أنثروبولوجيا القرية في أدب مارون عبود 

مارون عبود  

أنثروبولوجيا القرية في أدب مارون عبود 

قراءة في ثلاث أعمال أدبية

 د. رامي ناصر

 

مقدمة

تعبر الثقافة بما تحمله من خصوصيات متمايزة عن هوية الشعوب، التي يبرز جوهرها في ما تحمله من قيم سامية ومثل عليا، هي عنوان الاصالة والعراقة اللتين تتميز بهما الثقافات الإنسانية جمعاء.

يعتبر الأدب بشقيه الشفاهي والمكتوب، واحد من أبرز اللبنات التي تتشكل منها الثقافة بحسب تعريف منظمة اليونيسكو[1]،  ويشكل مادة أساسية لمعرفة الاجتماعي. يتعلمه الأنثروبولوجي على اعتبار أنه وسيلة لفهم ثقافة المجتمع التي تتمثل في الابداع الفني والفكري، ويتعرف من خلاله على عادات وتقاليد المجتمع الذي يدرسه. ويتضح  لنا من خلال هذا التعريف، الارتباط المباشر بين الأدب والأنثروبولوجيا، كونهما يستمدان عناصرهما  أو مادتهما الخام من المجتمع أو الواقع المعيوش.

تتبدى العلاقة بين النصوص الأدبية وبين السياقات الثقافية والاجتماعية واضحة، فنلاحظ أن النص الأدبي يمتلك خطابًا ذو آلية داخلية، ترتبط بالسياق الذي أنتجه. هذا الارتباط  دعا الأنثروبولوجيون، لتصنيف النصوص الادبية في مجموع الانتاجات التي يحاول الإنسان من خلال دراستها، معرفة العالم والآخرين وبالتالي معرفة ذاته أيضًا[2].

إن الأديب الذي يكتب هو نتاج ثقافة مجتمع، كتاباته تجسد ملامح عصره، وتعبر عن العلاقات والمعاملات السائدة بين الناس في مكان وزمان محددين. بذلك يصبح الأدب المكتوب ثقافة مخزونة أشبه بمتحف يشكل رصيدًا ثقافيًا ماديًا ثابتًا، نجد فيه عناصر تاريخية، جغرافية، نفسية، واجتماعية، فهو يعرض عادات الناس وتقاليدهم، كأنه مرآة لحياتهم ومحاكاة لها[3].

دأب شيخ الأدب الشعبي(أبو علي) سلام الراسي، على جمع  السير الشعبية، كان يسجل ويحفظ ذاكرة الناس للناس. لكنه لم يكن جامعًا للسير فحسب، فهو وإن عمد إلى جمع الحكايات والأخبار عن السنة كنوز الذاكرة من كبار السن ” لئلا تضيع”[4]، فقد كتبها  بأسلوب خاص يقوم على العفوية التشويقية، لا يترك أمام القارئ أي ثغرة يتسلل منها الملل والضجر.

يردد دائمًا : “أن الحكاية هي أبلغ وسائل التعبير”، فإذا طُرح عليه سؤال أجاب بحكاية. إعتاد أن يعبّر عن آرائه بقصة تكون تطبيقاً للمثل القائل : لكل مقام مقال، لهذا أطلق عليه بعضهم لقب “الحكواتي”.

اختار “أبطاله” من أبناء قريته ابل السقي ومن بعض قرى جبل عامل والشوف وصولًا الى أبناء رأس بيروت الأصليين والوافدين. يحكي في أدبه، عن العامل والفلاح والمعاز والعتقجي والإسكافي والنادبة والناطور والمختار ورجال الدين والسياسة والطوائف والأقارب والجيران. فمن طينة هؤلاء وأمثالهم من رموز الريف اللبناني أسس سلام الراسي خشبة مسرحه وأدبه الشعبي.

أما أنيس فريحة فيستخدم منهج الانثروبولوجيا الذاتية الانعكاسية، فهو الباحث والمبحوث في الوقت نفسه، يتكلم ويروي عن قريته وأحداثها. يسرد لنا يوميات قريته، واصفًا من خلالها التغيّر المورفولوجي والثقافي الذي طالها. يقول في مقدمة كتابه “القرية حضارة على طريق الزوال” :

  • ” أقدمت على تدوين ما عشناه في قرية طفولتنا. أنا أحاور ما خبرته وما سمعته وشعرت به فأصبح جزءًا من حياتي الروحية والعقلية. فنحن الذين رأينا النور في القرية اللبنانية، نَحِنُّ دائمًا إلى مرابع الطفولة (العين والكروم والدرب المؤدي إليهما، والعودة والمراح، والمقلع ومنابت الشيح والوزال)، فإن لها ذكريات حلوة تبقى في أعماق نفوسنا”[5].

يختار مارون عبود منهجين في الكتابة[6]، فعندما يكتب مذكراته في رحاب قريته، يخط لنا ردحًا من سيرته الذاتية، ويخبرنا عن أيام صباه، ودراسته في مدرسة المطران يوسف الدبس. يقص علينا بأسلوبٍ ساخر مشاهدًا من دفتر حياته، بواسطة مداد يحمل حبرًا من واقع الحياة راسمًا ملامح الدَّهر وتقلباته.

كذلك يترك أبناء قريته وأبطاله يخبرون في أحاديثهم عن أحداث معيشهم اليومي، حكايات مستلهمة من تاريخ وحوادث القرية، يتساوون في الكلام أقزامًا كانوا أم جبابرة. تعكس هذه المحطات تجارب إنسانية صادقة وعابقة بالبساطة، فحديث قرية عين كفاع كحديث كل قرية في الأرض وفي المريخ إذا وجدت، لأنه لا يعقد الحياة إلا المدنية.

نلاحظ ان طفولة كل من الأدباء الثلاثة، سلام الراسي، أنيس فريحة ومارون عبود، شكلت منبعًا عميقًا لحكاياتهم وأمثالهم.

فقد نشأ سلام الراسي في مجتمع قرية إبل السقي الجنوبية القروي، حيث لـ”الحكي” قيمة كبيرة. إعتاد سماع شيوخ القرية يسردون الحكايات، لأنها كانت حاسمة في تعزيز آرائهم وتثبيت دورها في النقاشات الدائرة، كونها مقفَّاة بمثل، فالمثل حكمة وهو سيد المواقف بلا منازع.

وولد أنيس فريحة  في قرية رأس المتن، وهي من قرى جبل لبنان القليلة التي لا تزال تحتفظ بالطابع اللبناني التقليدي رغم مظاهر الحداثة. رَبِيَ في بيت فلاح عتيق، وعاش في القرية إلى أن شبَّ. لعب ألعابها، وعيد أعيادها وقام بأعمال يقومون بها، وسهر سهراتها امام الموقد وعلى السطيحة.

كذلك حضنت قرية عين كفاع مسقط رأس مارون عبود، أولى تجاربه الحياتية، مع جده لوالده الخوري يوحنا عبود، معلمه الأول ومدرسته التي تدرج فيها منذ فجر ميلاده وتعلم على يده السريانية وإقامة الصلوات.

تناقشا في مختلف الأمور، فكان الكلام بينهما أخذ ورد، حوار بين خوري عتيق فاق التسعين وابن أربعة عشر، حتى كاد مارون عبود ان يصبح ظلًا لشيخه الزهيري.

لقد لفت نظري أثناء تحضير وكتابة رسالة الدكتوراه ” القرية في عدوى الحداثة” دراسة مقاربة بين قريتي صليما وقرنايل، تقارب الكثير من الموضوعات بين قرى الأرياف اللبنانية، التي لا تزال تحمل رغم التحولات المجتمعية، الكثير من مضامين تقليدية العيش.

بمعرض تحليلي لعدد من الدراسات السابقة والأعمال الأدبية التي تطرقت إلى موضوعي القرية والريف وتحولاتهما، وجدت نفسي أمام إلحاح الإجابة على سؤال يطرح نفسه ” هل الأديب هو باحث  يسرد، ويصف، ويوثق؟! أم أن الباحث هو كاتب يحلل، ويفكك، ويركب الأبعاد أنثروبولوجيًا؟!

شكل المقاربة البحثية

سنحاول في هذا الورقة إبراز الأبعاد الأنثروبو-ثقافية للقرية المبثوثة في ثلاث أعمال أدبية هي ” أقزام وجبابرة، أحاديث القرية، ووجوه وحكايات” للأديب مارون عبود. وذلك من خلال الاستعانة بالمقاربة الأنثروبولوجية للأدب، إستنادًا على جملة من التصورات النظرية والخلفيات المعرفية، من أبرزها حقل الأنثروبولوجيا التأويلية، التي تبلورت مع الباحث الأنثروبولوجي الأمريكي كليفورد غيرتز Clifford Geertz[7] الذي يدعو فيها إلى استثمار تقنيات الكتابة الأدبية في بناء الموضوعات الأنثروبولوجية، ليكون النص مجرد تأويل من بين تأويلات أخرى للوقائع المستسقاة من الميدان.

الإشكالية

إن البحث في أنثروبولوجيا الأدب عمومًا وأدب القصة خصوصًا، هو قضية إشكالية بحد ذاته. لذلك يبدو منطقيًا التساؤل حول العلاقة المفترضة بين النص الأدبي من جهة والتحليل الأنثروبولوجي من جهة أخرى. فحين يطرح الأديب قضايا من صميم الأنثروبولوجيا، كمسألة الحياة في الريف والقرية والتحولات التي تطالهما مثلًا، هل يطرح وجهة نظره الخاصة أم وجهة نظر الجماعة الشعبية التي يكتب عنها؟

إذا كان يعبر عن وجهة نظره الشخصية، كيف نسوغ لأنفسنا الادّعاء بأننا نتناول أنثروبولوجيا المجتمع؟ وإذا كان يصف المجتمع الذي يكتب عنه، فما الفرق بين عمله وبين أي عمل أثنوغرافي آخر؟

لعل هذا صميم السؤال الذي طرحه الباحثان الفرنسيان جان بيار غيرفود  Gerfaud Jean-Pierre وجان بول توريل Paul Jean- Tourrel، كيف نتناول العمل الأدبي والموضوع الأنثروبولوجي تحت نفس العنوان[8]؟

تتمثل الإجابة على هذا التساؤل، في السعي لتحقيق نموذج أنثروبولوجي للعمل الأدبي، فالنص الأدبي يمكن تصوره كنظام له بنية داخلية، تمكن الباحث من الكشف عن الخصائص الثقافية للكاتب ومجتمعه[9].

