المجتمع القروي بين سيرورة التحديث وإعادة إنتاج البنيات التقليدية

محمد جحاح

مفارقات الواقع والنماذج

 ذ. محمد جحاح*

                 

 تقديم

علاوة على عوامل تاريخية (الاستعمار)، وسوسيولوجية أيضا، وارتباطا بسياسات التحديث التي نهجتها الدولة منذ الاستقلال السياسي وإلى اليوم؛ سيشهد المجتمع القروي المغربي مجموعة من التغيرات إن على مستوى اقتصادي أو اجتماعي أو قيمي. وعلى محدودية هذه التغيرات وطابعها الجزئي والسطحي غالبا، مقارنة بالمجال الحضري، فإن آثارها السوسيولوجية وتمظهراتها أضحت بارزة على مستوى المعيش اليومي للفاعلين الاجتماعيين أفرادا وجماعات؛ ولعل هذا ما يمكن أن نقرأه بوضوح من خلال عدد من المؤشرات:  (سلوكات، أنماط الاستهلاك، أشكال التنظيم، طرق وأشكال التواصل،…).

في الواقع، إذا كانت الخطابات السياسوية والتكنوقراطية في مجملها، قد أطرت هذه المتغيرات وفهمتها في سياق سيرورة “تحديث” فعلية، ما انفك المجتمع المغربي والقروي خاصة يشهدها؛ فإن البحث السوسيولوجي- الأنثروبولوجي يلح بالمقابل على مساءلة طبيعة هذه التغيرات واتجاهاتها، وأيضا مدى تمكنها بالفعل من عمق البنيات الذهنية، الاقتصادية والسوسيو- ثقافية لهذا المجتمع.

إن التحديث من منظور سوسيولوجي إذن، قد لا يعني مجرد تمظهرات لقيم حداثية على مستوى السطح الاجتماعي، كما تعكسه سلوكات الفاعلين الاجتماعيين ومواقفهم في معيشهم اليومي، كما قد لا يمكن ربطه بتدخلات الدولة عن طريق سياسات اقتصادية واجتماعية ظرفية وقطاعية؛  بل هو سيرورة عنيفة ومستمرة من الهدم وإعادة البناء، لا يمكن أن تشتغل إلا في العمق حيث يمكن تحريك السواكن. وبهذا فهي سيرورة تجسد فعليا انخراط المجتمع في حركة التاريخ، من حيث هي عملية تحويل شامل ومتكامل من نسق اجتماعي تقليدي إلى نسق حديث 1)). هذا على مستوى نظري طبعا، لكن حين يتم الانتقال من مستوى النموذج النظري إلى مستوى الواقع العيني – خاصة ونحن هنا بصدد المجتمع المغربي- تبدأ الصعوبات والمفارقات أيضا؛ ولعل هذا ما يوحي به عنوان هذه المداخلة.

انطلاقا من هذه القناعة إذن، وارتباطا بالإشكالية المطروحة، يمكننا طرح مجموعة من التساؤلات حول واقع وطبيعة ومسارات التحديث بالمجتمع المغربي عامة والقروي على وجه التحديد، مما قد يفتح أمامنا إمكانية دراسة وتحليل آليات التغير الاجتماعي، وما يترتب عن هذا الأخير من اختلالات وتفككات في البنى والنظم ومن تحولات أيضا: (الهجرة، تفكك الروابط الاجتماعية التقليدية، تغير نظام القيم، بروز قوى وحركات اجتماعية جديدة،…). وفي نفس الآن يمكننا الوقوف على معيقات التحديث، ومحاولة فهم وتفسير كيف ولماذا يستمر المجتمع المغربي في مقاومته، وبأشكال مختلفة، لــ”ماكينة” التحديث؟ وهل الأمر يتعلق فعلا بنوع من “الخصوصية” المغربية كما يذهب الانقساميون؟ أم أن العطب يمكن أن نقرأه على مستوى “الآلة” الأداة، وفي كيفية تحريكها؟ !

وعلى مستوى آخر من التحليل، هل يمكن القول بأن هناك نموذجا اجتماعيا- ثقافيا تقليديا قائم الذات، يمنع إمكانية بروز وتحقق نموذج اجتماعي- ثقافي حديث؟ وبالتالي هل المجتمع المغربي عامة والقروي بشكل خاص يعيش هذه الثنائية التراجيدية ويحملها في جوفه؟ وهنا بالطبع يستحيل الحديث عن أفق تنموي أوحداثي فعلي. أم ترى هناك إمكانية لتصور نموذج اجتماعي- ثقافي ثالث؛ هو ليس بالتقليدي المتدهور وليس بالحديث الذي لم يحسم بعد مع معيقات تحققه؟

لعل المقاربة السوسيو- أنثروبولوجية تمنحنا إمكانية معرفية (نظرية ومنهجية) لتصور هذا النموذج الثالث، وهو نموذج اجتماعي- ثقافي يستمد وجوده وشرعيته أيضا من ذلك الصراع والتصادم بين النموذجين: (التقليدي والتحديثي)(2) ؛ وهنا بالذات يتم توجيه البحث نحو الكشف عن الديناميات والبنى العميقة والخفية أيضا. فالمجتمعات دائما لا تقدم نفسها كما هي، بل تسعى دوما بشكل أو بآخر إلى إخفاء حقيقتها، إخفاء ما هي عليه بالفعل، وهذا ما تحدده وتتحكم فيه علاقات القوة الاجتماعية واستراتيجيات الفاعلين أيضا؛ وهنا يتوجب استحضار البعد التاريخي كبعد كاشف لهذه الديناميات(3).

على خلفية هذا النموذج إذن، تأتي صياغتنا للإشكالية العامة التي تهيكل محاور هذه المساهمة المتواضعة.

إذن، كيف يمكن تصور تلك العلاقة التناقضية بين سيرورة التحديث واستمرارية التقليد؟ أو بصيغة أدق: ما هي العوامل والمحددات السوسيولوجية والأنثروبولوجية التي تفسر لنا مفارقات التجربة التنموية المتعثرة بالمجتمع المغربي عامة، والقروي بشكل خاص؟ وهنا لا يمكن طبعا فهم وتأطير هذه المفارقات: (كمفارقة التحديث/ التقليد، العصرنة/ الأصلنة، التاريخية/ الهوياتية…)، إلا على ضوء المفارقة الأصل كمفارقة بين الواقع والنموذج أو المثال.

كيف نفسر ذلك إذن؟ وما الذي تعنيه إعادة الإنتاج هذه للبنيات التقليدية، من داخل سيرورة التحديث التي تلخصها مجمل التجارب والمخططات التنموية التي خاضها المغرب منذ الاستقلال السياسي؟ وهل التحديث يعني بالضرورة الحسم والقطع مع كل ما هو تقليدي؟

في ضوء هذه الأسئلة وغيرها، سأقترح – وبتركيز شديد- خمس أطروحات محاولا بذلك الاهتداء إلى فهم وتحليل عوائق ومفارقات التحديث بالمجتمع المغربي؛ مع تشخيص لواقع المجتمع القروي المغربي ( الريف تحديدا ) بغية الخروج بتركيب جدلي لأهم الخلاصات.

