أنثروبولوجيات خارج المكان.. أزمة العلوم الاجتماعية عند السعوديات

الرياض ـ أحمد الواصل :
طرح إدوارد سعيد مقولة «خارج المكان» التي وضعها عنواناً لكتاب سيرته الذي كان آخر مؤلفاته، غير ما صدر له من كتب تكونت من مواد مجتمعة لحوارات ومقالات متفرقة لاحقاً.
وفي هذه المقولة تتمثل مفردات عدة من حالات اغتراب المثقف العربي، وهذا الاغتراب وضعه المحلل الاجتماعي حليم بركات ضمن أطر تتكون داخل المجتمع وخارجه، ولكن تتمثل القسوة عندما يحدث الاغتراب الاجتماعي ويؤثر على النفسي والذاتي، ومنه يتحول إلى مشروع منفى ويؤدي إلى الهجرة أو التهجير.

ونعرض هنا لما يتخطى هجرة أصوات باحثات سعوديات في مجال الأنثروبولوجيا احد العلوم الاجتماعية الغائبة عن أقسام كليات الآداب في جامعاتنا، حيث يداور علم الاجتماع نفسه في دائرة تَطْغ.يَة- أو طغيان- الخدمة الاجتماعية، فيما يتضاءل دور علم النفس وعلم الاجتماع، وهذا ما يشكل أزمة كبيرة في التعليم الجامعي داخل معظم الدول العربية لا دول الخليج فحسب.
ويذكر ما تعرض له خلدون النقيب كأحد علماء الاجتماع السياسي عندما أصدر كتابه «المجتمع والدولة في الخليج والجزيرة العربية (من منظور مختلف) 1989» (أعيدت طباعته 2008) إثر مشروع دراسي كبير تبناه مركز دراسات الوحدة العربية.
ولا يخفى ما تعرضت له الشاعرة فوزية أبو خالد التي تخصَّصت في علم الاجتماع، من إبعادها عن القسم إثر ما حدث عام 1988 (ما اصطلح على تسميته مجزرة الحداثة ) من تلبية لأجندة التيار الإسلاموي، ولكنها ستتابع دراستها خارجاً، وستلحق بها القاصة والروائية بدرية البشر التي لما أصرت إحدى المؤسسات الرسمية عند نشر أطروحة الماجستير «الحياة الاجتماعية في نجد» أن تقتص منها الكثير، رفضت نشرها ثم أكملت دراستها في بيروت وتعيش الآن في دبي.
تعد ثريا التركي أولى المتخصصات في الدراسات الأنثروبولوجية، درست الأدب العربي في الجامعة الأميركية في القاهرة، ثم تحولت إلى دراسة «الأنثروبولوجيا» من الجامعة نفسها، ثم أكملت في جامعة كاليفورنيا ـ بركلي، ودرست في جامعة هارفارد ولوس أنجلوس ـ كاليفورنيا وجورج واشنطن ـ بنسلفانيا، وجامعة الملك عبد العزيز ـ جدة والملك سعود ـ الرياض، وهي أستاذة في الجامعة اللبنانية، والآن في الجامعة الأميركية ـ القاهرة ومتزوجة من أستاذ في العلوم السياسية يعمل في الجامعة ذاتها.
قدمت كتابها الأول «بالإنكليزية» ثم ترجمه جلال أمين «عنيزة : التنمية والتغيير في مدينة نجدية عربية» بمشاركة دونالد كول (1991، مؤسسة الأبحاث العربية)،و هو أول دراسة أنثروبولوجية ميدانية للتحول الاجتماعي الذي طرأ على مجتمع محلي في المملكة العربية السعودية منذ الرواج الاقتصادي، مجتمع عنيزة (محافظة القصيم)، عالجت فيه العنصرين العائلي والتجاري في عنيزة، وبحثت في التغيرات التنموية التي تضمنت قيام المملكة العربية السعودية بصورتها الراهنة، هذه الدولة التي ضمت في بنيانها مدينة عنيزة.
