الناقد المغربي إبراهيم الحجري:الرحلة العربية غنية إثنوغرافيًا

نتيجة بحث الصور عن "الخطاب والمعرفة"

الناقد المغربي إبراهيم الحجري:الرحلة العربية غنية إثنوغرافيًا*

حاوره: حميد عقبي

في طفولته أنصت إلى حكايات الجدات والكهول والرواة الشعبيين، وأغاني الرعاة والأمهات… من هنا تدفق نسق الحكاية إلى خلاياه ووجدانه. وهو يرى أن عالم الرواية عالم درامي، يزخر بالمفارقة والسخرية، ويشخص ما يحفل به القاع من تناقض وصراع بين الخير والشر، ويكشف الغطاء عن كثير من الممارسات التي تحجبها الأشكال والواجهات والأقنعة البرانية المنمقة.

د. إبراهيم حجري صدر له مؤخرا كتاب جديد موسوم بـ”الخطاب والمعرفة” عن المركز الثقافي العربي في بيروت، وفيه يواصل تأملاته في محاولة رفد النظرية السردية بمفاهيم ومقاربات منهجية وعلمية جديدة وخوض تجربة منفتحة على المنهج الأنثروبولوجي، وكانت المدونة الرحلية نموذجًا لكونها قوالب ذات سمات سردية تقترب من العمل الإثنوجرافي. هذا الكتاب هو ثمرة بحث وجهد شاق لسنوات طويلة..

عن هذا الكتاب وقضايا أخرى تحدث إلينا الروائي والباحث في علم السرديات المغربي د. إبراهيم حجري.

(*) وأنت ﺗﺤﺘﻔﻞ ﺑﻜﺘﺎﺑﻚ ﺍﻟﺠﺪﻳﺪ “ﺍﻟﺨﻄﺎﺏ ﻭﺍﻟﻤﻌﺮﻓﺔ” ﻧﺘﻤﻨﻰ ﺃﻥ ﺗﻌﻄﻴﻨﺎ ﻣﻠﺨﺼﺎ ﻭﻓﻜﺮﺓ ﻣﺨﺘﺼﺮﺓ ﻋﻨﻪ؟

 لقد راهنت، لأجل بلوغ المرمى المنشود، على مقاربة منهجية تنطلق من السرديات أساسا، لتعرج على مجال الأنثروبولوجيا، استلهاما لأدواتها ومفاهيمها الإجرائيتين، فقسَّمت البحث إلى بابين: الأول خصصته لتحليل البنى السردية في الرحلات، مراعيا خصوصية المتن المدروس؛ وميزات نوع الرحلة الذي حقق، على مستوى التدوين، تراكما مهما في العصور الوسطى خاصة، فتناولت عناصر السرد داخل هذه النصوص كلا على حدة: الشخصية، صيغ الحكي، التبئير، والفضاء، مبينا ما يميز كل عنصر عن نظيره في النصوص المتنوعة، ومركزا على هيمنة الخبر على السرد، ومبرزا تأثير ذلك على العالم السردي ككل.

وخصصت الباب الثاني لمقاربة المادة السردية التي أفضى إليها الخطاب الرحلي، مقاربة تستند إلى المنظور الأنثروبولوجي من خلال توظيف بعض المفاهيم الإناسية في تحليل العالم الذي تقدمه لنا المتون الرحلية وفق الرؤية التي تحكم صاحب الرحلة، ومعرفة كيفية اشتغال نسق التفكير والقيم لديه.

وقد استفتحت هذا الباب بعتبة فسرت فيها كيفية الانتقال من السردي إلى الأنثروبولوجي بشكل يجعلهما يخدمان بعضهما، حيث إن “باب الخبر” سمح لنا باقتحام عالم الأسماء والأزياء والصحة والمرض والزواج والطعام وغيرها من الظواهر التي تميز الإنسان عن غيره من الكائنات. كما قادنا الفضاء السردي إلى تعرف عالم العمران بتجلياته المختلفة في عالم القرون الوسطى، وما يحيل عليه كل نموذج عمراني وفق ما يوحي به من رموز وجماليات وأشكال لها صلة وثيقة بالمتخيل الذهني البشري في كل مجتمع على حدة. في حين أن عنصر “التبئير” أحالنا على محاورة المتخيل الرمزي للمقدس والفلكلور والغناء والرقص والموت والسحر والألعاب وغيرها من البنيات الذهنية، وتعرف ردود الأفعال الواعية واللاواعية ضدا على عوامل الطبيعة، وكذا تجاه الظواهر القاهرة للإنسان، مما يدل على أن كل هذه التمظهرات ما هي سوى انعكاس وامتداد لثقافة المجتمع ورؤاه وتمثلاته للكون والطبيعة والحياة.