  • الأطروحة الأولى ” الانقسامية”

إن ما يميز هذه الأطروحة، خاصة فيما يتعلق بالإشكالية التي نحن بصددها، كونها تقوم على مسلمة رفض المجتمعات المسماة انقسامية لكل ما هو حديث؛ أي رفض الحداثة في كافة أبعادها السياسية، الاقتصادية والاجتماعية. ويعتبر المجتمع القروي بالمغرب نموذجا لذلك، من حيث مقاومته لكل أشكال التغيير وانكفاؤه إلى أحضان التقليد؛ فهو أصلا مجتمع محلي ضد الدولة، ضد المجتمع الكلي وضد التاريخ.

يمكن أن نقدم النموذج هنا بكل من (رايمون جاموس) في دراسته الأنثروبولوجية حول “قبيلة قلعية” بالريف الشرقي(4)، (دافيد هارت) في أطروحته الضخمة حول “قبيلة بني ورياغل” بالريف الأوسط(5) و(إرنست كلنر) في دراسته الأنثروبولوجية أيضا حول قبائل الأطلس، الموالية لزاوية أحنصال(6)، هذا دون أن ننسى طبعا بعض الأعمال الرائدة في هذا المجال لكل من (جون واتربوري)(7) و(ريمي لوفو)(8)، على الرغم من صعوبة تصنيف هذا الأخير ضمن نفس الأطروحة؛ بصرف النظر عن كل تقاطع وتشابه في النتائج والمنطلقات.

لقد أدرك هؤلاء الأنثروبولوجيون المجتمع القروي بالمغرب من منظور بنائي/ وظيفي، مع ما يعنيه ذلك طبعا من رؤية سكونية ومن إقصاء لعوامل التغيير،  وهكذا اعتبرت القبيلة بمثابة نسق اجتماعي سياسي قائم على نوع من التعارض المتوازن بين القسمات. فالمنطق الوحيد الذي يستمد منه النسق الانقسامي هويته وشروط توازنه واستمراريته، هو منطق النسب والنسب الأبوي تحديدا. وهكذا فالنظام الاجتماعي والسياسي الانقسامي يستمد رمزيته وأسسه من نسق القرابة9)).

لقد اعتمد الانقساميون في تحليلهم للبناء الاجتماعي والسياسي للقبيلة المغربية على مقولتي التعارض والتحالف، كما صاغهما دوركهايم في دراسته الشهيرة “حول تقسيم العمل الاجتماعي”(10)؛ وهكذا فالقبيلة من منظور انقسامي تتشكل من “وحدة متعارضة”، تتحكم فيها أجزاء متشابهة يمكن أن تتحد عند الضرورة؛ كما أن هذه الأجزاء ذاتها تنشأ فيما بينها خلافات تحافظ على استمراريتها كي لا يضيع بعضها في بعض. ذلك لأن التعارض الذي يسيطر على حياتها المعيشية في مستوى أدنى، يمكن أن يتحول إلى تحالف ودفاع مشترك في مستوى أعلى.

في إطار لعبة التوازنات الانقسامية هذه، تبرز واحدة من أهم إواليات النسق الانقسامي، والمرتبطة أساسا بوضع الحروب والنزاعات القبلية: الأمر يتعلق بظاهرة “اللف”. فهو إطار لتحالف حربي يتم بين أقسام القبيلة وأقسام من قبائل أخرى، للحفاظ على توازن القوى بين اللفين أو “الحزبين” المتعارضين؛ ويعتبر هذا النظام من التحالفات هو السمة المميزة لمجتمعات تجهل وجود سلطة سياسية ممركزة، لأن البنية الانقسامية تحول ضد أي تمركز للسلطة وفي أية هيئة أو جهاز خاص.

أمام هذا الوضع إذن، يبقى السؤال الجوهري لدى الانقساميين هو كيف يتم الحفاظ على الأمن والنظام، في ظل غياب سلطة سياسية مركزية؟ والإجابة تقدمها بنية النسق الانقسامي ذاته، وذلك عن طريق التعارض المتوازن لمختلف المجموعات الانقسامية، في مستويات مختلفة من البناء الاجتماعي- السياسي، أو ما يصطلح عليه إرنست كلنر بـــ ( توازن العنف) أو(معادلة الخوف)، كخوف جزء اجتماعي من جزء آخر لتواجد إمكانية تعميم الحرب. هذا علاوة على الدور التحكيمي والتسكيني الذي يضطلع به شيوخ الزوايا والصلحاء، لما يتمتع به هؤلاء من اعتدال وحياد؛ فهم من يمد قبائل العوام بالاستمرارية وبالهيكل القار الذي يفتقر إليه نظامها السياسي. أليست القبيلة هنا نظاما سياسيا ثابتا، قائما بذاته ومستقلا عن الدولة؛ أو بتعبير أدق ضد الدولة؟11))

هذه بإيجاز أهم خلاصات واستنتاجات الطرح الانقسامي حول القبيلة بالمغرب؛ إنها نموذج لمجتمع محلي قائم بذاته، منكفئ إلى نظام تقاليده وأعرافه وكل ما يضمن له سبل استمراريته وثباته؛ حيث يهيمن الماضي على الحاضر والنسب على السياسة. وربما هذا ما يفسر حسب الانقساميين إصرار كل قبيلة على ربط أصلها بجد موحد ومشترك قد يكون في الغالب وهميا؛ وهنا أصل تلك النظرة التقديسية – في الغالب- لكل ما له صلة بالأصل، بالماضي وبالتقليد. بل أكثر من ذلك، فقد يكون صراع القبيلة ضد الدولة كصراع سياسي، كما يدافع عنه الانقساميون، هو في العمق موجه لصيانة هذه الهويات الانقسامية التي لا يكف المجتمع المغربي عن إعادة إنتاجها، حتى في ظل تجربة الدولة الحديثة اليوم. وربما قد تكفي الإحالة هنا على أطروحة (جون واتربوري) حول “المؤسسة الملكية والنخبة السياسية بالمغرب”12))، لتأكيد تلك المقاومة المستمرة لكل ما هو حديث من داخل المجتمع المغربي المعاصر، وبخاصة فيما يتعلق بالنسق السياسي. لعل هذا ما تعكسه بوضوح سلوكات واستراتيجيات الفاعلين من داخل هذا النسق، وما يرتبط بها من رموز وقيم: (الزاوية، البركة، العار، العائلة، اللف، الخدمة،  الزبونية، الإنعام…)، وليس أبلغ هنا من تشبيه المؤسسة الملكية في إطار علاقتها بالأحزاب والنخب السياسية بالزاوية؛ حيث الملك يمارس سلطة الحكم باسم التحكيم. إن علاقة الملك إذن بالفرقاء السياسيين (الأحزاب)، قد لا تختلف كثيرا – حسب واتربوري- عن علاقة شيخ الزاوية بقبائل العوام المتصارعة والمتقاتلة فيما بينها، ما دام الهدف واحد وهو الحفاظ على الحد المطلوب دائما- ووفق لعبة التعارضات المتوازنة – من النظام والاستقرار بضمان الاستمرارية لنفس البنيات القائمة.

