قراءة أنثروبولوجية لظاهرة الوعدة

قراءة أنثروبولوجية لظاهرة الوعدة من طقوس عقائدية إلى تعبيرات حضارية

وعدة الأبيض سيدي الشيخ بالغرب الجزائري

د. محمد مكحلي*

مقدمة:

إن للوعدة وظيفتها ودلالاتها الاجتماعية والدينية هي عادة ارتبطت بالتراث الشعبي وهي ظاهرة عامة عرفها المجتمع ألمغاربي عامة والجزائري خاصة وقد انتشرت في القرى والمدن حيث عمل الناس على إحيائها في مواسم معينة واستمروا في إقامتها فديمومة هده الظاهرة ترتبط ارتباطا وثيقا بالواقع الاجتماعي للناس في إطار هده الإشكالية تسعى هده الدراسة لطرح مجموعة من القضايا والتساؤلات المثارة حول مفهوم الوعدة ارتباطاتها التاريخية والطقسية إطارها الرماني والمكاني وظائفها السوسيوثقافية .

أولا: الوعدة والتراث

يزخر التراث الشعبي بعادات وتقاليد شعبية كثيرة  ساهمت فيها الأجيال عبر عصور مختلفة اتخذت صبغة طقوس مقدسة أصبحت بدلك مشتركة بين أبناء المنطقة أو الجهة و قد تتكرر عدة مرات و في أماكن مختلفة. أضحت هده العادات راسخة في نفوس الأجيال تتوارث جيل عن جيل و شكلت تراثا شعبيا يشترك فيه عامة الناس يطبع سلوكهم و أفعالهم و حياتهم اليومية و يؤثر فيهم فيصبحون مدافعين عنه بمختلف الوسائل لأنه يجسد ماضيهم و ماضي أجدادهم1 و يمثل بالنسبة إليهم الإطار العام الذي يتحركون فيه و قد يأخذ البعض من هده العادات و التقاليد طابع القداسة و يصبح المحافظة عليها من الأهمية بمكان بالنسبة لجميع أفراد المنطقة أو الجهة ( القبيلة)2.

تعتبر ظاهرة الوعدة جزءا من الممارسة الشعبية الدينية ، و هده بدورها تمثل جزءا من نظام الدين في ثقافة المجتمع الجزائري ، إن أهم ما يميز ظاهرة الوعدة أنها تجدرت في السلوك الاجتماعي و المخيال الشعبي ، لقد أصبح أدائها ملتبسا بكل السلوك الاجتماعي و انساقه الثقافية و هو يتم بشكل لا شعوري أي بشكل لا يستدعي تفكيرا حول مغزاه أو مدى معقوليته و عليه فدراسة هده الظاهرة أنتروبولوجيا يقتضي التركيز على جانبين هامين فيها :

الأول: كونها سلوك و تعبير عقائدي يترجم عن بعض الحاجات الفردية و الاجتماعية.

الثاني: إنها ظاهرة حضارية دات أصول و جذور منها امتدت فروعها تشعبت و تشابكت لتصبح راسخة في اللاّ شعور الفردي و جزءا من نسق الدين و عنصرا من عناصر الثقافة في المجتمع الجزائري3.

 

الوعدة الطقس و الظاهرة:

إن كلمة طقس « Rite » مشتقة من الكلمة اللاتينية « Ritus » و هي عبارة تعني عادات و تقاليد مجتمع معين كما تعني أنواع الاحتفالات التي تستدعي معتقدات تكون خارج الإطار التجريبي4، تكمن دعوة الطقس في إثبات استمرارية الحدث التاريخي الشهير فهو يميل إلى تكريس ديمومة الحدث الاجتماعي أو الأسطوري الذي أوجده فهو استنادا إلى دلك إعادة خلق و تحيين لماض غامض غالبا لكنه يأخذ معناه عند الدين يستخدمونه على انه فعل ديني5.

