التعددية الإثنية: إدارة الصراعات وإستراتيجيات التسوية

.

التعددية الإثنية: إدارة الصراعات وإستراتيجيات التسوية

-عنوان الكتاب: التعددية الإثنية: إدارة الصراعات وإستراتيجيات التسوية
-المؤلف: محمد مهدي عاشور
-الطبعة: الأولى 2002
-الناشر: المركز العلمي للدراسات السياسية، الأردن

اكتسبت التعددية الإثنية أهمية خاصة بسبب كونها وراء الصراعات التي تشهدها مجتمعات ودول كثيرة في مختلف أنحاء العالم، وأدت إلى انهيار دول مثل الصومال وليبيريا، أو إلى حروب طويلة وتغيير أنظمة سياسية في دول مثل الكونغو والسودان ورواندا وبوروندي، أو إلى أزمات وتوترات وانقسامات سياسية مثل إندونيسيا وإسبانيا والولايات المتحدة ودول أميركا اللاتينية

ويحاول هذا الكتاب الإحاطة بأبعاد العلاقة بين التعددية الإثنية والنظام السياسي والتحقق من مجموعة من الأفكار والافتراضات في هذا المجال، مثل العلاقة بين مطالب الجماعات الإثنية وأوضاعها الاقتصادية والاجتماعية. كما يعرف الإثنية واتجاهات تحليلها ومطالب الجماعات الإثنية وألوياتها والمسار الذي تتخذه، ويعرض إستراتيجيات إدارة التعددية الإثنية ومؤسساتها وسياساتها.
مفاهيم
الإثنية هي ظاهرة تاريخية تعبر عن هوية اجتماعية تستند إلى ممارسات ثقافية معينة ومعتقدات متفردة والاعتقاد بأصل وتاريخ مشترك وشعور بالانتماء إلى جماعة تؤكد هوية أفرادها في تفاعلهم مع بعضهم ومع الآخرين.
الإثنية هي ظاهرة تاريخية تعبر عن هوية اجتماعية تستند إلى ممارسات ثقافية معينة ومعتقدات متفردة والاعتقاد بأصل وتاريخ مشترك وشعور بالانتماء إلى جماعة تؤكد هوية أفرادها في تفاعلهم مع بعضهم ومع الآخرين
والعرقية تختلف عن الإثنية في أنها قائمة على الأصل السلالي أو العرقي المشترك، فهي تعبر عن شعب أو قبيلة بغض النظر عن الثقافة والمعتقدات.
والأمة ظاهرة اجتماعية تعبر عن جماعة تشترك في سمات جامعة كالدين والعرق واللغة والتاريخ والثقافة سواء كانت في إقليم واحد أو عدة أقاليم، ومفهوم الأمة هو الأكثر قربا وتشابها مع مفهوم الإثنية.
والقومية تعبر عن جماعة قائمة على المكان، ومن معانيها أنها حركة سياسية تستهدف قيام كيان سياسي (دولة) فالقومية حركة سياسية والأمة كيان اجتماعي.
تصنيف وتحليل
تصنف الجماعات الإثنية من عدة زوايا كالسلالة أو العنصر أو اللغة والثقافة، أو الدين والطائفة، وتصنف أيضا وفقا لغاياتها: الاندماجية والانفصالية والاستعلائية كالصهيونية والنازية.
فالإثنية ظاهرة معقدة ومركبة وقديمة يتطلب تحليلها والسعي في فهمها ضرورة الإحاطة بالأبعاد المادية والنفسية والاجتماعية التي تمثل البيئة الخاصة بالظاهرة والتي تمنح كل جماعة طابعها المميز ودوافع قيام الجماعة الإثنية وتبلورها.