لقد استعمل النظام الملكي سلطته استعمالا دفاعيا محضا، وظل بذلك يتجنب القيام بأية مبادرة جريئة نحو التحديث والتنمية في ميادين الاقتصاد والسياسة. إنه فضل دوما الانسياق وراء التقليد، معززا بذلك دوره كحكم arbitre ومحايد neutre يتموقع فوق كل الصراعات الاجتماعية والسياسية، وهو بذلك يؤكد حضوره كفاعل مركزي من داخل النسق السياسي13))، والقادر وحده على الحسم في “خيميائه” وإبقاء التوازن بين جميع القوى المتصارعة؛ فأين نحن والحال هذه من مفهوم الدولة الحديثة؟

ربما هذه الاستحالة (كاستحالة لإنجاز شرط الانتقال نحو المجتمع الحديث/ الحداثي)، هي ما أكدها (ريمي لوفو) أيضا من خلال أطروحته المتميزة حول “الفلاح المغربي”14))؛ حيث رهان المؤسسة الملكية  دائما يتوجه نحو القبيلة أو العالم القروي، كقاعدة خلفية للتحكم في الخريطة السياسية للبلاد؛ وهذا ما يفسر سر كرمها مع النخب المحلية وتيسير سبل النجاح السياسي أمامها. إنها الحاضنة أكثر من غيرها لقيم التقليد والمحافظة (15). بل أكثر من ذلك، فإن عوائق التحديث يمكن أن نقرأها أيضا على مستوى المجال الحضري، وهنا يمكن أن نلاحظ مع (موريس دفيرجي)(16) هذه المفارقة، فالبرجوازية الحضرية وبحكم انفتاحها على واقع التنمية التجارية والصناعية، قد تعتبر حليفا طبيعيا للتقنوقراط والمثقفين ذوي التكوين الغربي والطلبة، فالكل يفترض أن يكون متحمسا للتغيير ومدافعا عن تحديث المجتمع والسياسة، وهذا ما لم يحصل أبدا على مستوى الواقع. وكما يؤكد (ريمي لوفو) أيضا، فإن التحديث هنا يبدو أنه يشكل مصدر إزعاج وتهديد، ليس فقط للنخب القروية التي تبدو الأكثر ارتباطا بالثقافة التقليدية، وبالأشكال العتيقة للدين والتنظيم القبلي، بل وأيضا بالنسبة للبرجوازية الحضرية التي تدرك بأن سلطتها مهددة من طرف البروليتاريا الحضرية ومن البيروقراطية أيضا؛ مما يفسر وضعها هذا الأقرب إلى النزعة المحافظة التي تميز النخب القروية. 17))

لقد كانت المؤسسة الملكية، في سياستها اتجاه العالمين القروي والحضري، أكبر مترجم لهذه المفارقة (مفارقة التحديث والتقليد). فحسب (ر.لوفو)، لم يكن رهان هذه الأخيرة (المؤسسة الملكية) منحصرا على العالم القروي- والذي بادرت بعد الاستقلال السياسي لتوظيف شبكات التأثير والمصالح التقليدية المحلية فيه لصالح سياستها- بل كانت هناك سياسة أخرى موازية اتجاه العالم الحضري، في شخص نخبه السياسية. وهكذا يسجل الباحث بأن المؤسسة الملكية بعد الاستقلال، خلقت لحظة كانت ستسمح بإنجاز الشرط التحديثي للبلاد، وذلك بإدماجها لنخب سياسية ذات توجهات إصلاحية، لكنها لم تترك لها المجال حرا لإنجاز برامجها: سواء تعلق الأمر بالتعليم أو التصنيع أو الإصلاح الزراعي…لأنها كانت تدرك بأن أي مجهود في هذا الاتجاه كان سيفقد المؤسسة الملكية دعم النخب المحلية التقليدية لها.

في الواقع، إن أهم ما يمكن أن يؤكد استمرارية التقليد وهيمنته على التحديث، حسب (ر. لوفو)، هو المحطات الانتخابية. حيث معايير ومقاييس النجاح السياسي لا علاقة لها أبدا بالبرامج والاختيارات السياسية، بل إن ما يحسم الأمور في نهاية المطاف هي الروابط القبلية المحلية والولاءات الروحية وشبكات العلاقات الزبونية. لعل هذه حالة منطقة الريف في الستينيات من القرن الماضي، والتي تعتبر نموذجا لغيرها من المناطق الجبلية والقروية بالمغرب. (18)

  • الأطروحة الثانية

 تتأسس هذه الأطروحة على فكرة وجود بعض الأشكال من المقاومة المتسربة، وبشكل   خلاسي ومتحايل، لكل جديد على مستوى البنية الاجتماعية، كتعبير طبعا عن هيمنة نوع من     الوقائع الاجتماعية “المتجاوزة” على نوع آخر من الوقائع “الصاعدة”؛ وهذا ما أطره (بول         باسكون) في سياق نظرية “الاستلاب المعمم”.(19) إن هذا الاستلاب يبدو أكثر وضوحا فيما       يصطلح عليه بمقاومة الكلمات، كاستراتيجية لغوية لمواجهة كل ما هو حديث أو جديد مع تأبيد       ديمومة المصطلح فوق حركية الواقعي؛ وهذا ما يمكن أن نصطلح عليه بالوجود “الميتا- سياقي     والميتا- تاريخي للمصطلح”.

هناك إذن رهانات اجتماعية يحركها منطق علاقات القوة، ويوجهها نحو تملك الواقعي     عن طريق الرمزي؛ تملك التاريخي عن طريق الهوياتي؛ تملك الفعل عن طريق البنية وتملك       الأشياء عن طريق الكلمة. وقد أعطى (بول باسكون) أمثلة على ذلك بعدد من المصطلحات    والكلمات من قبيل: (الشيخ، الشركة، العزيب، القائد…). فهذه الكلمات، ووفق استراتيجيات       محددة، تؤكد في سياقها التداولي ذلك النزوع القوي إلى إخفاء الأشياء الجديدة تحت أسماء قديمة؛       أو بحسب تعبير (بيير بورديو) : إخفاء منطق الأشياء باسم أشياء المنطق. هكذا إذن،  يمكن أن نفهم كيف ولماذا تسربت كلمة (شيخ) من حقلها الدلالي الأصلي (كدلالة على السن)، فالشيخ هنا   هو الرجل المسن، لتكتسي دلالات أخرى مختلفة تماما (كدلالة على امتلاك السلطة وأسس          شرعنتها على مستوى البناء القبلي)، فالشيخ هنا هو الــ”أمغار” الذي يحكم جماعته باسم الأعراف        القبلية؛ ثم كيف ستتسرب هذه الكلمة إلى حقل التصوف مكتسحة بذلك دلالات ومساحات أكبر من    السلطة، فالشيخ هنا هو: “القطب” و”الولي الصالح” و”شيخ الطريقة” و”شيخ الزاوية” و”شيخ          التنظيم السياسي”…

لعل نفس الملاحظات يمكن تسجيلها أيضا بخصوص كلمة (قائد) أو زعيم، فغالبا ما نجد         “القائد النقابي” أو “السياسي” اليوم يتصرفان بمنطق “القائد المخزني”؛ وهنا وجه آخر لهيمنة    بنيات تقليدية من داخل حقل يوحي بحداثة صاعدة.