(*) ﻛﻴﻒ ﺑﺪﺃ ﻣﺸﺮﻭﻉ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻜﺘﺎﺏ؟

ـ يشكل هذا الكتاب في الأصل نواة لأطروحة الدكتوراه التي حضرتها في موضوع انفتاح السرديات على الأنثروبولوجيا، وإمكانية استفادتها نظريا مما قدمته من مفاهيم إجرائية وأدوات تحليلية. واستغرقت حوالي خمس سنوات من البحث والتقصي. وعقب المناقشة، طلب مني الأستاذ المشرف الدكتور سعيد يقطين تنقيح المخطوطة، وتخفيفها من الثقل النظري الذي تمليه المقتضيات الأكاديمية، على أمل اختيار دار نشر ملائمة تليق بالجهد المبذول فيه. وذاك ما كان. جهزت العمل، وعرضته من جديد على الدكتور سعيد الذي اقتنع بالتعديلات، وعرضناه معا على الناشر: المركز الثقافي العربي، الذي وافق على إيداعه لدى الوزارة الوصية في إطار طلب الدعم، وتحقق المسعى، منذ سنتين تقريبا. وكان هناك تأخر في نشره بسبب اكتظاظ أجندة الناشر حتى أنني في فترة من الفترات فقدت أمل نشره، لكن الحلم تحقق أخيرا والحمد لله، وصدر الكتاب في حلة أنيقة، وأعتبر شخصيا هذا الجهد إضافة نوعية للبحث في السرديات العربية.

(*) ﻛﻴﻒ ﺟﺮﻯ ﺍﺧﺘﻴﺎﺭ ﺍﻟﻤﻮﺿﻮﻉ؟

 عندما حصلت على دبلوم الدراسات المعمقة، كانت تحذوني رغبة عارمة في اختيار موضوع غير مكرور، وبما أن مجال اشتغالي منذ الحصول على الإجازة، كان السرديات، فقد فكرت في المواصلة في هذا الاتجاه بوعي جديد. وشاركني الدكتور سعيد الهم، ولمس اهتمامي جوهر انشغاله، لذلك، وفقت بمساعدته على الاهتداء لموضوع انفتاح السرديات على الأنثروبولوجيا من خلال نصوص سردية؛ كان بالإمكان أن يكون أي نوع سردي مادة له، لكن على بدا لنا معا، كانت المدونة الرحلية العربية أكثر ملاءمة للمقاربة من حيث غناها، وثراء معطياتها، إذ إنها أعمال اثنوجرافية مهمة تقدم للقارئ والباحث معا بيانات مجتمعية وإنسانية متنوعة لا يستهان بها، فضلا عن قيمتها السردية من حيث المكونات.

العرب راكموا زخما من

النصوص الرحلية

(*) ﻛﻴﻒ ﺗﺠﺪ ﺗﻨﺎﻭﻝ ﺃﺩﺏ ﺍﻟﺮﺣﻠﺔ ﻧﻘﺪﻳﺎ ﻭﺑﺤﺜﻴﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﺜﻘﺎﻓﺔ ﺍﻟﻌﺮﺑﻴﺔ؟

 راكم العرب في العصور الوسيطة، وحتى في العصر الحديث، زخما من النصوص الرحلية الثمينة. وعمل المحققون على تخريجها في حلل بديعة، وتم نشرها على نطاق واسع، غير أن الاهتمام بها على وفرته في كل الجامعات العربية، يظل محدودا ولا يرقى إلى مستوى ما تحقق من إبداع على مستوى هذا النوع السردي التراثي الذي انشغل به العرب وأبدعوا فيه، وقدموا من خلاله روائع خالدة للإنسانية، مستفيدين من هيمنتهم على العالم المعروف آنذاك، وسيطرتهم على البحار والطرق التجارية، وقوتهم الاقتصادية والعسكرية والمعرفية.