اشتركت التركي مع عالم الاجتماع أبو بكر باقادر وتلميذته آمال طنطاوي وفريق باحثات لإنجاز كتاب «جدة أم الرخا والشدة» (2006، دار الشروق) فسعت هذه الدراسة لتحليل تاريخ جدة الاجتماعي من خلال تحليل تاريخ الأسرة فيها. ومن ثم انصب اهتمام الدراسة على تمعن التحولات التي طرأت على حياة الأسرة عموما، والمرأة بصفة خاصة، كأحد أهم أضلاع الأسرة، آخذة في الاعتبار السياقات الاجتماعية والاقتصادية العامة والسياسات الموجهة للحياة الاجتماعية لأهل جدة.
فيما يعلق المحلل الاجتماعي من جيل لاحق عبدالله المحيميد حيال كتابيها فيعرض بقوله: «من يقرأ كتاب «عنيزة التنمية والتغيير» الآن يرى ان نبوءاته الاستشرافية لم تتحقق وان موضوعه وقف على حدود الانثربولوجيا، بمعنى آخر ان الكتاب ليس كتاباً يمكن تصنيفه في خانة «علم المستقبليات»، بل انه ظل عالقاً بلا شيء لأن الاسناد النظري حد من عملية الغوص الانثربولوجي، وكتاب «جدة أم الرخا والشدة» وقع في المطب النظري نفسه، فالمؤلفان استندا الى نظرية في الحداثة وهي «الحداثة حالة تنم عن تغيير واع» هذه النظرية تتكئ على مقولة ان الحداثة هي خصم تاريخي يمكن تحديد خصائصه وانها أي الحداثة عرضة للتقلبات التاريخية وتغيير موازين القوى، في حين ان الحداثة قدر تاريخي أصيل لا حول لنا أمامه ولا قوة ومد جارف وحركة مكتسحة» كما يذكر عبدالسلام بن عبدالعالي.
هذه النظرية التي اعتمدها المؤلفان أضرت بالكتاب كثيرا، بل كشفت عن روح محافظة حين تم استبعاد شريحة كبيرة من الأجانب الذين يسكنون جدة ولم تشملهم الدراسة، رغم ان الكتاب يصف جدة بأنها مليونية، وانها مدينة كوزموبولوتية.
وأنجزت الكاتبة كتبا أخرى ودراسات كثيرة حيال المرأة والأسرة في السعودية ومصر، وأصدرت كتابها الأخير عن المرأة من الطبقة الدنيا «هكذا تكلمت النساء» (2006، دار ميريت)، وتعد مشروعا جديدا عن التجربة الثقافية في المملكة العربية السعودية تندرج في إطار تاريخ الأفكار.
وتأتي تلميذتها الشاعرة والباحثة فوزية أبوخالد، وهي أستاذ مساعد في علم اجتماع المعرفة (الخطاب السياسي والثقافي/ المرأة)، التي عرفت ككاتبة وناقدة في المجالات الاجتماعية والسياسية والثقافية، فلها مقال أسبوعي بجريدة الجزيرة. وكشاعرة لها خمس مجموعات شعرية مترجمة للإنكليزية، الفرنسية، الألمانية، الأسبانية، والإيطالية. وتكتب أدبا للطفل وبحوثا، ومنها «أثر النفط في المجتمع السعودي» (مجلة المستقبل العربي 1990) ثم أعيد نشره في كتاب جماعي «المرأة العربية بين ثقل الواقع وتطلعات التحرر» (مركز دراسات الوحدة العربية 1999)، وهناك شهادات على مستوى الكتابة والتجربة، كما صدر لها في مجلة الكاتبة 1993، ثم تجربة الكتابة في الصحافة نشرتها في مجلة قوافل 1996 و2007، بينما تبقى الصدامات الثقافية بصدور أول دواوينها الشعرية: «إلى متى يختطفونك ليلة العرس» 1973، الذي نشرته قبل إتمامها العشرين من عمرها، طارحة فيه عبر مجازات كثيرة قصائد في الحرية والعروبة والمرأة الأخرى، وأثنت عليه الناقدة السورية خالدة سعيد، حينها كانت أبوخالد طالبة في بيروت بجانب مختبر الحداثة العربية، وتوالت دواوينها عن دار العودة: أشهد الوطن 1982، قراءة في السر لتاريخ الصمت العربي 1985، ثم عن دار الجديد ماء السراب 1995، وصدر الأخيران عن دار الخيال شجن الجماد 2006، تمرد عذري 2008. وبقيت احد خصوم التيار الإسلاموي، حيث هوجمت مع الشاعرة المحتجبة خديجة العمري إزاء مشاركاتهما في مهرجانات شعرية في الكويت والعراق وظهرتا دون غطاء وجه أثار حنق تلك الجماعات من منابر ومنارات المساجد، ولاقت أبوخالد خلال العام الماضي تهديدا ووعيدا من أحد مساجد حائل، حيث تشارك في أمسية بناديها!