على مستوى آخر من التحليل، وفي نفس السياق دائما، نسجل نوعا من الاكتساح الخفي       والقوي لثقافة الطقس والمقدس الديني/ الصوفي؛ وفي هذا الإطار نسجل مع الأستاذ عبد الله     حمودي كيف تسربت خطاطة (الشيخ والمريد) من مجال الحقل الصوفي إلى مجال حقل الممارسة          السياسية في تجربة الدول العربية الحديثة. وبخصوص النسق السياسي المغربي اليوم، ليس من        المبالغة في شيء إذا قلنا بأن من أكبر معيقات تحديثه، استمرار تلك الخطاطة وهيمنتها القوية   على مستوى هيكلته وطرق وآليات اشتغاله؛ ويبدو ذلك بجلاء سواء على مستوى المؤسسة الملكية       أو الأحزاب السياسية…وربما هذا ما حاول (هشام شرابي) تشخيصه وتفسيره بهيمنة العقلية الأبوية (الباترياركية)، وتحكمها في كافة مجالات ومستويات تنظيم وضبط المجتمع والسياسة        والثقافة  بالمجتمعات العربية. (20)

في الأخير،  بقي أن نضيف- مع الأستاذ عبد الله العروي- نمطا آخر من مقاومة التحديث،     ولعل هذا ما عبر عنه في شكل تسرب آخر لذهنية القبيلة والبداوة على مستوى الراهن العربي.        ربما هذا ما يجعل العقل العربي اليوم، وبعيدا عن أن ينخرط في خط التاريخانية، عاجزا حتى عن   تمثل الحداثة في بعدها التقني؛ ولربما هذا ما يفسر ذلك الانبهار الكبير الذي يبديه الإنسان العربي     حين سماعه لوقع حوافر الخيل في مشهد فروسي على شاشة التلفاز، من دون أن تعني له التلفزة       نفسها أو الطائرة أو غيرها من المبتكرات التكنولوجية الحديثة  شيئا؛ إنه مشدود بطبيعته إلى      أصله وبداوته.(21)

  • الأطروحة الثالثة

باختصار شديد، تسعى هذه الأطروحة إلى تفسير معوقات التحديث بوجود قوى اجتماعية/ سياسية (نكوصية)، تشتغل ضد كل ما هو حديث وحداثي؛ وذلك انطلاقا من منطق هوياتي/ جوهراني. في هذا السياق يمكن الحديث عن نوع من الأصولية الدينية بالأساس، حيث الرهان على “أصلنة”   la fondamentalisationالمجتمع والسياسة كرد فعل ضد تيار الحداثة والعلمنة.

في الواقع، إن ارتباط الحركة الأصولية بالمطلب الديني ليس ميزة تخص المجتمعات العربية الإسلامية، هذا من جهة، ومن جهة ثانية فحتى التأريخ للأصولية الدينية يقتضي منا العودة بالتحديد إلى مرحلة الثورة الفرنسية. لقد كانت العلمانية إذن، هي الأفق الذي رسمته هذه الثورة للمجتمع الفرنسي والأوروبي بشكل عام، ولعل هذا المطلب كان بمثابة الترجمة السياسية لفكرة التقدم التي دافع عنها بشدة العقل الأنواري؛ لكن وفي المقابل لم يعدم المجتمع الفرنسي والأوروبي أيضا (انجلترا وألمانيا) وجود قوى محافظة مناهضة للثورة ولقيمها متجلية في (الحداثة، العلمانية، الليبرالية، الفردانية، العقلانية…). بطبيعة الحال، كان وراء حركة الرفض والإدانة لهذه الثورة ولقيمها، نزعة أصولية ما فتئت تكشف عن خلفياتها الدينية؛ ومهما اختلفت تسميات هذه الحركة: (الحركة الرومانسية، الحركة المحافظة، النظاميون، الأصوليون…)، فإن ما كان يوحد بين مناصريها ومنظريها أيضا: (إدموند بورك، بونالد، دوماستر، شاتوبريان، هالير، كوليريدج…) هو تلك الدعوة الصريحة إلى العودة إلى النظام الذي كان سائدا قبل قيام الثورة (النظام الفيودالي).(22) كانت هذه الدعوة الأخلاقية والسياسية في جوهرها إذن، تعبيرا صارخا عن رفض أصحابها للحداثة وما ارتبط بها من قيم “مدمرة” كالفردانية والعلمانية؛ فهي قيم لن تؤدي إلا إلى ضرب الروح الجماعية التضامنية التي كانت تميز المجتمع الفرنسي من قبل، والتي كان للدين والكنيسة تحديدا الدور الحاسم في إذكائها ورعايتها. بهذا الشكل إذن، كان الدين في أصل الإيديولوجية المحافظة التي سوغ بها أعداء الثورة الفرنسية مطلبهم الأخلاقي/ السياسي الأصولي.

بطبيعة الحال، ليس الغرض من هذا التقديم أننا نسعى إلى مقارنة الظاهرة الأصولية في المجتمعات العربية الإسلامية، والمغرب تحديدا، بنظيرتها في الغرب؛ ومع ذلك يبقى دائما ذلك الأساس المشترك الذي يوحد بينها جميعا- (كل حسب تجاربه وسياقاته)- في استثمار الديني لإعادة صياغة النظام الأخلاقي ولم لا السياسي. لا يعدو الدين هنا أن يكون إذن، سوى شكلا من أشكال إيديولوجية الرفض لكل ما هو حداثي، علماني، ديمقراطي…ولعل موقف بعض الأحزاب والتنظيمات الإسلاموية اليوم، سواء بالمغرب أو بالعالم الإسلامي يؤكد من دون شك هذا التوجه الأصولي، بما يعنيه طبعا من رفض للحداثة وفي كل أبعادها الاجتماعية والفكرية والاقتصادية والسياسية. إنه بذلك توجه ينتصر لقيم الماضي، بما تعنيه من تقاليد ومثل ومعتقدات وممارسات تجد أساسها فيما هو ديني.

هنا بالذات ترتسم معالم “يوتوبيا الخلاص”، بإعادة تجسيد وبناء نموذج لـ”مجتمع إسلامي” في ظل دولة دينية (تيولوجية). هكذا إذن تصل النزعة الأصولية ذروتها في السياسة، حينما يتم الانتصار لنموذج خاص من العلاقة بين الديني والسياسي، نعبر عنه هنا بـ”أسلمة السياسة” و”تسييس الإسلام”.

لا يخفى طبعا ما تلقاه هذه النزعة الأصولية من رفض وممانعة من قبل القوى السياسية، سواء منها اليسارية الماركسية أو الليبرالية. بل أكثر من ذلك، فإن أشكال الرفض والممانعة هذه تجد صداها بشكل أكبر وأوضح على مستوى الإنتاجات الفكرية؛ إنها المواجهة إذن بين فكر تقدمي (حداثي أو ما بعد حداثي) وفكر أصولي “رجعي” كثيرا ما ينعت بالظلامي.

