تحول البنيات الاجتماعية الصحراوية – من القبيلة الى المدينة

الصحراء

قبيلة الأرباع نموذجا

طلحة بشير

مقدمة :  

تعالج هذه الورقة موضوعا تم هجرانه ولسنوات عديدة ضمن البحوث الاجتماعية في الأوساط العربية ، نظرا لارتباطه بحقبة تاريخية سابقة ، ولكن عودة بروز المعطي القبلي  و تمظهراته المختلفة في مجالات متعددة ، بل وقوة حضوره كمعطي فاعل في تحريك الأحداث استدعى إعادة استنطاقه ، واستحضار الأجهزة المفاهيمية التي عولجت بها هذه الظاهرة تاريخيا ، والتي أظهرت قصورا في تفسيرها وفهمها ، نظرا للتحولات التي طالته بنية وشكلا ، وعليه فان هذه الورقة تقترح قراءة واقعية للمعطي القبلي ومدى حضوره ، من خلال بعدين ، البعد الأول يركز على تتبع السيرورة التاريخية للقبيلة كبنية اجتماعية حاضرة في مجتمعاتنا ومهيمنة في كثير من الأوقات ، ويأخذ مثالا على ذلك قبيلة استطاعت تاريخيا أن تتموقع في الفضاء الاجتماعي والجغرافي عرف بشساعته وبالحضور القوي للبنية القبلية .

كما تتبع أهم التغيرات الحاسمة التي طالت تاريخ هذه القبيلة ، ولاسيما بنيتها الاجتماعية والسياسية والمجالية ، وعلاقتها بالعملية التحديثية التي تبنتها الدولة الوطنية والتي سعت الى تحجيم دورها والحد من نفوذها ، و القضاء عليها باعتبارها معطي نكوصي يتعارض و ايديولوجية الدولة الحديثة ، فما مدي نجاح هذا المشروع ؟ وما هي حدود هذه التحولات ومجالاتها ؟ وهل استطاعت بالفعل القضاء على القبيلة ؟ وما تبقي منها في ظل التغيرات التى تشهدها مجتمعانتا ؟

1/ القبيلة المفهوم والسيرورة :

يعد مفهوم القبيلة من بين المفاهيم الأكثر إثارة للجدل والنقاش ، بين العلماء والمختصين الذين ينتمون الى حقول معرفية متعددة ، ساهمت بدورها في تقديم رؤى ومقاربات مختلفة للظاهرة القبلية بحكم هذه التخصصات والميادين ، التي دأبت تشتغل بها منذ عقود خلت محاولة فهم دينامكيتها و تمظهراتها المختلفة ، فقد قدمت محاولات مبكرة للتأسيس للمفهوم ، بداية من ابن خلدون خلال القرن الرابع عشر ومرورا بالمساهمات المختلفة للمدرسة الكولونيالية وروادها ووصولا الى الانتربولوجين القرن التاسع عشر والعشرين وأخيرا القراءات الحداثية في ظل التغيرات التي يشهدها العالم ، ولا يمكن إهمال مشاريع إعادة القراءة ومساهمات الفكر المحلي في صياغة المفهوم وتحديده ، ولكن رغم هذه المجهودات يبقي المفهوم يكتسي حالة من اللبس والغموض  يبدو أنها لا تنجلي إلى باقتراح إعادة قراءة تأخذ بالحسبان المؤشرات الواقعية المؤسسة للمفهوم .

وعليه فإننا نقترح ولا ندعي الوصول الى تحديد نهائي لمفهوم القبيلة لان ليس هذا مبتغانا من البحث ، بل الى تقديم رؤية أساسها المساهمة في فهم الواقع وتفسيره انطلاقا من الواقع ذاته ، اخذين في الاعتبار جملة من الأمور أهمها ، النظر للقبيلة كمرحلة تاريخية معيشية مرت بها المجتمعات وليس كمفهوم نظري مجرد عن الواقع ، لا يمكن الحديث عن اضمحلاله بل عن تمظهراته المختلفة ، واعتبارها بنية اجتماعية تخضع للتحولات والتغيرات المتتالية التي يشهدها العالم كغيرها من المؤسسات الاجتماعية الأخرى ، وبالتالي لا يمكن تصورها كمعطي ثابت قابل للتعميم في جميع الحالات والمراحل ، بل هو معطي متحول ذو جوهر ثابت ، أو معطي سوسيو تاريخي متعدد الأوجه والتفريعات ، ولعل هذا ما يجعله حمالا للعديد من المعاني والتأويلات ، ومنه فإننا نتتبع بلورة المفهوم من خلال السيرورة والتطور التي صبغت تشكله وفق التالي :

1.1/ القبيلة المؤسسة (المشروع)[1]: القرن الرابع عشر

تعد مساهمات ابن خلدون سباقة في فهم دينامكية المجتمعات المغاربية ، من خلال بناء منظومة مفاهيمية متماسكة ومتجانسة ، شكلت القبيلة إحدى ركائزها ، رغم الانتقادات التي وجهت له فيما يخص تحديده لمفهوم القبيلة ، ولكن يمكن اعتبار هذه الانتقادات مشاريع بنيت على أنقاضه ، وبذلك يعود له الفضل في الأسبقية في توضيح دور القبيلة في بناء الأنظمة السياسية وزوالها ، فهو يميز بين صنفين من القبائل ، ” قبائل خاضعة ومنقادة وضعيفة التلاحم ، وبالتالي فاقدة لقوة العصبية ومنفعلة بالتاريخ ، ثم قبائل قائدة مسيطرة وشديدة الاندماج ، وذات عصبية ، فاعلة في التاريخ ومحركة للتطور المجتمعي ” [2] ، هذه العصبية تؤهلها لتولي السلطة والاستئثار بالحكم دون القبائل الأخرى ، وبالتالي بناء الدولة و يدلل ابن خلدون على ذلك بشواهد تاريخية من التاريخ العربي وصولا الى وقته ، لتدخل فيما بعد القبائل في أزمة ما يمكن تسميتها بأزمة القبيلة المشروع ، حيث فقدت القبائل فاعليتها وحركيتها وخاصة مع بداية القرن الخامس عشر ، او تحديدا بعد استيلاء الأتراك على تونس والجزائر وإحكام السعديين سلطتهم على المغرب واختصاص الشرفاء بذلك .

نحن هنا أمام مرحلة تاريخية وحضارية مهمة للقبيلة دور في صياغتها وتكوينها ، وبالتالي بالمفهوم الخلدوني القبيلة كيان واقعي حاضر بقوة ، وان كان يبني على أساس وهمي ألا وهو النسب ، وهذا ما جعل الأطروحة الخلدونية تقع في تناقض بين إثبات وجود القبيلة من عدميته ، فكيف يمكن لنا الإقرار بدور القبيلة وفي نفس الوقت عدم الاعتراف بوجودها ؟

للإجابة على هذا الإشكال الاصطلاحي في تحديد معني القبيلة لدي ابن خلدون ، قدمت العديد من الدراسات والأبحاث ، التي سعت إلى تتبع تشكل المصطلح لدى ابن خلدون ، من أهمها دراسة بيرك حول القبيلة والتي اثنا فيها على المجهود المتفرد الذي قدمه ابن خلدون والذي تفتقد له جل الدراسات فيما بعده [3]  .

بالرجوع الى تاريخ ابن خلدون يتضح لنا كيف بني الأحداث انطلاقا من النسب كما جرت العادة عليه لدى المؤرخين العرب وهنا ” لا يمكن فهم المقدمة منهجيا دون ربطها بالتاريخ ” [4] ، مما يطرح أسبقية المقدمة على التاريخ أو العكس ، وإذا تبنينا الرأي الثاني تصبح المقدمة عملية نقدية للتاريخ واستنتاج له ، وهنا يمكننا الإشارة إلى المنحي الذي ناقش به ابن خلدون مفهومه ، والمتمثل في إضفاء الصبغة الوظيفية للنسب ، إذ تظهر ” فائدته في الالتحام الذي يوجب صلة الأرحام ” [5] ومادون ذلك ” شئ وهمي “[6] ، وهذا الطرح سابق لعصره ، يتقاطع و الطروحات الحديثة في السوسيولوجيا والانثربولوجيا ، ولاسيما مع تفسيرات ليفي ستروس لنظام القرابة ” فهو نظام ثقافي ليس له وجود إلا في وعي البشر ” [7] ، ليتم التفريق بين ما هو طبيعي بيولوجي وثقافي حضاري  ، وهذا هو التفسير الأسلم الذي يمكننا أن نفهم على ضوئه النسب .