سنقسم الإجابة على السؤال الإشكالي المطروح في هذا البحث إلى مبحثين :

يتضمن المبحث الأول مدخلًا معرفيًا، نحدد فيه المفاهيم الأساسية(الأدب، والأنثروبولوجيا)، وماهية العلاقة بينهما. ونتطرق في المبحث الثاني إلى تحليل الأبعاد الإثنوغرافية، الاجتماعية، الثقافية، والاقتصادية،  لثلاث من مؤلفات مارون عبود (أقزام وجبابرة، أقاصيص، وأحاديث القرية)، واستنباط الدلالات الظاهرة والمضمرة، التي تسمح لنا بصياغة النموذج الرمزي الذي تعبر عنه ثقافة مجتمع الأديب حسب تصوره.

المبحث الأول : تحديد المفاهيم –  مدخل معرفي.

يعتبر تحديد المفاهيم والمصطلحات أمرًا ضروريًا وأساسيًا في كل الأبحاث والدراسات العلمية، وبخاصة في الدراسات والابحاث الاجتماعية، والإنسانية. فالمفاهيم تحاول معرفيًا إعادة بناء العالم المحيط بنا على شكل مقولات محددة، كونها تؤسس لبنية اختزالية لتوصيف ما.

لذلك يشكل التعريف بمفهومي البحث الاساسيين (الأدب والأنثروبولوجيا) المدخل الصحيح الذي يضعنا على طريق الاجابة على سؤال الإشكالية. يبقى من المهم أن نوضح أننا سنستخدم تعريفات هذين المفهومين، بما يخدم أهداف الإجابة على سؤال الإشكالية، وليس بهدف المناقشة المعرفية البحتة لهما.

أولًا : تعريف الأدب

تعددت تعريفات مفهوم الأدب وتطورت منذ الجاهلية حتى أيامنا هذه، مع تطور العصور الأدبية.  كانت كلمة أدب في العصور الجاهلية تعني الدعوة إلى تناول الطعام. وقال الجوهري[10] : يأدِب(بكسر الدال) القوم أي يدعوهم إلى طعامه[11]، والمآدب جمع مأدبة[12].

تغيّر معنى الكلمة في العصر الإسلامي ، فأصبحت الكلمة تشير إلى التربية والتهذيب ” وقد جاء في الحديث الشريف : ” أدبني ربي فأحسن تأديبي”[13]. ويعرف إبن منظور كلمة أدب بقوله: الأدب هو الذي يتأدب به الأديب من الناس. سمي أدبًا، لأنه يأدًب الناس إلى المحامد وينهاهم عن المقابح”[14].

اكتسبت كلمة أدب في العصر الأموي معنى آخر، هو تعليم الآداب من الشعر والخطب وأخبار العرب وأنسابهم، ودُعي المشتغل بعلم الأدب مؤدِّبًا[15].

تطور مفهوم الكلمة في العصر العباسي، مع ازدهار العلوم، فأصبحت كلمة أدب تطلق على كل العلوم غير الشرعية، ونزلت منزلة الحقائق العرفية في الإصلاح. قال إبن خلدون في حد الأدب : الأدب هو حفظ أشعار العرب وأخبارها، والأخذ من كل علم بطرف”[16].

هكذا بدأ مفهوم الكلمة ينحو نحو التخصص ليشمل صنوف المعرفة المرتبطة بالشعر والنثر وعلوم البلاغة واللغة. يقول المفكر والاديب طه حسين : بأنه فن جميل يتوسل باللغة والكتابة، إنه فن من الفنون مثل الرسم والنحت، باعتبار أن اللغة هي أهم ركائز الكتابة الإبداعية. ويعتبر هاري شو Harry show[17]، أن قيمة الأدب تكمن في تعبيره بأسلوب مؤثر، عن الحياة في معانيها المختلفة[18].

بذلك يعكس لنا الأدب علاقة بين الإنسان وعالمه، فهو كمصدر ثقافة فكرية يظهر الحقائق الاجتماعية والسياسية والثقافية التي تتبدى في الحياة.

ثانيًا : تعريف الأنثروبولوجيا

تتألف كلمة Anthropology من مقطعين Anthropos وتعني الإنسان، وlogy ومعناها علم أو دراسة، بهذا المعنى فإن الأنثروبولوجيا تشير إلى علم الإنسان، أو علم دراسة الإنسان، وهي تجمع في صيغة واحدة الجوانب البيولوجية والاجتماعية والثقافية[19].

يقال إنّ المؤرخ الإغريقي هيرودوتس هو “أبو الأنثربولوجيا” لدقته العالية في وصف تكوين أجساد السينيين(اليونانيون القدماء) والفراعنة(المصريون القدماء) وغيرهم من الشعوب. لكنه كعلم مدرّس لا يتجاوز عمره القرنٍ ونيّف، إذ تعدّ نهاية القرن الثامن عشر وبدايات القرن التاسع عشر نقطة البداية لهذا العلم. كما تعتبر هذه الفترة مهد ظهور المدارس التي تعنى بهذا العلم، كـالمدرسةِ التطوريّة” ومدرسة القانون المقارن، والمدرسة الوظيفية، والتطبيقية. مع نشوء هذه المدارس، برزت الكثير من الأسماء العريقة التي ساهمت بإثراء هذا العلم وتدريسه ك”لويس مورغن، وإدوارد تايلور وجيمس فريزر، وراد كلف براون، وبرونيسلاف مالينوفسكي، والبوت سميث ، وفرانز بواس ومارغريت ميد، وغيرهم[20].

شكلت الجماعات أو المجتمعات التي تدعى “البدائية”، ميدان الدراسة الأساسي للأنثروبولوجيا، لكن مع نهاية الحرب العالمية الثانية، وبتأثير المدرسة الثقافية الأميركية، ازداد المجال اتساعاً ليشمل المجتمعات الأوروبية الأصل والتي تعيش في ظروف تكنولوجية حديثة. وبالتالي أصبحت تدرس الأنماط الحضارية ذات الطابع المعاصر والقديم والأولي والمدني، كما تدرس المجتمعات الحديثة في الريف والمدينة وتأثير الهجرات في التركيبات الحضارية الثقافية المعاصرة[21].

ثالثًا : علاقة الأدب بالأنثروبولوجيا

إنصب اهتمام الأنثروبولوجيون اساسًا على دراسة الأدب الشفاهي والذي يتضمن : الحكايات، الأساطير، الأغاني، الشعر الشعبي، والأمثال الشعبية[22]. ويعتبر عالم النفس كارل يونغ، أن رموز الادب الشفاهي، تشكل تعبيرات عن صور مستمدة من اللاشعور الجمعي، التي يستطيع الباحث من خلال دراستها تصور الأنا والآخر والإحساس به[23].

عندما يكتب الأنثروبولوجي سيرة أدبية لحياة أحد افراد المدنيةً أو المجتمع،  يقدم لنا من خلالها نظرة حول التاريخ الاجتماعي والثقافي لمجتمعه. تتخذ أنأأأاااا كتابة السير الحياتية نمطًا قصصيًا، فتظهر مقالة الانثروبولوجي كينيث براون الذي تناول فيها سيرة أحد الكتاب المغربيين كأنها قصة، على الرغم من أن  منهج دراسة السيرة هو واحد من أهم مناهج الأنثروبولوجيا[24].

يحمل أدب الرحلة عناصر أدبية جنبًا إلى جنب مع المعلومات والمعطيات الإثنوغرافية، فالرحلات تجارب ومغامرات ورؤى للآخر[25]. إنها وصف توثيقي وإثنوغرافيا واسعة الافق، لذلك نجد الرحالة كإثنوغرافيين، والإثنوغرافيون كرحالة[26].

وتجدر الإشارة إلى اعتماد الكثير من الباحثين الأنثروبولوجيين، الأسلوب الأدبي في الكتابة الإثنوغرافية، نذكر على سبيل المثال لا الحصر جيمس فريزر في كتابه “الغصن الذهبي”، والعالمة الأنثروبولوجية مارغريت ميد في كتابها عن بلوغ جزر الساموا، وعالم الاجتماع والانثروبولوجي كلود ليفي ستروس في كتابه مداريات حزينة، والأنثروبولوجي الفرنسي ميشال ليريس في كتابه “أفريقيا الشبح”[27].

مما تقدم نلاحظ أن العلاقة بين الأنثروبولوجيا والأدب هي علاقة تأثير متبادل في المناهج والأفكار، بحكم أن الأدب يشكل مادة وموضوعاً للأنثروبولوجيا، من النقد الأدبي، مروراً بالحكاية الشعبية، فالأغاني الشعبية  والشعر العامي.

رابعًا : أنثروبولوجيا الأدب

ظهر في أوائل هذا القرن فرع جديد من فروع الأنثروبولوجيا هو أنثروبولوجيا الأدب، على يد الثنائي الفرنسي جان بيير جيرفود  Girfaud Jean Pièrre ، وجان بول توريل  Tourrel Jean Paul ، كميدان بحث أنثروبولوجي يدرس الخطاب المتجسد في النص الشفاهي أو المكتوب ويحلل دوره في تكون الاشكال الثقافية للمجتمع[28].

يحاول الباحثان من خلاله، وضع حد للقراءات النسقية العقيمة، التي تكتفي بالوقوف على جمالية النص مختزلة اياه إلى بنية لغوية ونسق أسلوبي، دون ربطه بالسياق الاجتماعي والثقافي والتاريخي. فلا يكتفي الثنائي الفرنسي في  قراءتهما الأنثروبولوجية للنص الادبي بالأنساق الثقافية المضمرة فقط، وإنما يبحثان أيضًا عن كل التجليات الثقافية والاجتماعية والسياسية، بما في ذلك الرجوع إلى معطيات خارج بنية النص نفسه، واستنطاقها اعتمادًا على المنهج التحليلي الرمزي.

