كتاب طقوس العبور في الإسلام: دراسة في المصادر الفقهيّة

tokus

قراءة في كتاب طقوس العبور في الإسلام: دراسة في المصادر الفقهيّة

تأليف: عبد الرحيم بوهاها 

بقلم: بسام الجمل

صدر عن دار الانتشار العربي في بيروت كتاب”طقوس العبور في الإسلام: دراسة في المصادر الفقهيّة” (الطبعة الأولى، 2009) لعبد الرحيم بوهاها، والمؤلّف باحث ومدرّس في الجامعة التونسيّة، سبق له أن نشر كتابا بعنوان “الإسلام الحركي” عن دار الطليعة في بيروت، وذلك ضمن سلسلة “الإسلام واحدا ومتعدّدا” التي أشرف عليها الأستاذ عبد المجيد الشرفي.

تضمّن كتاب “طقوس العبور” (351 صفحة) -فضلا عن التقديم بقلم عبد المجيد الشرفي والمقدّمة والمدخل المفهومي والخاتمة العامّة- ستّة فصول وزّعت على النحو التالي:

– الفصل الأوّل: طقوس الولادة.

-الفصل الثاني: طقوس الختان.

-الفصل الثالث: طقوس البلوغ.

-الفصل الرابع: طقوس الزواج.

-الفصل الخامس: طقوس الموت.

-الفصل السادس: طقوس العبور. (المؤثّرات والوظائف)

أشار المؤلّف في مقدّمة كتابه إلى أنّ جلّ الدراسات الحديثة والمعاصرة التي اهتمّت بموضوع الظاهرة الدينيّة، اتّجهت إلى دراستها في جانبها النظري فقط دون الالتفات إلى طرق إجرائها في حياة أهل الإيمان وفي سلوكهم وأحوال معاشهم وشؤون تعبّدهم، وهو ما يحوج إلى دراسة أشكال التديّن في المجتمعات الإسلاميّة من خلال جملة من الطقوس والشعائر الدينيّة. وقد برّر المؤلّف اشتغاله بهذا الموضوع بالقول:” اخترنا في هذا العمل التوجّه صوب جانب الممارسة والتطبيق في الحياة الدينيّة، لأنّه الجانب الأقلّ حظّا في الدراسات رغم أهميّته البالغة، باعتباره يشكّل مظهرا من مظاهر التديّن، ويعبّر عن فهم معيّن وتمثّل مخصوص للدين ولمبادئ الرّسالة وقيمها. ولقد آثرنا مقاربة الدين من زاوية الطقوس لا من زاوية العقائد، وإن كان الطقس لا يعرب عن عقيدة تؤسّسه، لأنّ العقائد عادة ما تكون مجالا فسيحا للخوض في قضايا مجرّدة ومتعالية هي من مشمولات علم الكلام وفلسفة الأديان، في حين كان غرضنا النظر في الدين كما فهمه المسلمون ومارسوه في واقعهم التاريخي”. (ص 15)

وقد نبّه المؤلّف إلى أنّ دراسة الطقوس بصفة عامّة، تساعد على التعرّف إلى التصوّرات والعقائد الدينيّة العائدة أوّلا إلى المؤسّسات الدينيّة، التي تراقب تحوّل الدين إلى ممارسة في الواقع التاريخي ثانيا، وإلى المجتمع من جهة مسالك تمثّله للدين ثالثا. وقدّر صاحب الكتاب أنّ دراسة طقوس العبور في الإسلام تستدعي الاستناد إلى مدوّنتين أساسيّتين في الإنتاج الديني الإسلامي، هما الحديث النبوي والفقه. إنّهما مدوّنتان يكمّلان بعضهما بعضا من جهتي المادة واحتضان مختلف المواقف من طقوس العبور الصادرة عن أهل السنّة والشيعة والخوارج.