البشر تفكك الحالة النجدية
وأما القاصة والكاتبة الاجتماعية بدرية البشر المولودة في الرياض، وزوجة الممثل السعودي المشهور ناصر القصبي، فاهتمت ضمن جيلها من القاصات والشاعرات والكاتبات بموضوع المرأة والعلاقات الاجتماعية ضمن مجموعتيها القصصيتين: نهاية اللعبة (دار الأرض 1993)، مساء الأربعاء (دار الآداب 1994) التي ترجمت للفرنسية عام 2002 عن دار هرماتان الفرنسية.
كتبت البشر في جريدة اليوم بالدمام زاوية أسبوعية (نصف الضجيج) 1991 – 1993، وهي تكمل دراساتها العليا في علم الاجتماع واضعة أطروحة عن «الحياة الاجتماعية في نجد – دراسة سوسيولوجية تحليلية» وأثبتت فيها عبر دراسة موسعة للحكايات الشعبية (السوالف والسباحين) التي جمعها كل من عبدالكريم الجهيمان ومحمد العبودي في موسوعات نشرت منذ الستينات والسبعينات من أنحاء قرى وبلدان نجد لتدرس البنية الاجتماعية والسياسية والثقافية وتكشف عن أثر وتأثير قوى القبيلة في الإرث التاريخي والاجتماعي والثقافي لمجتمعات نجد متحدية كل الإيديولوجيات المقحمة عليها لاحقا.
انتقلت البشر لتكتب زاوية يومية (ربما) بجريدة الرياض منذ عام 1999، بينما صدرت لها مجموعة قصصية «حبة الهال» (دار الآداب 2004)، وهي تكمل دراستها العليا في الجامعة اللبنانية حتى درست مظاهر العولمة في مدينتين من الخليج العربي: الرياض ودبي وصدرت تحت عنوان «فخ العولمة في مجتمعات الخليج العربي: دبي والرياض أنموذجان» (2008 مركز دراسات الوحدة العربية)، ثم كتبت لفترة في جريدة الشرق الأوسط وبعدها انتقالها مع أسرتها لتعيش في دبي، استأنفت لتكتب الآن في صحيفة الحياة الطبعة السعودية، خاصة بعد ان
أصدرت روايتها الأولى «هند والعسكر» (دار الآداب 2006)، ولاقت صدى جيدا، إلا أن كتابها اللاحق وهو دراسة متميزة صدر تحت عنوان «معارك طاش ما طاش: قراءة في ذهنية التحريم في المجتمع السعودي» (2007، المركز الثقافي العربي) أعادها إلى الواجهة متصدية لدراسة تلقي برنامج طاش ما طاش، وما أثاره من مواضيع دفعت بالكثير من الفئات الإسلاموية بإصدار الفتاوى ضده، وكتابات مطوية وأخرى في مواقع شبكية درستها وكشفت عن ذهنية التحريم، حيث تعيدنا إلى جهل الكتاب العرب الذين هاجموا سلمان رشدي دون قراءته!