إلى ذلك يظهر أن عملية التحليل الأنثروبولوجي ما هي إلا تركيب وفرز للبنية وعناصر النص التي تحمل المعاني، بهدف تحديد وفهم أرضيتها الاجتماعية والثقافية.

المبحث الثاني : قراءة في أعمال مارون عبود المختارة

تهدف القراءة الأنثروبولوجية إلى إنتاج المعرفة، وذلك من خلال الكشف عن الرموز الكامنة في النص وتأويلها، فيتحول النص الأدبي إلى معارف عن الجانب الاجتماعي والثقافي السائدة في المجتمع. ونحاول في قراءتنا لأعمال مارون عبود الثلاث : “أقزام جبابرة”، “احاديث القرية”، وجوه وحكايات”، وهي مجموعة من الأقاصيص تُظهِر ارتباطه الوثيق بالقرية اللبنانية، أن نتبين الأبعاد الأنثروبولوجية للقرية اللبنانية التي يصورها لنا في جوانبها المتعددة وخفاياها الأسطورية. فهو لا يكتفي بالحديث عن العوالم الخارجية، بل يتطرق أيضًا إلى العوالم الداخلية للأفراد.

تضم الأعمال الثلاث ثمانية وستون أقصوصة من القَصص الريفي، صاغها عبود بأسلوب شيّق وممتع، تميَّز بالعفوية واللون المحلِّيِّ مع استخدام العامية في بعض المواضع. يظهر لنا المجتمع الريفي البسيط في جوانبه الإنسانية، مقابل  مجتمع المدينة المعقد اللاإنساني.

نبدأ بتحليل الأبعاد الإثنوغرافية في المؤلفات المختارة للأديب مارون عبود، لنكشف عن ملامح المجتمع من حيث الجانب الاجتماعي والاقتصادي والثقافي. بعدها ننتقل إلى البعد الأنثروبولوجي، لنرسم تشابك هذه الأبعاد فيما بينها.

أولًا: البعد الإثنوغرافي  

تعود جذور تسمية القرية عين كفاع في قضاء جبيل إلى اللغة السريانية، وتعني العين المخفية. إنها قرية متواضعة قائمة على رابية بين الجبال، تطل على البحر من الجهلة الشمالية، حيث يمتد نهر شتوي طويل متعرج. وينبسط أمامها  شرقًا، سهل صغير مقعر يسمونه الوطا، مزروع بأشجار الزيتون والسفرجل وإجاص وأدواح سنديان وعفص وبطم تتعرش عليها الكرمة.

يلتف الوطا حول القرية غربًا فيتصل بواد يمتد حتى النهر الشتوي، يسمونه المدفون لاختفائه بين الجبال فتكاد لا تراه العين. فتبدو للناظر كأنها جزيرة برية على رابية مخروطية مفرطحة قليلًا تعلو مئتين وخمسين مترًا عن الأودية التي تطوقها، فهي قابعة على فم وادي قاديشا الرهيب، الذي تطل منه على البحر كشقة كرمسوت. هذا الحصار الطبيعي جعلها أشبه بحصن، لا تستطيع الدخول اليها أو الخروج منها إلا من ناحيتها الشمالية الشرقية.

يبدو غالبية العمران في القرية تقليديًا، يتمثل في نموذج البيت اللبناني التقليدي المبني بالحجر الصخري، القائم على ثلاث قناطر، الذي يتألف من عليّة من اربع غرف وبهواً داخلياً مسقوف بالقرميد، إلى جانبه قبو وفي باحته بئر ماء. كما نجد بضعة بيوت قديمة مبنية بالحجر الطيني المصنوع من الحوارة والدلغان والتبن، ذات السقف المؤلف من جذوع أشجار الصنوبر والسنديان، المطلي بطبقة من الكلس، الذي يحدل سنوياً حتى تتماسك عناصره لمنع “النش” شتاءً.

نلاحظ أيضًا بداية ظهور النمط العمران الإسمنتي الحديث ذو الطوابق، وظاهرة تتحول بيوت القديسين إلى مزارات وأمكنة للعبادة، فقد أصبح بيت القديس روحانا شفيع القرية (بنيان فخم متين المشيد على بقايا برج قديم) كنيسة خورانيه.[29]

أما الأثاث في البيت، فهو عبارة عن مساند ومخدات وطنافس من القش أو الصوف. تختصر الخزائن بأوتاد تعلق عليها الثياب وبرفوف خشبية توضع عليها القوارير الفخارية، والشماعدين، وثريات الشموع،  والقناديل، بالإضافة إلى الأيقونات والصلبان.[30]

تحتفل عين كفاع ذات تركيبة السكانية النصرانية مارونية، بعيد شفيعها مار روحانا وعيده في 29 أيلول يوم قطاف العنب وعصره.

يصف ملامح من سمات أهلها، فأغلبهم من نمط واحد. فأنف الشدياق إسطفان مروس معكوف كمنقار النسر، ولحيته البيضاء أصبحت خصائلها جدائل كأنها فروة عتيقة[31].  وسعيد المهيار، مربوع القامة، بطنه رخو كأنه حامل، وجهه منتفخ كالرغيف السخن، وأنفه كالفستقة[32]. أما هيكل فرأسه مدولب كقالب جبن فلمنكي، أسنانه كحب الفول المسوس[33].

يتمثل معاز الضيعة(راعي الماعز) كالمارد، فصدره عريض كالترس، مفركح، أفرم، رأسه كبير كالبطيخة، ووجه نحاسي مفرطح وعيناه ثعلبيتان. تبرز حول أنفه الأفطس بثور زرقاء كأنها الزنجار، تعلو شاربيه الكئيبين[34]. تجسد ست الأخوة نموذج المرأة القروية فهي سنبلة في استواء القامة وانحناءة الرأس، أنف يوناني شامخ  كالأصبع يجسد العنفوان والإرادة العنيفة[35].  يأخذ جمال المرأة القروية عندهم معايير، قامة تامة مثل الرمح الرديني، وعيون لوزية وخدود حمراء كالتفاح الشامي.[36]

تشير ملامح الزي واللباس بوضوح إلى ثقافة ريف الجبل اللبناني التقليدي ولا سيما الفستان الطويل المضموم على الصدر، الذي يغطي كل شيء ويستر ملامح الأنوثة واللحاف(المنديل) أو غطاء الرأس.

يلبس الشدايقة(جمع شدياق)[37] “الديما”  وهو عبارة عن غنباز أو قنباز جوخ أسود مقلم، أما غطاء رأس الكاهن فهو القاووق. ويرتدي القروي الشروال الرحراح المصنوع من الكتان، ويضع حوله زنّار مقلم، أو العباءة البلدية ذات الكمر أي الزنار فوقها صدرية مزررة من المخمل[38]. أما غطاء الرأس فهو الكوفية واللبادة (طاقية صوف أو جوخ)، وينتعل غالبيتهم المداس أي الحذاء.

على الرغم من أن اللباس التقليدي لا يزال سائدًا في ريف الجبل اللبناني التقليدي، نلاحظ إنتشار ثقافة اللباس المديني، أي الثوب الإفرنجي المزمك أو ما يسمونه بالحلة الإفرنجية[39].

يشرح  لنا مفردات القرية بلغتها : فالبرنية هي إناء من الفخار أو الخزف يستعمل لحفظ اللحم وملطاس المعماري هو الشاقوف، البيكة(أداة ذات رأسين تكسر بها الحجارة) الدردبيك(ﺃﺩﺍﺓ عريضة ﻤﻥ الفولاذ، ﺘﻨﺘﻬﻲ ﺒﺄﺴﻨﺎﻥ ﻤﺜل ﺍﻟﻤﺸﻁ ﻴﺴﺘﻌﻤﻠﻬﺎ المعماري لنحت الحجارة)، الإزميل، المطرقة، والود(الخازوق)[40]. ويقال لما لا سلف له ولا خلف “لا قبله ولا بعده”. باع إللي فوقو واللي تحتو أي اللحاف الذي يتغطى به والفراش الذي ينام عليه. يرون “كانون الله” (الشمس) في الشتاء مريضة أي نورها خافت تحجبه الغيوم. أما اللغة المكتوبة فهي الكرشونية وهو الكلام العربي المكتوب بالحرف السرياني[41].

ثانيًا: البعد الاجتماعي

نجد ملامح الأسرة الممتدة فالجد يقيم مع أحفاده في البيت الواحد، والأسرة كبيرة العدد، وتتميز علاقات القرابة بالتواصل ولاسيما أثناء الأزمات. فالأب يجتهد ويشقى ليتعلم ابنه ويصبح طبيبًا، والأخ يساعد شقيقته في رحلة استرجاع حقها من الكنيسة، والأم تخاف على ابنها، حين ينوي النزوح إلى المدينة، وتذهب لتبحث عنه بعد انقطاع أخباره[42].

  1. أهمية الزواج

ينظر إلى الزواج باعتباره قيمة اجتماعية ونفسية واقتصادية. لذلك يعتبر أمر البنت شورى بين ذوي قرابتها، لا رأي ولا إرادة لها فيه. فإذا كانت البنت ذات حسن وجمال، يبحثون لها عن عريس منسوب وكثير المال. فالحب شيء ماضٍ لا يطعم خبزًا، إما الثروة والنسب فغنيمة باقية تقييهم شر القلة والعوز. لا مناص للبنت من القبول، فالرفض مكروه لأنه “جرصة” تطال سمعة البنت وأهلها أو صلاة فرنجية على حد تعبيرهم. لذلك فإنهم يلجؤون إلى التحليلة(أذن الإذن بتزويج الفتاة لمن يختارونه من مرجع ديني)، لأن المرأة تخضع للرجل، كما الكنيسة تخضع للمسيح[43].