في الختام نود أن نشير إلى مسألة جوهرية، وهي أن المشكلة هنا ليست في الدين في حد ذاته، حتى لا يفهم من قولنا أننا نسعى إلى إقامة تعارض بين الإسلام والحداثة؛ فهناك على الأقل إمكانيات للتعايش بين الدين والحداثة، ولعل هذا ما تؤكده التجربة الأمريكية كما نوه بذلك (أليكسي ديتوكفيل) (23) فولوج الحداثة وبناء النظام الفيدرالي الديمقراطي بهذا البلد، لم يكن يعني أبدا تنحية الدين واعتباره عقبة في وجه بروز وتطور النظام السياسي والاقتصادي الجديد (الرأسمالية). ولعل هذا ما لم يحدث في التجربة الفرنسية، كما تجسدت مع ثورة 1789 التي رأت في الدين أول معيقات تحقق الشرط الحداثي. وبالعودة إلى مجتمعاتنا العربية-الإسلامية، يمكن أن نؤكد على ضرورة التمييز بين الدين كنسق من القيم والمعتقدات والممارسات، لا يمكن تصوره إلا كحضور على مستوى المجال الخاص la sphère privé  أو المجتمع المدني كمجال لتبلور وتطور الحريات الخاصة (حرية المعتقد، حرية الرأي…)، وبين الدين وقد أصبح مسيسا (الإسلام السياسي)، حيث أفق تبلوره وتبنينه structuration هنا هو الدولة كفضاء عمومي la sphère publique؛ وهنا لا يمكن الحديث أبدا عن أية حداثة. من دون الخوض أكثر في التفاصيل، يمكن أن نختم بهذا التأكيد: إذا كان بالإمكان تحديث الإسلام la modernisation de l’islam))، والتصوف في بعض جوانبه الروحية والجمالية والفلسفية العميقة يقدم النموذج، فإنه من المستحيل تماما أسلمة الحداثة l’islamisation de la modernité))(24)، لأن التعارض هنا يبقى جوهريا بين فكرة الفرد l’individu والمواطن الحر le citoyen من جهة،  وبين فكرة الرعية le sujet من جهة أخرى.

  •  الأطروحة الرابعة     

إن المشكلة في نظر أصحاب هذه الأطروحة(25)، ليست قائمة في استمرارية التقليد، بل في كيفية التعامل مع هذه البنيات التقليدية. وعلى هذا الأساس ينطلق هؤلاء، ومعظمهم من الأنثروبولوجيين، من قناعة مفادها  أن التحديث لا يعني بالضرورة الحسم مع كل ما هو تقليدي؛ لأن قوة التقليد وفعاليته تكمن في كونه قد يشكل مصدرا وحاضنة لبذور التحول والتحديث.

لعل من أبرز المتحمسين لهذه الأطروحة السوسيولوجي والأنثروبولوجي الفرنسي (جون ديفينيو)، فسواء في دراسته الرائدة حول قرية ( شبيكة) التونسية، أو في مقدمة كتابه النظري حول (اللغة المفقودة) (26)، نجده ينتقد وبشدة مجموعة من التجارب التنموية التي خاضتها بعض البلدان؛ خاصة حين تصبح التنمية لديها مشروطة، أو بالأحرى مرهونة باجتثاث وتدمير كل البنيات التقليدية. إن فشل هذه التجارب التنموية/ التحديثية يجد أساسه بشكل كبير في سوء تقدير، أو بالأحرى جهل كبير بالإمكانات الهائلة والكامنة التي تختزنها المجتمعات في عمق بنياتها التقليدية؛ فالمشكلة إذن ليست قائمة في هذه البنيات وإنما في كيفية تطويرها وتكييفها مع كل ما هو حديث، وذلك وفق رؤية شمولية تكاملية. هكذا يفسر لنا (جون ديفينيو) لماذا انهار الاتحاد السوفياتي كنظام شيوعي، ولم يحصل نفس الشيء مع نظام سياسي شيوعي هو الآخر، ونقصد هنا النظام الصيني. المشكلة في نظر الباحث طبعا، ليست – كما توهمنا التحليلات الليبرالية- في طبيعة النظام الشيوعي نفسه، إنما في تصور كل من البلدين لسياسة التحديث والتنمية. ففي الوقت الذي سارعت  فيه الدولة السوفياتية إلى تدمير كل البنيات التقليدية بالمجتمع، وبخاصة البنيات القروية الزراعية لتأكيد خيار التصنيع، سوف تنهج الصين استراتيجية مختلفة. فمن جهة فهي لم تغفل القيمة المركزية للتصنيع والتكنولوجيات الحديثة، لكن وبالموازاة مع ذلك سوف تنهج سياسة قائمة على عدم استئصال كل الإمكانات والموارد التقليدية، سواء كخبرات ومهارات أو أشكال التنظيم والإنتاج التقليدية، خاصة على مستوى العالم القروي والنشاط الزراعي. بهذا الشكل إذن، ستضمن التجربة الصينية استمراريتها ونجاحها، بضمان شروط تجذرها السوسيوثقافية ودينامية وتكامل عناصرها؛ حيث التقليد يصبح إمكانا للتحديث.

غير بعيد عن هذا التصور، نجد باحثا أنثروبولوجيا آخر وهو (جورج بالاندي)، المعروف برفضه الصارم لكل النظريات السوسيولوجية والأنثروبولوجية التي توازي بين “التقليد” و”الثباتية”. وفي هذا الإطار إذن، يمكن أن نكتفي ببعض النصوص من كتابه الموسوم بــ”الأنتروبولوجيا السياسية”. فحسب الباحث طبعا، “لايزال مفهوم التقليدية غير دقيق. وينظر إليه كتواصل في حين أن التحديث هو انقطاع. وفي أكثر الأحيان يعرف التقليد بالامتثال لمعايير قديمة جدا، تلك التي تؤكدها الأسطورة أو الإيديولوجيا السائدة وتبررها، والتي ينقلها التقليد عبر مجموعة كاملة من الإجراءات. ليس لهذا التعريف فعالية علمية؛ وبالفعل لا يمكن تعريف هذا المفهوم بدقة أكبر إلا إذا ميزنا- حسب الباحث دائما- بين شتى المظاهر الحالية للتقليدية”(28). في هذا السياق إذن، يندرج مشروع الأنثروبولوجيا السياسية لدى (جورج  بالاندي)؛ فهذه الأخيرة هي الأقدر فعلا على رفض تشبيه التقليد (بالثباتية) وذلك بالكشف عن الجوانب الدينامية للمجتمع التقليدي؛ لأن هذا الأخير غير محكوم عليه أن يظل ساكنا يجتر ماضيه.

إن رفض (ج. بالاندي) لتلك الطبيعة الثنائية المزعومة، والتي يجسدها ذلك الصدام بين قوى التحديث وقوى التقليد من داخل المجتمعات النامية، يوازيه تصور لنموذج ثالث بديل. وهكذا فإن “إنسان المجتمعات المسماة ثنائية، لا ينظم وجوده بمواجهة قطاعين منفصلين ومحكومين الأول للتقليد والآخر للحداثة. وانطلاقا من التجربة المعاشة، يسمح بإدراك الجدلية العاملة بين نظام تقليدي (متدهور) ونظام حديث (مفروض من الخارج)؛ كما يظهر نموذج ثالث للنظام الاجتماعي الثقافي غير مستقر يرتبط أصله بالمجابهة بين النموذجين السابقين”(27). وبناء عليه، وبما أنها قد تعتبر أكبر حاضنة لقوى التقليد، “ولأنها تشكل (بذلك) حقل المواجهة بين التقليد والحداثة، فإن الجماعات القروية هي وحدات البحث الأكثر ملاءمة”(28) في هذا الإطار.