المطالب الإثنية
تطرح الجماعات الإثنية مطالب خاصة بأبنائها تتعلق بالنظام السياسي الذي تعيش في ظله والمجتمع الذي تنتمي إليه، ومن هذه المطالب تأكيد هويتها واحترامها بتمثيلها في النظام السياسي أو منحها وضعا خاصا في البلاد. وكلما تباينت قيم الجماعة الإثنية وهويتها وتمثيلها في المجتمع تزداد نزعتها إلى التمرد والانفصال. وعادة ما تكون اللغة والدين والعادات والتقاليد أكثر الموضوعات حضورا في المطالب الإثنية وقد تمتد إلى النشيد الوطني للدولة وأسماء المدن والرموز المختلفة في الدولة.
يستخدم الدين للتعبئة والحشد لصالح أو ضد النظام السياسي، وتنادي الجماعات ذات الأغلبية باعتبار دينها هو الدين الرسمي، والإثنية الأقل تطالب عادة بالعلمانية وفصل الدين عن الدولة كما في السودان ونيجيريا.

اللغة
تعتبر مكانة اللغة في النظام السياسي إحدى أدوات الهيمنة والسيادة، والمطالبة بوضع رسمي للغة ما في البلاد مطالبة باعتراف رسمي بأن الجماعة المتحدثة بتلك اللغة ذات شرعية أكبر، وقد تكون المطالب بأولوية لغة أو بالتعددية اللغوية إذا كانت الجماعة الإثنية أقلية. وللغة دور في الحراك الاجتماعي الطبقي والكفاءة الإدارية وشغل المناصب وعلاقات الدولة الخارجية. ومن أمثلة المطالب اللغوية مطالب الأمازيغ في الجزائر بتدريس لغتهم في الجامعات واعتبارها لغة رسمية ثانية، ورفض التعريب في جنوب السودان، والاعتراف باللغات الأفريقية في جنوب أفريقيا بعد انتهاء الحقبة العنصرية.

الدين
يستخدم الدين للتعبئة والحشد لصالح أو ضد النظام السياسي، وتنادي الجماعات ذات الأغلبية باعتبار دينها هو الدين الرسمي، والإثنية الأقل تطالب عادة بالعلمانية وفصل الدين عن الدولة كما في السودان ونيجيريا.

العادات والتقاليد
تطالب الجماعات الإثنية باحترام عاداتها والسماح لأبنائها بممارسة هذه العادات، مثل مطالب السيخ البريطانيين والنساء المسلمات البريطانيات الذين يخدمون في الجيش والأمن بارتداء لباسهم حسب التعاليم الدينية أو العادات والتقاليد.

المطالب السياسية
الانفصال: تكون مطالب الجماعات الإثنية المتعلقة بالنظام السياسي بالانفصال لإقامة كيان سياسي جديد مستقل مثل تيمور الشرقية التي انفصلت عن إندونيسيا، وبعض الأكراد في العراق وتركيا، وجزيرة أنجوان في جزر القمر، وإقليم الباسك في إسبانيا، أو الانفصال للانضمام إلى كيان سياسي آخر مثل إقليم أوغادين الذي يطالب بالانفصال والانضمام إلى الصومال، وكشمير التي تطالب بالانفصال عن الهند والانضمام إلى باكستان (على اختلاف بين الجماعات الكشميرية).
الاستقلال الإداري: في بعض الحالات لا تطالب الإثنيات بالانفصال ولكن بالاعتراف بخصوصية هذه الجماعة كأن تحصل على استقلال إداري أو حكم ذاتي ضمن فدرالية أو مخصصات لأجل الحصول على مخصصات مالية أو الاعتراف بقيمة الجماعة وتميزها في المجتمع. ومن الأمثلة في هذا المجال نيجيريا وبعض أكراد العراق الذين لا يطالبون بالانفصال عن العراق وإنما باستقلال إداري ضمن الدولة العراقية.
المناصب العامة: تتنافس الجماعات الإثنية عادة من أجل السيطرة على جهاز الخدمة المدنية والوظائف الرئيسية في الدولة، ومن أمثلة ذلك مطالبة جماعة الكيوري في موريتانيا والإيبو في نيجيريا واللوزي في زامبيا والهوتو في بوروندي والبربر في المغرب والجزائر، والأورومو والسيدامو والصوماليين في إثيوبيا، والبيض في زيمبابوي الذين نص الدستور على تخصيص 20% من مقاعد البرلمان و25% من مقاعد مجلس الشيوخ لهم برغم أن نسبتهم لا تتجاوز 5% من السكان.
مسألة الأرض: يملك البيض في زيمبابوي نصف أراضي البلاد وهي معظم الأراضي المروية أو التي تحوي على مناجم للمعادن، وتحاول الأغلبية إعادة توزيع الأراضي على نحو أكثر عدالة، لذا قامت مجموعات من المواطنين الأصليين بالاستيلاء على أراض وممتلكات بالقوة. والوضع نفسه ينطبق على كينيا وجنوب أفريقيا، حيث تملك الأقلية البيضاء مساحات شاسعة من الأراضي تفوق كثيرا نسبتها العددية.

