كتاب جُند وخدم وسراري: الرقّ في المغرب

نتيجة بحث الصور عن جُند وخدم وسراري: الرقّ في المغرب

كتاب: جُند وخدم وسراري: الرقّ في المغرب

المؤلف: محمد الناجي

ترجمة: محمد الغرايب

 

عرض الكتاب بواسطة: نجيب مبارك*

يتناول كتاب “جُند وخدم وسراري: الرقّ في المغرب” للباحث الأنثروبولوجي المغربي محمد الناجي (منشورات فاليا، 2018، ترجمة: محمد الغرايب)، بالنقد تمثّلات مؤسّسة الرقّ في العالم الإسلامي

 وخرافة معاملة العبيد بالحسنى، من خلال النموذج المغربي. وقد عالج الباحث هذا الموضوع استناداً إلى أرشيفات الدولة المغربية في القرنين 19 و20 وما ورد في نصوص الرحالين. فالأمر يتعلق بالحياة اليومية للعبيد في مختلف مظاهرها، كما يتعلق بحياتهم العائلية والعاطفية ومعاملاتهم وإباقهم…إلخ، وأهمية هذه المقاربة تكمن في كونها تكاد تكون غير موجودة في الأدب المتداول، حيث يمكن اعتبار هذا البحث، الصادر في الأصل بالفرنسية، أحد النصوص الرائدة حول الرق في العالم الإسلامي، ولهذا السبب بالذات، تمت ترجمته إلى اللغتين الإنجليزية والإسبانية.

مصادر جديدة عن الرق

يرى الباحث أن على الرغم من معرفتنا بالخطوط الكبرى للرق في العالم العربي، فنحن لا نعلم مع ذلك شيئاً عن دقائق الحياة المادية والعاطفية للعبيد فيه. وذلك بسبب عزوف البحث التاريخي عن التنقيب في مظاهر الحياة اليومية. كما أنّ ضعف أثَر الرق في الإنتاج المادي في تاريخ البلاد العربية، وعدم وجود صراعات عرقية في حاضرها، يفسران قلة الاهتمام بهذه المسألة من المؤرخين. ثمّ إنّ إسباغ المثالية على الماضي له دوره أيضاً في هذا الأمر. لكن هناك سبباً آخر لا يقلّ أهمية عن سابقيه، ويتمثّل في فقر الوثائق المعتمدة حتى الآن.

وإذا كانت هذه الاعتبارات مقبولة بالنسبة للعالم العربي، ففي المغرب لا تتوفّر أيّة دراسات عن هذه المسألة، باستثناء بعض المقالات عن تجارة الرقيق عبر الصحراء، ولم يطرح التساؤل، لأوّل مرّة، عن مكانة الرقّ في المجتمع المغربي إلّا عندما تمّ الاشتغال، من طرف الباحث، على البنيات الاقتصادية والاجتماعية في الجنوب الغربي للمغرب، رفقة السوسيولوجي الكبير الراحل بول باسكون. ولأجل ذلك، التجأ إلى أرشيفات الدولة المغربية، علاوة على المصادر التقليدية، وقد سمح له البحث فيها برصد معلومات دفينة وغنيّة من الدرجة الأولى، وعلى قدر عال من الدقّة، كما أفاد استفادة كبيرة من الفتاوى الفقهية الّتي قدّمت إسهامات لا تقدّر بثمن.

رأي الأنثروبولجي إرنست كيلنر

يعتبر إرنست كيلنر، أحد كبار علماء الأنثروبولوجيا في القرن العشرين، في تقديمه هذا الكتاب أنّ الرقّ من أهمّ المؤسسات الّتي أقامت البشرية صرحها، أي ذلك الشكل من الهيمنة الأكثر تطرّفاً الّتي مارسها الإنسان على أخيه الإنسان، وهي أيضاً الوسيلة الّتي صار بموجبها الإنسان سلعة. ويخبرنا محمد الناجي في عمله أنّ العبيد اعتبروا، في الممارسات المغربية القديمة، فئة أقلّ شأناً من الدّواب، ميزتها فقط الكلام والصيام، لذا نُظر إليهم كعُجم لهم ملكة التّواصل ولهم الاستعداد لأن يكونوا مؤمنين.

وليس هذا التعريف بغريب عن ذلك التعريف الّذي كان سائداً في روما، وكان العبد بموجبه أداة ناطقة. لكن في المجتمع المغربي، الذي مثلّت النجاعة قوامه الاقتصادي والرمزي، عُدّت فيه البهائم أهمّ من الأدوات. ومن الواضح أنّ المغرب لم يكن “مجتمعاً عبودياً” على النحو الّذي يمكن أن يكون فيه الرقّ مؤسسة قاعدية لاشتغاله. لقد كان الرقّ مظهراً صغيراً ونسبياً لهذا المجتمع، وأغلب أشكاله يمكن فهمها من خلال المصطلحات المستعملة في الكتاب: الجند والخدم والسراري، إضافة إلى الأقنان الزراعيين. كما أنّ أشكال العبودية الّتي لها مكانتها في المجتمع التقليدي المغربي، هي أشكال الخدمات البيتية والتسرّي الّتي تمنح البيوت الجاذبية والراحة. بينما دخلت الخدمة العسكرية في هيئة خاصة للعبيد في وقت مبكر من القرن 18.

