الأنثروبولوجيا الدينية

dinia

الأنثروبولوجيا الدينية

 ليث عبد الحسين العتابي

 

إن ( الأنثروبولوجيا الدينية ) هي : دراسة متعمقة للشعوب و معتقداتها ، و كيف تعمل هذه المعتقدات في التشكيلة الثقافية لشخصية الإنسان في المجتمع المعني أو المجتمع تحت الدراسة ، و في هذا المضمار لا تشكل الأنثروبولوجيا الدينية دراسة لاهوتية ، و لا تشكل أيضاً دراسة حول الحقيقة الإلهية للدين ، بقدر ما هي دراسة للإنسان ، ما يعتقد به و ما يشكل بالنسبة له حقيقة مطلقة .

ان الديانة و المعتقدات ليست أشياء مادية نتعامل معها ، و ربما أن مثل هذه المفاهيم المعنوية تتشابك مع مفاهيم معنوية أخرى نتعامل معها كالعادة ، و القيمة ، و المعيار ، و الأخلاق ، و غيرها . جميع هذه مفاهيم غير مادية لا نعرفها إلا من خلال الكلمات و السلوكيات التي تدل عليها و تشير اليها .

فالمعتقد ليس شيئاً حسياً نستطيع وصفه فهو شيء لا يعرف إلا بما يعبر عنه صاحب المعتقد أو ما نفهمه من صاحب المعتقد نفسه .

و لقد وقع الأختلاف في الآراء حول مدى التفاعل ما بين الدين و الثقافة ، و هل أن الثقافة ترتكز على الديانة و أن الديانة هي أصل الثقافة ؟ أم أن الديانة هي احدى المكونات لثقافة الفرد و المجتمع ؟ . ذلك لأن الديانة في لحظة ما تصبح منسوجة بالثقافة ، كما و أن الثقافة تصبح مندمجة مع الرؤية الدينية بحيث يصعب الفصل فيما بينهما .

كما و أن التركيز في الانثروبولوجيا الدينية يقع على مفهوم الحضارة أكثر مما يقع على مفهوم الديانة لأن الحضارة التي توجد فيها الديانة أو ديانة ما هي التي تحدد طبيعة هذه الديانة ، و يمكننا أن نذهب إلى أبعد من ذلك لنقول : ان اهتمام الانثروبولوجيا الدينية يتركز على الخصائص الاجتماعية للدين . و عندما نتكلم عن الديانة هنا فإننا نتكلم عن ديانة مجموعة إنسانية لها ثقافة معينة كما هو الحال في الحديث عن الحضارة . و الديانة هي دائماً ديانة مجموعة معينة من الناس ، فحين نتكلم عن ديانة الفرد فإننا نفكر بديانة الجماعة التي ينتمي إليها ذلك الفرد و التي يشاركها حضارتها أو ثقافتها . و من المؤسف له أن كثيراً من المفكرين يغفلون عن أهمية الارتباط بين ظاهرة الـدين و جماعة معينة مـن الناس .

لقد شكلت الظاهرة الدينية محوراً اساسياً في الدراسات الرائدة في العلوم الاجتماعية  مثل علم الاجتماع والانثروبولوجيا ، وذلك لان الرواد الأوائل لهذين العلمين في أوربا كانوا مدفوعين بدافع البحث عن بدائل للانهيارات في المؤسسات الدينية بسبب الثورة الصناعية و الثورة السياسية التي حصلت منذ منتصف القرن الثامن عشر ، وكأنهم كانوا يبحثون عن علم اخلاق بديل للاخلاق التي كانت تفرضها المنظومات الدينية .

ان المادة التي استخدمها العلماء الرواد في مجال الانثروبولوجيا ودراسة الظواهر الدينية ، هي تقارير استخدمها هؤلاء العلماء من اجل تثبيت نظرياتهم .

ان هذه التقارير لم تكن مليئة بالمغالطات فحسب ، بل لقد كانت انتقائية تماماً وهذا هو صلب الموضوع . فالرحالة و المغامرون و الضباط الاستعماريون كانوا يبحثون عن كل ما هو غريب و جذاب وملفت للمجتمع الغربي ليركزوا عليه ملاحظتهم و مذكراتهم ، و هكذا كان للسحر و الطقوس الدينية البدائية و الغيبيات الحصة الاكبر في هذه الكتابات ، بل نستطيع القول انها شكلت تسع اعشار دراسة المجتمعات البدائية[1] .

كما وان اعتماد الرواد على ( التاريخ الظني ) او الافتراضي اوقعهم في كثير من الاخطاء ، لانهم كانوا يحاولون رسم خط التطور التصاعدي للمجتمعات الانسانية من اوطأ درجات سلم التطور الذي اعتبروا اولى  خطواته هي المجتمعات البدائية المعاصرة لهم ، و تعاملوا معها على انها نوع من المتحجرات الاجتماعية ، معتمدين على طريقة قياس اثبت خطلها ، و هي ان المجتمعات المتخلفة تقنياً لابد و ان تكون نظمها الاجتماعية بدائية مثل تقنياتها ، بينما اثبت العلماء اللاحقون ان كثيراً من نظم و انساق المجتمع البدائي كانت متطورة و عملية ، فالفن البدائي مثلاً متطور اذا ما تعامل معه الناقد بموضوعية ، و كذلك نظم الادارة و الحريات الفردية التي يعيشها الفرد في ضمن بدنته الاجتماعية[2] .

 

المراجع

[1] : نظريات الدين البدائي ، ادورد ايفان ايفانز بريتشارد ، ص 152 .

[2] : البدائية ، اشلي مونتياغو ، ص 250 ـ 252 .

رأي واحد حول “الأنثروبولوجيا الدينية”

  1. أحمد بوطبة باحث في الدراسات اللاهوتية وعلم الكونيات من جامعة الزيتونة أريد أن أطلب منكم أستاذ مبروك بوطقوقة المساعدة في إعداد ورقة عن “انثروبولوجيا دينية عربية” إن كان بالإمكان وشكرا لتعاونكم مسبقا.

    رد

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.