  1. العلاقة بين الرجل والمرأة

يمتاز مجتمع عين كفاع كأي مجتمع تقليدي بالبطريركية، حيث يغلب رأي الرجل على رأي المرأة، التي لا بد لها من القبول ما يمليه عليها والدها أو زوجها. لا بد لها من السكوت والإبتسامة وقبول الشتائم   طلبًا للسترة وكسرًا للشر، فتسلم من الرص واللبد(الضرب)[44].  حتى أن الزوج يفكر في قتل زوجته حين يشك في خيانتها له[45].  لكن على الرغم من هذه الذكورية البارزة، يسمح للمرأة خاصة المتعلمة وابنة الجاه والنسب بإبداء الرأي والمشاركة في اتخاذ بعض القرارات العائلية، خاصة اختيار العروس أو العريس وتعليم الأولاد[46].

يبدو لنا جليًا صراع الأجيال بين الكنة وحماتها، فبنات الجيل الجديد يخفن من سطوة الحموات واللواتي يخفن بدورهن من غطرسة زوجات أبنائهن. تعبر أم لطوف عن رفضها لزوجة ابنها بضربه وتصر على إرجاع الزوجة إلى بيتها لعدم أخذ رأيها وموافقتها. يشتكين دائمًا من حب الأبناء لزوجاتهم أكثر من حبهم لهن[47].  فقد يصبح الرجل محكومًا بالاختيار بين زوجته ووالدته، بخاصة إذ كانت العروس بنت مدينة أو اجنبية، فيخط حياته في جهد جهيد، يروز في مشكلته ولا يهتدي إلى أهون الشرّين. تعتبر الأم  أنه من حقها اختيار العروس المناسبة لأبنها، وتحبذ أن تكون من أقربائها او على الأقل من بنات الضيعة. تعيّر الجارة جارتها لأنها تركت ابنها يتزوج من بنات المدينة، ” وين كان عقلك لمّا شاورك؟!  لا يحبذون الأجنبية مهما كانت فضائلها ومحاسنها، ف” زوان بلادك ولا قمح الصليبي”. إنهم يرونها غريبة دومًا، لأنها تجهل الكثير من عبارات القرية وأجوبتها، “فمن يأخذ من غير ملته يعيش بغير علته”.

  1. علاقات القرابة والجيرة

نجد صورة لعلاقات القرابة في مجتمع ريفي تقليدي محافظ.[48]. يتوقع الجميع أن يسلك مارون عبود درب الكهنوت، كعهد جده لأمه الخوري موسى، وجده لأبيه الخوري يوحنا، لذلك يعارضون أن يكمل تعليمه في مدرسة المطران الدبس(الحكمة- الأشرفية/بيروت). يعتبر التقيد بتعاليم السلف دليل إحترام، حتى ولو بعد وفاته، إذ يطلب منه أن يفعل ما يشاء شرط ألا يزعج عظام جده.

ينشأ ناشئ الفتيان منا على ما كان عوده أبوه [49].

يحضر التكافل الاجتماعي  حينا ويغيب أحيانا،  فالمؤاساة خير مزايا القرى، وخير ما فيها خلوها من المنة(لا يمنن أحدهم على مساعدة احتاج إليها يومًا، لأنه بدوره سيقدم العون لمن يحتاج اليه بذلك يكون نوع من سداد الدين الاجتماعي). فالفلاح شجاع وغيور وكريم النفس، لا يقصر في فرح ولا يتخلف عن ترح، عونة بناء البيت لا يقصر فيها أحد، يتبرعون بالمال و/أو بجهد العمل. لأنهم يعتبرون أنه عار على الضيعة أن ينهدم  فيها منزل دون المبادرة إلى إعادة إعماره.[50] يغالون في عيادة المرضى ابتغاء للأجر فيؤمون المريض ولا يفارقوته. يعقدون مؤتمر المناعي في حال الوفاة ، لأن إقامة المأتم ليست بالأمر الهين، فتقسم واجبات العزاء كإطعام المؤجرين تأمين مكان لمبيتهم على كل منزل.[51]

لكن علاقات الجيرة ليست كلها سلام ووئام، فقد يعاير بعضهم بعضًا ويتخاطرون ويتنافسون خاصة في الأعياد والمناسبات. ويعتبر صراع ملكية الأرض في القرية كما في كل قرية، من أبرز مشاكل القرى وأعقدها. يصور لنا مارون عبود هذا الصراع على الميكرو في خلافات “أبي فارس” و”أبي أنطون”[52].

  1. التقاليد

في عين كفاع تنتهي حدود الزمن ومقاييس الناس وعرف البشر وتقاليدهم. تتجسد في القرية  الاشتراكية المعتدلة، فلا بيع ولا شراء إلا إذ زادت الكمية عن الحاجة، لأن المحاصيل مشتركة بينهم. يحل على فالغريب إذا نادى الناطور ثلاثًا، ولم يجبه أحد، دخول الكروم وأكل ثمارها، فالأكل مباح أما الأخذ فسرقة وتعدٍ.

يعتبرون المصافحة باليد خروجًا عن خط الاحترام، الذي يجب أن يعبر عنه السلام. لذلك يسلم الكبار  بنصف انحناءة، حيث تنحدر أيديهم من قمم رؤوسهم لتسقر على ساحات صدورهم، أما الصغار فيسلمون مع تقبيل اليد.[53]

عند الزواج ترش العروس بالرز وماء الزهر وتلصق الخميرة فوق عتبة باب منزل الزوجية وتنهال عليها بالرمان ضربًا، ونبخر أم العريس العروس وتدرسها درسًا فيزيولوجيًا من قمة رأسها إلى أخمص قدميها.  كما توزع النقولات من ملبس وقضامي وفستق عبيد والقمح المحمص للأولاد، ويدعى المدعوون إلى مآدب تشرب فيها أنخاب العروسين.. أما عند الولادة فيوزعون الصابون والسكر والأرز المحمص بالإضافة إلى والنقل ويقدم للمهنئين القمح المغلي[54].

يظهر تأثير التقاليد والأعراف وضرورة مراعاتها وعدم مخالفتها، فهي أدب الناس للناس وعليهم. لا يعيش الإنسان لنفسه بل للآخرين، فليس أحد منا حر في ذاته، فهو يسير كما تشاء أهواؤهم وعرفهم وتقاليدهم، ويرتبط بهم بناموس أشد من ناموس الجاذبية، لا يحول ولا يزول. كأن كلمة الناس نجمة القطب، مراعاتها سلامة في بحر الحياة من التيه والسقوط في اللجة. لذلك كانوا ينهرون الأولاد قائلين : ” أقعد متل الناس، إحكي متل الناس، إلبس متل الناس”. كُلْ ما تشتهيه نفسك والبس ما يعجب الناس.” ينشأ الفرد في المجتمع التقليدي، مقيدًا بسلاسل مشيئتهم[55].

 

ثالثًا : البعد الثقافي

نلاحظ أن مضمون الأقاصيص يشكل بيئة خصبة حافلة برواسب وأبعاد ثقافية المتعددة. من دون شك أن الثقافة متفرعة جدا، وبما أن الدين هو أساس ثقافة المجتمعات التقليدية، نجد عامل التقديس النابع من الإيمان الفطري يدخل في كثير من الطقوس اليومية، وطقوس العبور، والمعتقدات الخرافية، والأساطير.

  1. الدين

يعتبر الدين أساس الثقافة في المجتمعات التقليدية، فنلاحظ التدين الواضح بين أفراد هذه المجتمعات والتي يعتبر مجتمع الكاتب واحد منها.

يحسب القروي حساب آخرته، يذكره غياب الشمس، أن الإنسان يصير إلى ما تصير إليه صائر، فيقضي عمره يعد عدته لدار الآخرة، عاملًا بقول المثل :

” اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدًا واعمل لآخرتك كأنك تموت غدا”[56]

يتجلى عامل التقديس واضحًا في القرية، فيحرص القرويون دائمًا على تأدية الصلاة بخاصة صلاة الأحد في الكنيسة، وصلاة الشكر قبل تناول الطعام، وتقديم القرابين والنذور لشفاء المرضى، والمساعدة على تحقيق الغايات، والزياحات(زياح لصورة القديس مار مارون استسقاء لنزول المطر)[57].

ويعتبر الدين وازعاً يردع الفرد عن ارتكاب الخطايا ومصدر الوعي الجمعي قوي في القرية، لكنه يدخل في الممارسات الدنيوية أحيانًا كثيرة،  فنجد قاطع الطريق يدعو السيدة أم الله حتى ترسل اليه عابر سبيل يسرقه ليؤمن قوته وقوت عياله، واعدًا إياها بنذر قيمته ربع ما يكسب او وفقته. عجيب امر هذا الانسان، فحتى الذي يسلك دروبًا نهى الله عنها وحرمتها الاديان، تراه يتكل على الله في توفيقه.

  1. الأعياد

تطالعنا المجموعة القصصية بعدد من الطقوس الاحتفالية، منها الاحتفال بالأعياد. نجد أن التواريخ عند أبناء القرية أعياد، فيقولون ولد حنا يوم عيد مار بطرس. تزوجت صابات يوم عيد مار يحنا(مار يوحنا). وقع البطرك إلياس عن البغلة قبالة عين كفاع يوم عيد جميع القديسين. كانت زلزلة سنة 1918 ثاني يوم عيد  مار روحانا. انتهت الحرب يوم عيد مار شليطا. وماتت بقرة فلان يوم عيد الغطاس، …..إلخ.

يؤمنون بمرور الفادي على النصارى يوم عيد الغطاس، فعظيم هو المصلوب يسوع المسيح بالنسبة لهم، يدفئ أنفاس المؤمنين ميلاده، وتفرح الأرض معهم بقيامته، ويودعون الصف بمهرجان صليبه. يدأبون على إحياء أحد النسبة وهو الأحد الذي يسبق يوم الميلاد، وحكاية بابا نويل عندهم هي حكاية الخوري نصر الله.