العبيد في المجتمع المغربي

لم تكن العبودية ممارسة جديدة أدخلها الإسلام إلى المغرب الأقصى وإلى بلاد المغرب عامة، بل إنّ وجودها فيه قديم ويعود إلى زمن الاحتلال الروماني، وربّما كان ذلك بمستويات متفاوتة فيما بعد. ولا نعرف شيئاً كثيراً عن الكيفية الّتي وصل فيها هؤلاء العبيد السود إلى سواحل البحر الأبيض المتوسّط. ولا شيء يدلّ على أنّ التجارة الصحراوية، التي كانت لها أهمية في ذلك الوقت، أمكنها أن تزوّد هذه الأماكن بالعبيد. فحتّى القرن الرابع قبل الميلاد، كانت الصحراء في الواقع حدّاً فاصلاً بين “السود” و”البيض” وسدّاً منيعاً لا يخترقه “البربر” إلا نادراً. وفي القرن الثاني، رفع دخول الجمل هذا الحصار لتعيش الصحراء، الّتي كانت شبه منعزلة وبحراً من الرمال، عصر التجارة الكبرى المنتظمة بصدور القوافل وورودها. ولقد تلقّت هذه التجارة مع الغزو العربي دفعاً حاسماً، فجذب ذَهب السودان وعبيدها قوافل تجار بلاد المغرب.

ظلّ الخدم السود إلى عهد قريب، أي حتّى بداية القرن التاسع عشر، كثيري العدد في المدن، لكنّهم لم يكونوا حكراً على مجتمع المدينة الراقي كما كان شائعاً في مغرب الأمس، بل إنّ الوثائق غالباً ما أتت على ذكرهم في البوادي حتّى إنّ أعدادهم كانت عالية في بعض المناطق. وإذا كانت العبودية قليلة الانتشار في بعض المناطق كجبالة فلأنّها كانت مقصورة على الأسر الغنية، أمّا في ما عداها فإنّ الأمر مختلف. ففي الصحراء كان للبدو من الأثرياء الكثير من العبيد في خدمتهم. وفي سوس، وهو أهم مكان لتوقّف القوافل الآتية من إفريقيا الغربية، ازدهرت سوق العبيد وامتلك الخواص منهم عدداً كبيراً. وإلى جانب البيوتات الكبرى، الّتي مثّلت مراكز “أهل الحلّ والعقد” وكانت شبه إقطاعية ومرتبطة بزوايا تحظى باحترام “المخزن” وتوقيره، قنع القادة الكبار، عموماً، من العبيد بالعشرة وما دون تستّراً على ثروتهم. والقليل من أعوان السلطة هم من وصلوا، في القرن التّاسع عشر، إلى مستويات عليا من امتلاك العبيد، والقليل منهم من تجاوز المائة، وهو ما تشهد به البيانات المخزنية الّتي تُكتب كلّما توفي أحد أعوان الدولة. كما لا يمكن إغفال أهمية التجنيد العسكري في ميليشيات السود منذ القرن السابع عشر في فترة حكم المولى إسماعيل، ومحاولة إحياء هذا التجنيد بعد ذلك في القرن 19.

مظاهر الرق في القرن 19

إن الرقيق الأسود يضرب بجذوره عميقاً في تربة المغرب، ويعود إلى أزمنة موغلة في القدم، إلّا أن هدف الباحث في هذا الكتاب  لم يكن على الإطلاق كتابة تاريخ لهذا الرق، وإنما استرجاع كل جوانب ومظاهر حياة العبيد في القرن التاسع عشر حتى مجيء الحماية الفرنسية، وكشفها. وهذه الفترة، رغم محدوديتها، تضمّ ما يكفي لإبراز حقيقة الرق في تاريخ المغرب. ذلك لأن القرن 19 عرف مستجدات يجب أخذها في الاعتبار، حيث كانت الفوضى جاثمة على أبواب البلاد، وحركة الرقّ في أوجها، والجمعيات المناهضة للرق – التي قامت مقامها الحكومات الأوروبية – تفضح وجود الاسترقاق وتدعو الدول الإسلامية إلى وضع حد له. لكن أركان المؤسسة الرقّية ظلّت أبعد من التأثّر بهذه الدعوات، رغم الضّغط الدبلوماسي المحتشم الّذي مارسه الأوروبيون على المغرب.

والخلاصة، إنّ التصرفات والمواقف وطرائق الإحساس والتفكير التي تكوّنت عبر قرون وتبلورت في الأخير لم تكن لتختفي بين عشية وضحاها. وقد كان السيد والعبد، من أدنى البلاد إلى أقصاها، أبعد ما يكونان عن التفكير في طبيعة العلاقة التي جمعتهما، والتي رسّخها الإسلام في بداية عهده، قبل أن يطرأ التدخل الأوروبي من أجل إلغاء الرق بعد قرون. وعليه فإنّ الدراسة الدقيقة للنصوص الإسلامية المرتبطة بالرقّ تبيّن أن التشريع ظلّ خجولاً جدّاً تجاه هذه المؤسسة. ويسود صمت مُطبق فيما يتعلّق بهذه المسألة، لأنّ الرقّ في المجتمعات الإسلامية لم يكن موضوعاً لنصوص قانونية تُدينه وتُعلن بطلان المراجع الّتي تستند فيها على الفقه الإسلامي.

  • المصدر: موقع ضفة ثالثة    https://goo.gl/ygtGiv

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.