2.1/ تراجع سلطة القبيلة : من القرن 15 الى القرن 17

تقدم القراءة الخلدونية للواقع المغاربي خلال القرن الرابع عشر ، تشخيصا للأوضاع السياسية والاجتماعية التي وصلت إليها دول المغرب ، والمتمثلة في الانقسام والتناحر بين الدويلات التي ظهرت على أنقاض القبيلة الدولة المترامية الأطراف والتي كانت مشروعا توسعيا شموليا ، كما حدث مع المرابطين والموحدين ، هذا الضعف السياسي أدي الى تنامي الأطماع الخارجية ، من خلال الهجمات التي شهدتها السواحل المغاربية ، وغياب الشعور الجمعي بضرورة الدفاع عن أراضي المسلمين ، ساهم ذلك في تشكل حركة مرابطية صوفية بديلة ، بداية من القرن الخامس عشر تدعو الى ضرورة رد الاعتبار الى فريضة الجهاد والاصلاح الداخلي ، اتخذت من الايدولوجيا الدينية المؤسسة على النسب الشريف والكرامة قاعدة لها  وهنا تظهر الزاوية كمؤسسة اجتماعية فاعلة خلال هذه الفترة وبقوة من خلال ما كانت تقوم به من وظائف اجتماعية مكنتها من الدخول في النسيج الاجتماعي والتموقع بداخله ، وترسيخها لثقافة الولاء والطاعة والانصياع لأوامر الشيخ جعلها من الناحية السياسية طرفا فاعلا في اتخاذ القرارات والمشاركة فيها ، ويمكن هنا افتراض ثلاث نماذج[8] ، تمثل وضعيات مختلفة لمؤسسة الزاوية ومزاولة دورها في الحياة السياسية والاجتماعية .

النموذج الاول يتمثل في سيطرة الزاوية على السلطة واتحاد السلطة السياسية و الدينية ممثلة في الشخصية الكرزمية لشيخ الزاوية وانفراده بالتسيير .

فيما يتمثل النموذح الثاني في عملية الولاء والتحالف بين السلطة السياسية الجماعة الحضرية والزاوية واعتبارها كشريك او داعم للسلطة .

النموذج الثالث يتمثل في حالة الصراع بين النظام السياسي التقليدي والزاوية ، مع ملاحظة هنا انه لا يعني الانفصال الكلي عن نظام الزاوية ، ففي المغرب العربي لا يمكن الحديث عن سلطة سياسية دون ان تكون مدعمة بخلفية دينية ، وبالتالي هنا النزاع بين جماعة حكم وزاوية ضد زاوية اخرى .

3.1/ الاجتثاث : المرحلة الاستعمارية

مست هذه المرحلة جوهر البنيات الاجتماعية لجزائر ماقبل الاستعمار ، بطريقة ماكرة وذكية تخدم بدرجة كبيرة السياسة الكولونيالية ، وقد شكلت القبائل منذ الوهلة الاولي ” عائقا أمام ” تحقيق أهداف ، التوسع الاستعماري ” [9] ، مما جعل السياسة الفرنسية تستهدف تدمير القبائل وتفتيتها بطريقة ” شاملة ومستمرة ” [10] ، عبرت عنها مجمل التشريعات التي أصدرتها الإدارة الفرنسية تحقيقا لذلك ، فقد توالت التشريعات والقوانين المتعلقة بالملكية العقارية للقبائل ، والتي كانت من نتائجها تأميم ملكية الأراضي العرشية والاحباس والبايلك ، لفائدة المعمرين الجدد ، وتجسد ذلك في قانون مجلس الشيوخ  ، والتي كانت من نتائجه ” تهجير المزارعين ونزع ملكيتهم وإجبارهم على التنقل إلى مناطق أخري ومحاصرتهم وتوطينهم وإرغامهم على الاستقرار في أماكن تساعد السلطات الاستعمارية على مراقبتهم ومحاولة احتوائهم ” [11] .

لم تنعكس سياسة الاجتثاث والتفكيك اجتماعيا  ، بل كان لها ” مضاعفات ليس على الصعيد الاقتصادي فحسب ، بل على المستوى الإنساني والنفسي أيضا ” [12] ، والذي استمرت تداعياته إلى مرحلة بناء الدولة الوطنية .

4.1/ النكوص : الدولة الوطنية وتحجيم دور القبيلة

اعتبرت القبيلة خلال هذه المرحلة كمعطي نكوصي رجعي ، المحافظة عليه يعيق أي عملية تحديثية يراد القيام بها ، وعليه وخلال تبني الدولة الوطنية لإيديولوجية تحديث المجتمع وتطويره استنادا الى مشاريع تصنيعية ومكننة واسعة مست جميع القطر الوطني ، واعتبرت أن أللالتفات إلى أي معطي له علاقة بالبنيات التقليدية ممارسة أو ثقافة هو أمر رجعي يجب محاربته .

كما سيطرة خلال هذه المرحلة ايديولوجية الحزب الواحد على الأوضاع وأسست لولاءات جديدة بمقابل الولاءات التقليدية وقلصت هامش تحرك القبيلة وسيادتها مجاليا ، بجملة من الاجراءات والقوانين الهادفة الى تجميع و توطين البدو الرحل في قري اشتراكية وهذا ما نصت عليه مبادئ الثورة الزراعية[13] ، ولكن الحدث البارز الذي كان له تأثير مباشر على حركية القبائل والبدو الرحل هو عملية التصنيع الكبري والتي كانت متمركزة أساسا في مدن الشمال والساحل ، وهذا ما شجع على تنامي الهجرات الريفية باتجاه المدن بحثا عن العمل والاستقرار ، كما ساهمت سياسة إجبارية التعليم ومجانية العلاج في خلق ظروف جاذبة باتجاه المدن والحواضر ، وتدعم الإحصاءات المسجلة خلال هذه العقود نتائج هذه السياسة[14] التي أدت إلى تضخم وانفجار المدن ، بسبب وتيرة التحضر المتسارعة والعنيفة في نفس الوقت ، وهذا ساعد على تواصل عملية الاجتثاث التي بدأت خلال  المرحلة الاستعمارية ، باختلافات في الغايات والأهداف و المستويات .

كما كان من نتائج هذه السياسة تغيب أي خطاب يسعي الى توظيف المعطي القبلي او يظهر ميلا باتجاهه ، ومنعه بالتداول في الفضاءات العامة ، التي كان يراد لها الالتفاف حول المشروع الوطني الموحد .

5.1/ البعث : إحياء للنزعة القبلية

لم يكن يتصور انه بعد حوالي ربع قرن من الاستقلال ومن سيادة منطق الدولة الوطنية التحديثية ، يمكن للنزعة القبلية أن تبعث من جديد وتظهر بالقوة التي أظهرتها بها أحداث سنوات التسعينات التي فتحت المجال أمام التعددية الحزبية والممارسة السياسية التي عبرت خارطتها الحزبية عن تقسيمات ذات طابع اثني وقبلي عرشي في كثير من المناطق ، لتصبح بذلك الممارسة السياسية لا تخلو من صفة النزعة القبلية التي يتم استدعائها في كل فعل سياسي مهما كان مستواه ، وهذا هو المجال الأقوى لبروز النزعة القبلية مقارنة بمجالات أخرى تبدو اقل حضورا ، كالمطالب الاجتماعية التي بدأ يعبر عنها في كل مناسبة بشكل واضح وجلي ، تقسيم قطع الأراضي المخصصة للسكن ، التشغيل …الخ من القضايا ذات الشأن الاجتماعي .

كما أُعيد إحياء كل الممارسات الثقافية و الطقوسية والرمزية ذات البعد القبلي العرشي والذي يتجسد في الوعدات والمناسبات الدينية التي تتمركز حول جد القبيلة ، وحتي تسميات بعض الدواوير والقري بني فلان او فلان ، ولا يمكن استبعاد الفعل الاحتجاجي الذي ملء الفضاءات العامة وبدأ يظهر كآلية للتعبير والرفض ، من النزعة القبلية ، مما يدعم فرضية البعث والإحياء للقبيلة التي كان يعتقد الكثير بزوالها ، بل أدت الأحداث المتتالية الى تمظهرها وبروزها في العديد من المجالات والمناسبات ، واثبات قدرتها على التأثير في الأحداث .

ولعل ما يدعم ذلك هو الأحداث الأخيرة التي أظهرت فشلا في مشاريع الدولة الوطنية والتي يمكن ملاحظتها في العديد من الدول ، ليبيا واليمن والعراق وسوريا ، وحالات التمزق السياسي ، فيما الدول التي حافظت على كياناتها ، كانت تعيش حالة الا توازن بين القيم التحديثية والمواطنة والقانون وقيم القبيلة والعشيرة ، اي بين قيم الحداثة والنزعة القبلية وهذا كله يستدعي إعادة صياغة لمفهوم القبيلة في ظل ما تشهده الدول الوطنية  وحالات التناقض التي تعيشها الذات العربية نفسيا واجتماعيا .