مبررات المطالب الإثنية
تقدم الجماعات الإثنية عادة مبررات تاريخية أو إدارية لمطالبها كأن تكون أكثر تعليما وكفاءة وخبرة.. وتستند المطالبة التاريخية إلى حيازة الأرض أو الإقليم قبل التحولات السياسية التي خلقت الواقع الجديد كالاستعمار الذي غير كثيرا أوضاع الإثنيات، وفي مرحلة ما بعد الاستعمار أيضا تعقدت المطالب الإثنية مثل المجموعات التي كان لها دور نضالي في التحرر والاستقلال.
وثمة مبررات متعلقة بالجدارة والكفاءة، فثمة مجموعات تطالب بإتاحة الفرصة لتتمكن من تحقيق توازن في الفرص والموارد مع جماعات أخرى مثل الجنوبيين في السودان، وتطالب جماعات أخرى بأفضلية لأنها تمتلك خبرات تؤهلها أو أنها تطالب بالمساواة وترك المسائل للجدارة والكفاءة لشغل المناصب والاستفادة من الفرص.

فاعلية المطالب الإثنية
تعود فاعلية المطالب الإثنية إلى الجماعة نفسها وإلى النظام السياسي، فمن العوامل المتعلقة بالجماعة الإثنية: طبيعة هيكل المجتمعات الإثنية وحجم الجماعة ومدى تماسكها والتركز الإقليمي وطبيعة الإقليم ودور النخبة السياسية للجماعة الإثنية في تعبئة مطالبها وطرحها والدفاع عنها.
ومن العوامل المتعلقة بالنظام السياسي ومؤسساته وسياساته: درجة التوافق القائم في المجتمع بشأن قواعد اللعبة السياسية، والعلاقة بين المؤسسات والقوى الاجتماعية، والإجراءات المتبعة للحفاظ على النظام وحل الخلافات واختيار القادة.
إن تجاهل النظام السياسي لمطالب جماعة إثنية معينة أو عدم اعترافه بها أو عجز مؤسسات النظام عن استيعاب المطالب المتصاعدة بالمشاركة السياسية، يؤدي في معظم الأحوال إلى تشدد الجماعات المستبعدة ولجوئها إلى وسائل غير مشروعة للحصول على مطالبها.

المطالب والجماعة والإقليم
ثمة أربع أنماط ممكنة وهي:
جماعة متخلفة في إقليم فقير: وتطالب عادة بتوزيع نسبي لوظائف الخدمة المدنية والنفقات العامة، وقد يؤدي تجاهل مطالبها أو رفضها إلى المطالبة بالانفصال رغم التكلفة الاقتصادية المترتبة على ذلك، وغالبا ما تكون هذه المطالب في مرحلة مبكرة ومتكررة. ومن أمثلة هذه الحالة مملكة التورو في أوغندا، وأوغادين وأورومو في إثيوبيا، والهوسا في نيجيريا.
جماعة متقدمة في إقليم فقير: وتطالب بعدم التمييز وعدم التوزيع النسبي أو حجز الفرص والحصص وأن يترك اختيار الوظائف والتسهيلات حسب الكفاءة وعلى أساس المساواة، وتعاني عادة من عنف يستهدفها من الجماعات الأخرى، وتطالب بالانفصال في حال مواجهة أعباء البقاء في إطار الوحدة أو في حال تعاظم فوائد الانفصال، وتكون مطالبها عادة في مرحلة متأخرة. ومن أمثلة هذه الحالة جماعات السكان الأصليين في القارة الأميركية وأستراليا، والسكان الأصليون في إقليم كاتنغا بالكونغو.
جماعة متقدمة في إقليم غني: تطالب عادة بعدم التمييز في الإنفاق وتوزيع الفرص، وتعاني من تمييز وعنف، ويندر أن تطالب بالانفصال، وقد تطالب به إذا كان ذلك لا يكلفها كثيرا، ومن أمثلة هذه الحالة جماعة اللوزي في زامبيا، وجماعة الإيبو في نيجيريا، والبالويا في الكونغو.
جماعات متخلفة في إقليم غني: تطالب بنسبة في الوظائف والإنفاق وتعاني من تجاهل مطالبها ورفضها واستبعاد من المناصب وقد يكون الاستبعاد مرده إلى أسباب موضوعية، وتطالب عادة بالانفصال بغض النظر عن الفوائد والخسائر المترتبة على ذلك، ومن أمثلة هذه الحالة جماعة اليوروبا في نيجيريا، والباغاندا في أوغندا، والكيكويو في كينيا.

