“يوميات نائب في الأرياف” وثيقة أنثروبولوجية خالدة

مع حلول الذكرى الخامسة والعشرين لرحيل الكاتب المصري توفيق الحكيم «9 أكتوبر 1898- 26 يوليو 1987» تأتي إعادة إصدار روايته «يوميات نائب في الأرياف»، مع مجلة الدوحة لعدد سبتمبر 2012.

صدرت هذه الرواية في عام 1937 وترجمت ونشرت بالفرنسية عام 1939 (طبعة أولى) وفى عام 1942 (طبعة ثانية) وفى عام 1974 و1978 (طبعة ثالثة ورابعة وخامسة) بدار بلون بباريس وترجمت ونشرت بالعبرية عام 1945 وترجمت ونشرت باللغة الإنجليزية في دار (هارفيل) للنشر بلندن عام 1947- ترجمة أبا إيبان- وتُرجمت إلى الإسبانية في مدريد عام 1948 وترجمت ونشرت في السويد عام 1955، وترجمت ونشرت بالألمانية عام 1961 وبالرومانية عام 1962 وبالروسية 1961.

ويرى أحمد حسن عوض في تقديمه للكتاب أن سر جاذبية «يوميات نائب في الأرياف» يكمن في تمردها على نسق التصنيف النقدي الساكن؛ إذ تراوح بين ثلاثة من الأجناس السردية، وهي نسق اليوميات المتكئ على بنية التأريخ القصير المنضبط، التي تتواشج مع زمن وقوع الأحداث في اثنى عشر يومًا من 11 أكتوبر حتى 22 أكتوبر، ونسق السيرة الذاتية الذي ينهض على وحدة الهوية بين الراوي الذي يسرد بضمير المتكلم وشخصية وكيل النيابة التي هي في حقيقة الأمر شخصية المؤلف الفعلي توفيق الحكيم، مما يؤكد حيوية التجربة ودفء الواقع الروائي المردوف بفاعلية التخييل، والنسق الثالث هو نسق الرواية الواقعية التي تعنى برسم ملامح الشخصيات وتجيد نسج التفاصيل المترابطة وفضاءات الصراع في عالم الريف.

يقرأ عوض بنية التشويق في رواية الحكيم من خلال البدء بسرد الجريمة مع أولى صفحات الرواية «مقتل قمر الدولة علوان» ويأتي التشويق في البحث عن فاعل الجريمة متواشجًا مع نفس اجتماعي ساخر يغوص في نفسيات الشخوص ويكاد يحفظ ردود أفعالهم عن ظهر قلب، ومتآزرًا في الآن ذاته مع بنية التشبيه البلاغية التي أكسبت السرد مذاقًا فنيًا خاصًا على مستويي السخرية والانفعالات الوجدانية إزاء الفتاة الجميلة ريم رمز الجمال والبراءة في عالم القبح والجريمة.

وإذ دعا إلى تأمل التقنيات الابداعية في هذا العمل قال عوض إن القراء يستشرفون لدى قراءتهم «نائب في الأرياف» فضاءات مغايرة للفضاءات التي رأيناها مع الحكيم في القاهرة عبر «عودة الروح» وفي باريس عبر «عصفور من الشرق».

ويورد الإصدار في ملحق «يوميات نائب في الأرياف» في نظر النقاد الأوروبيين، فهذا هو الكاتب الصحفي الفرنسي الشهير جان لا كوثور يكتب عام 1975 أن الكتاب وثيقة أنثروبولوجية عظيمة وصورة من اكثر الصور أمانة، وأبلغها تأثيرًا لمجتمع القرية في مصر، بسيئاته ومباهجه، بحماقاته وروح التكافل التي تثير الإعجاب فيه.. خلافاته وتماسكه وإخلاصه لكل السمات فيه من زمن بعيد.

ويصفه أيضًا بالكتاب المؤلم بما يذكره صراحة وما يترك لك أن تفهمه، مضيفًا: لأن توفيق الحكيم متفائل في سخريته ولأن مصريته من المق بحيث يمكنه أن يجد في أقسى صور الشقاء أسبابًا للضحك، فإن يومياته هذه يمكن أن تعتبر من الأدب الفكاهي الممتاز.. إنها تذكرنا بأعمال غوغول وتشيخوف. تحقيقاته الجنائية من قرية إلى قرية هي مزيج من النكتة وتقطيب الوجه، وأحيانًا ضربات العصا، روح الفكاهة طبع أصيل، والتعليق اللاذع أسرع من رد الطرف.

فيما يتحدث اندريه روسو قائلاً: «هو ديكنز وادي النيل، بل هو كورتلين أيضًا، لأن روح الفكاهة في تصوير مجالس القضاء تجدها عنده كثيرة بطرق منوعة، فالكتاب مليء بالصور المرسومة بريشة السخرية، والمأساة فيه رابضة في جو مفعم بالأسرار، على أن الأشخاص الشعبيين ومن يعيش في محيطهم من آدميين هم الذين عنى المؤلف بخلقهم خلقًا نابضًا مؤثرًا. إن كورتلين المصري وهو– والحق يقال- أعمق شاعرية من كاتبنا الفرنسي، يثور لهذه الفوضى التي نتجت في الريف المصري، وإن توفيق الحكيم قد استخرج من كل ذلك الحجج التي تحتم الإصلاح، وهذه ليست كل صفات هذا الكاتب الذي يعتبر ممثلاً لأدب مصر المعاصرة».

يبدأ الحكيم نصه متسائلًا: لماذا أدون حياتي في يوميات؟ ألأنها حياة هنيئة؟ كلا! إن صاحب الحياة الهنيئة لا يدونها، إنما يحياها، إنني أعيش مع الجريمة في أصفاد واحدة، إنها رفيقي وزوجي أطالع وجهها في كل يوم، ولا أستطيع أن أحادثها على انفراد، هنا في هذه اليوميات أملك الكلام عنها وعن نفسي، وعن الكائنات جميعًا.. أيتها الصفحات التي لن تنشر! ما أنت إلا نافذة اطلق منها حريتي في ساعات الضيق!

ومن النقد الإنجليزي يورد الملحق ما كتبه نيوباي عام 1947 قائلاً: يعتبر توفيق الحكيم اكبر الروائيين المصريين الأحياء، ويوميات نائب في الأرياف هو أول كتبه التي نقلت ونشرت في اللغة الانجليزية، ما أعجب وأصدق كل هذا الذي في الكتاب.

«إنها المهزلة الخالدة التي تصور فساد الأداة الحكومية وعجز النظم الإدارية عن تحقيق العدالة بين جموع الفلاحين، إن تصوير توفيق الحكيم لرجال الإدارة وانشغالهم بالحملة الانتخابية عن واجبهم لينطوي على اكثر من مجرد الاستنكار.

فيما يصفها د. س. سافاج في مجلة سبكتاتور عام 1947: يوميات نائب في الأرياف ترينا الفقر والظلم في الريف المصري وما يلقاه أبناؤه من عنت وعسف من جانب الإدارة بسبب تطبيق نظم لم تراع عند وضعها أحوالهم وظروفهم. صيغت في قالب ذكريات موظف حكومي مصري يعمل في سلك القضاء.. إن المرارة والسخرية التي رسم بهما توفيق الحكيم هذه الصور لا يمكن أن تنسى.

 

 

المصدر : جريدة الوطن

http://www.al-watan.com/viewnews.aspx?n=E78AA983-B984-49FC-AC29-816F128B6B7E&d=20120831

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.