لقاء علمي حول كتاب- الجسد الأنثوي و هوية الجندر-

تغطية: عبد الرحيم العطري

[email protected]

كيف يتم تمثل الجسد الأنثوي في المجتمع المغربي؟ و كيف يتم تدبيره، من حيث هو إنتاج اجتماعي في منطقة شمال المغرب تحديدا؟ و كيف يتم التعاطي مع هذا الجسد في ظل شرط ثقافي مسيج بكثير من الطابوات؟ و ما الاستراتيجيات التي تؤسس لاشتغال الجسد في ظل هذا الشرط؟
إنها جملة من التساؤلات التي كانت محط نقاش علمي خلال حفل تقديم كتاب” الجسد الأنثوي و هوية الجندر” للدكتورة خلود السباعي، و الذي احتضنه مقر اللجنة الوطنية المغربية للتربية و الثقافة و العلوم بالرباط يوم الجمعة 22 فبراير الجاري.
ففي هذا الحفل الذي أدارته الدكتورة مينة المغاري رئيسة اللجنة و شارك فيه كل من الدكتور إدريس بنسعيد و الدكتور عبد الرحيم عمران بقراءتين نقديتين، كانت أسئلة الجسد تنطرح و تؤسس لمسارات من البحث و التفكير، و تنفتح بالتالي على كثير من التمثلات و القيم و الممارسات التي تبصم الجسد الأنثوي في ظل المجتمع المغربي، من خلال نموذج منطقة واد لاو التي اختارتها الدكتورة خلود السباعي موطنا لاختبار فرضياتها العلمية.
في بداية هذا اللقاء أكدت الأستاذة مينة المغاري على ملحاحية و أهمية طقس تقديم الكتب التي تتقاطع مع اختصاصات و أهداف اللجنة، داعية عموم المثقفين إلى الاحتفاء بالكتاب العلمي و توسيع دوائر النقاش بصدده. لينطلق بعدئذ الدكتور إدريس بنسعيد في تقديم قراءته لهذا الكتاب الثري من حيث موضوعه و تقنياته المنهجية.
بنسعيد أوضح في معرض قراءته بأن العلاقة المتوترة بين مجتمع ما و أجساده تعد مدخلا أثيرا لفهم هذا المجتمع و تفهم القيم و المعتقدات و الاستراتيجيات التي تتفاعل فيه، مؤكدا بأن هذه العلاقة تكتسي أهمية بالغة في ظل مجتمعات الثقافة الإسلامية. فالمجتمع حسب بنسعيد يعيد إنتاج معطياته من خلال المجال و الذات و التقابلات أو الأزواج، و في ظل هذه التقابلات يمكن الحديث عن الذكورة و الأنوثة. ليتحول الجسد وفقا لهذا الزوج التقابلي إلى أهم رهان سياسي. ففي ظل هذا النسق تصر الأستاذة خلود السباعي على مساءلة الجسد الأنثوي، يقول بنسعيد، و بالضبط في مجتمعات شمال المغرب حيث يلعب الجسد دورا مهما في استراتيجيات الشرف و العرض و البركة.
يضيف بنسعيد قائلا بأن كتاب الأستاذة السباعي هو عمل مهم من حيث اشتغاله، كما أنه مهم من حيث انكتابه باللغة العربية، ذلك أن الكتابة بلغة الضاد حول الجسد، غالبا ما تكون مسكونة بالمقدس و أحكام القيمة، و لهذا فإن كتاب” الجسد الأنثوي و هوية الجندر” قد حقق الاستثناء مسائلا الجسد بلغة العلم، ” فنحن أمام نص يؤكد لنا أن اللغة العربية لا تعادي العلم بالمرة”.
كما أشار الأستاذ إدريس بنسعيد إلى أن الكتاب يعتمد منهجا تركيبيا يتوسل بتقنيات قادمة من قارات السوسيولوجيا و الأنثروبولوجيا و السيكولوجيا و اللسانيات و الإستيطيقا، الشيء الذي يجعل منه نصا قويا يستحق القراءة و المناقشة و التفاعل.
الدكتور عبد الرحيم عمران أوضح من جانبه أن هذا الكتاب يتأسس على جهد نظري و ميداني عميق، باعتماد مقاربة نفسية اجتماعية ذكية، تستحضر في اشتغالها ديناميات التحول و التغير في منطقة شمال المغرب و على عدد من المستويات. و هو بذلك، يقول عمران، يبرز المفارقات بين الواقع و المأمول، و يوضح تعدد المرجعيات و تقاطبها، مما يولد لدى المرأة الشعور بالاغتراب، “فنحن أما نماذج و مرجعيات متقاطبة تحاول في ظلها المرأة أن تعيد إنتاج هويتها.