 

2/ دراسة حالة : قبيلة الأرباع

تعد قبيلة الأرباع من بين أهم قبائل منطقة الاغواط وضواحيها ، الواقعة شمال صحراء الجزائر ، ولا ترجع أهميتها إلى القيمة العددية[15] فقط بل تكمن في أنها تقع بين حضور قبيلتين قويتين ، أولاد نايل في الشمال الشرقي وأولاد سيدي الشيخ في الجنوب الغربي ، فالمحدد الجغرافي اكسبها قوة أهلتها منذ تواجدها بالمنطقة ، ” حوالي ثلاثة قرون ونصف “[16] من لعب دور هام وبارز خلال الأحداث ، بداية من التواجد التركي ومرورا بدولة الأمير عبد القادر ودخول الاستعمار الفرنسي الى مرحلة الاستقلال والبناء ، و زادت أهميتها و توسع نفوذها وامتدادها مجاليا واجتماعيا كما سنوضح ذلك لاحقا .

1.2/ الأصول :

من المتعذر تحديد الأصول السلالية لانحدار قبيلة الأرباع ، كما هو متعارف عليه لدي القبائل الأخرى ، وخاصة ذات الجد المشترك المؤسس سواء كان أسطورة أم حقيقة ، فلم تصلنا أخبار مكتوبة أو محفوظة في الذاكرة الشعبية تشير الى انحدارها من جد مشترك يتم ربطه في الغالب بشجرة انساب شريفية او عربية ، وهذا الغياب سوف يكون له اثر واضح على مكانة القبيلة وعلاقتها بالقبائل الأخرى ، باعتباره محدد رئيسي للقبيلة خلال هذه المراحل ، سنتطرق له فيما بعد ، ولكن كل ما تتفق عليه المصادر والمراجع وتقره الذاكرة الشعبية هو قدومها من خلال الهجرات من الشرق باتجاه الغرب واستيطانها عبر مراحل بمنطقة بوكحيل[17] قبل دخولها لمنطقة الاغواط ، وبالتالي يتم ربطها والبحث عن العلاقة بينها وبين القبائل التي تسكن الجهة الشرقية ، وهو المتغير الذي بنى عليه العديد من الباحثين فرضياتهم حول هوية القبيلة وأصولها ، وتبعا للهجرات فهي تسير دوما باتجاه محور (شرق غرب) وهذا ما يتوافق والهجرات الهلالية العربية ، واستنتج من خلاله أنها قبائل عربية خضعت لنفس حركية الهجرة المعتادة ، فيما ذهب البعض الى اعتبارها قبائل بربرية تعربت[18] ، ويدعم هذا الراي كل من الحاكم لورو ” الذي اعتبرها من اكبر القبائل الهلالية التي كانت منذ قرون عديدة تسكن الزاب ” [19]  ، فيما ذهب درمنقام الى نفس الراي واعتبرها ” قبائل نازحة مع بني هلال من منطقة الزاب ” [20]

وأمام هذا الغموض يبقي الاسم هو الدلالة الوحيدة التي يمكن استنطاقها ومناقشتها ، وإمكانية تدعيم الفرضيات التي بنيت عليها ، بخلاف حركة الهجرة التي تعتبر خاصية مشتركة بينها وبين العديد من القبائل الأخرى ، وعليه سنناقش أهم ما ورد حول تسمية القبيلة .

2.2/ التسمية : أرباع أم لرباع ؟

تعرف القبيلة تاريخيا باسم لرباع وهي التسمية المحلية التي يتداولها سكان المنطقة منذ زمن بعيد ، وعليه يتم في الغالب تعريب الكلمة الى (الأرباع) والبحث في قواميس ومعاجم الشعوب والقبائل حول أصول التسمية وهذا انحراف حذر منه بيرك[21] عندما أشار الى أن تتبع التسمية لا يمكن التعويل عليها في معرفة القبائل ، إضافة إلى أنها الطريقة السهلة في التقصي والبحث بالنسبة إلى العديد من المهتمين بتاريخ المنطقة ، ومنه سنقدم أهم الآراء الواردة لبعض الباحثين في هذا الشأن .

تشير كلمة لرباع الى أربع فرق المكونة للقبيلة وهي : ( المعامرة ، الحجاج ، اولاد زيد ، اولاد صالح ) ، ” حوالي سنة 1635 نزح كل من فرقة الحجاج والمعامرة نحو الغرب واستقروا في الاراضي الواقعة تحت جبل بوكحيل ” [22] ، وهذا الراي هو الاكثر تداولا بين المهتمين .

ويري ايف بونيت وهو من اهم الدارسين لقبيلة الارباع في اطروحته ، ” ان الارباع مشتقة من أربعة والتي تكون قد تغيرت بفعل الاستعمال عبر الزمن الى الأرباع ، فتجمع الفرق الأربعة  كل فرقة تعتبر ربع  « quarts » ، وهذا الطرح ورد لدي احد الضباط الفرنسين وهو الملازم لاكيير (LAQUIERE) النائب الاول بالمكتب العربي بالاغواط ، و هو الاقرب ،  ويوجد معني اخر وهو تجميع او الاتحاد الكونفدرالي الارباع ( les quatre)” [23]

وهناك راي ثاني للباحث عطالله دهينة يوضح في بدايته معني الكلمة ” أرباع (les « Arbâa »)  التي تعرف رسميا بـ لرباع ، وهي كنفدارلية لتجمع البدو الرحل الملحقة بمدينة الاغواط ، و تعد من اكبر القبائل الرحل بين التل والسهول الصحراوية وتمتد اراضيهم من بني ميزاب الى الجنوب الوهراني ، ويمتهنون تربية الماشية والابل ” [24]

بالرجوع الى المصادر المكتوبة قبل المرحلة الاستعمارية ، لم نجد ضمن مركبات القبائل المتواجدة بالزاب اسم الارباع ، مما يوحي بان الاسم جاء متأخر عن مرحلة الهجرة نحو الجهة الغربية وبالتالي قد يكون الاسم ارتبط بالقبيلة بعد وفودها للمنطقة ، وحول الهجرة نلاحظ ان القبائل التي هاجرت ليست اربعة بل قبيلتان والثالثة التحقت متأخرة فيما بعد لم تغادر فرقة أولاد زيد وهي الفرقة الرابعة منطقة الزاب ، وهذا يرجح تبني معني الربع .

فيما يخص التجمع الذي أشار إليه الأستاذ دهينة ، نرجح أن القبيلة لم تأخذ شكل الكنفيدرالية إلى بعد التحامها مع بعض القبائل الأخرى والتي سوف نوضحها .

3.2/ الالتحام وتشكيل الكونفيدارلية :

تشير المراجع كما مر معنا إلى أول كنفيدرالية مصغرة ، تمثلت في الفرق الأربعة المكونة للقبيلة ويوضح الجدول التالي اسمائها وتاريخ نزوحها الى المنطقة :

الجدول رقم (01) : قبائل الارباع وتاريخ نزوحها لمنطقة الاغواط

فرق قبيلة الارباع سنة النزوح
المعامرة حوالي سنة 1636
الحجاج حوالي سنة 1635
اولاد صالح اواخر نهاية القرن السابع عشر
اولاد زيد لم تغادر مناطق تواجدها بالزيبان

المصدر : الباحث

حتي القرن السابع عشر حافظة القبائل على دينامكيتها من خلال التحالفات والولاءات التي تعقدها مع البعض و الصراعات التي تديرها مع اخرى ، وهذا ما حدث خلال التحاق قبيلة الارباع بالمنطقة ، فلم تكن الارض خلاء بل كانت تستوطنها مجموعة من القبائل تم استبعاد بعضها والدخول مع اخرى في تحالف ، فحسب ما تذكره المجلة الافريقية ” ان القبائل الموجودة بالمنطقة قبل سنة 1660 ، تمثلت في كل من ، قبيلة اولاد يعقوب وقبيلة الزناخرة وقبيلة الحرازلية وقبيلة البواعيش وسيدي عطالله” [25] .

بسبب النزاع الذي حدث بين قبيلة أولاد يعقوب و أولاد رحمان عادت فيه الغلبة الى هذه الاخيرة وتحديدا سنة 1660 ، تم استبعاد قبيلة أولاد يعقوب باتجاه الغرب نحو جبال لعمور ، واستطاعت قبيلة الارباع أن تؤسس لتحالف بينها وبين قبيلة اولاد رحمان ، وتصبح جزء من مكونات المنطقة ، وهذا بين فروع القبائل المختلفة ، أولاد إبراهيم وأولاد خليفة مع المعامرة أولاد عيسي والزكازكة من جهة والمطالية ونويرات مع الحجاج وتحديدا أولاد ويس وأولاد ورقلة من جهة أخرى .

هذا التحالف قد وسع من نفوذ القبيلة وجعلها تسيطر على أراضي كبيرة وتقوي شوكتها من خلال الاتحاد والالتحام ، و تم إبعاد العديد من القبائل التي كانت تسكن المنطقة والتي كانت أهمها قبيلة أولاد يعقوب باتجاه الغرب والزناخرة والبواعيش باتجاه الشمال .