تواريخ الألم والاغتراب
وراء مضاوي الرشيد تواريخ عديدة مغسولة بالألم والغربة، لم تبدأ عند سنة ولادتها عام 1962، ولا إخراج عائلتها وسفرهم إلى بيروت إثر حادثة اغتيال الملك فيصل – رحمه الله، وتعرض أقرباؤها إلى اتهام بالتدبير، ولخروجهم من بيروت إثر اجتياح إسرائيل عام 1982، وانتقالها إلى لندن لتدرس وتتزوج حيث تقيم، وتكمل دراستها حيث حصلت على الدكتواره في الأنثروبولوجيا الاجتماعية من جامعة كامبريدج، وهي، أستاذة علم الإنثربولوجيا الديني، في قسم اللاهوت والدراسات الدينية بكلية الملوك بجامعة لندن.
أنجزت معظم كتبها بالإنكليزية وترجمت إلى العربية وصدرت عن دار الساقي، فهي درست وحللت نشوء وسقوط دولة آل رشيد في القرن التاسع عشر ونهايتها في الثلث الأول من القرن العشرين في كتابها –أطروحة الدكتوراه- «السياسة في واحة عربية 1998 بينما أصدرت بعده كتاب «تاريخ العربية السعودية بين القديم والحديث 2005،وما هو سوى محاولة لاستطلاع الاستمراريات والانقطاعات في التاريخ الاجتماعي والسياسي السعودي».
تقتفي الرشيد في هذا الكتاب بمهارات تاريخية وأنثروبولوجية تاريخ المملكة الاستثنائي من حقبة الإمارات في القرن التاسع عشر إلى حرب الخليج في 1991، وفي عهد أحدث احتفالات الذكرى المئوية للتوحيد 1999. وهي تدمع الكرونولوجيا بالتحليل، التجربة الشخصية بالتواريخ الشفهية، مستندة إلى حشد من الوثائق المحلية والأجنبية لتطوير السرد وإلقاء الضوء على حياة السعوديين الاجتماعية والثقافية.
فيما يناقش كتابها «مأزق الإصلاح في السعودية 2005 مسببات «الأزمة» التي يعيشها مشروع «الإصلاح» في السعودية، وتستعرض العوائق والإشكاليات التي تحول دون تحقيقه، ولا تكتفي بكشف من يقفون ضده وإنما يكشف أيضاً التباس الدعوات المطالبة به، وتناقض الأطياف الساعية إليه.
وأما كتابها «مساءلة الدولة السعودية 2008» ينظر إلى مصطلحي «وهابي» و«سلفي» على أنهما متداخلان، وغالباً ما يساء فهمهما. ولكن، ومثلما تشرح الرشيد بأنه لا يتفق حتىمع السعوديين أنفسهم على مدلولهما. وتحت تأثير الثقافة الجماهيرية، والطباعة، وتكنولوجيا الاتصالات الجديدة، ووسائل الإعلام العالمية، فإنهم يصوغون نتائجهم، ويناقشون الدين والسياسة، في مواقع تقليدية ومستحدثة، خارقين التابوات الرسمية، والقيم المحافظة للمجتمع السعودي. وفي سعيها لردم الهوة بين النص والسياق، تسبر الرشيد كيف يستغل المواطنون والدولة معاً الخطاب الديني من أجل تحقيق غايات سياسية؟، وكيف أن هذا الاستغلال يولد ردود أفعال، غير متوقعة، تفلت سيطرتها من أيدي الذين أطلقوها.
وشاركت الباحثة مع رابطة العقلانيين العرب في مؤتمر «مملكة بلا حدود» شكلت أوراق البحث فيه كتاباً صدر بإشرافها تصدر ترجمته قريباً بينما تعمل على بحث عن المرأة في السعوديّة.
هل من هوية حجازية؟
مي يماني ابنة أحد أهم وزراء النفط السعودي تأثيراً وهو أحمد زكي يماني، وهي أكاديمية مشهورة وكاتبة ومحللة في المعهد الملكي للشؤون الدولية.وهى معنية بالموضوعات الاجتماعية والسياسية والمتعلقة بحقوق الإنسان في الدول العربية وخاصة دول مجلس التعاون الخليجي.