لذلك أعتقد أن الباحثين العرب مطالبون أكثر مما مضى بالانكباب على هاته النصوص دراسة وتحليلا وتحقيقا، مستفيدين مما حققته النظرية السردية من غنى مفهومي وتطور إجرائي، ومن قدرتها على الانفتاح على أنواع النصوص والأنماط السردية العربية والعالمية في شتى مظاهرها وتجلياتها! لكن هذا لا ينفي وجود أسماء بارزة عملت طوال عقود من الزمن على خدمة هذا النوع السردي أمثال: شعيب حليفي، المرحوم عبد الرحيم مؤذن، سعيد يقطين، عبد الله إبراهيم، المرحوم عبد الهادي التازي، قاسم الحسيني، محمد القاضي، وغيرهم كثير…

(*) ﻣﺎ ﺍﻹﺿﺎﻓﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻗﺪﻣﺘﻬﺎ ﺍﻟﺮﺅﻳﺔ ﺍﻷﻧﺜﺮﻭﺑﻮﻟﻮﺟﻴﺔ ﻓﻲ ﻋﻤﻠﻜﻢ؟

 كانت أطروحتي واضحة جدا من خلال الكتاب: الانطلاق من السرديات نحو الأنثروبولوجيا في سعي جاد لإرساء أسس لمقاربة سردوبولوجية تغني حقل الدراسات السردية. ومن أهم ما عمل الكتاب على تجلية جوانبه، هو هذا الترابط بين الإثنوغرافيا والسرديات من جهة، والتعالق بين مختلف المناهج العلمية التي تقدمها العلوم الإنسانية، سيرا في طريق تحقق التكامل الواعي في سبيل إبراز الظاهرة الإنسانية في أبعادها المتعددة، نفسيا واجتماعيا وأنثروبولوجيا وخطابيا. ومن جهة أخرى الدفاع عن فكرة كون السرديات علما يتطور داخليا من خلال انفتاحه على المناهج والمقاربات المتاحة في باقي مجالات العلوم الإنسانية، ومفاهيمها المتجددة، قدر اتساع أفقها لتأمل منجزات بشرية نصية وبصرية وشفهية على حد سواء.

(*) ﻫﻞ ﻳﺄﺗﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﺿﻤﻦ ﻣﺸﺮﻭﻉ ﺃﻭﺳﻊ؟

لا يخرج موضوع الكتاب عن المشروع الذي بدأته منذ ما يقارب عقدين من الزمان، وينخرط هذا المشروع في مجال السرديات، حيث راكمت مجموعة من الأبحاث والدراسات في مختلف الأنواع السردية (الحكاية الشعبية، الرحلة، الفيديو كليب، الرواية، القصة القصيرة، القصة القصيرة جدا…) ومن أهم كتبي في هذا الصدد: (الرواية العربية الجديدة: السرد وتشكل القيم)؛ (القصة العربية: الشكل والدلالة)؛ (قضايا سردية في النص التراثي)؛ (النص السردي الأندلسي)؛ (شعرية الفضاء في الرحلة الأندلسية؛ بداية المجتهد للقلصادي نموذجا)؛ (الإنسان القروسطي: القيم والعلاقات)؛ وما يزال الطريق طويلا وشاقا ومحفوفا بالمغامرات اللذيذة.

 (*)  ﻣﺎ ﻫﻲ ﺃﺑﺮﺯ ﻣﻘﻮﻻﺕ ﻛﺘﺎﺑﻜﻢ؟

ينطلق الكتاب من خطة مفادها الانطلاق من المكونات السردية المعروفة، وجوانب اشتغال السردية في مدونة تقوم على الحكي من خلال نصوص تمثيلية، والإطلال على عالم الإنسان، من خلال مادة الخطاب المتوفرة نصيا، وهنا تلغى المسافة بين الخطاب والمعنى أو القيم أو الأبعاد أو القضايا: حيث يبدو أن بوابات العبور من الخطابي الضيق إلى الإنساني الرحب ممكنة ومتاحة، فالفضاء السردي يؤدي بنا إلى العمارة، والمنظور السردي يقود إلى التبئير والرؤيا، والشخصية بأقنعتها المتعددة تشير للإنسان في كل مناحي حياته الفردية والعلائقية، في حين يحيل الزمن السردي على التاريخ البشري وما تخلله من وقائع وأحداث.

