاقية عبر تشكيل دائرتين ضيقتين هما: دائرتي (اقتصاديات السوق) و(النزعة العلمانية) التي فصلت الانسان الغربي عن نطاقاته الأخروية وبعدها الاخلاقي الموجه في ممارساته الانسانية المتعددة والتي على رأسها الانشطة الاقتصادية.

وجعلت منه مرتهناً إلى اخلاقيات السوق فحسب، وهذا الامر عينه تحدث عنه كارل بولايني، عندما راجع انهيار المنظومة الاخلاقية في ظل تسيّد وهيمنة اخلاقيات السوق القائمة على المصلحة والمنفعة والربح السريع عبر المتاجرة بأي شيء من دون ضوابط ومرجعيات اخلاقية تُعيد النزعة الانسانية للمشهدية الاقتصادية وسائر عملياتها التي على رأسها (عملية التبادل).

ولكن في نهاية الامر دفع الغربيون الثمن غالياً عبر اتساع عدد ضحايا اخلاقيات السوق من مفصولين او مسرحين عن العمل، او افلاس الشركات الصغيرة التي وقعت ضحية هذه الاخلاقيات المادية، وهنا انتبه الانثروبولوجست موريس غودوليه لمغزى التدخل السياسي عبر دعوة (الدولة) هذهِ المرة اصحاب الشركات العملاقة واصحاب رؤوس الاموال بضرورة دفع (الهبات) إلى المعوزين او المحتاجين ودعم بعض الانشطة الاقتصادية مقابل عد هباتهم (كضرائب)؛ وهذا الامر عدّ بنظر غودوليه بمثابة إرغام وقسر للمنضوين تحت (اقتصاد السوق) من الاثرياء لأن يرجعوا إلى السيرة الاخلاقية الماضوية عبر تقديم (الهبات)، والتي كانت سائدة في المجتمعات الغربية قبل انهيار منظومتها الاخلاقية في ظل سياقات العلمنة ومنطق الليبرالية اللذان ضخما الفردانية على حساب كل المعنويات والاخلاقيات.

إننا أمام مآلات خطيرة بلغتها أخلاقيات الاقتصاد الغربي، التي صاغت أو أعادت تشكيل الذات الغربية بنحوٍ جديد، في ظل النزعة الاستهلاكية التي بلغت حد الانهمام أو الانغماس في الثقافة المُتعّية دون سواها، وأصبحت الهم الوحيد لتلك الذات التي أصبحت ترى نفسها وكل متعها بمثابة مركز الكون أزاء النسق القيمي والتربوي الذي أخذ بالتصدع بفعل تصدع مؤسساته الراعية له (الأسرة، المدرسة…الخ)، فضلاً عن الكنيسة التي تخلت ومنذ زمن عن متابعة ذلك النسق القيمي، الذي بدأ يحيا في ظل فضاء عام تهيمن عليه قيمة الثروة التي طغت على سائر عمليات التبادل وأصبحت هي القيمة العليا، مما حد من التبادل الأخلاقي ومنطق ( الهبات ) أمام منطق (الاكتناز) وسياقاته الأخلاقية الإنسانية.

أن مشكلة الحضارة الغربية هي الانزياح الدائم عن أي ثوابت او منظومات اخلاقية وذلك جراء فكرة التقدم ”Progress” التي استولت على ذهنيتهم او متخيلهم الثقافي/ الاقتصادي الناظم لشؤون حياتهم والتي أصبحت تدور في فلك واحد الا وهو التحديث الدائم لـ:(اقتصاديات السوق)، والذي يدعم هذا التوجه المستمر هو سياقات العلمنة التي تجد في فكرة مركزية الانسان الدائمة والمتمظهرة في النزعة (الفردانية) بمثابة المصدر الاخلاقي او المعيار الاوحد لصناعة عالم (القيمة) التي تؤمن به، وبهذا النحو فالعلمانية تسهم في اقصاء دائم ومستمر للدافع او الباعث الروحي الموّجه للمنظومة الاخلاقية في شتى المجالات الحياتية ولاسيما (العمليات الاقتصادية)، مما جعل نطاقات الآنية او الدنيوية التي تعلي من الربح واللذة والمتعة هي الحاكمة والناظمة لأخلاقيات الاقتصاد الغربي برمته.