لقد وقف عبد الرحيم بوهاها عند الدلالة الاصطلاحيّة للطقس (Rite) منبّها إلى أنّ المعاجم اللغويّة العربيّة لم تتضمّن كلمة “طقس” مقابل تضمّنها لكلمات أخرى قريبة من دلالة الطقس من نحو المناسك والشعائر. والمهمّ ههنا هو ضبط السمات والخصائص المميّزة للطقس الديني، وهي أساسا التعبير عن الطقس بواسطة احتفالات ناطقة باعتقادات ما ورائيّة وأيضا اتّصاف الطقس بالتكرار في أدائه وبالثبات في مكوّناته وعناصره. وأمكن للمؤلّف الإلمام الدقيق بدلالة الطقس على الصعيدين السوسيولوجي والنفسي بالإحالة على ما كتبه الرباعي التالي في الموضوع وهم: جان كازانوف (J. Gazeneuve) وروجيه باستيد (R.Bastide) وإيميل دوركايهم (E. Durkheim) وسيغموند فرويد (S.Freud). وخلص من كلّ ذلك إلى القول: “وسواء كانت للطقس آثار اجتماعيّة أو كان في ذاته استجابة لنوازع نفسيّة، فإنّه يحوي نشاطا رمزيّا هامّا يوازي النّشاط الماديّ الظاهر في الفعل الطقسي. وقد لاحظ علماء الأنثروبولوجيا الدينية هذه الخصوصية في النشاط الطقسي والديني عموما. فأبرزوها وجعلوها منطلق أعمالهم (…)، وهو ما فتح المجال أمام بعض الدارسين لرسم الكائن البشري بأنّه كائن طقوسي بالأساس، اعتبارا لما للطقس من قيمة في حياة الإنسان ولحضوره البارز في جميع الأديان” (ص 27-28)

إنّ عبارة “طقوس العبور” هي ترجمة للمصطلح الفرنسي “Rites de passage” الذي استعمله أوّل مرّة عالم الاجتماع الفرنسي أرنولد فان قينيب (A. Van Gennep) في كتاب له صدر سنة 1909 بعنوان “طقوس العبور”. وفيه بيّن أنّ طقوس العبور ثلاثة أضرب هي : طقوس التجميع، (مثل الزواج) وطقوس الانفصال، (مثل الموت) والطقوس الهامشيّة، (مثل الحمل والخطوبة). أمّا في المجال الإسلامي، فإنّ التعبير عن مدلول الطقوس تمّ بواسطة مصطلح “الشعائر” الخاضعة لمبدأي الواجب والثبات فضلا عن تكرّرها بصفة يوميّة، (مثل الصلاة) أو سنويّة (الصوم والحجّ) أو اقترانها بمناسبات محدّدة على نحو ما هو عليه الأمر من طقوس العبور.

فإذا نظرنا في طقوس الولادة ألفيناها تنقسم إلى قسمين، هما: طقوس الأمّ وطقوس المولود؛ فبخصوص طقوس الأمّ، فإنّها ترتبط بما يمنع على المرأة النفساء من أعمال أهمّها ترك الصلاة والصوم والطواف والجماع، فضلا عن سوق قائمة من الممنوعات “الفرعيّة” ـ إن صحّ القول ـ مثل الامتناع عن قراءة القرآن ولمس المصحف ودخول المسجد. ولا تنقضي هذه المحظورات عن المرأة النفساء إلاّ بانتهاء مدّة النفاس التي تتوّج بالغسل، وهو شكل من أشكال “التطهير الطقسي” (ص 61). وساق المؤلّف أهمّ الحجج الفقهيّة الموظّفة في تبرير تلك المحظورات.

أمّا طقوس المولود، فهي تتنزّل ضمن “الطقوس الإيجابيّة”؛ أي الطقوس التي يجب على الجماعة الدينيّة العمل بها وتعهّدها بالتكرار صيانة لها من الاندثار. ومن أبرز طقوس الولادة ذكر صاحب الكتاب: الآذان في أذن المولود اليمنى والتحنيك، (مثل مضغ تمرة بالريق وإعطائها للمولود) والدعاء للمولود بالبركة اقتداء بما كان يفعله الرسول مع المواليد. وقد لاحظ المؤلّف أنّ هذه الطقوس تحضر في كتب الفقه الإسلامي بشكل عرضي بسبب عدم إشارة القرآن إليها البتّة. وفضلا عن ذلك اعتبرت العقيقة من الطقوس الخاصة بالمولود، وتتمثل في ذبح شاة ضمن احتفال يقام عادة في اليوم السابع بعد الولادة. ويدلّ الذبح ههنا على أنّه :”فعل تضحية وتقرب من الله”. (ص 75)، وتستدعي العقيقة حلق شعر المولود الذي ولد به، وهو ما يؤكّد أنّها طقس من طقوس الانفصال، بواسطته يتخلّص المولود من عالم الأمّ ويلتحق بالمؤسّسة الاجتماعيّة. ويتعزّز ذلك الالتحاق بتسمية المولود في اليوم السابع، ومن الأعمال المقترنة بطقس العقيقة تلطيخ رأس المولود بالزعفران، بعد أن كان يلطّخ قبل الإسلام بدم الشاة.