وعلى مرور الزمن استطاعت أن توسع تحالفاتها مع العديد من القبائل ، بل أصبحت تضم حوالي عشر قبائل هي أولاد سيدي سليمان و أولاد بن شاعة الحجاج الزكازكة المعامرة المخاليف العبابدة أولاد صالح أولاد بوزيان أولاد سيدي عطالله ، وهذا ما أعط الكنفيدرالية الموسعة التي ضمت كل هذه القبائل تسمية  كنفيدرالية الأرباع ، و” تحديدا سنة 1875 يمكن الحديث عن كنفيدرالية حقيقية ، مكونة من حوالي عشر قبائل تحت امرة حاكم واحد ، لتشكل بذلك اكبر قبيلة بدوية منتجعة ، تمتد أراضيها من ريغ الى السرسو ” [26] ، وأكثر من ذلك تصبح كلمة لرباع تدل على حالة اجتماعية إشارة إلى كل البدو الرحل المحيطين بالمدينة ، كما يطلق عليهم اسم العروبية بمقابل سكان القصور الذين يسمون القصورية .

4.2/ القبيلة بين الخضوع والتمرد :

يمكن تسجيل ثلاث محطات تاريخية هامة ، كان لقبيلة الارباع دور كبير في إدارتها والتحكم في مجرياتها وهذا قبل دخول الاستعمار الفرنسي للمنطقة ، تتعلق المحطة الاولي بعمليات الإخضاع المتتالية التي حاول الأتراك فرضها على المنطقة بكل مكوناتها ، القبلية والقصورية ، ولم تفلح هذه العملية ، نظرا للطابع التمردي لهذه القبائل وخضوعها لسلطة المشايخ والرؤساء ، بخلاف السلطة المركزية ، كما كانت تتمتع بحرية التنقل في الأراضي الشاسعة الممتدة جنوبا .

ففي سنة 1727 باي لمدية شعبان الزناقي ينظم حملة باتجاه المنطقة ويفرض ضريبة سنوية قدرت ب 700 ريال ، فيما سنة 1784 باي لمدية مصطفي جاء لمدينة الاغواط لإرغامها على دفع الضريبة ، لكن لم يستطع إخضاعها بسبب المقاومة التي لقيها ، فيما نضم باي الغرب الجزائري محمد الكبير حملة كبيرة نحو مدينة الاغواط وضواحيها ، سجل مجرياتها في رحلته التي عنونها بـ ” رحلة محمد الكبير باي الغرب الى الجنوب الصحراوي الجزائري ” ، وأشار فيها الى العلاقة بين سكان القصور والقري بالقبائل المجاورة وكيف أنها كانت دعما قويا لها ” فجائتهم الاجناد حتي ظنو انه لايصلهم احد الى البلاد “[27] ، وانتهي هذا الإخضاع بالدخول في مفاوضات كان لشيوخ القبائل دور بارز فيها .

كما تشير المصادر الى محاولات الإخضاع والتدخلات في مناسبات عديدة لملوك المغرب ” مولاي محمد سنة 1647 و1650 الذي استطاع الاستيلاء على تلمسان ووجدة ومن ثم عين ماضي والاغواط ، وكذلك ” السلطان مولاي عبد المالك سنة 1708 ، الذي قدم على راس جيش لمدينة الاغواط ” [28] .

5.2/ القبيلة ضد الدولة :

المحطة التاريخية الثانية والتي تدعم فرضيات تمرد الهوامش والأطراف للخضوع تحت اي حكم مركزي يجردها من سلطتها المحلية ، وبالتالي إثبات الحضور القوي لمنطق القبيلة الذي كان يفرض نفسه على الصعيد السياسي والاجتماعي وكذا الاقتصادي ، وهذا ما حدث خلال مشروع الامير عبد القادر في محاولة تأسيس دولته ، فخلال مرحلة الحكم التركي ، كانت الغلبة السياسية والاقتصادية بيدي البوادي والأرياف بخلاف ” المدن التي كانت تمثل الهامشية آنذاك ، فغالبية السكان من الأرياف بنسبة 95% “[29] ، وهذا ما أعاق مشروعه في محاولة توحيد القبائل تحت رايته ، كما حدث مع ” محمد الصغير التيجاني وقبائل الاغواط الغرابة وامتناعها عن اداء الطاعة “[30] له ، اجبره ذلك على تنظيم حملة حاصر خلالها قصر عين ماضي ما يقرب من تسعة أشهر ، نتج عنها استسلام الشيخ التيجاني ، وعاود الكرة مرة أخرى بعد أسابيع قليلة باتجاه القبائل الغرابة لسماعه بتمردها .

لقد أحدثت تدخلات الأمير عبد القادر بمنطق القوة خللا كبيرا بالمنطقة ، وخاصة تهجمه على المرجعية الروحية في ذلك الوقت للكثير من القبائل خاصة قبائل الأرباع التي كانت تدين بالتبعية المطلقة للطريقة والزاوية التيجانية ، فاهم فروعها وهم فرقة الحجاج يعتبرون خدام الشيخ واحبابه ، وهذا ما اشرنا إليه سابقا في غياب الجد المؤسس لقبيلة الارباع والتي وجدت في الشيخ التيجاني السند الروحي والنفسي لها ، واعتبر ضامنا لوجودها وسلطتها .

هذا الوضع المربك الذي خلفه الامير عبد القادر في المنطقة ، ساعد على التسريع بتدخل الاستعمار الفرنسي ، من خلال حملة ماري مونج سنة 1844 ، قائد شعبة لمدية ، عين على إثرها احمد بن سالم خليفة على منطقة الاغواط وما جاورها من قصور وصحراء ، وهذا التعيين يمثل بالنسبة للفرنسين كما صرح ذلك ماري مونج ، ” ضمان كامل للنفوذ الفرنسي بالاغواط باعتباره شخصية مرموقة وعدو للامير عبد القادر ، اذ يعتبر اهم واقوي قادة الجنوب ” [31] .

6.2/ القبيلة في المواجهة :

هذا الخضوع تحت سلطة قوية ومباشرة ممثلة في السلطان احمد بن سالم ، لم يلغي سلطة القبائل التي كانت تخضع لقائد عين هو كذلك بموجب الاتفاقية التي أبرمتها الإدارة الاستعمارية مع زعماء المنطقة سنة 1844 ، والتي استمر العمل بها حتي سنة 1851 أين أقدم قائد قبائل الأرباع الشيخ بن ناصر بن شهرة بإعلان التمرد على سلطة الخليفة بن سالم والفرنسين ، والسبب حسب لويس رين  هو ” رفض الفرنسين تعينه اغا على الارباع سنة 1846 خلفا لابيه ، لذلك رفع السلاح في وجه الفرنسين ، وكان من نتائجه هو اعتقاله ووضعه تحت الإقامة الجبرية مع عدد من زعماء الأرباع ” [32]  ، فر بعدها ليتبني بذلك لواء المقاومة ضد المستعمر ، ولقب بملاح الصحراء نظرا لتحركاته في مناطق عديدة معلنا النفير ضد المستعمر الفرنسي ، وهذا ما أدي بالادراة العسكرية الفرنسية الى تنظيم حملة عسكرية شارك فيها العديد من جينرالات فرنسا ومن مناطق مختلفة ، تمكنت من دخول المدينة بعد محاصرتها لها قرابة الاسبوع ، وتحديدا في 4 ديسمبر 1852 .

بهذا التاريخ سوف تدخل المنطقة في مرحلة جديدة من الخضوع والانصياع ويتم اعتبارها منطقة عسكرية فرنسية تخضع للادارة العسكرية المباشرة ، وتصحبها العديد من التغيرات ، بما ويتماشي والاستراتيجية التوسعية الفرنسية .

7.2/ المرحلة الاستعمارية : اخضاع وتطويع القبيلة

كانت الهجمة على المنطقة بمثابة العقاب الجماعي الذي فرضه الاستعمار الفرنسي على السكان ، وخاصة في ظل عدم سيطرته عليها بسبب تنامي حركة المقاومة التي توسعت باتجاه الجنوب ، فكان لابد من التركيز على القبائل الصحراوية ومتابعتها والحد من نفوذها وتضيق الخناق عليها من خلال السيطرة على المنافذ والطرق ، ولتطبيق هذه السياسة عملت الادارة العسكرية الفرنسية على عدة مستويات أثرت بشكل مباشر على وضعية القبائل ، كان من أهمها إبعاد بعض القبائل كما حدث مع أولاد سيدي الشيخ او إسناد السلطة للقياد ينتمون لقبائل أخرى من اجل السيطرة عليها ، وهذا ما حدث بالنسبة لقبائل الارباع ، اين اسندت مهمة القيادة لمشايخ بن فرحات[33] وهم زعماء لقبيلة اولاد عياد بمنطقة تيارت ، والذي استمر حكمهم حتى افول نظام المكاتب العربية التي تسير شؤون البدو الرحل ، ” أعاد الحاكم العام تنظيم قبائل الارباع الكبري ، والتي كانت سببا في العديد من الاضطرابات ، فالجينرال لدميرو يعلن من منطقة تاجرونة استقلالية القبائل عن حاكم الاغواط ، ويضعها تحت السيطرة المباشرة للفرنسين ” [34] .