الهوامش:

*أستاذ انثروبولوجيا الدين بالجامعة المستنصرية، العراق

([1])  د. فوزي عبد الرحمن، الأنثروبولوجيا الاقتصادية : النظرية، المنهج، التطبيق، مطبعة الفجر الجديد، الإسكندرية، ط1، 1992، ص64 – 65.

([2])  د. قيس النوري، الانثروبولوجيا الاقتصادية، مطبعة التعليم العالي، الموصل، العراق، 1989، ص12.

([3])  كارل بولايني، التحول الكبير : الأصول السياسية والاقتصادية لزمننا المعاصر، ت: محمد فاضل طباخ، المنظمة العربية للترجمة، بيروت، ط1، 2009، ص127.

([4])  ينظر : آدم كوبر، الثقافة : التفسير الانثروبولوجي، سلسلة عالم المعرفة، الكويت، ع (349)، مارس، 2008، ص186 – 187.

([5])  المصدر نفسه، ص187.

([6])  Robert B. Edgerton, Sick Societies : challenging the Myth of primitive Harmony, New York : Free Press, 1992, P.23.

([7])  ماثيو أنجيلكه، كيف تفكر كأنثروبولوجي، ت: عومرية سلطاني، الشبكة العربية للأبحاث والنشر، بيروت، ط1، 2020، ص131.

([8])  كريس هان وكيث هارت، الانثروبولوجيا الاقتصادية : التاريخ والاثنوغرافيا والنقد، ت : عبد الله فاضل، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، الدوحة، ط1، 2014، ص31 – 32.

([9])  ماثيو انجيلكه، المصدر نفسه، ص130.

([10])  محمد طلحة، الملاحظة الأثنوغرافية من خلال كتاب ( موجز في الأثنوغرافيا ) لمارسيل موس، دراسة في كتاب : الأنثروبولوجيا الفرنسية : دراسات ومراجعات في أرث أميل دوركهايم ومارسيل موس، مؤمنون بلا حدود للدراسات والأبحاث، الرباط، ط1، 2018، ص446.

([11])  حسن قبيسي، المتن والهامش : تمارين على الكتابة الناسوتية، المركز الثقافي العربي، بيروت، ط1، 1997، ص28.

([12])  مختار مروفل، حول الهدية والمبادلات الإنسانية ونشأة الروابط الاجتماعية، مؤسسة مؤمنون بلا حدود، الرباط، أبريل، 2019، ص3 – 4.

([13])  مارسيل موس، بحث في الهبة، ت: المولدي الأحمر، المنظمة العربية للترجمة، بيروت، ط1، 2011، ص40.

([14])  المصدر نفسه، ص60.

([15])  المصدر نفسه، ص61 – 62.

([16])  Davd Graeber, Toward an Anthropological Theory of value, publisher Ltd. Macmillan press Ltd, New York, 2001, P.36.

([17])  مارسيل موس، المصدر نفسه، ص217.

([18])  لويس دومون، مقالات في الفردانية : منظور انثروبولوجي للأيديولوجيا الحديثة، ت: د. بدر الدين عردوكي، المنظمة العربية للترجمة، بيروت، ط1، 2006، ص41.

([19])  كارل بولانيي، المصدر نفسه، ص144 – 145.

([20])  تشارلز تايلر، المتخيلات الاجتماعية الحديثة، ت : الحارث النبهان، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، الدوحة، ط1، 2015، ص36.

([21])  المصدر نفسه، ص67.

([22])  ريمون بودون، أبحاث في النظرية العامة في العقلانية : العمل الاجتماعي والحس المشترك، ت: جورج سليمان، المنظمة العربية للترجمة، بيروت، ط1، 2010، ص185.

([23])  تشارلز تايلر، المصدر نفسه، ص82.

([24])  المصدر نفسه، ص93.

([25])  المصدر نفسه، ص95.

([26])  إريك هوبزباوم، عصر رأس المال، ت : د. فايز الصياغ، المنظمة العربية للترجمة، بيروت، ط1، 2008، ص476.

([27])  المصدر نفسه، ص479 – 480.

([28])  مارسيل موس، المصدر نفسه، ص225.