  • عيد الغطاس

توقد آرومات التوت ليلة عيد الغطاس، تذكار حلول روح القدس على المخلص في نهر الأردن. وتنشد التراتيل السريانية منها الميمر السرياني[58] “برمشو صليبوخ روشيمنو على هاضوماي”[59].

تترك خلايا الطحين هذه الليلة مفتحة على سطوح المنازل، لباركها المسيح أثناء مروره. وتحلو مياه البحر في تلك الليلة.

“يعلو صوت صراخ العجين في المقلى” هكذا يصور لنا مارون عبود مشهد إعداد الخورية لزلابية العيد، التي يشتهيها الكبار قبل الصغار، ويتهافتون عليها في بيت الخوري.

  • عيد الميلاد

التزام صادق وإيمان عميق وخشوع تلتمس منه مبالغ التقوى عند القروي. فعيد ميلاد  يسوع ابن مريم هو عيد ولادة البشر في كل عام. لذلك ترى القرية في أسبوع آلامه،  في حداد خاشعة صامتة، فيصدق قولهم بأنه خميس الآلام والجمعة الحزينة. لقد ولد المسيح بمذود البقر ليعلم الناس التواضع سلامهم : “يتمجد اسم الرب يسوع ورده السلام لستنا العضرا(مريم العذراء)”. الصوم عندهم واجب مقدس فمن يفطر هو زنديق كافر ومن يتزفرهو مارق قليل الدين(اكل اللحم والبيض ومشتقات الحليب بخاصة يومي الأبعاء والجمعة ).[60]

ليلة ميلاد يسوع إبن مريم المسيح ليلة مباركة، تحفل سفرتها بديوك حبش محشية، واللحوم والألبان. أما الضيافة في سهرة الميلاد، فالنقل والتين المطبع المجفف، والجوز واللوز والزبيب.

  • عيد الصليب

يصادف يوم 14 أيلول يوم عيد الصليب في عين كفاع، يعلو فيه حوار الأجراس المتصاعد من كنائس القرى المجاورة لعين كفاع، ويتردد صدها في الأودية والمغاور. فحين تبدء أنوار العيد يتراءى لك من قبة الوادي مشهد كأن داوود قام يرقص ويرتل للتواب الرحيم.

ثلاثين جرس وأكثر تدق كلها في تلك الساعة، وتعلو التهاليل على القمم، كأن كهان الكنائس تجمعوا على الذرى يصرخون مع الصارخين : محبة بالمسيح كيرياليسون.  بين تهاليل الفتيان وهتاف الصبيان وتسبيح الكهول والشيوخ، تندلق ألسنة النيران من رؤوس وأحشاء الجبال كأنها ألسنة أفاعي الشك، ثم يتعالى الدخان كسلم يعقوب، فتظن في نفسك هذه ساعة القيامة والدنيا تحترق.[61]

  1. المعتقدات  

يحفل مجتمع القرية التقليدي  بالكثير من المعتقدات الشعبية، نجد فيها رواسب من ثقافات غابرة، كتسمية المولود بأسماء الحيوانات لحمايته من القرينة، واعتقادهم بوجود الحيّات الكبيرة والجن الذي يسكن المغاور. بعضها  الأخر مستمد من الدين( إعتقاد بعجائب القديسين)، ومن القيم الإنسانية والخبرة الحياتية، كالإيمان بحكمة القدامى وكبار السن.

تتخذ كل قرية شفيع لها، وشفيع عين كفاع هو “مار روحانا” القديس روحانا، الذي يروى عن عجائبه، أنه استنبع عين ماء لقرية عطشى، عين الوطى المخفية التي تقول الأسطورة أنها مغطاة بسبع لحف. ويختلف القديسون في عجائبهم،  فلكل واحد منهم مختص بمرض  يشفي منه أو يبلي به[62].

يعلق في رقبة المولود كتاب مار قبريانوس وطوق قصحيا(قزحيا)، كما ينذر المولود لأحد القديسين، يلبسونه ثوب راهب ويطال شعره ليقص يوم عيد القديس المنذور له، ويقدم وزنة الشعر ذهبًا لكنيسته أو مزاره[63].

يخافون سيدة البياض لأنها ضيقة الصدر تميت الحيوانات التي ترعى في أراض وقفها، وتبلي البشر إذا طالبوا بأملاكهم، التي تضمها الكنيسة إلى وقفها [64].

يعتبرون القيظ نزير المحل والقحط، فانحباس المطر دليل الغضب الرباني، على تكاثر خطايا البشر، الذي لا يرفعه عن الأرض إلا صلاة الاستغفار والزياحات.

تزنر الكنيسة عند حدوث وباء أو تفشي أحد الأمراض، فيأخذ من كل منزل شرشف أو قطعة قماش أو نحوه، تحاط به لحين انتهاء البلاء. وبعد زوال الخطر، ترد القطعة لصاحبها ويتبرع بثمنها لصندوق الكنيسة، أو يتركها لتباع بالمزاد[65].

يعتبرون أن شهر شباط شهر ناقص ويتخوفون منه، ف”شباط لباط وما عليه رباط”، لذلك لا يعصي عليه أحد- فكم من عجوز فارق الحياة في هذا الشهر ومنهم والدة مارون عبود.

يعتقدون بأن الميت يشعر بزيارة قبره(من يزور قبره)، والحي المؤمن الطاهر يعرف دنو أجله، ترافقه الملائكة أثناء صعوده إلى السماء[66].

كما تحفل هذه الأقاصيص بالأمثال والحكايات الشعبية، والزجل والغناء كترويدة الرجل(الحداء) وزلغوطة المرأة(الزغردة)، بالإضافة إلى الأهازيج وأغان الميجانا والعتابا وأبو الزلف والمعنى والموليّا ، والقرادي وهي أشكال تعبيرية تمتاز بالإبكار الفطري لها. ونجد أيضًا الأناشيد الكنسية من الشحيم والسنكسار(كتاب سيرة القديسين) والريش قريان(فصول من أرميا وأشعيا) والبركسيس(فصل من أعمال الرسل).[67]

تعكس هذه الاقاصيص ثقافة مجتمع القرية التقليدي القائم على الايمان والتدين الفطري البسيط وغير المعقد الملتزم بالطقوس بالدرجة الاولى حتى لو لم تعكس سلوكات الافراد هذا الاعتقاد. يتجلى الإيمان الفطري خالصًا نقيًا،  في مساعدة الفقير وعونة المعوز. شعار المؤمن من تمنطق فقد تزندق، على المرء أن يؤمن وكفى[68].

لقد علمتهم التجربة أن تحت كل جبة إكليريكي كبير كان أم صغير، حاكمًا مستبدًا، مع ذلك تراهم يسبغون  على رجل الدين الورع المتنسك احترامًا وجلالًا، فتصيبه وقعًا حسنًا في نفوس الرعية، ويعطونه قوة القديسين والرسل وينسجون حوله خبريات واخبار، منها الصحيح وغالبها مبالغ به، فيصبح قادرًا بيده ان يمزع رقبة مارد تعدى على الناس[69].

رابعًا : البعد الاقتصادي

نلاحظ أن الزراعة هي من أهم مصادر العيش في القرية، بالإضافة إلى التجارة وبعض المهن والصناعات الحرفية.

يتمثل نموذج عيش الفلاح اللبناني المكفي[70] قبل هاتيك الحرب، بالاعتماد والإكفاء من إنتاج الأرض(الحرير- اللوز- الدخان- التين – العنب – الزيتون – الفاكهة المختلفة، بالإضافة إلى إنتاج العسل من النحل، والحليب واللحم من الماشية.[71] لا يقدر هذه النعمة إلا من جرب، فقد كانت عيشة الفلاح كلها شقاء وتعب لكنه يجد قوت يومه والعيش الكفاف، فمن لا يزرع لا يشبع.[72]

لكن بعد هاتيك الحرب دخلت المدنية إلى القرية فخوى عرش مملكة الفلاح، وخربت البيوت وبارت الأرض. فأي مصير إذا هجر الضياع أهلها ومن أين نأكل إذا خربت بيوت القرى؟!![73]

حتى الفلاح غير المتعلم كان يدرك ببساطته أن الحكومة والدولة العادلة هي ملح هذه الأرض لولاها ما كان يعيش غي هذا الجبل، لكنها يخاف من ضرائبها الجائرة والمتزايدة التي لا ترحم.

كان القروي الفلاح صائم رمضان أبدًا، فلا ترويقة ولا غذاء بل زوادة تأخذ إلى الحقل. أما العشاء فمع غياب الشمس، ومن حواضر البيت، وجنى أرضه ومحصولها،  قوامه الخبر والمرق، والطبيخ[74] باللحم والآدام[75] التي تدفئ العظام، كما علمهم السلف الصالح.[76]

ينقطع القرويون كل يوم  أربعاء وجمعة عن التزفير(أي عن أكل البيض والأجبان والألبان واللحوم على أنواعها.[77]

كان القروي لا يتمنى ثروة وافرة، فحسبه القوت فقط. قسطاسه ” هنيئًا للنفس مالها وما عليها، فإذا حصل على البرغلات والزيتات والتينات عاش عيشة راضية. أما ما يشغل باله فتعليق الحرف وكتابة الهندي(أي تعليم أولاده القراءة والحساب).

يتمثل ارتباطه القروي بالأرض في حبها، فهو يتكل على كرم أرضه في تأمين معاشه[78]. يحرثها ويسقيها من الينابيع الجبلية، فلا يضحك الأرض إلا السكة.[79]  شعارهم على قد بساطك مد رجليك، فمن يتكل على الأرض لا يبتعد عن خالقها. يظهر لنا أبي نعوم كيف يتأخى  كبار السن في القرية مع حجارة الضيعة، التي لهم معها عمر طويل، فيعتبرونها من تراث الأجداد لا يجب التفريط بها.

خذو بدني ايضًا، بدني من ضيعتي ولها[80].