إدارة التعدديات الإثنية
يقصد بالإستراتيجيات الفلسفات العامة الظاهرة والمستترة التي تتبعها النظم في التعامل مع الجماعات الإثنية ومطالبها. وأهم هذه الإستراتيجيات: الاستيعاب والدمج، واقتسام السلطة، والاستئصال والترحيل.
تقوم عمليات الاستيعاب والدمج على عمليات ثقافية بتكوين ثقافة موحدة وأنظمة تعليم ومناهج وأساليب تربوية موحدة، وعمليات استيعاب مادية بصهر الجماعات ببعضها إما بإلحاقها بهوية الجماعة الرئيسية أو بتكوين هوية جديدة. كما تقوم على عمليات استيعاب مؤسسي بإنشاء مؤسسات يشارك فيها جميع الأفراد من مختلف الجماعات على أسس غير إثنية.
وأما إستراتيجية اقتسام السلطة فتقوم على ائتلاف حاكم ذي قاعدة عريضة تحتوي داخلها الجماعات الإثنية في المجتمع، وقد تم تطوير هذا النظام بين الكاثوليك والبروتستانت في هولندا، وكذلك الأمر في سويسرا.
وتقم إستراتيجية القسر على الهيمنة وهي الأكثر شيوعا، وتمارسها الإثنيات الكبرى والأقليات الحاكمة. وقد تقوم الأنظمة السياسية بعمليات تطهير عرقي واستئصال وترحيل جبري، كما جرى بين اليونان وتركيا وبين موريتانيا والسنغال، وترحيل جماعات التوتسي في رواندا إلى الدول المجاورة، ثم حدث العكس عندما سيطر الهوتو.
المؤسسات
تمثل المؤسسات أهمية خاصة في عملية إدارة التعددية الإثنية، وهي مؤسسات حكومية وأخرى غير حكومية. وفي المؤسسات الحكومية تأتي المؤسسة التشريعية والمؤسسة التنفيذية والقيادية والمؤسسة العسكرية. وفي المؤسسات غير الحكومية تأتي الأحزاب وجماعات المصالح.
وقد يؤدي الفساد السياسي إلى تأجيج الصراعات الإثنية واستخدامها لأغراض منفعية ومصالح شخصية، وتؤدي عمليات النهب والترهل إلى زيادة التوتر الاجتماعي والتمرد وتأخير الاندماج الوطني.
السياسات
تعد السياسات أدوات النظام في الاستجابة لمطالب الجماعات وترجمتها. ومن أهم السياسات المتبعة في إدارة التعددية الإثنية: السياسات الاستخراجية والتوزيعية، وسياسة إعادة التوزيع، وسياسة الضبط وإعادة التنظيم، والسياسات الرمزية.
وتقوم السياسة الاستخراجية على حشد وتعبئة الموارد المادية والبشرية وتوزيع الموارد القائمة بصيغة جديدة يرى النظام أنها أكثر حفظا لأمنه واستقراره، وتقوم سياسة الضبط على ممارسة الضبط ومراقبة سلوك الأفراد والجماعات داخل المجتمع. وتستخدم السياسات الرمزية لدعم الشعور بالمواطنة والولاء للنظام وأهدافه.
…………………………………………………………..
1- صخر الحاج حسين
2- عرض/ إبراهيم غرايبة / المصدر: الجزيرة

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.