كما تم استعمال قبائل ضد أخرى بغرض إخضاعها ، ولاسيما القبائل الصحراوية التي يتعذر متابعتها في الصحراء ، كما أصدرت الإدارة الفرنسية جملة من التشريعات التي تحد من حركة تنقل البدو الرحل ، كان أهمها سينتيس كونسيلت سنة 1863[35] الذي ينظم ويتحكم في حركية القبائل ، لذلك ثبتت وفرضت على قبيلة الارباع نقاط مجال تنقلها شتاءا وصيفا والذي لا يمكن الخروج على حدوده ، انظر الخريطة رقم 1 ، فقد نص القانون على جملة من القرارات المتعلقة بالبلدية المختلطة ، ثنية الحد كان اهمها مايلي [36]:

اولا :المتعلقة بممارسة حقوق الانتجاع لاراضي بني لينت ، قررت اللجنة الادارية والادارة العليا انه لا يحق لأي قبيلة أجنبية خارجية الاستفادة من استعمالات الأرض ، وهذا بموجب المرسوم المؤرخ في 30 مارس 1899 .

ثانيا : دوار بني حسني ، الواقع في السرسو ، إجراءات سينتيس كونسيلت والتي تم الموافقة عليها بأمر من الحاكم العام بتاريخ 24 سبتمبر 1901 ، لا توجد أي تحفظات خاصة لحقوق الأرباع في الانتجاع .

ثالثا : بني مايدة ، الأمر المتعلق بإجراءات سينتيس كونسيلت المؤرخ في 9 افريل 1902 نص على :

التحفظات والاستثناءات كما هو مقرر في محاضر اللجنة الادارية 3 نوفمبر 1894 حق الانتجاع لقبيلة الارباع لملحقة الاغواط وقبائل ملحقة شلالة على كامل الاراضي بني مايدة ، هذا حق للمعامرة وسيدي سليمان استثنائيا .

اولاد عياد : هذه القبيلة التي تمثل جزء من البلدية المختلطة بثنية الحد بموجب الامر 2 اكتوبر 1896 ، لايوجد اي تحفظ حول انتجاع الارباع تم تطبيقه من طرف الحاكم العسكري والاداري .

هذه الاستثناءات ” سمحت لقبيلة الارباع بشراء الحبوب والرعي تقريبا في كل الاماكن (الدواوير) التي تم ذكرها ، كما يمكننا التاكيد انه على المستوي الاقتصادي لم تشهد قبائل الارباع أي خلل يذكر ، وهذا راجع لطبيعة العلاقة الموجودة بين الملاك المحليون والقبائل ، والتي ترجع الى أصول القايد لخضر الذي ينحدر من أولاد عياد ، وتربطه علاقة قرابة ببعض العائلات ” [37] .

لكن هذه الوضعية الاستثنائية والخاصة بقبيلة الأرباع مقارنة بقبائل أخرى ، لم تستمر نظرا للتغيرات التي بدأت تعرفها البلاد بصفة عامة ، فمنذ ” بداية 1921 العشابة تغيروا شيئا فشيئا ، بسبب التقلبات التي شهدتها ، وهذا ما يترجم الانخفاض الأكبر من أي وقت مضي فيما يخص المراعي ، الأرباع وجدوا أنفسهم في استحالة ممارسة العشابة بمنطقة سرسو ، هذا مما ادي الى انقطاع حقيقي في تربية الاغنام “[38] ، اضافة الى ظهور اول سيارة في الصحراء خلال سنة 1920 التي اثرت على نشاط البدو الرحل في التجارة والترحال لمسافات طويلة “[39] ,

” فالارباع لم يحتفظوا الا بالعدد الضروري الذي يضمن لهم نقل الحبوب التي يشترونها من السرسو ” [40] ، كما كان لسنوات الجفاف تأثير واضح على نشاطهم و تناقص عدد رؤوس أغنامهم ، فخلال ” شهر جوان 1930 و1931 الماشية تقلصت من 15 الى 25% خلال السنة الاولي ومن 30الى 40% خلال السنة الثانية على التوالي ، إضافة الى الأمراض والأوبئة التي ظهرت خلال سنوات 36 حتي 39 “[41] ، واستمر هذا الوضع المربك الذي ستنجر عنه أزمة حقيقية خلال سنوات الأربعينات لوظيفة قبائل الأرباع في تربية الأغنام والماعز ، كما تشهد على ذلك الأرقام والإحصاءات [42].

هذه الوضعية بعمومها أثرت على البدو الرحل وشجعت الهجرات والنزوح باتجاه المدينة التي أولتها الإدارة الفرنسية مكانة خاصة ، وعملت على تحويلها الى مدينة  كولونيالية تخدم المصالح الفرنسية بدرجة كبيرة .

8.2/ مرحلة بناء الدولة : القبيلة داخل المدينة

كانت من نتائج مرحلة الاجتثاث والتفكيك خلال المرحلة الاستعمارية ، الهجرات العديدة باتجاه المدن والحواضر وخاصة بعد سياسة التجويع وفرض الامر الواقع على سكان البوادي والارياف ، مما جعل الظاهرة القبلية تنحصر مجاليا في فضاء عرف تاريخيا بكثافة الحضور القبلي ، وهذا ما يشير اليه تعداد ” السكان لسنة 1998 ، انه يوجد  حوالي 300000 بدوي ، منها اقل من 100000 يتواجدون في مقر الولاية بالنسبة لولايات الصحراء ، مما يعني أن اثنين (من البدو) من بين ثلاثة في الحقيقة رعاة ، ثلثي هؤلاء البدو الصحراوين (62000) يتوزعون في مناطق ما سمي بالصحراء المنخفضة أي الشرقية ، كما أن نسبة استغلال الأرض الصحراوية انخفض بشكل كبير ، ففي واد الساورة في الشرق حتى الحمادة بتيندوف ، أي ما يعادل نصف مساحة فرنسا ، يتواجد اقل من 7000 بدوي ، أي ما يمثل 2% من بدو الجزائر ونفس الشئ بالنسبة لصحراء التوارق 17000 بدوي في مساحة تساوي نصف مساحة فرنسا ” [43] .

إن العديد من الدراسات قد أشارت إلى انحصار ظاهرة البدواة وبالتالي غابت معها حياة الترحال والتنقل سواء تعلق الامر بقبائل التوارق أو أولاد سيدي الشيخ أو قبيلة الأرباع بالاغواط اوقبيلة السعيد عتبة بورقلة ، ” هذه الأخيرة وطيلة قرون عديدة كانت تترحل بين نقوسة (22 كلم شمال ورقلة ) وصولا حتي السرسو اي ما يفوق 400 كلم و حتي الوقت الراهن لم يكد يتبقي من حياة البدو هذه الا القليل ، فلم يتبقي من هذه القبيلة  ” إلا 70 خيمة ينتمون للعشابة اي حوالي 500 شخص ” [44] ، ” فمعظم أفراد القبيلة استقروا بمركز الولاية المحاذية (ورقلة) وتحديدا في مناصب الشغل الدائمة التي أتاحتها لهم منطقة حاسي مسعود القريبة منهم ، وجعل العديد منهم يتركون سكنى الخيام مقابل العمل المأجور ، كما أن إتاحة فرص تعليم صغارهم اعتبر عاملا مساهما في استقرارهم ولاسيما مع توفر الإقامة داخل المؤسسات التربوية هذا كله جعلهم لا يفكرون في العودة إلى حياة البداوة ” [45] .

ان هذا التراجع في الحياة البدوية والذي قابله استقرار في المدن كان له اثر مزدوج على حياة الترحال التي كان يشتهر بها هؤلاء البدو وهو زوال المظاهر المادية للبداوة بما فيها نوعية السكن واساليب التنقل ، فلقد استبدل الجمل بالسيارة والشاحنة كما تغيرت طرق القوافل الى الطرق المعبدة بل زالت تماما ” فاخر القوافل التي تم مشاهدتها  بالصحراء الجزائرية كانت سنة 1973 بتبلبالة غرب منطقة الساورة ” [46] .

يشير محمد سويدي الى التغير الذي لحق في تعداد قبائل الارباع بداية من سنة 1948 حيث ” بلغ عددهم حوالي 22000 نسمة من البدو و5500 نسمة من أنصاف البدو ، ولم يتطور هذا العدد إلا بنسبة ضئيلة خلال اثني عشر سنة ، حيث وصل إلى سنة 1965 إلى حوالي 22800 نسمة ، أما سنة 1966 وحسب أول إحصاء سكاني جرى في الجزائر بعد الاستقلال فقد وصل عددهم بما فيهم البدو وأنصاف البدو وكذا سكان القرى حوالي 22498 نسمة ” [47] .