وفي الفصل الثاني، درس المؤلّف طقس الختان (بالنسبة إلى الذكر) أو الخفض (بالنسبة إلى الأنثى). وقد أجمع الفقهاء على أن يتمّ الختان قبل سنّ البلوغ، وعادة ما يتمّ الختان في اليوم السابع من عمر المولود. والمهمّ أنّ الختان “طقس عبور يمكّن الفرد من الارتقاء إلى مرتبة أخرى من مراتب الوجود. إنّه عبور من حالة الطفولة إلى حالة البلوغ، ومن ثمّة الاستعداد للتكليف والمسؤوليّة والفاعليّة في إطار المجتمع الذي سيعيش فيه”. (ص 113). والجدير بالملاحظة أنّ القرآن سكت سكوتا تامّا عن الختان أو الخفاض، وتمّ سدّ هذا الفراغ أو السكوت برواية أحاديث نبويّة عديدة منسوبة إلى الرسول مدارها على وجوب الختان وفضله (صلته بالفطرة وبالطهارة). ونظر الفقهاء إلى ختان الأنثى، باعتباره وسيلة مثلى للحدّ من شهوتها حتّى تستقرّ على حال من الاعتدال يساعدها على صيانة عفافها وشرفها. والحق، أنّ هذا الطقس هو شكل مقنّع ومبرّر تبريرا دينيّا لفرض قيم الذكورة على عالم النساء والتحكّم فيه تحكّما مطلقا ( من تلك القيم جعل متعة الرجل الجنسيّة أكبر من متعة المرأة). ومن أهمّ الطقوس المصاحبة للختان، عرّج المؤلّف على طقس العذيرة، وهو وليمة الختان.

وخصّص الفصل الثالث لدراسة طقوس البلوغ، بوصفه “اللحظة التي ينتقل فيها الطفل، دون إرادة أو اختيار، من الطفولة إلى المراهقة، أو من المراهقة إلى الشباب وبداية الكهولة، ومن وضع سلبيّ مهمّش اجتماعيّا إلى وضع فعّال وإيجابيّ”. (ص 151). وبعد أن نظر المؤلّف في طقوس البلوغ في الثقافات القديمة بطريقة تأليفيّة توسّع في تفحّص مبحث “البلوغ في النّصوص الدينيّة الإسلاميّة، وذلك من خلال محوري اهتمام، هما علامات البلوغ وما يترتّب عليه من أحكام فقهيّة بالأساس. وبغضّ النظر عن اختلاف القدامى في تعيين سنّ البلوغ، فإنّ من أبرز علاماته هي الاحتلام بالنسبة إلى الذكور والحيض بالنسبة إلى الإناث. ومن دلائله الجسديّة الإنبات (أي إنبات الشعر الخشن). ولعلّ من أهمّ استتباعات البلوغ هي اندراج البالغ في “مجتمع المكلّفين، ومن ثمّ نحو مجال الفقه ودائرة عمله وسلطته” (ص 169). وعندئذ يحقّ مثلا، للبالغ أن يشارك في الأعمال الحربيّة التي يخوضها المسلمون تحت اسم “الجهاد”.

واهتمّ عبد الرحيم بوهاها في الفصل الرابع من كتابه بطقوس الزواج، وهي تتوزّع على ثلاثة أصناف، تأتي كالآتي :

طقوس التحضير: وتتكوّن بالأساس من الخطبة والنظر إلى المخطوبة والاستئذان؛ (أي أخذ رأي المرأة في الزوج المتقدّم لخطبتها).

طقوس العقد: وفيه تُستَوفَى أركان العقد وشروطه كما حدّدها الفقهاء من قبيل وجود الوليّ وحضور الشاهدين وتعيين مقدار المهر ودفعه.

طقوس الحفل: وهي تقتضي مشاركة المجموعة في حفل الزواج. وتتمثّل أبرز طقوسه في إعلان الزواج أو إشهاره. وعادة ما يكون ذلك مقترنا بالغناء ونصب الوليمة.