يشير» فان درلو« « VAN DERLew » عندما يتحدث عن الطقس بأنه إحياء و تحيين لتجربة مقدسة و يضيف بأن الطقوس أساطير تتحرك لأن الأسطورة هي مؤسسة الفعل المقدس فهي تسبقه و تضمن بقائه6 و عليه إن ممارسة الطقس التقليدي تبدو قريبة في الوسط الريفي إلى المعتقد الديني أكثر منه في الوسط المدني ، و من جهته يرى نور الدين طوالبي أن التطبيق الشامل للطقوس العامة ليس قبل كل شيء سوى برهان إضافي على التعلق الشعبي  بالدين فهو في دلك مقبول شرعا باعتباره إرادة جماعية تسعى نحو إعادة الاعتبار للتقاليد و على الأخص للإسلام7.

 

دور الوعدة و وظائفها في المجتمع :

يزخر التراث الشعبي بعادات و تقاليد شعبية كثيرة ساهمت فيها الأجيال عبر عصور مختلفة و اتخذت صبغة طقوس مقدسة كالذبح و هو ما يقابله عند العامة ما يعبر عنه بالذبح على العتبة عند دخول الدار بعد بنائها أو شرائها أو النشرة و هي في لسان العوام ما يتخذ من ذبيح من الدجاج غالبا تقربا إلى الجن كي يرفعوا داءهم عن المصاب بهم و لا يذكرون اسم الله على الذبيحة ارضاءا للجن8. و ضمن هذه الطقوس يمكن الإشارة إلى

إقامة الزردات بمناسبة ختان أو الاحتفال بالزواج مع ما يتطلبه ذلك من إتباع طقوس معينة لإقامة العرس كليلة الحناء و العادات المتصلة بها و يوم العرس و ما يتخلله من رقص إلى غير ذلك من الأمور التي أصبحت مشتركة بين أبناء المنطقة أو الجهة و قد يتكرر الفعل عدة مرات و في أماكن مختلفة و هناك عادات أخرى كاتخاذ المزارات و التبرك بها و تعليق الخرق على أشجار السدر و البطم و تقديم الشموع و المباخر إلى الأضرحة9.

و في المعتقدات العامة فإن الولي حينما يموت تظل روحه تنتقل بكل حرية في كل مكان و لقضاء حاجة فعلى الطالب أن يستنجد باسمه ليتم له ما أراد و هذا الفعل كثيرا ما يلجأ إليه الناس أثناء وقوع المصائب و الكوارث فيستنجدون بالولي الصالح سلطان الأولياء و قد أضحت هذه العادات راسخة في نفوس الأجيال تتوارث جيل عن جيل و شكلت تراثا شعبيا يشترك فيه عامة الناس يطبع سلوكهم و أفعالهم و حياتهم اليومية و يؤثر فيهم فيصبحون مدافعين عنه بمختلف الوسائل لأنه يجسد ماضيهم و ماضي أجدادهم و يمثل بالنسبة إليهم الإطار العام الذي يتحركون10 فيه لقد أخذ البعض من هذه العادات و التقاليد طابع القداسة و أصبح المحافظة عليها من الأهمية بمكان بالنسبة لجميع أفراد القبيلة فالاحتفال السنوي الذي يقام على شرف شيخ الزاوية أو صاحب الضريح كثيرا ما يشكل ظاهرة مقدسة بالنسبة للقبيلة و التي لا يجب تركها بل إقامتها في الوقت المحدد مما يؤدي إلى ترسيخها في أفكار البسطاء كواجب مقدس تجاه الولي11.

إن مصطلح الوعدة في اللغة العربية مشتق من فعل وعد و تعني تعهد بشيء ما أي ااخذ على عاتقه شيء ما و الوعدة عبارة عن احتفال ديني يقوم به أشخاص من سلالة الولي و التابعين له حيث يأتون للزيارة بلوازم التنظيم12 و الوعدة كطقس نجدها في الجزائر تأخذ هالة روحانية تتمثل في شيء مقدس و في ممارسات تنم عن اعتقادات أقل ما يقال عنها أنها تكفير عن الخطايا و التوسل إلى الله لرفع المظالم إن المقدس كظاهرة اجتماعية فهو محكوم بالدلالات و الرموز التي تتشكل بفعل المخيلة الاجتماعية13.