بينما تقدم اوديت بيتي (Odette P) أرقاما مختلفة للبدو الرحل مقارنة مع السكان الحضر والقصوريين كما هو موضح في الجدول التالي :

الجدول رقم (02): يوضح التطور الديمغرافي لسكان الاغواط

1954 1959 1961
السكا الحضر 16100 19877 28500
السكان البدو 28295 25588 15500
السكان القصوريين 5565 4922 5550

المصدر : Odette P

وتشير إلى أن هذه التغيرات في تعداد البدو الرحل و سكان المدينة وخاصة من خلال تشكل بعض الأحياء الجديدة وتضخمها مقارنة بالأحياء الاخري (الشطيط ، قصر البزائم ، قصر الفروج ) راجع إلى نزوح البدو باتجاه المدينة ، ” فعلى العكس لم تشهد المدينة تنقلا بين أحيائها ، بقدر ما كان هذا التضخم راجع إلى نزوح البدو الرحل باتجاه المدينة ” [48]

وهذا ما يؤكده (M,Bonete)  في رسالته حيث ” يعتقد ان حوالي 10000 بدوي استقروا بمقر الولاية خلال الفترة الأخيرة وخاصة في الحيين قصر الفروج وقصر البزايم ” [49] .

للوقوف أكثر على توزع البدو الرحل حسب بلديات ومناطق الولاية وتطورها بالسنوات نستعين ، بأخر إحصاءات مديرية التخطيط فيما يخص عدد البدو وان كان استعمال مصطلح البدو يؤخذ بتحفظ نظرا لان المصطلح المستعمل هو المناطق المبعثرة (Eparse) والذي لا يعني بالضرورة البدو الرحل ، وهذا يجعلنا نأخذ الأرقام المقدمة بتحفظ شديد في ظل غياب دراسات بعينها .

يشير الجدول التالي الى توزع المناطق المبعثرة والبدو على تراب الولاية بحسب بعض البلديات خلال سنة 2013 ، ونلاحظ أن اكبر نسبة سجلت كانت في منطقة افلوا حيث مثلت ما نسبته 13,50% أي (10636) وهذا بالفعل يعكس الوضعية الاجتماعية لسكان المنطقة الشمالية من الولاية وهي ثاني اكبر تجمع بالولاية حيث شهد نزوحا كبيرا للقبائل التي كانت تتوزع على صفوح جبال لعمور ، تسمي قبائل جبل لعمور ، وهي قبائل تختلف عن قبائل الارباع ، واستقرت بالمدينة مشكلتا بذلك أحياء هشة حتى أصبح يطلق عليها القرابة ولكن هذا لا ينفي أن نسبة كبيرة من سكان البدو وأنصاف البدو يتمركزون خصوصا خلال العقود الأخيرة في حواف وحدود المدينة وكذا بلدياتها .

بينما يشير الجدول إلى أن بلدية تاجموت مثلت ما نسبته 10% من إجمالي سكان المناطق المبعثرة والبدو ونظرا لقرب البلدية من مقر الولاية (50 كلم) ومعرفة الباحث لكامل تراب البلدية فان الإحصاءات لا تعبر عن البدو الرحل بل عن تجمعات سكانية صغيرة في حدود البلدية ولكن لا يعني هذا عدم وجود بدو رحل بل أنصاف بدو يقيمون في مناطق مختلفة من تراب البلدية في أكواخ بنيت من الحجارة والطوب في أراضي رعوية سجلت بأسمائهم أي أصبحت تحت ملكيتهم وهذا يعبر عن التغير الكبير الذي مر به بدو المنطقة وبداية استقرارهم الجزئي

كما أشار الجدول إلى أن بلدية الحاج المشري مثلت مانسبته 7,65% من اجمالي المناطق المبعثرة والبدو بالنسبة للولاية ككل وهي ثاني تجمع يقع في المنطقة الشمالية والذي يضم نسبة معتبرة من السكنات المبعثرة والبدو.

بينما يشير الجدول الى انعدام تقريبا في نسبة تواجد البدو الرحل بمدينة الاغواط وضواحيها ، حيث مثلت النسبة 5% من السكنات المبعثرة التي تحيط بمجالها ، وما يعكس ذلك هو نسبة التحضر المرتفعة المسجلة في نفس السنة ، حيث بلغت 92,82% .

الجدول رقم (03) : عدد سكان المناطق (المبعثرة والبدو) ونسبهم على مستوي بلديات الولاية

البلدية عدد سكان المناطق المبعثرة والبدو النسبة المؤية
الاغواط 4469 5
قصر الحيران 2733 3,46
بن ناصر بن شهرة 4324 5,48
سيدي مخلوف 6515 8,26
العسافية 748 0,94
عين ماضي 353 0,44
تاجموت 8053 10
تاجرونة 193 0,24
الحويطة 505 0,64
الخنق 1807 2,29
حاسي الرمل 1182 1,50
حاسي الدلاعة 2109 2,67
المجـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــوع 78781 100

المصدر : Monographie de la wilaya de Laghouat

في دراسة قام بها الباحث[50] حول البني التقليدية ومدي حضورها في الوسط الحضري ، والتي تم مقاربتها من خلال مستويات مختلفة ، يمكن عرض بعض نتائجها كالتالي :

على مستوي العلاقات التقليدية ، تم اخذ الزواج القرابي باعتباره يمثل نوع من الارتباط والتلاحم بين أفراد القبيلة الواحدة والقبائل الأخرى ، بينت النتائج أن أكثر من نصف العينة[51] لا تربطهم علاقة قرابة بزوجاتهم ولكن الإحصاءات لم تشر إلى اضمحلال هذه الظاهرة كليا من المدينة ، فــ 40% من المبحوثين صرحوا بأنه تربطهم علاقة قرابة بزوجاتهم .

على مستوي الممارسات التقليدية ، والتي تتجلى في الانضمام للمنظمات التقليدية والمشاركة في الطقوس والمناسبات التي لها امتداد في عمق المجتمع التقليدي ، والمعبر عنها هنا بالطرق الصوفية والزوايا تحديدا ، اشارت الاحصاءات الى تناقص نسبة المنخرطين في هذه المنظمات رغم تواجدهم في وسط تنتشر فيه هذه الجمعيات ، اكثر من 80% من المبحوثين صرحوا انهم لاينتمون الى الطرق الصوفية المتواجدة بالمدينة ، فيما اشارت النسب القليلة الباقية الى انخراطهم فيها .

زيارة الاضرحة والوعدات ، حوالي 60% من المبحوثين صرحوا انهم لا يقومون بهذا الطقس ، فيما صرح الباقي ، فيما النسبة المتبقية أشارت إلى أداء هذه الطقوس او كان بعضهم يقومون بها وعدلوا عنها ، وتتقارب النسب فيما يخص القيام بالوعدات وهي وليمة تقام عند الجد المؤسس للقبيلة يتم خلالها القيام ببعض الاحتفالات كالفروسية ، مسابقات شعرية ، ورقصات فلكلورية ، فقد صرح اكثر من نصف المبحوثين انهم لا يقومون بممارسة هذا الطقس ، فيما صرح 34% منهم انهم لازالو يقومون بهذا الطقس ، وانه لم يختفي بعد من الوسط الحضري ، وقد لاحظ الباحث بعد انجاز هذا البحث وخاصة خلال السنوات الثلاثة الأخيرة فيه إصرار من طرف قبائل المنطقة على القيام بهذا الطقس وإحيائه بل والتنافس عليه ، وهذا ما يعبر عن إثبات الوجود وتعزيز الهوية التاريخية التي تتيح شرعية امتلاك المجال والمشاركة الفعلية والتمثيل في المجالس المحلية التي في الغالب تعتمد على الحضور القوي والفاعل ودرجة تضامن القبيلة الواحدة ، وهنا نشير الا اننا نتكلم عن العروش وليس عن الكنفيدرالية التي تضم العديد منهم .

ووقوفا عند مدى تأثير البني القبلية على المجال الحضري وتقسيماته ، بحثنا عن علاقات القرابة من خلال علاقات الجوار ، بالنسبة للأحياء ، لمعرفة هل تم تقسيم السكن داخل المدينة وفق المعطي العرشي ام لا ؟  وتبين من خلال البحث الميداني أن ما نسبته 76% من المبحوثين صرحوا انه لا تربطهم علاقة قرابة مع جيرانهم ، فيما 24% منهم صرحوا بأنه تربطهم علاقة قرابة بجيرانهم من جهة الاب خاصة ، وهذا يعبر عن تناقص الظاهرة وعدم اضمحلالها داخل نسيج المدينة .

واستنتجنا في الأخير من خلال البحث أن البني التقليدية باتجاه التحول بفعل السيرورة الحضرية وان للمجال الحضري تأثير على هذه البني ، التي لم تضمحل نهائيا بل هي في تناقص ، ولكن رغم الفارق الزمني لمدة انجاز هذا البحث ، إلا أن الملاحظات الميدانية المستقاة من خلال المعايشة اليومية ، توحي بالحضور القوي والفعال للمعطي القبلي ، وخاصة في القضايا المرتبطة بالممارسة الحزبية والتمثيل الانتخابي والقضايا ذات البعد المصيري ، أين يظهر إعادة إحياء للنزعة القبلية .