لكن انتشار ما يسميه الكاتب “الجرثومة اللبنانية”، دفعت بالكبار إلى الهجرة والصغار إلى النزوح طلبًا للعمل الوظيفي، فبارت الارض وضاعت الارزاق. فتغيرت عقلية الفلاح من القناعة والرضا بالعيش الكفاف، الى الطمع بالقصور الوارفة والمآدب العارمة.[81]

فقلما خلا بيت من مهاجر إلى دنيا الله الواسعة، هربًا من فاقة أو طلبًا للغنى. فإذا ادركه أصبح حديث النعمة، وإذا لم يطاله نسج احواله من خياله وما تحبل به المدينة، فالدنيا سعود وبخوت. لكن إغراء الهجرة ورفاهية العيش المديني اخسر الكثيرين  لقمة العيش وأورثهم فقرًا، لأنهم لم حسبوا حساب غدرات الزمان.

بات الوظيفة رأسمال مضمون كالبقرة، درتها جرّة والحلاب القدير يعرف كيف يمسطها. يسعى إليها بالغالي والرخيص، تقام الوساطات سعيًا اليها، وتدفع الاموال من اجلها ولقاء التعينات والخدمات. فيصبح الدحدوح بيكًا ينادى بصاحب السعادة، مجد يأتي ويزول بين ليلة وضحاها..[82]

خامسًا : البعد الأنثروبولوجي

تتمحور الأقاصيص حول حاجة إنسانية هامة يوظفها الأديب متعمدا ليطرح أفكارًا ويعالج قضايا تعد في المرتبة الثانية بعد حفظ الذات، وهي حفظ النوع. فيتطرق النص السردي لهذه الاقاصيص إلى قضايا المقدس، وأنظمة القرابة والزواج، والمعاناة الاقتصادية والسياسية للفلاح اللبناني في نموذج قريته عين كفاع.

يصوغ اديبنا البارع اقاصيصه بشكل ابداعي، فلا تفوته شاردة ولا يسهو عن واردة. يعالج مشاكل القرية على ألسنة البهائم، ويفسر الاشارات بلغة مراوغة لا تمتلك سلطة الحياد، فقصة القرويين مع الحكومة كقصة الارملة وطبخها لبنيها.

لقد بث مارون عبود في اقاصيصه مهارة ادبية واكاديمية قائمة على روح النقد الجاد الذي يصل إلى حد السخرية والتهكم. وجاء بلغة تؤدي المعنى واسلوبه في الدخول الى الاماكن المحظورة، توضيحًا لوجهة نظره في كل ما يدور من حوله.

لقد دفعت به صراحته وجرأته الأدبية كناقد ومصلح اجتماعي، ليسأل عن تعليم جديد يؤجر به كل من أعطى ما لقيصر لقيصر، وما لله لله، فبارت أرضه وخرب بيته.

  • ” لقد أعطينا لقيصر ما لقيصر ولله ما لله ، فأصبح على الأرض البيضاءـ؛ فهل عندك تعليم آخر تبلونا به لنؤجر؟!! فهل بات الله كالحاكم لا يستجيب إلا للمتقدمين في الأخوة فقط؟!![83]

يزعجه تسلط بعض رجال الدين على العباد والارزاق، وضياع حقوق الارامل والايتام، لأن الوقف قضم الارض مصدر عيشهم.

ويتجرأ حتى أن يسأل يسوع المسيح الذي علمهم أن يطلبوا خبرهم كفاف يومهم، أن يعطهم خبرًا ” لقد علمتنا : أن  أعطنا خبزنا كفاف يومنا فهات خبزً”[84].

قلت لنا:  لا تعبدوا الربين فتركناه وتبعناك، فانظر ماذا تعمل لنا، هات ما عندك يا يسوع فالاتكال عليك. البشرية كلها علينا، والدينار الذي رأيته في القدس نام مثلك في الحبس.

يرفع الصوت عاليًا ضد إهمال الدولة للقرى والبلدات الطرفية، التي يطلق عليها ما يسمى بالملحقات، وهي حتى اليوم لا تزال تفتقد اهتمام الحكومة والسياسيين لاحتياجاتها الاساسية وخاصة بناها التحتية.

فقد شق الطريق ليصل إلى دير مار يوسف، وبقيت الخمسة أميال[85] التي تربطه بعين كفاع دون تعبيد. يتوجب على قاصد القرية أن يقطعها أما راكبًا على دابة أو سيرًا على الأقدام. ولم يكن حال الكهرباء والهاتف بأحسن من حال أخيهما الطريق، فبقيت القرية معزولة، وكأنها أصبحت اسمًا على مسمى.[86] ولا يزال الشعب يلح ويطالب حتى يومنا، لكن معظم الحكومات تولد صمّاء بكماء لا تسمع ولا تجيب، الا لمن عرف الكلام بلغة الإشارة.

أما نواب الشعب اليوم فهم يشبهون نواب الأمس، فإذا بحثت في شؤونهم تراهم يتشابهون لولا اختلاف الاسم والمسمى. وأي فرق فالنائب اليوم هو أبن نائب الأمس أو حفيده، الشعب هو قضيتهم بل قل مطيتهم للوصول إلى كرسي البرلمان. يقبعون في شواهق قصورهم وعماراتهم كالنسور البيضاء. غريب!!! النائب يصلي ويبتهل إلى الله، والشعب يستجيب!!!!

لقد واكب مارون عبود طريق العلم بمختلف مراحله وأدواره، فهو الذي خط بدايته تلميذًا، ارتقى أستاذًا فمديرًا ومربيًا يسهر على النشء. أنتجت مسيرته هذه عبرة المعلم وخلاصة تجربة العمر انتجت حقيقة علمية، بأن الإنسان لا يتغير. فمن وحش خام يقتل بأظافره ليكسب قوة يومه ويعيش. إلى رجل متمدن يقتل الألوف بعقله وعلمه ليشبع جشعه وطمعه ويا ليته يشبع!!!

افتعل حربًا أهلية أستمرت أكثر من خمسة عشر عامًا، جعلت منه وحشًا، أتى على البشر والحجر واقتلع حتى الشجر كي لا يبقى ولو رمزًا واحد يسخر من انقسامه وتقسيمه الفارغ، حتى ولو كان هذا الرمز جذورًا صامته غير ناطقة.

حزبية بلهاء وتعصب اعمى، صيّرت القرى الآمنة عش نكايات. فتارة يرغبوننا بالعطايا والخدمات، وطورًا يخوفوننا من الغريب والعدو، يزكون بها إصطفافات طائفية وحزبية. فبين نعمة ونقمة يضمن السياسيون كراسيهم، لأن المجاذيب لا تتعلم[87].

وما دمنا نستهدف في هذه القراءة تأويل الرموز وبناء النموذج وتحليله، فالنموذج كان في المفارقة بين مجموعة من الثنائيات الضدية

المفارقة الأولى تظهر في تصويره لإنسانية القرية المتجسدة في نموذج العيش للفلاح المكفي المتكل على انتاجية الارض، مقابل لا إنسانية المدينة، المتمثلة في عدوى النزوح والهجرة طلبًا للغنى وابتغاء لبحبوحة ورفاهية العيش المديني.

ويستمد المفارقة الثانية  من شريعة رعي الماعز، التي دونها شريعة الإنسان، فيسأل : لماذا نشتكي إذا ضرب المعّاز الكراز، في حين يضرب الناطور الأولاد ولا أحد يشتكي؟!

الكلام عن حياة المعاز ومعيوشه اليوم شيء، أما أن تكون معّازًا فشيء آخر. فهل يغني سماع القداس في الراديو عن المشاركة به؟!

أما المفارقة الثالثة التي شكلت واحدة من علامات أنثروبولوجية بارزة في هذه المجموعة من الاقاصيص، نلتمسها من خلال شعور القروي بالرهبة الفطرية من العالم العلوي، ووقوفه موقف الحائر من مشكل الموت النهاية الحتمية التي تنتظره، وانسياقه وراء الغامض من الأمور. فالإنسان الذي يعيش في هذا الواقع المحفوف بالكآبة والذي تحدق به الموت في كل حين، وهو عاجز على أن يسيطر على هذا الواقع لا يسعه إلا الاستجابة إلى الإحساس القوي بالقوى الالهية الماورائية، وهذا يجرنا إلى الثنائية الضدية المقدس /الدنيوي.

ونجد الحياة في القرية مشحونة بالطقوس، التي يراها مرسيا إليادMercia Eliade  تفعّل لحظة البدء وتحيّن أفعال الكائنات المقدسة في الزمن البدئي. وهذه الطقوس تخفف التوتر الذي يشعر به الإنسان وتعيد إليه توازنه وهو يشعر بالهلع من المجهول ويشعر بالقوى الماورائية المتحكمة في الكون، فينزل عند رغبتها بواسطة الطقوس التي يعتقد انها قادرة على التأثير على تلك القوى الخفية.[88]

فالموت ليس النهاية في ثقافة المجتمع ، فهو يتشاكل مع الماضي والمستقبل، فهناك أحداث أخرى تنتظر الإنسان بعد الموت، لكن المسيحي الصالح لا يموت، فهو ينال الخلود والحياة الأبدية، ينتقل من وادي البكاء والدموع إلى دار النعيم حيث يتمتع برؤية الله وجهًا لوجه[89].

ومن ثم فالماضي يبقى حيا في أنفسنا، ويعيش فينا وينتقل معنا إلى المستقبل، ولا ينبغي أن نطرحه وراء ظهورنا وننساه، فالتراث يتضمنه الحاضر. والمقدس الذي يحيط بالحياة هو الذي يشرع لهذه العلاقة.

 

الخاتمة

ستظل النصوص الأدبية، الشفوية منها و المكتوبة، محل دراسة و بحث من قبل الباحثين في مختلف حقول العلوم الإنسانية : (تاريخ الأدب، النقد الأدبي، علم الاجتماع الأدبي و السوسيونقد، والسيميوطيك،  وغيرها من المناهج التحليلية والوصفية. يدل هذا الاهتمام، أن دراسة الأدب ومعالجة نصوصه ستظلان ممارسة ثابتة على مر الزمن على الرغم من اختلاف هذه المناهج في طرقها التحليلية، وفي النتائج التي قد تتوصل إليها.