الأستاذ عبد الرحيم عمران حاول في قراءته أن يبرز الواقع الاجتماعي الذي ترتهن إليه المرأة في شمال المغرب، انطلاقا مما انتهت إليه الباحثة، مؤكدا أن كتابها هذا يقدم درسا منهجيا و ثقافيا في اكتشاف تدبير المجتمع لعلاقة أفراده بالجسد، كما أنه يقدم معطيات ضافية عن مجتمع الدراسة و ديناميات التحول و التغير، مما يجعله كتابا جديرا بالاحتفاء و التقدير.
الدكتورة خلود السباعي التي تدخلت بعد تقديم القراءتين اعتبرت ما أثير بصدد كتابها من ملاحظات يفتح مسارات جديدة يمكن أن تشكل مشاريع مقاربات و أبحاث قادمة، مشيرة إلى أن الجسد يعد نافذة لقراءة التغير الاجتماعي و تحديد مسار و مآل هذا التغير.
و أوضحت السباعي أنها اختارت الرهان الأصعب بالاشتغال على موضوع يتسم بالجدة و ندرة المراجع فضلا عن الطابوات و التصورات الماقبلية التي تسيجه. لهذا كان التعاطي مع الموضوع متأسسا على الصرامة العلمية و الاستثمار التركيبي للمناهج و النظريات التي تفيد في قراءة الجسد الأنثوي و تحديد أنماط تدبيره و إنتاجه و إعادة إنتاجه في مجتمع الدراسة. إلى ذلك تفضلت الدكتورة خلود في ختام اللقاء بالإجابة عن تساؤلات الحضور التي توزعت على استراتيجية الاشتغال و سؤال المنهج و تدبير العلاقة بين الواقع و المأمول.
يذكر أن الدكتورة خلود السباعي تنتمي معرفيا إلى قارة علم النفس الاجتماعي، كما أنها قادمة بالتحديد من مدرسة القلق الفلسفي، حيث سبق لها أن مارست تدريس الفلسفة و الفكر الإسلامي بالتعليم الثانوي، قبل أن تلتحق بكلية الآداب و العلوم الإنسانية بالمحمدية و تكرس الكثير من جهودها المعرفية لمساءلة الجسد الأنثوي و قضايا النوع و التنمية فضلا عن تفكيك الاتجاهات المتصلة بالذات و الآخر، و ذلك وفق مقاربة تتوكأ في اشتغالها على خلاصات الدرسين السيكولوجي و السوسيولوجي.
يذكر أخيرا أن الكتاب موضوع الاحتفاء يقع، كما أوضح الدكتور بنسعيد، في 403 صفحة من القطع الكبير، و يتوزع على مقدمة تتناول تعريف الجسد و بابين ينفتح أولهما على ثلاثة فصول تنشغل بالجسد الأنثوي في ظواهره المجالية و الإنجابية و الصحية و أبعاده القيمية و الأخلاقية، كما ينهجس ثانيهما بمفهوم الهوية و الجندر و الهوية الأنثوية و هوية المرأة القروية بمنطقة واد لاو.
و في ختام هذا اللقاء جددت الأستاذة مينة المغاري رئيسة اللجنة الوطنية المغربية للتربية و الثقافة و العلوم بالرباط شكرها و تقديرها لكل من حضر و ساهم في إنجاح هذا اللقاء العلمي الذي شكل فرصة أمام الباحثين للتفكير في مسارات جديدة للسؤال.

المصدر:الحوار المتمدن

رأي واحد حول “لقاء علمي حول كتاب- الجسد الأنثوي و هوية الجندر-”

  1. بالطبع ، يعد الجسد احدى اهم المواضيع التي لا يزال تناولها بالدراسة و التحليل طابوها ، و من الجيد تيجاد مواضيع مثيلة فهل من الممكن الحصول على نسخة الكترونية او رابط لمطالعة الكتاب ؟
    مشكورون مسبقا

    رد

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.