  •  الأطروحة الخامسة

تتأسس هذه الأطروحة على مقاربة السياسي، فهي تسائل دور الدولة الوطنية والأحزاب أيضا عما قامت به لصالح تنمية وتحديث بلدانها؛ خاصة ونحن هنا بصدد البلدان النامية التي عاشت تجربة الاستعمار (والمغرب واحد منها). وهكذا، “ففي المجتمعات التي تعيش فترة تغيير، يقوم الحزب السياسي بعدة وظائف. يعرف بالدولة الوليدة أو المتجددة، يوجه الاقتصاد الوطني، وينظم تفوق السياسي ويساهم بتغيير البنى الاجتماعية. تكون هذه المساهمة في التغيير أكثر فعالية بقدر ما يكون نظام الحزب الواحد أو الحركة الوطنية المعممة في سنوات ما بعد الاستقلال مسيطرا بشكل واسع. فالحزب السياسي هو أول وسيلة تحديث، وذلك بسبب أصله المرتبط بمبادرة النخب العصرية وتنظيمه الذي يسمح له بإقامة علاقات أكثر مباشرة مع الجماعات من علاقتها بالإدارة، وأخيرا بسبب وظائفه وأهدافه، لأنه يريد أن يكون، وهو كذلك في عدة ميادين، متعهد التنمية”(29).

وبخصوص حالة المغرب التي تعنينا هنا، فإن للحزب السياسي وجودا باهتا، إن لم نقل عديم الجدوى أمام قوة الدولة المهيمنة على كافة مجالات السياسي والمدني أيضا؛ ولعل المؤسسة الملكية تقدم في هذا الصدد المثال الحي على ذلك. بطبيعة الحال، ليس غرضنا هنا هو مناقشة طبيعة الدولة بالمغرب، أو خصوصيات النسق السياسي المغربي وعلاقة السياسي بالمدني… إنما نسعى من خلال ما يلي إلى مساءلة طبيعة حضور الدولة فيما يتعلق بمسألة التنمية، وما مدى مسؤولية هذه الأخيرة (أي الدولة) فيما أفضت إليه التجارب التنموية السابقة من إفلاس؟ هذا دون استثناء بعض العوامل الأخرى طبعا، وعلى رأسها الاستعمار ومخلفاته.

في الواقع، لاأحد بإمكانه أن ينكر اليوم مسؤولية الدولة، وعبر سياساتها التنموية السابقة، في الوضع الكارثي المقلق الذي أصبحت عليه الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في العالم القروي. وذلك بسبب التهميش والإقصاء الذين طالا هذا الأخير، ومعه مناطق أخرى واسعة محسوبة على المجال الحضري، من مخططات التنمية المتبعة. ومن دون شك تبقى سمة “المركزية المفرطة” المتوارثة عن الإدارة الاستعمارية الفرنسية عاملا مفسرا في هذا الاتجاه، وربما هذا ما دفع بالدولة مؤخرا إلى إطلاق “المبادرة الوطنية للتنمية البشرية”، كإقرار صريح بأخطاء وهفوات الماضي. هناك إذن دعوة إلى تجدير الفعل التنموي، وذلك بالرجوع إلى الإنسان كقيمة مركزية وكمنطلق وغاية أيضا لكل تنمية حقيقية. وهكذا فالتنمية البشرية تأخذ على عاتقها محاربة الهشاشة وفي كافة أشكالها وتمظهراتها: الاقتصادية، الاجتماعية، السياسية والمعرفية أيضا؛ كما أنها تسعى إلى إعادة النظر في سياسة المكان، وبالتالي تصحيح الانحرافات والاختلالات السوسيو- مجالية التي كرست لسنوات من اللاتكافؤ في فرص التنمية والتحديث بين المناطق والجهات؛ إنها السبيل إذن نحو تحرير الإمكان البشري.

بطبيعة الحال يبقى هذا طموحا مشروعا، لكن التنمية ليست طموحا فحسب، إنما هي إرادة سياسية بالأساس، ومسلسل تتكاثف فيه جهود كل الفاعلين من دولة ومقاولة وأحزاب سياسية ومجتمع مدني… وإذا كنا اليوم نشهد تحقق بعض الإنجازات المحدودة طبعا، في إطار تفعيل هذه المبادرة الوطنية؛ فإن السؤال يبقى حول ما إذا كانت هناك نفس الإمكانات وآفاق النجاح بالنسبة للمناطق الأكثر تضررا (وهي مناطق قروية هامشية/ مهمشة في معظمها)؟ أم أن إرث التاريخ، ولعنة الجغرافيا، وتواطؤ السياسة…كلها عوامل لا تكف عن مراكمة العوائق والإكراهات أمام تحقق ذلك الطموح.

في الواقع، ليس هناك ما يثبت العكس أو يبعث على الاطمئنان حقا بخصوص هذه الحالات، ولعل المثال هنا يمكن تقديمه اليوم بعدد من المناطق القروية والجبلية في معظمها، سواء تعلق الأمر بالريف أو الأطلس أو الشرق أو الجنوب…وفيما يلي، وبنوع من التركيز، نكتفي بتقديم النموذج بمنطقة الريف(30).

كما سبقت الإشارة من قبل، فإن السمة الأساسية التي ميزت السياسات التنموية التي نهجتها الدولة منذ الاستقلال، هي المركزية المفرطة. لعل هذا ما ستكرسه المخططات الخماسية الموجهة في هذا الإطار، والتي افتقدت إلى حد أدنى من التكامل الاقتصادي والاجتماعي بين المدينة والقرية. هذا علاوة على أشكال من التهميش السياسي والاقتصادي لمناطق بعينها، ومعظمها مناطق جبلية، كإجراءات تأديبية يمكن أن نقرأها في إطار حسابات سياسية محكومة بإرث تاريخي. ونعطي المثال هنا طبعا بما شهدته منطقة الريف وبعض مناطق الأطلس من إقصاء وتهميش، ما عدا بعض المحاولات الخجولة والمحدودة في الزمان والمكان؛ والتي ظلت تفتقد إلى عمق استراتيجي ورؤية تنموية شاملة.

لقد جاءت التفاتة الدولة إلى المنطقة الريفية، في سياق الأحداث الدامية التي شهدتها هذه الأخيرة؛ وذلك طبعا على إثر انتفاضة الريف ( 1958- 1959 )، أو ما ترسخ في ذاكرة الريفيين بـاسم “عام الجبل”. ففي سياق هذه الأحداث وغيرها، وفي إطار مقاربة أمنية بالأساس، كان ميلاد بعض المشاريع التنموية بالمنطقة: كمشروع التنمية الاقتصادية القروية بالريف الغربي ProjetDerro في السبعينات، ومشروع “حوض سبو”. إلا أن هذه المشاريع بالطبع- (علاوة أيضا على بعض التدخلات الموسمية الموجهة لمحاربة زراعة القنب الهندي، وذلك بهدف إيجاد وتطوير زراعات بديلة) – ظلت محكومة بحسابات وإكراهات ظرفية، مما أفقدها بعدا تنمويا شاملا.

