الأحلام – مقاربة إثنوغرافية 4

lucid-dreaming-1-300x240

شعب الشمال:[1]

لقد اختلفت التسميات، بين شعب الشمال، والسكندنافيون، والفايكنغ، وإن عنت كلها نفس الشعب. وقد اخترت تسمية شعب الشمال، لأنها أشمل من أي مصطلح آخر.

ينتمي شعب الشمال، إلى العرق الجرماني، الذي كان يعيش في شمال غرب أوروبا، ومن حوالي ألفي سنة قبل ميلاد المسيح، انتقلوا من أماكن سكنهم إلى ما يطلق عليه اليوم الدانمارك، النروج،  والسويد.

يتم تصويرهم عادة أنهم قراصنة شرسون ومحاربون أرعبوا أوروبا في العصور الوسيطة [مسلسل الفايكنغ –Vikings– مثال]. لكن هذا الشعب امتلك مواهب عدة من بينها: الفن، رواية الحكايات، والشعر.

لعب الدين دورًا هامًا في حياتهم. وقد تعبدوا لعددٍ من الآلهة، أهمهم، أودين (Odin)، تور (Thor)، وفراي (Frey).

أودين المعروف أيضًا بالإسم وودين (Weden)، كان ملك كل آلهة وآلهات الشمال. كان إله الحرب والموت، وسمي يوم الأربعاء (Wednesday = Weden’s Day) بهذا الإسم تكريمًا له.

تور، حاكم السماء، إله البرق، الرعد، المطر، العواصف، والرياح. ,ومن أكثر الآلهة شعبية (اليوم هناك قصص كرتونية له/عنه، كما أفلام)، لأن سيطرته على الطقس كان لها تأثير كبير على حياة الناس. وكانوا يصلون له لحصاد وحظ جيدين. وسمي يوم الخميس (Thursday = Thur’s Day) تكريمًا له.

فراي، إله الزراعة والحب، ويؤمّن تواجده وتور معًا نجاح الموسم، ومباركة الزواج، وسمي يوم الجمعة (Friday = Fri Day) تكريمًا له.

أدت حملات التنصير الإجبارية إلى القضاء على دين “الشمال” وفي جعل المسيحية الديانة الرئيسية في سكاندينافيا منذ بدايات 1100 ميلادية.

ويظهر هذا من أحلامهم، حيث تمت محاكمة من يشارك أحلامًا عن دينه الأصلي، وتم إعتماد سردية ضعف الآلهة السابقة، إذ ظهر “تور” لعضو لم يعمّد بعد، إلا أن الحالم وبّخ تور العاجز إزاء الإله الجديد، فاختفى لتوه، ممتلئًا حزنًا وغمًا. وفي مرة أخرى هدد حالمًا معمّدًا، بيد أن الحالم تمسك بديانته الجديدة، مع أن تور نفذ تهديده بقتل قطيعه وتحطيم مركبه على الصخور.[2]

ومن الملفت للنظر أنه لا يظهر في الحلم السكندنافي غير الموتى، فمن لا يزال حيًا كان يعجز عن الظهور في الحلم إلا بصورة حيوانية.

ومع أن الأحلام كانت عمومًا مشؤومة ومتجهمة، كان يسود الإعتقاد بأن من لا يحلمون أبدًا يعانون من مرض حقيقي، كما تشهد على ذلك قصة ابن امرأة غنية فقد ذاكرته وأصبح مخبولًا. ولم يُدهش ذلك الملك الذي قال للمرأة:”أعتقد أني أعرف ما ينقص ابنك، فهو لا يحلم أبدًا، وهذا لا يعود بالخير على أحد، لأنه ضد طبيعة الإنسان أن لا يحلم”.

وكان يحدث أن يُساء استخدام الأحلام، مما يثبت إلى أي حد كانت شعوب الشمال تؤمن بها. كمثل بنّاء لم يكن يرغب في ترميم اسطبل، فزعم أن عملاقًا منعه في الحلم من اقتطاع الحجارة في الجبل. وهكذا تجنب تنفيذ الطلب بإعطاء سبب معقول جدًا.[3]

*** *** *** *** *** *** *** *** ***

الكالابالو (Kalapalo)[4]

هم هنود وسط البرازيل، يتكلمون لغة الكاريب (Carib)، ويقل عددهم عن مئتي نسمة.

تجربة الحلم عند الكالابالو هي تجربة حياة تطلق الذاكرة والخيال. وتفهم الأحلام باعتبارها “عملية” (process) وليس مجموعة حوادث منفصلة غير مترابطة. وتفسر بإرجاعها إلى مستقبل الحالم.

تحدث الأحلام عندما تستيقظ “أكوا” (akua) [أي النفس المتفاعلة] أثناء النوم، وتتجول حتى حدوث التجربة. هذه التجربة نشِطَة، على عكس الحالة السلبية والخاملة للحالم. كما يحدث الحلم  أيضًا، عندما يزور كائن جبار، الحالم. مثل هذه الإتصالات المتواترة مع الكائنات الجبارة لها أهميتها للحالم، إذ بعد فترة من هذه التجارب، مع تدريب طقوسي معين، يصبح هذا الحالم شامانًا.

يؤمّن الحلم للكـالابالو، نماذج مفيدة لتشـكيل علاقات وأدوار جديدة، أو بكل بساطة، مشاعر جديدة ومختلفة تجاه بعض المسائل.

*** *** *** *** *** *** *** *** ***

المصريون القدماء:

546546

يعتبر المصريون القدماء أن الأحلام رسائل موجهة من الآلهة، وتتخذ واحدًا من أدوار ثلاثة: الأول، تطلب من الحالم كفّارة عن إثم ارتكبه في عالم اليقظة؛ الثاني، تنذره ببعض الأخطار التي ستحدث له؛ والثالث، تجيبه عن بعض الأسئلة التي يبحث عن إجابة لها.[5]

وقد انتشرت عبادة الإله “سيرابيس” [إله الأحلام عند المصريين] في مختلف أنحاء مصر، ولعل أشهرها هو سيرابيوم ممفيس الذي بني حوالي عام (3000 ق.م.)، وكان يقيم في هذه المعابد بصفة دائمة أشخاص يحترفون تفسير الأحلام.

إضافة لهذا، كانت تتم في هذه المعابد ما يمكن أن نطلق عليه تسمية “الإستخارة عن طريق الأحلام”، أي أن ينام شخص ما فيها بغية رؤية أحلام معينة.[6]




[يتبع]




الهوامش:

[1] Robert O. Zeleny (ed), The World Book Encyclopedia, U.S.A., World Book Inc., 1992, vol 20, p.p 421, 422, 423.

[2] م. بونغراكز وج. سالتز، الأحلام عبر العصور (معجم تفسير الأحلام)، ترجمة: كميل داغر، بيروت، دار النهار للنشر، 1983، ص 104.

[3] م. ن.، ص.ص 103، 105، 106 (بتصرف).

[4] Ellen B. Basso, The implications of a progressive theory of dreaming, In: Barbara Tedlock (ed), Dreaming (Anthropological and Psychological Interpretations), Santa Fe/New Mexico, school of American Research Press, 1st ed, 1992, p.p 88,89,90,96.

[5] محمد الجوهري، علم الفولكلور (الجزء الثاني – دراسة المعتقدات الشعبية –)، الإسكندرية، دار المعرفة الجامعية، 1990، ص.ص 286.

[6] م. ن.، ص.ص 286، 287.

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.