جئت إلى الكتابة من

القراءة والإدمان عليها

(*)  ﺇﺑﺮﺍﻫﻴﻢ ﺍﻟﺤﺠﺮﻱ ﺭﻭﺍﺋﻲ ﻣﻐﺮﺑﻲ أيضًا، ﻣﺎ ﺍﻟﻌﻨﺎﺻﺮ ﺍﻟﺘﻲ ﺳﺎﻫﻤﺖ في ﺗﻜﻮﻳﻨﻪ؟

ككل “الكتاب”، أنا جئت إلى الكتابة من القراءة والإدمان عليها، مثلما جئت إليها من الحياة، ومن القاع الاجتماعي المغربي، ومن التمرين المستمر والتجريب الطويل للخبرات الكتابية، وكل هذا ساعد عليه التفوق الدراسي أولا وأخيرا. فأنا أقرأ لأعدد آفاق التقنية، ولأغني تجاربي، وأعيش في القاع لأحس بالعالم، وأتشرب نسغ المعاناة الحقيقية للناس. هاته هي مصادري التي أداوم على النهل منها.

(*) ﻧﻌﻴﺶ ﻋﺼﺮ ﺍﻟﺼﻮﺭﺓ ﻭﺍﻟﻔﻴﺪﻳﻮ، ﻣﺎ ﻣﺪى ﺍﺩﺭﺍﻙ ﺃﺩﺑﺎئنا ﻟﻬﺬﺍ ﺍﻟﺘﺤﺪﻱ؟

ـ كثير من المبدعين أدركوا هيمنة الصورة وضرورتها وأهميتها في التواصل والتأثير، لذلك باتوا ينتقون أغلفة مثيرة لأعمالهم، ويرفقون نصوصهم بصور وفيديوهات، بل وبدأ كثيرون يستعملون الواتساب والفيسبوك وتويتر في نشر صورهم الخاصة، وصور أنشطتهم تسابقا نحو الانخراط في العصر.

(*) ﻇﻮﺍﻫﺮ ﺍﻟﻌﻨﻒ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻌﻲ ﻭﺍﻟﺘﺤﺮﺵ ﺍﻟﺠﻨﺴﻲ ﺃﺻﺒﺤﺖ ﻣﺨﻴﻔﺔ.. ﻣﺎ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺤﺘﺎﺟﻪ ﻣﺠﺘﻤﻌﻨﺎ ﻣﻦ ﺃﺩﺑﺎﺋﻪ؟

 يستحيل على الأدباء الاضطلاع بمهمة محاربة الفساد الأخلاقي دون انخراط جماعي لكل المكونات المجتمعية، تربوية كانت أو إدارية أو إعلامية. لأن المسألة ليست شخصية، وليست مخصوصة بفئة دون غيرها. ومن جهة أخرى لا بد للأدباء أن يكونوا قدوة في هذا الباب، ويعطوا النموذج الإيجابي على مستوى التشبث بالأخلاق المدنية، كما يتوجب عليهم حفظ القيم الإنسانية وتمريرها للأجيال في نصوصهم مع الحرص على الجمالية وتهذيب الذوق. فمسألة التحرش بصفة عامة لا تخرج عن نطاق ثقافة العنف السائدة.

الشعب المغربي
متعدد الثقافات

(*)  ﺃﻳﻦ ﺗﻀﻊ ﺍﻟﻤﺸﻬﺪ ﺍﻷﺩﺑﻲ ﺍﻟﻤﻐﺮﺑﻲ ﻓﻲ ﺧﺎﺭﻃﺔ ﺍﻟﻤﺸﻬﺪ ﺍﻟﻌﺮﺑﻲ؟ 

 يشكل المشهد الأدبي المغربي جزءا لا يتجزأ من المشهد العربي، وإن كانت له خصوصيته النابعة من تراكمات وسياقات ولغات ولهجات وتنوع ثقافي وتفاعل تاريخي بين حضارات مختلفة، كل هذا تمازج ليعطينا هاته الخصوصية التي يجد فيها إخواننا المشارقة بعض الغرابة والاختلاف. فهنا الطبيعة متنوعة، والشعب متعدد الثقافات واللغات، والجغرافيا منفتحة على قارتين، وبالتأكيد هذا يجد له صوتا داخل الأدب. وفي العقود الأخيرة لاحظنا صعود الأدب المغربي من خلال حضوره الملفت في المنابر، وتتويجه المستمر في كل المحافل العربية والجوائز المعروفة، وهذا يؤكد الصحوة الإبداعية والأدبية والجمالية.