ما عدا ذلك طبعا ظلت منطقة الريف، وإلى حدود إطلاق “المبادرة الوطنية للتنمية البشرية”، تواجه مصيرها معتمدة على قدرات ذاتية محدودة. بل أكثر من ذلك،  يمكننا  التأكيد على أن هذه المنطقة بقدر ما هي ضحية عوامل سياسية (التهميش والإقصاء من خطط التنمية الوطنية)، هي بالمثل ضحية عوامل تاريخية (الاستعمار ومخلفاته)، وعوامل جغرافية طبيعية (صعوبة التضاريس وشح التساقطات وعدم انتظامها)؛ هذا علاوة على بعض العوامل الثقافية (نظام الإرث الذي يعمق مسألة تفتيت الملكية الزراعية، المجزأة أصلا بحكم الطبيعة الجبلية). حقيقة، إن كل هذه العوامل مجتمعة تجعل من الصعب جدا الحديث عن أفق تنموي للمنطقة، واضح ومنظور في المديين المتوسط والقريب؛ خاصة لو نظرنا إلى المسألة من منظور فلسفة التنمية البشرية اليوم. فهل يكفي مثلا تشجيع الزراعات البديلة للقنب الهندي، كواحد من أقدم وأهم الأنشطة الزراعية الملائمة لطبيعة المنطقة والمدرة للدخل لساكنتها؟ ما هي هذه البدائل؟ كيف يمكن تصورها وتحقيقها أمام كل هذه الإكراهات؟ بل أكثر من ذلك، وهذا هو المطلوب طبعا بخصوص المنطقة الريفية، كيف يمكن ووفق أية شروط، تصور اقتصاد بديل لما يمكن أن نصطلح عليه هنا بـ”اقتصاد الظل” أو “اقتصاد العتمة”؟ فالمسألة هنا تتجاوز مجرد نشاط زراعي ينظر إليه بأنه غير مشروع من وجهة نظر قانونية (زراعة الكيف أو القنب الهندي)، لأن هذه الأخيرة هي جزء من نشاط اقتصادي أكثر اتساعا وتجدرا في البنيات الاجتماعية والثقافية والمجالية أيضا للمنطقة الريفية، لو أخذنا طبعا بعين الاعتبار الطبيعة الجغرافية الصعبة لهذه الأخيرة؛ علاوة على عوامل أخرى تاريخية وسياسية كما تقدم.

في الواقع، إننا هنا بصدد نمط خاص وفريد من الاقتصاد، قد يقال عنه أنه غير مشروع   وغير مهيكل، لكنه مع ذلك يشتغل في الظل ، في العتمة وبعيدا عن أعين السلطة؛ وأحيانا        بتعاون وتواطؤ مع بعض من أفرادها. وبإيجاز، لو حاولنا تقديم فكرة حول هذا النمط المتميز    من الاقتصاد، وما يرتبط به من بنيات اجتماعية وثقافية، أمكننا القول بأنه  نشاط اقتصادي       مركب ومعقد لايمكن ضبط عناصره وآليات اشتغاله وحدوده بدقة، إلا أننا يمكننا إجمالا رصد      تركيبته  عبر ثلاثة عناصر أو بنيات أساسية وهي:

     أولا: زراعة القنب الهندي (الكيف)  وما يرتبط بها من أنشطة التحويل والتصنيع وصولا إلى المرحلة الأهم، مرحلة التسويق وطنيا ودوليا؛ وهذا يحيلنا طبعا على أنشطة التهريب وما يتصل بها من شبكات تمتد من الوطني إلى الدولي (عولمة تجارة المخدرات).

     ثانيا: التهريب بكل أشكاله ومستوياته (تهريب المواد الاستهلاكية من الثغرين المحتلين: سبتة ومليلية، تهريب السلاح، تهريب البشر في إطار الهجرة السرية، تهريب أنواع مختلفة من المخدرات الصلبة وأقراص الهلوسة والكحول…).

     ثالثا: الهجرة السرية: وفي إطار هذا النشاط الغير شرعي يمكن أن تنشط حركة واسعة ومنظمة أيضا لتهريب المخدرات والسلاح أيضا، وهنا قد تتلاشى الحدود أكثر فأكثر بين “التهريب” و”الإرهاب”. لا أدل على ذلك اليوم من النشاط الذي أصبحت تعرفه بعض      التنظيمات الإسلاموية الإرهابية، وتحديدا المرتبطة بتنظيم القاعدة: (تنظيم القاعدة في شمال إفريقيا والمغرب الإسلامي).. وهنا بالذات تبدأ المقاربة الأمنية بالاشتغال وفي هيمنة مطلقة على باقي المقاربات.

إن المقاربة الأمنية التي نهجتها أوربا وفرضتها على السلطات المغربية أيضا، في إطار سياسة التعامل مع مسألة القنب الهندي، باعتبارها واحدة من أضلاع هذا المثلث المريب   (الكيف، التهريب والهجرة السرية)، أبانت عن عدم نجاعتها، مما يستدعي مقاربة اجتماعية       وتشاركية تستهدف الفلاح باعتباره هو المعني بهذه التنمية. وربما هذه واحدة من ركائز المبادرة الوطنية للتنمية البشرية كما راهنت عليها الدولة المغربية في سياستها التحديثية اتجاه العالم القروي، كمدخل أساسي من مداخل التنمية المنشودة.

فهل قامت الدولة وحتى الآن بتفعيل “ماكينة التحديث”-التي تمتلك مفاتيح تشغيلها- بخصوص المنطقة الريفية؛ على الأقل من حيث البنيات التحتية الأساسية: (الطرق والمواصلات، التعليم، الصحة، البنية العقارية والزراعية…)؟ ما هو دور الأحزاب السياسية هنا، إن كان لها من دور فعلا؟ ما دور المجتمع المدني كرافعة للتحديث والتنمية المحلية؟ ما دور المجالس والهيئات المنتخبة؟ ما دور المقاولات أيضا؟ ما الذي يمكن أن ننتظره، بهذا الخصوص، من الشراكات المختلفة مع الغرب (الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة)؛ سواء من قبل الدولة أو المجتمع المدني الأكثر تحركا على هذا المستوى؟ ثم ما مدى درجة الاطمئنان بخصوص رهان الدولة والفاعلين الاقتصاديين على الاستثمارات الأجنبية؟ وفي نفس السياق أيضا، ما موقع العمال المهاجرين بالخارج وتحويلاتهم كقوة مالية لها وزنها (العملة الصعبة)؟ وأخيرا وليس آخرا، ما موقع ودور البحث العلمي في هذا الصدد؟

خـــاتـمة

ربما كان الغرض من كل هذه الأسئلة وغيرها، هو تقديم صورة ولو مقتضبة عن بعض مفارقات التنمية والتحديث بخصوص المجتمع القروي بالمغرب. ولعل المفارقة الأكبر تبقى هنا هي مفارقة الواقع والنموذج: واقع يتسم بأزمة مركبة، وعلى كافة المستويات، ونموذج تحديثي تنموي طموح؛ لكن مقاومات البنيات وثقل التاريخ وعمق الأزمة وتداخل أبعادها يقتضي ضرورة إعادة النظر في الأداة. وهنا بالذات يمكن أن نستحضر، مع الأطروحات الخمس التي عرضنا لها، أهم المعوقات التي تقف حاجزا، بشكل أو بآخر، أمام إنجاز الشرط التنموي الذي لن يكون إلا بتحديث البنيات والذهنيات والممارسات والمؤسسات. لكن ينبغي التنويه هنا إلى أن الأطروحة الرابعة: (أطروحة كل من جون ديفينيو وجورج بالاندي)، قد تفتح إمكانيات نظرية أوسع لمعالجة الإشكال التنموي، خاصة ونحن هنا بصدد مجتمع نامي كالمغرب. لكن هذا لا يعني بالطبع انتقاصا من قيمة الأطروحات الأخرى، فهناك طبعا مجالات خصبة للتقاطع؛ ولم لا التكامل.