وثبت للمؤلّف بعد التحليل والتفصيل أنّ الزواج “مؤسّسة اجتماعيّة بالأساس تخضع لمتطلّبات المجتمع ولأعرافه وتقاليده وطرقه في التنظيم وبناء المؤسّسات. وإذا حقّقنا في هذه الطقوس جميعا وجدناها اجتماعيّة في جوهرها لا يحلّ الديني منها إلاّ محلّ الوجه الشرعي للعلاقة الزوجيّة”. (ص 229)

وفي الفصل قبل الأخير، تدبّر المؤلّف طقوس الموت في الإسلام. وهي صنفان : طقوس الاحتضار وطقوس الميّت؛ فبخصوص طقوس الاحتضار، فإنّها تتمثّل في الإحاطة بالمحتضر والدعاء له، وكذلك تلقينه الشهادة، ثمّ توجيهه إلى القبلة. أمّا طقوس الميّت (أو الجثّة)، فتشمل الأعمال التالية: إغماض عيني الميّت وتسجيته-الغسل- التكفين- طقوس الجنازة (المشي مع الجنازة والقيام لها، الصلاة على الجنازة، الدفن).

وجاء الفصل السادس والأخير بمثابة العمل التأليفي لما سبق تناوله في الفصول السابقة من الكتاب، إذ بحث المؤلّف في طقوس العبور من جهتي المؤثّرات والوظائف؛ ذلك أنّ طقوس العبور في الإسلام حملت رواسب مرحلة ما قبل الإسلام، وهي رواسب تمّ دمجها على التدريج في المنظومة الطقسيّة الإسلاميّة. أمّا من حيث الوظائف، فقد نهضت طقوس العبور بثلاث وظائف مهمّة هي على التوالي:

الوظيفة الدينيّة: تظهر خاصّة في حالتي الطهارة (عند الولادة والختان والموت) والتضحية (عند العقيقة والختان، إذ يتمّ ههنا “الانتقال بالإنسان من وضع قلق مشوّش إلى وضع مطمئن، بإدراجه في سياق قدسي خارج الإطار الدنيويّ الذي يعيش فيه” (ص 291)

الوظيفة الاجتماعيّة: تساعد طقوس العبور الفرد في الانخراط في الجسم الاجتماعي وفي الانتماء إلى المجموعة، فتتحدّد عندئذ علاقاته الاجتماعيّة ويكتسب هويّته. بعبارة أخرى، إنّ للطقوس وظيفة اجتماعيّة أساسها “توجيه السلوك البشري ومراقبته والتحكّم فيه على نحو إلزامي إكراهي يحدّ من حرّيّة الإنسان ومن اختياراته”. (ص ص 309-310)

الوظيفة النفسيّة: وتتجلّى عبر تحقيق جملة من الرغبات الواعية وغير الواعية، ذلك أنّ الطقوس تيسّر عمليّة العبور من حال إلى حال بطريقة سلسة القصد منها “حماية الشخص من الآثار النفسيّة السلبيّة والانحرافات التي يمكن أن تنجرّ عن حدث العبور”. (ص 319)

والحاصل من جميع ما سبق قوله، أنّ كتاب عبد الرحيم بوهاها جدير بالقراءة والنظر النقدي لطرافة موضوعه وعمق تناوله له. وكان الأستاذ عبد المجيد الشرفي محقّا فعلا في اعتبار هذا الكتاب مساهمة جدّيّة “في تحويل مركز الثقل في الدراسات الإسلاميّة والدينيّة عموما من الجدل العقيم حول النصوص، ومن الخوض في الأحكام المعياريّة والانخراط في منطقها إلى الاهتمام ـ حتّى من خلال النصوص- بالإسلام الحيّ المعيش، وبمظاهر التديّن الملموسة والرهانات التي تخفيها، وهو مستوى جدير بالعناية بدون ريب”. (ص 13)

رأي واحد حول “كتاب طقوس العبور في الإسلام: دراسة في المصادر الفقهيّة”

  1. السلام عليكم نرى في البحث الأنتروبولوجي في الجزائر ينقصه تحليل علمي نفسي لأنه كما نعرف بأن الطقوس الممارسة في المجتمعات كانت سلوكات فردية لكنها خرجت من الفردانية و تطورة إلى الجماعية فكل سلوك يصدر عن الفرد بصفة فردانية لذا فرأيي يكمن في إرجاع هذا السلوك و تحليله تحليل من الجانب النفسي و بعد ذلك تعميم نتائجه و ربطها بعادات و الطقوس الممارسة في المجتمع

    رد

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.