لكن بعيدًا عن هذا الاختلاف فإن تتعامل مع النصوص، انطلاقا من كونها إنتاج فني في ظل سياق معين، إذ تعتبر الظروف المحيطة والمؤطرة لإنتاج النص حجة في حد ذاتها، تمهد و تبلور الفكرة الأساسية لعملية الكتابة، أي ما قبل النص (pré-texte). وعليه، فإن دراسة النصوص، لا بد لها أن تأخذ بعين الاعتبار هذه الجوانب المختلف التي أنشأت الكتابة و الإنتاج الأدبي. إن تطور هذه التوجهات العلمية نحو السيميوطيك جعلها تخضع هذه النصوص إلى مقاييس جديدة، و من ضمن هذه المقاييس، يمكن الوقوف عند اعتبار النص الأدبي خطابا يملك آلية داخلية، لكنه يرتبط بالسياق الذي أنتجه[90].

على هذا الأساس، يمكن النظر إلى الأدب ضمن نظرة متكاملة، تحاول أن تستفيد من مختلف نتائج العلوم الإنسانية، ومنها على الخصوص الأنثروبولوجيا، التي تدرس “المؤسسات و التقنيات في مختلف المجتمعات”[91]. فمعالجة النص الأدبي في هذا الإطار هي في حد ذاتها “تفكير حول مسألة التمثل la représentation، ومنها على الأخص التمثل الرمزي، أي ذلك الإطار الأنثروبولوجي الواسع الذي يدعو لوضع النصوص الأدبية في مجموع الانتاجات التي يحاول الإنسان بواسطتها معرفة الآخر وبالتالي معرفة ذاته أيضا”[92].

لعبت التعددية المنهجية pluridisciplinarite المتمثلة بالتقاء كل من الإثنولوجيا و السيميوطيك و الايثنوسيميوطيك التي تدرس الأدب الإرثي مثل الحكايات الخرافية لفلاديمير بروبVladimir Propp)) والأسطورية ج. ديميزيل G. Dumezil))، دورًا هامًا في بلورة وتحديد إشكالية الخطابات الأدبي ونشوء وجهات نظر إبيستيمولوجية جديدة. والتي ساهمت بدورها في تشكل فرع آخر في حقل الدراسات الأدبية، هو السيميوطيك، الإثينو أدبية، التي تدرس الآداب الخاصة بالجماعات القديمة أو (بالمجتمعات الفلاحية المتعلقة نسبيا)[93].

يقوم هذا التلاقح المنهجي المتعدد بفرز قضايا جديدة ضمن مسار الكتابة الأدبية، و منها علاقة التحليل الأنثروبولوجي بالأدب. وضمن هذا التوجه يلح جيلبير دوران Gilbert Durant، في إحدى خلاصاته حول دراسات الأساطير، على نقطة أساسية حيث يرى، أنه لا يمكن الفصل بين علوم الثقافة مثل النقد الأدبي والأدب وعلوم المجتمع[94].

هكذا نجد أنفسنا إزاء منهج أثنولوجي للعمل السردي باعتباره مادة خام للوصف الأثنوغرافي. ويأتي بعد الوصف المستوى الإثنولوجي، وهو الكشف عن مختلف التمظهرات الثقافية، وتأتي المقاربة الرمزية التأويلية على المستوى الأنثروبولوجي.

يسعى الباحثون إعتمادًا على هذا النهج الجديد، إلى إثراء النص الأدبي وإستخراج المدلولات التي يكنها، بعد ان كان يشاع عن هذا المنهج أنه قاصر على الأشكال الأدبية الشعبية. نحاول أن نقترب من النصوص الأدبية النخبوية أو المسماة نخبوية باعتبار الذين كتبوها نالوا نصيبا من الثقافة وكتبوها عن وعي تام انطلاقا من ذهنية كتابية خالصة يفترض فيها الموضوعية والوقوف على مسافة من المشكلات المطروحة.

لكن هل يمكن معالجة نص روائي مثلما نعالج نص لحكاية أسطورية أو خرافية ؟

يمكن القول أن الأدب كان دائما تأويلا رمزيا للواقع، تضفي على هذا الأخير مسحة جمالية، تجمع في طياتها الجانب “الحقيقي” والخيالي-الأسطوري.

وإذ يطرح تطور مجال هذه الدراسات إشكالات علمية جديدة، ومما لاشك فيه أن اشتراك هذه الأجناس كلها في البنيات السردية والخطابية، يمكن أن يكون قاعدة منهجية للتعامل مع النصوص المختلفة، فما يهمنا هنا هو الكشف عن سبب وكذا كيفية توظيف هذه الأساطير. يتشكل بين الوعي الفردي للأديب الذي يتلفظ، أو بالأحرى يكتب “نصه” ومجموع التبليغات السياقية intimations للبيئة والمجتمع، ذهاب وإياب غير منقطع، انها مسيرة أنثروبولوجية[95]Trajet anthropologique.

لائحة المراجع

العربية

  1. إبن منظور” أبو الفضل، جمال الدين الانصاري الرويفعي الافريقي، لسان العرب، دار صادر، بيروت، جزء1، ط3، 2010.
  2. آرون بول، وفيالا آلان، سوسيولوجيا الادب، ترجمة د. محمد علي مقلد، دار الكتاب الجديد المتحدة، بيروت، ط1، 2013.
  3. إلياد مرسيا، المقدس والدنيوي، العربي للطباعة والنشر والتوزيع، ط1، 1987.
  4. بريتشارد إيفانز، الانثروبولوجيا الاجتماعية، ترجمة : د . أحمد أبو زيد، الهيئة العامة المصرية للكتاب، مصر،  ط1، 1980.
  5. بونت بيار وآخرون، معجم الإثنولوجيا والانثروبولوجيا، ترجمة مصباح صمد، المؤسسة الجامعية للدراسات(مجد)، 2002.
  6. داوود محمد، البعد الأنثروبولوجي للنص الأدبي http://www.crasc-dz.org/article-853.html
  7. “الرازي” ابو الحسين، احمد بن زكريا القزويني، معجم مقاييس اللغة، دار الفكر، بيروت، ط1، 1979.
  8. الراسي سلام، لئلا تضيع، مؤسسة نوفل، بيروت، ط5، 1995.
  9. الرافعي مصطفى صادق، تاريخ آداب العرب، منشورات مكتبة الايمان، بيروت، ط 1، 2000.
  • سليم مصطفى شاكر، قاموس الأنثروبولوجيا، معجم أنثروبولوجي إنكليزي- عربي، جامعة الكويت، الكويت، ط 1، 1981.
  • شميت شارلوت سيمور، موسوعة علم الانسان، ترجمة: د. محمد الجوهري وآخرون، المركز القومي للترجمة، مصر،ط1، 2009.
  • ضيف شوقي، تاريخ الأدب العربي، دار المعارف، مصر، ط1، 1995.
  • العاكوب عيسى علي، التفكير النقدي عند العرب، دار الفكر المعاصر، بيروت، ط1، 2012.
  • عبود مارون، أحاديث القرية، مؤسسة هنداوي للطباعة والنشر، بيروت، بدون طبعة 2013.
  • عبود مارون، اقزام وجبابرة، مؤسسة هنداوي للطباعة والنشر، بيروت، بدون طبعة، 2012.
  • عبود مارون، وجوه وحكايات، دار مارون عبود، بيروت، ط4، 1997.
  1. “الفارابي” ابي نصر إسماعيل بن حمّاد الجوهري، “الصحَاح” تاج اللغة وصحاح العربية، دار العلم للملايين، بيروت، ط4، 1987.
  • فريحة أنيس، القرية حضارة على طريق الزوال، جروس برس، طرابلس- لبنان، بدون طبعة، بدون تاريخ.
  1. فهيم حسين، أدب الرحلات، سلسلة عالم المعرفة، المجلس الأعلى للثقافة والفنون، الكويت، العدد 138، يونيو 1989.

 

الأجنبية

  1. Brown K, Pour Témoigner d’un itinéraire Anthropologique, in D. Alberta et M. Tozy, éds., La Méditerranée des anthropologues. Fractures, filiations, contiguïtés, Paris, Maisonneuve et Larose, 2005.
  2. .Durand, Gilbert.- Introduction à la mythodologie.- Tunis, CERES, 1996.
  3. Gerfaud Jean Pierre et Tourrel Jean Paul, La literature au pluriel- Enjeux et methodes d’une lecture de l’oeuvre litteraire, collection : Savoir en pratique, De Boeck, Bruxelle, 2004.
  4. Gremias, A.J et Courtes, J..- Sémiotique dictionnaire raisonné de la théorie du langage.- Paris, Hachette, 1979.
  5. . Le Petit Robert.- Paris, 1987.
  6. Pageux, Daniel-Henri.- Littérature générale et comparée.- Paris, Armand Collin, 1994.
  7. Reichler, Claude.- La littérature comme interprétation symbolique (in) l’interprétation des textes (collectif).- Paris, Ed. De Minuit, 1989.
  8. Site of The department of Anthropology, University of.Columbia.gwu.edu, retrieved 20- 06- 2018.
  9. The nature of Anthropology, Field of Anthropology, IB Cultural Anthropology, www.en.wikibooks.org, retrieved 20- 06- 2018.
  10. L’UNESCO et la question de la diversité culturelle, Bilan et stratégies, 1946-2004, Paris, UNESCO, septembre 2004.
  11. What is Anthropology, americananthro.org, retrieved 20- 06- 2018.

 

[1] حددت اليونسكو مفهوم الثقافة بأنه : مجموعة من السمات المميزة الروحية، والفكرية، والعاطفية، التي يتسم بها مجتمع أو جماعة اجتماعية. وهي تشمل : الفنون والآداب، نمط العيش، والحقوق الأساسية للإنسان، كما منظومة القيم، والتقاليد والمعتقدات.

L’UNESCO et la question de la diversité culturelle, Bilan et stratégies, 1946-2004, Paris, UNESCO, septembre 2004, p 25.