و هي أول امرأة سعودية تحصل على الدكتوراه من جامعة اكسفورد الأميركية ،حيث أجرت بحثها عن مهد الإسلام ،مي يماني درست في كلية برن بجامعة بنسلفانيا وعملت كأستاذة في كل من جامعة الملك عبد العزيز في جدة وكلية الدراسات الشرقية والافريقية في جامعة لندن..
جاء كتابها الأول «هويات متغيرة : تحدي الجيل الجديد في السعودية (شركة رياض الريس 2001)» ليدرس كما تقول «كل أعضاء الجيل الجديد وحتى كل أعضاء المجتمع السعودي، بعيداً عن مواقعهم السياسية والاجتماعية، يواجهون المشاكل التي تشير إلى اندفاع الحداثة وطوفانها، فإن رصد ردود الأفعال المتفاوتة بدورها تؤدي إلى هويات ثقافية متنوعة ومتفاوتة تلحظها الباحثة داخل مدار المواقع التي قد يطلق عليها «محافظة» أو تميل للخط الليبرالي.
وقد طالب الكاتب الراحل عبد الله الجفري أصحاب الخطط التعليمية بأن تأخذ في اعتبارها نتائج كتابها.
بينما أشار كتابها الثاني «مهد الإسلام : البحث عن الهوية الحجازية 2005»، الذي يسلّط الضوء على حياة الحجازيين (السعوديين) وثقافتهم المعاصرة التي أُخضعت، حين انضمامها، المملكة العربية السعودية بما فرضته نخبة سياسية ودينية وافدة من منطقة نجد الوسطى. وتوثق يماني مقاومة النخبة الدينية الحجازية (مكة، المدينة، جدة، الطائف) لما أسمته بالمشروع الوطني السعودي، متطرقة إلى كيفية تعبير الحجازيين عن ثقافتهم الخاصة، من خلال ترسيخ حدود ثقافية واضحة تميزهم وتعزّز هويتهم الحجازية.
بخلاف ذلك فإن محاولة قمع الهويات المحلية ومطاردة تعبيراتها الثقافية والاجتماعية والدينية هو المهدد الأكبر للوحدة الوطنية المأمولة. فالذي يحدث في هذه الحالات هو أن تلك التعبيرات لا تختفي، ولكنها تغيب عن الواجهة المرئية فيما تظل تعمل في الخلفية الاجتماعية لهذه الشريحة أو تلك.
لكن ثمة سؤال يظل يحلق في أفق الكتاب من دون إجابة له علاقة ببقية مناطق السعودية، مثل عسير والإحساء والمنطقة الشرقية. هل تعاني هذه المناطق أيضاً من أزمة هوية محلية وتشعر بالغبن الذي يشعر به الحجاز كما هو موصوف في فصول الكتاب؟
فهنا، وفي إطار عربي وإقليمي موسع، يبدو مشروع ابن سعود في توحيد الجزيرة العربية، أو الجزء الأكبر منها، مشروعاً متميزاً قطع الطريق على نشوء دويلات إضافية إلى جانب الدويلات التي نشأت على هوامش الجزيرة العربية في وقت لاحق.
وقد قام الباحث الآثاري سعد الراشد بوضع كتاب بعنوان «هويتنا ومغالطات مي يماني» معتبرا كل ما كتبته أوهاماً! وعلى أي حال، فيما ترى ثريا التركي أن «المرأة في بلادنا محل نقد من قديم الأزل لأنها رمز للأمة وتهذيبها والسيطرة عليها هي السيطرة على الأمة بأكملها، تتساءل مضاوي الرشيد ما معنى أن تكون المرأة سعودية الآن؟ فتضيف «المرأة السعودية مصادرة ممن يعتبرون أنفسهم رجال الدين.كذلك مصادرة من تيار آخر يسمّي نفسه ليبرالياً كأن ليس لديه معركة أخرى يخوضها غير مجادلة المطاوعة في أمور المرأة».