(*) ثمة ﺟﻮﺍﺋﺰ ﻭﻣﺴﺎﺑﻘﺎﺕ ﺷﻌﺮﻳﺔ ﻭﺃﺩﺑﻴﺔ ﻋﺮﺑﻴﺔ ﻛﺜﻴﺮﺓ..ﻫﻞ ﻓﻌﻼ ﺃﻏﻠﺒﻬﺎ ﻣﺴﻴﺲ؟

 الجوائز ظاهرة صحية مهما يقال عنها. وتساهم، بغض النظر عن الاتهامات والإكراهات، في التحفيز على الإنتاج والكتابة، والترويج للأعمال والأسماء وتوسيع دائرة انتشار النصوص والأعمال الأدبية على أوسع نطاق. وأنا بالعكس، أدعو إلى الإكثار منها، ورصد ميزانيات عالية لها حتى تطول كل الأنواع الأخرى دون استثناء، وحتى تمثل كافة الجغرافيات.

(*) ﻳﻘﺎﻝ إﻥ ﻛﻞ ﻭﺍﺣﺪ ﻣﻦ ﺍﻷﺟﻨﺎﺱ ﺍﻷﺩﺑﻴﺔ ﺍﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﻳﻌﻴﺶ ﻓﻲ ﺟﺰﻳﺮة ﻭﻳﻘﻞ ﺍﻟﺘﺄﺛﻴﺮ ﻭﺍﻟﺘﺄﺛﺮ ﻣﻊ ﺑﻌﻀﻬﺎ ﺍﻟﺒﻌﺾ ﻭﺑﻘﻴﺔ ﺍﻟﻔﻨﻮﻥ.. ﻣﺎ ﺭﺃﻳﻚ ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺤﺎﻟﺔ؟

ليست الأجناس وحدها المفصولة عن بعضها، بل كذلك المبدعون والباحثون والسياسيون ووو. إن العمل الجماعي عندنا أمر مستبعد نهائيا. لذلك فالأعمال الفردية مهما كانت جيدة، فهي تفتقد للتأثير المطلوب، وقلما تجد صدى مقنعا يليق بالجهد المهدور فيها. كذلك الأجناس لا تستفيد من بعضها، ولا تنفتح على غيرها، وكأنها أسواق ذات بضاعة منافية للأخرى. وللأسف، في الوقت الحالي ليس هناك ما يؤكد على أن هذا الحال قريب الزوال!

(*) ﻛﻴﻒ ﺗﻨﻈﺮ ﻟﻠﻤﺸﻬﺪ ﺍﻟﻨﻘﺪﻱ ﺍﻟﻌﺮﺑﻲ؟ ﻟﻤﺎﺫﺍ ﻻ ﻧﺠﺪ رضى ﻋﻨﻪ ﻭﻳﺘﻬﻢ ﺑﺄﻧﻪ ﺷﻠﻠﻲ ﻭﻣﺠﺎﻣﻞ؟

 هذا الانطباع مكرس فعلا، وهو سائد في كثير من الحالات للأسف، خاصة في ما يسمى بالنقد الصحافي أو الإعلامي، أو ما يدعى عادة بالنقد الإخواني أو نقد المجاملات. وللأسف هاته الأنواع غير مفيدة لا للنص ولا لصاحبه لأنها لا تقدم خدمة له، ولا تشرح مفاصله لتبرز مناطق الضعف فيه ليتهيأ لصاحبه تداركها، ولا تقومه بالشكل الذي يجب للإفادة. وهناك نقد آخر مهم ولكنه قليل بحكم اهتمامه بالباراديكمات الكبرى والأسئلة النظرية التي ينفق فيها كثيرا من الوقت، لذلك فهو يشتغل بعينة انتقائية من النصوص ويتعلق الأمر بالنقد الأكاديمي. أما النوع الأخير فهو النقد المختص الذي يتابع النصوص ويقيس حساسيتها في محاولة لضبط السيرورة النمائية للأدب، وهو الآخر لا يمكن ان يتناول كل النصوص التي تنشر. والحل هو ان تتعاون كل هاته الأنواع برعاية من مؤسسات ذات اختصاص علمي وأدبي ونقدي، وبإشراك لكل الفعاليات، خاصة منها دور النشر، ومراكز البحث، ومؤسسات التوزيع، فضلا عن المؤسسات التربوية والجامعية.