إن مفهوم الوعدة لم يحسم فيه بعد نظرا لغياب الدراسات الأنتروبولوجية الجادة في هذا المجال إلاّ أنه لا يستبعد فرضية أن تكون الوعدة حديثة العهد ترتبط بسقوط غرناطة و بأهلها ( الموريسكيون) الذين هجروا الأندلس و استقروا بشمال إفريقيا بما في ذلك الجزائر14 و باتت ظروفهم الجديدة تحتم عليهم تجديد موعد للتلاقي و كان ذلك مع نهاية فصل الصيف و بداية فصل الخريف و عند التقاء الجموع كانت تنصب الخيام و تذبح الذبائح تتخللها قراءات شعرية و موسيقى و رقص الذي اشتهر به المجتمع الأندلسي خاصة في مجال التو شيح و الزجل و غيرها من الفنون و عند انتهاء اللقاء الذي كان يدوم لأيام و يأخذ شكل الاحتفال الشعبي تفترق الوفود ضاربة لنفسها موعدا للعام المقبل في نفس الموسم و المكان و من هنا أخذ الاحتفال اسم الوعدة و ربما كانت في الأصل (الوعد) ثم تأنثت التسمية مع مرور الزمن تماما مثل ما تغيرت أمكنة و أزمنة حدوثها مع تغيير أحوال المجتمع الجزائري15 .

ظاهرة الوعدة أو الزردة عادة من هذه العادات التي ارتبطت بالتراث الشعبي و هي في الواقع ظاهرة عامة عرفها المجتمع الجزائري على اختلاف تسميتها من منطقة لأخرى و قد انتشرت هذه الظاهرة في القرى و المدن حيث عمل الناس على إحيائها في مواسم معينة و استمروا في إقامتها اعتقادا منهم أن عدم إقامتها قد تؤدي الى تأخير نزول الغيث أو زوال البركة فديمومة هذه الظاهرة ترتبط ارتباطا وثيقا بالواقع الاجتماعي للناس الذي يرتكز بدوره على الفلاحة المورد الأساسي للفئات العريضة من السكان16 و عليه  فهي مؤطرة بالزمان و المكان، لقد لعبت الوعدة دورا كبيرا في الحفاظ على الشخصية الوطنية و على التماسك الاجتماعي للسكان17 و ذلك من خلال الوظائف التي اطلعت بها أثناء الاحتلال الفرنسي للجزائر ففي مقابل وظائف الهياكل الحكومية للاستعمار الفرنسي حافظت على عناصر و أدوار خاصة بثقافة الأهالي و قيم و تراث الأجيال السابقة لتشكل هوية مختلفة كل الاختلاف عن هوية الثقافة الغربية التي يحملها المستعمر و التي يريد أن يحل محل الثقافة المحلية كما استطاعت أن تصون عناصر أساسية في التراث الشعبي و تزيد من ترسيخها في أفكار الناس بكيفية مكنتهم من مقاومة الغزو الثقافي الاستعماري و حافظت على التواصل و التلاحم بين أفراد الشعب18.

 

الخاتمة :

 

إن التقاليد و العادات التي تشكل الإطار العام الذي يتحرك فيه سلوك الأفراد و تنعكس على تصرفاتهم لا يمكن تصنيفها إلى تقاليد إيجابية و أخرى سلبية لأنها كل متكامل لا يعرف سمينها إلاّ بغثها فقد شكلت الحاجز الواقي أمام المحاولات التغريبية و الإستيلاب الثقافي بفضل تحصينها ضد الاستعمار الفرنسي و ضد الغزو الثقافي المسيحي من مقارنة هذه الممارسات نستنتج أن الوعدة تخدم أبعاد معرفية متكاملة هي:

  • ربط المفاهيم و التطلعات بمعطيات الواقع
  • حصول الفرد على مفاهيم تتناسب مع مفاهيم الجماعة.
  • النظام، الوحدة، التناغم و التناسق.
  • روح التنظيم والموافقة و التراتبية.