أنثروبولوجيات خارج المكان.. أزمة العلوم الاجتماعية عند السعوديات

الرياض ـ أحمد الواصل:
طرح إدوارد سعيد مقولة «خارج المكان» التي وضعها عنواناً لكتاب سيرته الذي كان آخر مؤلفاته، غير ما صدر له من كتب تكونت من مواد مجتمعة لحوارات ومقالات متفرقة لاحقاً.
وفي هذه المقولة تتمثل مفردات عدة من حالات اغتراب المثقف العربي، وهذا الاغتراب وضعه المحلل الاجتماعي حليم بركات ضمن أطر تتكون داخل المجتمع وخارجه، ولكن تتمثل القسوة عندما يحدث الاغتراب الاجتماعي ويؤثر على النفسي والذاتي، ومنه يتحول إلى مشروع منفى ويؤدي إلى الهجرة أو التهجير.

ونعرض هنا لما يتخطى هجرة أصوات باحثات سعوديات في مجال الأنثروبولوجيا احد العلوم الاجتماعية الغائبة عن أقسام كليات الآداب في جامعاتنا، حيث يداور علم الاجتماع نفسه في دائرة تَطْغ.يَة- أو طغيان- الخدمة الاجتماعية، فيما يتضاءل دور علم النفس وعلم الاجتماع، وهذا ما يشكل أزمة كبيرة في التعليم الجامعي داخل معظم الدول العربية لا دول الخليج فحسب.
ويذكر ما تعرض له خلدون النقيب كأحد علماء الاجتماع السياسي عندما أصدر كتابه «المجتمع والدولة في الخليج والجزيرة العربية (من منظور مختلف) 1989» (أعيدت طباعته 2008) إثر مشروع دراسي كبير تبناه مركز دراسات الوحدة العربية.
ولا يخفى ما تعرضت له الشاعرة فوزية أبو خالد التي تخصَّصت في علم الاجتماع، من إبعادها عن القسم إثر ما حدث عام 1988 (ما اصطلح على تسميته مجزرة الحداثة ) من تلبية لأجندة التيار الإسلاموي، ولكنها ستتابع دراستها خارجاً، وستلحق بها القاصة والروائية بدرية البشر التي لما أصرت إحدى المؤسسات الرسمية عند نشر أطروحة الماجستير «الحياة الاجتماعية في نجد» أن تقتص منها الكثير، رفضت نشرها ثم أكملت دراستها في بيروت وتعيش الآن في دبي.
تعد ثريا التركي أولى المتخصصات في الدراسات الأنثروبولوجية، درست الأدب العربي في الجامعة الأميركية في القاهرة، ثم تحولت إلى دراسة «الأنثروبولوجيا» من الجامعة نفسها، ثم أكملت في جامعة كاليفورنيا ـ بركلي، ودرست في جامعة هارفارد ولوس أنجلوس ـ كاليفورنيا وجورج واشنطن ـ بنسلفانيا، وجامعة الملك عبد العزيز ـ جدة والملك سعود ـ الرياض، وهي أستاذة في الجامعة اللبنانية، والآن في الجامعة الأميركية ـ القاهرة ومتزوجة من أستاذ في العلوم السياسية يعمل في الجامعة ذاتها.
قدمت كتابها الأول «بالإنكليزية» ثم ترجمه جلال أمين «عنيزة : التنمية والتغيير في مدينة نجدية عربية» بمشاركة دونالد كول (1991، مؤسسة الأبحاث العربية)،و هو أول دراسة أنثروبولوجية ميدانية للتحول الاجتماعي الذي طرأ على مجتمع محلي في المملكة العربية السعودية منذ الرواج الاقتصادي، مجتمع عنيزة (محافظة القصيم)، عالجت فيه العنصرين العائلي والتجاري في عنيزة، وبحثت في التغيرات التنموية التي تضمنت قيام المملكة العربية السعودية بصورتها الراهنة، هذه الدولة التي ضمت في بنيانها مدينة عنيزة.