 

[2] http://www.crasc-dz.org/article-853.html داوود محمد، البعد الأنثروبولوجي للنص الأدبي

[3]  آرون بول، وفيالا آلان، سوسيولوجيا الادب، ترجمة د. محمد علي مقلد، دار الكتاب الجديد المتحدة، بيروت، ط1، 2013، ص 16.

[4]  الراسي سلام، لئلا تضيع، مؤسسة نوفل، بيروت، ط5، 1995.

[5]  فريحة أنيس، القرية حضارة على طريق الزوال، جروس برس، طرابلس- لبنان، بدون طبعة، بدون تاريخ، ص 7.

[6]  منهج السيرة ومنهج الأنثروبولوجيا الذاتية الانعكاسية.

[7]  كليفورد غيرتز (1926-2006) : من أبرز علماء الاجتماع الأميركيين وأكثرهم تأثيرًا. يعتبر مؤسس المدرسة التأويلية في الأنثروبولوجيا. اهتم بدراسة الرموز الثقافية، وكان له إسهام كبير في تطوير دراسة الأنساق الرمزية والثقافية داخل الممارسات الانثروبولوجية.

[8]  جان بيار غيرفود وجان بول توريل، عالما اجتماع فرنسيان، يرجع إليهما الفضل في تطوير نوع جديد من الأنثروبولوجيا هو أنثروبولوجيا الأدب.

[9] Gerfaud Jean Pierre et Tourrel Jean Paul, La literature au pluriel- Enjeux et methodes d’une lecture de l’oeuvre litteraire, collection : Savoir en pratique, De Boeck, Bruxelle, 2004, p 10.

[10]  وهو أبو نصر إسماعيل بن حمّاد الجوهري، الفارابي.

[11]  “الفارابي” ابي نصر إسماعيل بن حمّاد الجوهري، “الصحَاح” تاج اللغة وصحاح العربية، دار العلم للملايين، بيروت، ط4، 1987، ص 86.

[12]  “الرازي” ابو الحسين، احمد بن زكريا القزويني، معجم مقاييس اللغة، دار الفكر، بيروت، ط1، 1979، ص 74.

[13]  ضيف شوقي، تاريخ الأدب العربي، دار المعارف، مصر، ط1، 1995،  ص 7.

[14]  إبن منظور” أبو الفضل، جمال الدين الانصاري الرويفعي الافريقي، لسان العرب، دار صادر، بيروت، ط3، 2010، جزء1، ص 93.

[15]  ضيف شوقي تاريخ الأدب العربي، م. س، ص 7.

[16]  الرافعي مصطفى صادق، تاريخ آداب العرب، منشورات مكتبة الايمان، بيروت، ط 1، 2000،  ص 24.

[17]  كاتب ومؤلف أميركي،  اشتهر مؤلفاته “ثلاثون طريقة لتحسين قدراتك”.

[18]  العاكوب عيسى علي، التفكير النقدي عند العرب، دار الفكر المعاصر، بيروت، ط1،  2012،  ص 22.

[19]  سليم مصطفى شاكر، قاموس الأنثروبولوجيا، معجم أنثروبولوجي إنكليزي- عربي، جامعة الكويت، الكويت، ط 1، 1981، ص 56.

[20] What is Anthropology, www.americananthro.org, retrieved 20- 06- 2018.

 

[21] The nature of Anthropology, Field of Anthropology, IB Cultural Anthropology, www.en.wikibooks.org, retrieved 20- 06- 2018.

[22]  بونت بيار وآخرون، معجم الإثنولوجيا والانثروبولوجيا، ترجمة مصباح صمد، المؤسسة الجامعية للدراسات(مجد)، 2002، ص 214.

[23]  شميت شارلوت سيمور ، موسوعة علم الانسان،  ترجمة: د. محمد الجوهري وآخرون، المركز القومي للترجمة، مصر،ط1، 2009، ص56.

[24] Brown K, Pour Témoigner d’un itinéraire Anthropologique, in D. Alberta et M. Tozy, éds., La Méditerranée des anthropologues. Fractures, filiations, contiguïtés, Paris, Maisonneuve et Larose, 2005, pp. 119-127.

[25]  فهيم حسين ، أدب الرحلات، سلسلة عالم المعرفة، المجلس الأعلى للثقافة والفنون، الكويت، العدد 138، يونيو 1989، ص13.

[26]  م. س، ص 43.

[27]  بريتشارد إيفانز، الانثروبولوجيا الاجتماعية، ترجمة : د . أحمد أبو زيد، الهيئة العامة المصرية  للكتاب، مصر،  ط1، 1980، ص 143.

[28]  معجم الإثنولوجيا والانثروبولوجيا، م. س، ص 215.

[29]  من قصة الأرملة مارينا- أحاديث القرية

[30]  من قصة بابا نويل- أحاديث القرية

[31]  من قصة بابا نويل- أحاديث القرية

[32]  من قصة لا يسلم الشرف- أحاديث القرية.

[33]  من قصة  هيكل – أقزام وجبابرة.

[34] من قصة معّاز الضيعة- وجوه وحكايات.

[35]  مفردها ماوية وتعني المرآة.

[36]  من قصة ابن عزرائيل – اقزام وجبابرة.

[37]  رتبة كنسية.

[38]  من قصة كيف تعلمنا- أحاديث القرية.

[39]  البنطلون والقميص مع أو بدون جاكيت.

[40]  من قصة مرفع- اقزام وجبابرة

[41]  من قصة بابا نويل- أحاديث القرية

[42]  من قصة حردان- أقزام وجبابرة.

[43]  “أيتها النساء اخضعن لأزواجكن كما ربنا، فالرجل رأس المرأة كما المسيح رأس الكنيسة” -الرسائل- كتاب جمعت فيه أقوال رسل المسيح.

[44]  من قصة ابو الغنباز – اقزام وجبابرة.

[45]  من قصة لا يسلم الشرف – أحاديث القرية.

[46]  كيف تعلمنا – احاديث القرية.

[47]  أم لطوف – وجوه وحكايات.

[48]  اهلك ولا تهلك.

[49]  من قصة حقًا قام لكن بدون صيام- أحاديث القرية

[50]  من قصة مرفع- اقزام وجبابرة.

[51]  من قصة مأتم قروي – اقزام وجبابرة.

[52]  من مشاكل القرية- أقزام وجبابرة.

[53]  من قصة بابا نويل- أحاديث القرية.

[54]  من قصة السلامة غنيمة- وجوه وحكايات.

[55]  من قصة الناس – وجوه وحكايات.

[56]  من قصة مأتم قروي- أقزام وجبابرة.

[57]  من قصة حجارة الضيعة – اقزام جبابرة.

[58]  جمعها ميامر وهي كلمة سريانية تعني المقال أو القول وهي سير القديسين وأخبارهم، تقرأ ولا تنشد وذات طابع قصصي تعليمي.

[59]  بابا نويل- أحاديث القرية.

[60]  من قصة المسيح حقًا قام- أقزام وجبابرة.

[61]  من قصة يوم عيد الصليب في عين كفاع.

[62]  مار شليطا شفيع البهائم ومار زخيا شفيع الغرقى ومار يوحنا.

[63]  قسمة ونصيب – اقزام وجبابرة.

[64]  من قصة الأرملة مارينا- أحاديث القرية.

[65]  من قصة حجارة الضيعة- اقزام جبابرة

[66]  من قصة بابا نويل – احاديث القرية.

[67] من قصة استسقاء ص 119- أحاديث القرية.

[68]  من قصة مرشد الأخوية- أقزام وجبارة.

[69]  من قصة المسيح حقًا قام- أقزام وجبابرة.

[70]  ملاح مكفي سلطان مخفي.

[71]  لولا الحنانة( العنزة، النعجة، البقرة) والمنانة(الدجاجة) والونانة(النحلة) كانت حالة الفلاح بالجبل تعبانة.

[72]  من قصة ميلاد – اقزام جبابرة.

[73]  أم نخول – وجوه وحكايات.

[74]  كان الفلاح لا يحمل البطن إلا الركب، فالطبيخ والآدام هي مسامير الركب.

[75]  الآدام وتسمى في بعض القرى “الدامة” أي القاورما وهو اللحم  المطبوخ بالدهن.

[76]  من قصة سلالم – أقزام جبابرة.

[77]  بابا نويل- أحاديث القرية.

[78]  “الأرض إن أطعمتها تطعمك، وإذا دينتها توفيك القرش عشرين”.

[79]  من قصة ركبوه العجل- احاديث القرية

[80]  من قصة حجارة الضيعة- اقزام جبابرة.0

[81]  من قصة معلم – وجوه وحكابات.

[82]  جبور بيك- وجوه وحكايات.

[83]  من قصة عيد الصليب في عين كفاع- أحاديث القرية.

[84]  من قصة عيد الصليب في عين كفاع- أحاديث القرية.

[85]  الميل هو وحدة قياس إنكليزية تساوي 1610 أمتار. وتشتق كلمة ميل من كلمة Milia Passuum اللاتينية وتعني  ألف خطوة.

[86]  أشرنا إلى أن عين كفاع تعني بالسريانية العين المخفية، وهي مخفية عن كل عين وبعيدة عن كل أذن.

[87]  من قصة حزبية بلهاء- أقزام وجبابرة

[88]  مرسيا الياد، المقدس والدنيوي، العربي للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، ط 1، 1987، بتصرف.

[89]  من قصة بابا نويل – احاديث القرية.

[90] Reichler, Claude.- La littérature comme interprétation symbolique (in) l’interprétation des textes (collectif).- Paris, Ed. De Minuit, 1989.- p.109.

[91] . Le Petit Robert.- Paris, 1987.- p.74

[92]. Reichler, Claude.- Op.cité.- p.82

[93] Voir Gremias, A.J et Courtes, J..- Sémiotique dictionnaire raisonné de la théorie du langage.- Paris, Hachette, 1979.- p.p.134-136.

[94].DURAND, Gilbert.- Introduction à la mythodologie.- Tunis, CERES, 1996.- p.182

[95] Idem.- p.187.

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.