الخلاصة :

نستخلص مما سبق ان القبيلة عبارة عن كيان اجتماعي ارتبط بالسياقات التاريخية لتشكله ، وبالتالي هو كبنية اجتماعية حاضر وبقوة ضمن النسيج الاجتماعي لمجتمعاتنا على مر العصور ، وكان متغير فاعل في توجيه الأحداث والتأثير فيها رغم عمليات الاجتثاث والتفكيك وتفتيت بنيته الداخلية وعدم الاعتراف به من خلال تضيق مجالات تواجده وحضوره ، ولكن كل هذه العمليات لم تفضي الى اضمحلاله وزواله بقدر ما استطاعت القبيلة البروز من جديد و التمظهر حسب كل مرحلة وشهدت عمليات انكماش وتمدد وفق ما تقتضيه المرحلة .

هذا ما جعل الوقوف عند المفهوم يكتسي صعوبة نظرا لارتباطه بالمعطيات الواقعية التي قد تختلف من جهة الى اخرى ، وللمساهمة في هذا المسعي ، اخذنا قبيلة الارباع كنموذج حي وحاضر لوقتنا الراهن ضمن الواقع المعيشي ، فقبيلة الأرباع وتحديدا النواة الأولي التي تشكلت منها تفتقد لحضور الجد الاول المؤسس ، وهنا تتدعم فرضية الوهم نسبًا وقبيلةً ، وتكتسب القبيلة معناها من خلال التحالف الذي دعمها بشرعية الحضور ضمن الفضاء الصحراوي الذي تواجدت فيه ، واستنادها الى المرجعية الدينية المؤثرة في المجتمع .

واستمرت قوة هذا التحالف بين مكونات القبيلة الممتدة الى فترة ما بعد الاستقلال ، في إطار تفتيتها الى بنيتها الاولي[52] ، ولكن هذا لم يفضي الى زوالها بل بالعكس ، جعلها تستند إلى الشرعية التاريخية في أصول تكوينها الأولى ووجودها مقارنة بقبائل حديثة ، فالهوية التاريخية المدعمة بشرعية القرب من المقدس هي التي حافظت على بقائها ، في وسط الحضور القبلي القوي والمـــثبت النسب .

لقد شهدت قبائل الارباع تحولات كبرى في بنيتها وشكلها ومجالات تحركها كما مر بنا ، وكذا حركيتها باتجاه مقر المدينة التي ستصبح فاعلا أساسيا ضمنه وتؤثر فيه على مستويات متعددة ، خاصة المتعلقة بالمصير المشترك اين يتم من خلاله استدعاء الروابط العروشية وتوظيفها في حسم الأمور والتعبير عن المطالب الضرورية التي تعكس حقوق التمثيل والوجود ، وهذا رغم التغيرات التي تسعي إليها الدولة الوطنية بفرض منطق القانون المدني ومبدأ المواطنة ، من خلال المؤسسات الحديثة وتعزيز النزعة الفردية ، ولكن هذا لم يفلح في الحد من منطق القبيلة التي يظهر في مناسبات كثيرة ، وهذا ما عبر عنه البعض بالنزعة القبلية ، التي تنتقل من القرابة الدموية الى المصلحية[53] والتي تظهر وتقوى في حالات المصير المشترك والقضايا المطلبية ، شغل ، سكن ، انتخاب …الخ ، وتخفت في حالات اقل اهمية يتم فيها الاحتكام لمنطق الدولة ، مما يجلنا امام ازدواجية يصعب حلها ، يسود فيها منطق العشيرة والقبيلة ومنطق المواطنة والدولة ، النزعة الفردية والنزعة الجماعية معا ، لحد اختلاط الامور .

وما يدعم ذلك هو مظاهر الحراك الشعبي الأخير الذي افرز للسطح قضايا الهوية والانتماء وكذا درجات الاندماج في منطق الدولة التحديثية ، فالخطابات الموجودة تعزز منطق العشيرة والدشرة والقرية والجهة موسعة بذلك من مفهوم القبيلة الضيق إلى أشكال التضامن المبنية على أساس المصالح المشتركة ، كما تعبر من جهة أخرى على صعوبة الاندماج والانصهار في مشروع الدولة الوطنية ـ التي لم تستطع التغلل الى عمق الروابط الاجتماعية وخلق آليات فعالة قادرة على التعاطي مع المعطي القبلي بايجابية .

ليس هذا فقط ، بل كما أشار العديد من الباحثين الى عملية القبلنة للكثير من مراكز ومؤسسات الدولة  بما فيها المدينة ، اذ يمكن الحديث عن مؤسسات تسود بها قبيلة معينة بخلاف مؤسسات اخري ، مست حتى مستويات نخبوية معينة كالجامعة .

 قائمة المراجع :

الكتب :  

  1. ابراهيم مياسي ، من قضايا تاريخ الجزائر المعاصر ، ديوان المطبوعات الجامعية ، الجزائر ، 1988 .
  2. احمد بن هطال التلمساني ، رحلة محمد الكبير باي الغرب الجزائري الى الجنوب الصحراوي ، تحقيق : محمد بن عبد الكريم ، عالم الكتب ، القاهرة ، بدون تاريخ .
  3. بنسالم ليليا واخرون ، الانتربولوجيا والتاريخ حالة المغرب العربي ، ترجمة : عبد الاحد السبتي ، دار توبقال للنشر ، المغرب ، 2007 .
  4. عبد الرحمن بن خلدون ، المقدمة ، دار الجيل ، بيروت ، بدون تاريخ .
  5. عبد الوهاب جعفر ، البنيوية في الانثربولوجيا وموقف سارتر منها ، دار المعارف ، القاهرة ، مصر ، 1980.
  6. عدي الهواري ،الاستعمار الفرنسي في الجزائر سياسة التفكيك الاقتصادي والاجتماعي ، ترجمة :جوزف عبد الله ، دار الحداثة بيروت ، لبنان ، 1983 .
  7. علي اومليل ، الخطاب التاريخي دراسة لمنهجية ابن خلدون ، المركز الثقافي العربي ، الدار البيضاء ، المغرب ،2005 .
  8. مجموعة من المؤلفين ، الفكر الاجتماعي الخلدوني ، مركز دراسات الوحدة العربية ، بيروت ، لبنان ،2004 .
  9. محمد عبد القادر الجزائري ، تحفة الزائر في تاريخ الجزائر والامير عبد القادر ، ج1 .ج2 ، تعليق : ممدوح حقي ، بدون مكان ، 1964 .
  • محمد نجيب بوطالب ، سوسيولوجيا القبيلة في المغرب العربي ، مركز دراسات الوحدة العربية ، بيروت ، لبنان ، 2002
  1. ناصر الدين سعيدوني ، دراسات في تاريخ الجزائر الحديث والمعاصر ، ج2 ، المؤسسة الوطنية للكتاب ، 1988
  2. يحي بوعزيز ، كفاح الجزائري من خلال الوثائق ، المؤسسة الوطنية للكتاب ، 1986 .
المقالات :
  1. البشير التليلي ، (البداوة المطاردة ملاحظات اولية للبحث في اثر فعل الحداثة في البداوة ) ، اضافات ، العدد الثاني/ ربيع 2008 ، ص 220 .
  2. طلحة بشير ، النظم السياسية وعلاقتها بالزوايا في الجزائر مرحلة ماقبل الاستعمار ، الملتقي الوطني العاشر ، الجمعية الخلدونية ، يسكرة ، 2015 ، ص 129 .
الرسائل الجامعية :
  1. بشير طلحة ، البني التقليدية وعلاقتها بالتقسيم الاجتماعي للمجال الحضري .دراسة حالة مدينة الاغواط ، رسالة ماجستير غير منشورة ، جامعة الجزائر 2 ، قسم علم الاجتماع ، 2005/2006 .

 

المراجع باللغة الاجنبية :

Ouvrages :

  1. DERMENGHEM, le Pays d’Abel, Gallimard, 1960) .
  2. Ernest Mercier, Histoire de l’Afrique septentrionale, tome III, Paris, ERNEST LEROUX ÉDITEUR , 1868 .
  3. Jaen Bisson , Mythes et Réalités d’un desert convoité, LE SAHARA .
  4. Léon LE HURAUX, Le nomadisme et la colonisation dans les hauts plateaux de l’Algérie, Éditions du comité de l’Afrique française, Paris, 1931 .
  5. PETIT (O) , Essai d’histoire social sur la ville de la ghouat , college de paris , 1976 .

Etudes et Recherches :

 

  1. Amar DHINA, « Notes sur la phonétique et la morphologie du parler des Arbâ » , Revue Africaine, volume 82 année 1938n .
  2. Bugéja, Manuel, « les ben Ferhat ,une famille de grande tente », Bulletin de la Société de Géographie d’Alger , 1916 .
  3. Bugéja, Manuel, « L’estivage des Larbaâ dans le Tell », Bulletin de la Société de Géographie d’Alger, 121, 1930 .
  4. Jean Bisson , le Sahara dans le développement des Etats maghrébins , Monde arabe Maghreb-Machrek , N° 135 janv-mars 1992 .
  5. MANGIN E . Notes sur l’histoire de laghouat ; 1893. Revue Africaine.