الرواية تفاعلت مع أسئلة

الإنسان العربي الحالي

(*) ﺗﻤﺮ ﺃﻣﺘﻨﺎ ﺍﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﺑﻤﻨﻌﻄﻔﺎﺕ ﻭﺣﺮﻭﺏ ﻭﺗﺸﺮﺫﻡ.. ﻫﻞ ﺑﺮﺃﻳﻚ ﻭﺛﻖ ﺍﻷﺩﺏ ﺷﻌﺮﺍ ﺃﻭ ﺭﻭﺍﻳﺔ ﻣﺎ ﻧﻤﺮ ﺑﻪ؟ ﻫﻞ ﻣﻦ ﻧﻤﺎﺫﺝ ﺻﺎﺩﻗﺔ؟

لا يمكن أن يعيش الكاتب في برج عاجي بعيدا عما يعيشه محيطه من أحداث. فالأديب مرآة مجتمعه، وهو وإن كان لا ينقل الأحداث مثل المؤرخ، فإنه ينقل الأحاسيس والمشاعر المرافقة لهاته الأحداث الأليمة. لذلك نقرأ نكوصية متنامية في أدبنا الحالي، تبررها حالة الأزمة التي تعرفها الأمة على كل الأصعدة. وهذا واضح في كل الأنواع الأدبية، لكن الرواية أشدها نقلا للمرحلة، وأكثر تفاعلا مع أسئلة الإنسان العربي الحالي. ويكفي أن تلقي نظرة على الروايات الأكثر مقروئية أو الروايات المتوجة بجوائز عربية، ليتأكد لك ذلك.

(*) ﺗﺤﺘﻀﻦ ﻣﺪﻳﻨﺔ ﻭﺟﺪﺓ ﺍﻟﻤﻐﺮﺑﻴﺔ ﻓﻌﺎﻟﻴﺎﺕ ﻛﻌﺎﺻﻤﺔ ﻟﻠﺜﻘﺎﻓﺔ ﺍﻟﻌﺮﺑﻴﺔ.. ﻛﻴﻒ ﺗﻨﻈﺮ ﻟﻬﺬﺍ ﺍﻟﺤﺪﺙ؟ ﻭﻫﻞ ﻣﻦ ﻓﻌﺎﻟﻴﺎﺕ ﺳﺘﺘﻤﻴﺰ ﺑﻬﺎ ﺑﻌﻴﺪﺍ ﻋﻦ ﺍﻟﺤﻔﻼﺕ ﻭﺍﻟﻔﻌﺎﻟﻴﺎﺕ ﺍﻟﺪﻋﺎﺋﻴﺔ؟

 حقيقة لم أتتبع ما جرى بوجدة العام الماضي. كنت ملتزما بحضور فعالية خارج البلد، ولكن عموما تبقى مبادرة إيجابية في هذا الإقليم النائي، وهو في حاجة ماسة إليها. لكني قرأت هنا وهنا عن احتجاجات لفاعلين محليين يتهمون الجهات المنظمة بإقصائهم. أنا أتفهم بأن الفعالية لن تستطيع إرضاء الجميع، ولن تخلو من النقائص. لكن لا بد من الاحتفاء بالمنجز المحلي والالتفات للطاقات التي تبرز بالجهة قصد التعريف بها، وفي الآن نفسه لا بد من العض على هاته المبادرة بالنواجد كي تستمر، خاصة في ظل هيمنة المهرجانات ذات البعد الفولكلوري والترفيهي التي لا تنبثق عن ثقافة الشعب، ولا تحرص على الذائقة وترصد لها ميزانيات ضخمة في كل المدن خاصة في فصل الصيف.

المصدر: ضفة ثالثة

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.