 

الهوامش والإحالات

* أستاذ السوسيولوجيا والأنثروبولوجيا بجامعة مكناس/ المغرب. رئيس مجموعة البحث حول الدين والقيم والمجتمع. مدير مختبر الدراسات والأبحاث في الفلسفة والعلوم الاجتماعية/ كلية الآداب والعلوم الإنسانية بنفس الجامعة.

  1. أنظر محمد جسوس، طروحات حول المسألة الاجتماعية، مطبعة دار النشر المغربية، الطبعة الأولى، 2003، خاصة الفصل الأول، ص ص: (9- 33)
  2. نستلهم الخطوط العريضة لهذه المقاربة من أبحاث الأنثروبولوجي وعالم الاجتماع الفرنسي جورج بالاندي، خاصة من خلال كتابيه:

Georges Balandier, Sens et puissance, éditions PUF, Paris 1971

جورج بالاندي، الأنثروبولوجيا السياسية، ترجمة علي المصري، الطبعة الأولى، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع،بيروت 1990

  1. Voir à ce propos la première partie du Sens et puissance, Dynamiques « du dedans » et « du dehors », PP. 13- 147, op. cit.
  2. Raymond Jamouss : Honneur et Baraka : les structures sociales traditionnelles dans le Rif; Ed la maison des sciences de l’homme, Paris 1981.
  3. – D.M. Hart :  The Ait Waryaghar of the Moroccan Rif, in Ethnography and history; Vicking fund publication in Anthropology, Tucson University of Arizona press, 1976.
  4. – Erneste Gelner : The Saints of Atlas; London, Weindefeld and Nicolson, 1969.
  5. John Waterbury: Le commandeur des croyants: La monarchie marocaine et son elite, Paris, PUF 1975
  6. Rémy Levau : Le fellah Marocain défenseur du Trône ; (P.E.N.S.P), Paris 1976.
  7. لقد اعتمدنا في بسط أهم عناصر الأطروحة الانقسامية، على مقالنا المنشور في جزأين بمجلة كلية الآداب بمكناس؛ أنظر:
  8. محمد جحاح: “الأطروحة الانقسامية بين الإرث الخلدوني والسوسيولوجيا الوضعية”، مجلة مكناسة، العددين 18 و 20، السنتين 2008 و2011
  9. Durkheim :  De la division du travail social; Editions PUF, Paris 1955.
  10. لمزيد من التفصيل في هذه الأطروحة، يمكن الرجوع إلى: محمد جحاح، نفسه
  11. John Waterbury: Le commandeur des croyants: La monarchie marocaine et son elite, Paris, PUF 1975
  12. يلتقي هنا كل من “جون واتربوري” و”ريمي لوفو”، في التأكيد على هيمنة المؤسسة الملكية على النسق السياسي المغربي، وذلك بتوظيف ورقة التقليد والقوى المحافظة في مقاومة والتصدي لأية محاولة تحديث فعلية، قارن بين أطروحتي ” أمير المؤمنين…” و”الفلاح المغربي…” المحال عليهما أعلاه.
  13. Rémy Levau :  Le fellah Marocain défenseur du Trône; (P.E.N.S.P), Paris 1976.
  14. يرى ريمي لوفو بأن القصر، وللحفاظ على استمرارية واستقرار النظام القائم، وظف وبنجاح ورقة الأعيان les notables والنخب المحلية التقليدية للتحكم في الخارطة السياسية للبلاد، ويبدو هذا واضحا من خلال سياسة الدولة في إعادة تقطيع الخريطة الترابية بما ينسجم مع خلق شبكة إدارية تضمن التحكم في هذه النخب كقاعدة خلفية للقصر ولسياسته اتجاه العالمين القروي والحضري ، لمزيد من التفصيل يمكن الرجوع إلى:

-Rémy Levau, op. cite, Chapitres 2 et 3, pp (26 – 60)

16 – Voir la préface de Maurice Duverger pour cet ouvrage,

17 – A titre de comparaison, voir chapitre 4 pp (61- 94) et chapitres 5, 6 et 7, pp (101 – 160).

  • – Ibid, pp (109 – 112)
  • – يمكن الرجوع بهذا الخصوص إلى:

بول باسكون “طبيعة المجتمع المغربي المزيجة”، ترجمة مصطفى كمال، مجلة بيت الحكمة، العدد الثالث، السنة الأولى، أكتوبر .1986 ص ص (53 –  (59

  • – بخصوص هذه الإشكالية، قد يبدو هناك نوع من التقارب بين أطروحتي: عبد الله حمودي “الشيخ والمريد...”، و هشام شرابي “النظام الأبوي وإشكالية تخلف المجتمع العربي“، فعبد الله حمودي نفسه يعتبر كتاب هذا الأخير قريبا من مؤلفه؛ لكنه لا يتورع عن نقده بإبراز أهم الجوانب النظرية والمنهجية التي تميز رؤية كل منهما، خاصة وأن التصنيف الباترياركي للمجتمعات العربية فيه كثير من الإسقاط والتعسف…حسب حمودي دائما.

– راجع بهذا الخصوص: عبد الله حمودي، مصير المجتمع المغربي: رؤية أنثروبولوجية لقضايا الثقافة والسياسة والدين والعنف، دفاتر وجهة نظر، الرباط 2004 ؛ ص ص (9 – 18)

  • – عبد الله العروي، الإيديولوجيا العربية المعاصرة، المركز الثقافي العربي، الطبعة الثانية، 1999

22– Voir à ce propos : Jean Zaganiaris, Spectres contre-révolutionnaires : interprétation et usage de la pensée de Joseph De Maistre 19éme 20éme siècles, éditions L’Harmattan, France 2006

23-  voir : Alexis De Tocqueville, De la démocratie en Amérique, éditions Pagnerre, Paris 1848

24 Voir à ce propos, Maurice Barbier, La modernité politique, première édition ; PUF, Paris 2000, notamment chapitre 7 pp (213 – 230)

هناك ترجمة عربية لهذا الفصل، من إنجاز محمد جحاح، أنظر:

– موريس باربي، ” الإسلام والحداثة السياسية “، ترجمة محمد جحاح، مجلة فكر ونقد، عدد 89  – 90، السنة التاسعة، 2007. ص ص   (105 – 122)

25 – نعني هنا أطروحة كل من جورج بالاندي، من خلال كتابيه المحال عليهما أعلاه، و جون ديفينيو، من خلال كتابيه:

– Jean Duvignaud, Chebika : étude sociologique, éditions Gallimard, Paris 1968

– Jean Duvignaud,  Le langage perdu, PUF, Paris 1973

26  – Jean Duvignaud,  Le langage perdu, Chapitre 1, pp (5 – 53)

27 – جورج بالاندي، الأنثروبولوجيا السياسية, م س، ص. 216

–  28 نفسه، ص. 217

29 –    نفسه، ص. 217

30 – نكتفي هنا بالإحالة على دراستنا المنشورة ضمن كتاب جماعي:

– محمد جحاح، “الهجرة القروية ومشاكل التحضر بالمدن الجبلية، مقاربة سوسيولوجية”، أعمال الدورة الأولى لجامعة آزرو المفتوحة، منشورات وزارة الثقافة، الرباط 2005، ص ص (78– 90).

رأي واحد حول “المجتمع القروي بين سيرورة التحديث وإعادة إنتاج البنيات التقليدية”

التعليقات مغلقة.