([29])  موريس غودولييه، لغز الهبة، ت: د. رضوان ظاظا، دار المدى للثقافة والنشر، دمشق، ط1، 1998، ص6 – 7.

([30])  آلان دونو، نظام التفاهة، ترجمة وتعليق : د. مشاعل عبد العزيز الهاجري، دار سؤال للنشر، بيروت، ط1، 2020، ص202 – 203.

([31])  زيغمونت بومان، الأخلاق في عصر الحداثة السائلة، ت : سعد البازعي، كلمة، أبوظبي، ط1، 2016، ص81.

المصادر:

  • آدم كوبر، الثقافة : التفسير الانثروبولوجي، سلسلة عالم المعرفة، الكويت، ع (349)، مارس، 2008.
  • إريك هوبزباوم، عصر رأس المال، ت : د. فايز الصياغ، المنظمة العربية للترجمة، بيروت، ط1، 2008.
  • آلان دونو، نظام التفاهة، ترجمة وتعليق : د. مشاعل عبد العزيز الهاجري، دار سؤال للنشر، بيروت، ط1، 2020.
  • تشارلز تايلر، المتخيلات الاجتماعية الحديثة، ت : الحارث النبهان، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، الدوحة، ط1، 2015.
  • حسن قبيسي، المتن والهامش : تمارين على الكتابة الناسوتية، المركز الثقافي العربي، بيروت، ط1، 1997.
  • ريمون بودون، أبحاث في النظرية العامة في العقلانية : العمل الاجتماعي والحس المشترك، ت: جورج سليمان، المنظمة العربية للترجمة، بيروت، ط1، 2010.
  • زيغمونت بومان، الأخلاق في عصر الحداثة السائلة، ت : سعد البازعي، كلمة، أبوظبي، ط1، 2016.
  • د. فوزي عبد الرحمن، الأنثروبولوجيا الاقتصادية : النظرية، المنهج، التطبيق، مطبعة الفجر الجديد، الإسكندرية، ط1، 1992.
  • د. قيس النوري، الانثروبولوجيا الاقتصادية، مطبعة التعليم العالي، الموصل، العراق، 1989.
  • كارل بولايني، التحول الكبير : الأصول السياسية والاقتصادية لزمننا المعاصر، ت: محمد فاضل طباخ، المنظمة العربية للترجمة، بيروت، ط1، 2009.
  • كريس هان وكيث هارت، الانثروبولوجيا الاقتصادية : التاريخ والاثنوغرافيا والنقد، ت : عبد الله فاضل، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، الدوحة، ط1، 2014.
  • لويس دومون، مقالات في الفردانية : منظور انثروبولوجي للأيديولوجيا الحديثة، ت: د. بدر الدين عردوكي، المنظمة العربية للترجمة، بيروت، ط1، 2006.
  • ماثيو أنجيلكه، كيف تفكر كأنثروبولوجي، ت: عومرية سلطاني، الشبكة العربية للأبحاث والنشر، بيروت، ط1، 2020.
  • مارسيل موس، بحث في الهبة، ت: المولدي الأحمر، المنظمة العربية للترجمة، بيروت، ط1، 2011.
  • محمد طلحة، الملاحظة الأثنوغرافية من خلال كتاب ( موجز في الأثنوغرافيا ) لمارسيل موس، دراسة في كتاب : الأنثروبولوجيا الفرنسية : دراسات ومراجعات في أرث أميل دوركهايم ومارسيل موس، مؤمنون بلا حدود للدراسات والأبحاث، الرباط، ط1، 2018.
  • مختار مروفل، حول الهدية والمبادلات الإنسانية ونشأة الروابط الاجتماعية، مؤسسة مؤمنون بلا حدود، الرباط، أبريل، 2019.
  • موريس غودولييه، لغز الهبة، ت: د. رضوان ظاظا، دار المدى للثقافة والنشر، دمشق، ط1، 1998.
  • Davd Graeber, Toward an Anthropological Theory of value, publisher Ltd. Macmillan press Ltd, New York, 2001.
  • Robert B. Edgerton, Sick Societies : challenging the Myth of primitive Harmony, New York : Free Press, 1992.

رأي واحد حول “أخلاقيات الاقتصاد الغربي / حفريات أنثروبولوجية”

التعليقات مغلقة.