 

 

1-     بوشمة معاشو : المرجع السابق ص24.ينظر احمد بن احمد : المرجع تاسابق.

2-     نفسه.

3- نفسه

4-     طوالبي نور الدين : الدين، الطقوس، التغيرات، منشورات عويدات و ديوان المطبوعات الجامعية 1988 ص 147.

5-     المرجع السابق ص ص 34-35 ينظر مكحلي محمد سيدي بلعباس اابوزيدي ولي و ولاية دراسة تاريخية أنتروبولوجية، رسالة ماجستير، جامعة تلمسان 2000.

6-     نور الدين طوالبي المرجع السابق.

7-     نفسه.

8-     مبارك الميلي : الشرك و مظاهره، المؤسسة الوطنية للكتاب الجزائر 1984، ص 237، ينظر طوالبي نور الدين المرجع السابق ص 128.

9-     مبارك الميلي : المرجع السابق ص 229.

10-     نفسه ص 229 ينظر أحمد بن أحمد المرجع السابق.

11-     نفسه .

12-     بوشمة معاشو: سيدي غانم تراث و ثقافة ص13 ينظر مكحلي محمد المرجع السابق ص 101.

13-      المرجع السابق

14-      نفسه ص15.

15-      نفسه

16-     ينظر مكحلي محمد ص101.

17- بوشمة معاشو: سيدي غانم تراث و ثقافة، دار الغرب للنشر و التوزيع، وهران، 2002، ص ص 22-23 ينظر أحمد بن أحمد ظاهرة الوعدة د راسة أنتروبولوجية : رسالة ماجستير تلمسان معهد الثقافة الشعبية 1998-199.

18- المرجع السابق.

 

 

*أستاذ محاضر- قسم التاريخ- كلية الآداب و العلوم الإنسانية- جامعة الجيلالي اليابس- سيدي بلعباس الجزائر

المصدر :

مجلة علوم انسانية WWW.ULUM.NLالسنة الرابعة: العدد 32:ك2 (يناير) 2007 – 4th Year: Issue 32, Jan:

رأيان حول “قراءة أنثروبولوجية لظاهرة الوعدة”

  1. بسم الله الرحمن الرحيم
    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد الصادق الأمين، وعلى آله وأصحابه، ومن سلك سبيله واهتدى بهداه إلى يوم الدين. أما بعد: .

    لقدجاء في منشور جمعية العلماء المسلمين الجزائريين إلى الأمة الجزائرية المسلمة
    (( إن اللحوم التي تأكلونها في هذه الزردة حرام لأنها مما أهل به لغير الله وإن اللقم التي تأكلونها هي ثمن لضمائركم وإن هذه الأعمال كلها لعب بكم وسخرية بدينكم وفضيحة لكم أمام الأجانب )) انتهى
    وأقل ما في هذه الزردة (( الوعدة )) أن الناظر فيها يجد قد إستجمعت ألوان وأشكال من المخازي والفضائح والمعاصي من الإسراف والتكلف والاستدانة ثم الملاهي المنهي عنها من تطبيل وتزمير ثم مظاهر الهمجية والبدعة من رقص وصياح وتخبط كالذي يتخبطه الشيطان من المس ثم صريح الفسوق من شرب الخمر والاختلاط بالنساء والاختلاء بهن والتصوير ثم تسجيل أشرطة الفيديو ونشر ذاك الفيديو الفضائح والمخازي الشركية والبدعية في الدنيا كلها وبخاصة هذه الآونة الأخير في الانترنت ليقول للعالم : هذا هوالإسلام وهؤلاء هم المسلمين.
    ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
    و من علمائنا الذين تكلموا في الوعدة و الزردة :
    ـالشيخ العلامة محمد البشير الإبراهيمي رحمه الله
    ـ الشيخ أحمد حماني رحمه الله

    رد
  2. موضوع جميل جدآ
    بس انا كنته محتاجه للتوثيق بالكامل للمرجع نمبر 1 بوشمه معاشو ..

    رد

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.