Mémoires et theses :

Yves Bonète , Contribution à l’étude des pasteurs nomades Arba’a : étude de géographie humaine, Doctorat de 3e cycle en Géographie, 1962, p 08 .

Autres :

  1. Bachir Rouigi , http://sidielhadjaissa.over-blog.com/article-quelques-notes-sur-le-larbaa-de-laghouat-contribution-de-bachir-rouighi-98071113.html
  2. http://alger-roi.fr/Alger/documents_algeriens/monographies/pages/21_laghouat_larbaa.htm
  3. Les Larbaa : les Pasteurs-nomades de la région de Laghouat , Publié le 1 Mars 2016 par Bachir Rouighi in Ethnologie
الملاحق :

الخريطة رقم (01) : توضح موقع ولاية الاغواط على المستوي الوطني

الخريطة رقم (02) : التقسيم الاداري لولاية الاغواط

[1]  نشير الى ان المصطلح وللامانة العلمية ، استعمله العديد من الاساتذة وتبنيناه للدلالة على هذه المرحلة .

[2]  مجموعة من المؤلفين ، الفكر الاجتماعي الخلدوني ، مركز دراسات الوحدة العربية ، بيروت ، لبنان ،2004 ،  ص 149

[3]  بنسالم ليليا واخرون ، الانتربولوجيا والتاريخ حالة المغرب العربي ، ترجمة : عبد الاحد السبتي ، دار توبقال للنشر ، المغرب ، 2007 ، ص 113 .

[4]  علي اومليل ، الخطاب التاريخي دراسة لمنهجية ابن خلدون ، المركز الثقافي العربي ، الدار البيضاء ، المغرب ،2005 ،  246

[5]  عبد الرحمن بن خلدون ، المقدمة ، دار الجيل ، بيروت ، بدون تاريخ ، ص 142

[6]  نفس المرجع ،  ص 142 .

[7]  عبد الوهاب جعفر ، البنيوية في الانثربولوجيا وموقف سارتر منها ، دار المعارف ، القاهرة ، مصر ، 1980، ص 177

[8]  طلحة بشير ، النظم السياسية وعلاقتها بالزوايا في الجزائر مرحلة ماقبل الاستعمار ، الملتقي الوطني العاشر ، الجمعية الخلدونية ، يسكرة ، 2015 ، ص 129 .

[9]  عدي الهواري ،الاستعمار الفرنسي في الجزائر سياسة التفكيك الاقتصادي والاجتماعي ، ترجمة :جوزف عبد الله  ، دار الحداثة بيروت ، لبنان ، 1983 ، ص 60 .

[10]  نفس المرجع ، ص 129.

[11]  البشير التليلي ، (البداوة المطاردة ملاحظات اولية للبحث في اثر فعل الحداثة في البداوة ) ، اضافات ، العدد الثاني/ ربيع 2008 ، ص 220 .

[12]  عدي الهواري ، مرجع سبق ذكره ، ص 60 .

[13]  لم تنشأ منها سوى 63 قرية رعوية في عشر ولايات من مجموع 17 ولاية ، استفادة الاغواط من قريتين ، محمد سويدى ، مرجع سبق ذكره ، ص 171 .

[14]  Office National des Statistiques , l’Armature urbaine ,  2008 , p 25 .

[15]  ” وصل عددهم سنة 1948 الى حوالي 22000 نسمة من البدو و 5500 من انصاف البدو ” ، محمد سويدي ، مرجع سبق ذكره ، ص 167 .

[16]  Les Larbaa : les Pasteurs-nomades de la région de Laghouat , Publié le 1 Mars 2016 par Bachir Rouighi in Ethnologie

[17]  هو جبل يبعد عن مدينة بوسعادة شرقي الجزائر  بحوالي 66 كلم جرت به العديد من المعارك خلال الثورة التحريرية .

[18] Ernest Mercier, Histoire de l’Afrique septentrionale, tome III, Paris, ERNEST LEROUX ÉDITEUR , 1868, p 548 .

[19] Léon LE HURAUX, Le nomadisme et la colonisation dans les hauts plateaux de l’Algérie, Éditions du comité de l’Afrique française, Paris, 1931, p 33 .

[20] E. DERMENGHEM, le Pays d’Abel, Gallimard, 1960) .

[21]  بن سالم ليليا واخرون ، مرجع سبق ذكره ، ص 115 .

[22] MANGIN E . Notes sur l’histoire de laghouat ; 1893. Revue Africaine , p 377.

[23] Yves Bonète, Contribution à l’étude des pasteurs nomades Arba’a : étude de géographie humaine, Doctorat de 3e cycle en Géographie, 1962, p 08 .

[24] Amar DHINA, « Notes sur la phonétique et la morphologie du parler des Arbâ » , Revue Africaine, volume 82 année 1938n pp 313-352 .

[25] MANGIN (E) , ibid , p (377) .

[26] Bachir  Rouigi , http://sidielhadjaissa.over-blog.com/article-quelques-notes-sur-le-larbaa-de-laghouat-contribution-de-bachir-rouighi-98071113.html

[27]  احمد بن هطال التلمساني ، رحلة محمد الكبير باي الغرب الجزائري الى الجنوب الصحراوي ، تحقيق : محمد بن عبد الكريم ، عالم الكتب ، القاهرة ، بدون تاريخ ، ص 53 .

[28] PETIT (O) , Essai d’histoire social sur la ville de la ghouat , college de paris , 1976 , p22 .

[29]  ناصر الدين سعيدوني ، دراسات في تاريخ الجزائر الحديث والمعاصر ، ج2 ، المؤسسة الوطنية للكتاب ، 1988 ، ص 209

[30]  محمد عبد القادر الجزائري ، تحفة الزائر في تاريخ الجزائر والامير عبد القادر ، ج1 .ج2 ، تعليق : ممدوح حقي ، بدون مكان ،  1964 ، ص 291 .

[31]  ابراهيم مياسي ، من قضايا تاريخ الجزائر المعاصر ، ديوان المطبوعات الجامعية ، الجزائر ، 1988 ، ص 125 .

[32]  يحي بوعزيز ، كفاح الجزائر من خلال الوثائق ، المؤسسة الوطنية للكتاب ، 1986 ، ص 152 .

[33] Bugéja, Manuel, « les ben Ferhat ,une famille de grande tente », Bulletin de la Société de Géographie d’Alger , 1916 , p. 106 .

[34] Bugéja, Manuel, « L’estivage des Larbaâ dans le Tell », Bulletin de la Société de Géographie d’Alger, 121, 1930, p. 2 .

[35] http://alger-roi.fr/Alger/documents_algeriens/monographies/pages/21_laghouat_larbaa.htm

[36] Bugéja, Manuel, « L’estivage des Larbaâ dans le Tell », Bulletin de la Société de Géographie d’Alger, 121, 1930, p p .15-16 .

[37] Ibid ; p 16 .

[38] PETIT (O) , Op.cit , p 60 .

[39] Ibid . p 62 .

[40] Ibid . p 61 .

[41] Ibid . p 61 .

[42] Ibid . pp 64-65 .

[43]  Jaen Bisson , Mythes et Réalités d’un desert convoité, LE SAHARA , p 265.

[44]  Ibid , p 268 .

[45]Jean Bisson , le Sahara dans le développement des Etats maghrébins , Monde arabe Maghreb-Machrek , N° 135 janv-mars 1992 , p 80 .

[46] Ibid , p 81 .

[47] محمد سويدي ، مقدمة في دراسة المجتمع الجزائري ، ديوان المطبوعات الجامعية ، الجزائر ، ص ص 167-168 .

[48]  PETIT (O) , op., cit , p 112 .

[49]  Ibid , p 112 .

[50]  بشير طلحة ، البني التقليدية وعلاقتها بالتقسيم الاجتماعي للمجال الحضري .دراسة حالة مدينة الاغواط ، رسالة ماجستير غير منشورة ، جامعة الجزائر 2 ، قسم علم الاجتماع ، 2005/2006 ، ص ص 205- 206 .

[51]  تم الاعتماد على العينة الحصصية ، حيث قدر حجمها بحوالي 5% من المجتمع الكلي ، والتي قدرت بـ 300 مفردة موزعة بين مناصفة بين الاحياء القديمة والجديدة .

[52]  بعد الاستقلال تم تفتيت التحالف الذي حدث تاريخيا بين القبائل العشرة المكونة للارباع ، واصبح الحديث عن التميز بين النواة الاولي للارباع المكونة للقبيلة وباقي القبائل الاخرى ، التي اصبحت تعزز استقلاليتها .

[53]  محمد نجيب بوطالب ، سوسيولوجيا القبيلة في المغرب العربي ، مركز دراسات الوحدة العربية ، بيروت ، لبنان ، 2002 ، ص 63 .

 

 

 

 

 

 

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.