اشتركت التركي مع عالم الاجتماع أبو بكر باقادر وتلميذته آمال طنطاوي وفريق باحثات لإنجاز كتاب «جدة أم الرخا والشدة» (2006، دار الشروق) فسعت هذه الدراسة لتحليل تاريخ جدة الاجتماعي من خلال تحليل تاريخ الأسرة فيها. ومن ثم انصب اهتمام الدراسة على تمعن التحولات التي طرأت على حياة الأسرة عموما، والمرأة بصفة خاصة، كأحد أهم أضلاع الأسرة، آخذة في الاعتبار السياقات الاجتماعية والاقتصادية العامة والسياسات الموجهة للحياة الاجتماعية لأهل جدة.
فيما يعلق المحلل الاجتماعي من جيل لاحق عبدالله المحيميد حيال كتابيها فيعرض بقوله: «من يقرأ كتاب «عنيزة التنمية والتغيير» الآن يرى ان نبوءاته الاستشرافية لم تتحقق وان موضوعه وقف على حدود الانثربولوجيا، بمعنى آخر ان الكتاب ليس كتاباً يمكن تصنيفه في خانة «علم المستقبليات»، بل انه ظل عالقاً بلا شيء لأن الاسناد النظري حد من عملية الغوص الانثربولوجي، وكتاب «جدة أم الرخا والشدة» وقع في المطب النظري نفسه، فالمؤلفان استندا الى نظرية في الحداثة وهي «الحداثة حالة تنم عن تغيير واع» هذه النظرية تتكئ على مقولة ان الحداثة هي خصم تاريخي يمكن تحديد خصائصه وانها أي الحداثة عرضة للتقلبات التاريخية وتغيير موازين القوى، في حين ان الحداثة قدر تاريخي أصيل لا حول لنا أمامه ولا قوة ومد جارف وحركة مكتسحة» كما يذكر عبدالسلام بن عبدالعالي.
هذه النظرية التي اعتمدها المؤلفان أضرت بالكتاب كثيرا، بل كشفت عن روح محافظة حين تم استبعاد شريحة كبيرة من الأجانب الذين يسكنون جدة ولم تشملهم الدراسة، رغم ان الكتاب يصف جدة بأنها مليونية، وانها مدينة كوزموبولوتية.
وأنجزت الكاتبة كتبا أخرى ودراسات كثيرة حيال المرأة والأسرة في السعودية ومصر، وأصدرت كتابها الأخير عن المرأة من الطبقة الدنيا «هكذا تكلمت النساء» (2006، دار ميريت)، وتعد مشروعا جديدا عن التجربة الثقافية في المملكة العربية السعودية تندرج في إطار تاريخ الأفكار.
وتأتي تلميذتها الشاعرة والباحثة فوزية أبوخالد، وهي أستاذ مساعد في علم اجتماع المعرفة (الخطاب السياسي والثقافي/ المرأة)، التي عرفت ككاتبة وناقدة في المجالات الاجتماعية والسياسية والثقافية، فلها مقال أسبوعي بجريدة الجزيرة. وكشاعرة لها خمس مجموعات شعرية مترجمة للإنكليزية، الفرنسية، الألمانية، الأسبانية، والإيطالية. وتكتب أدبا للطفل وبحوثا، ومنها «أثر النفط في المجتمع السعودي» (مجلة المستقبل العربي 1990) ثم أعيد نشره في كتاب جماعي «المرأة العربية بين ثقل الواقع وتطلعات التحرر» (مركز دراسات الوحدة العربية 1999)، وهناك شهادات على مستوى الكتابة والتجربة، كما صدر لها في مجلة الكاتبة 1993، ثم تجربة الكتابة في الصحافة نشرتها في مجلة قوافل 1996 و2007، بينما تبقى الصدامات الثقافية بصدور أول دواوينها الشعرية: «إلى متى يختطفونك ليلة العرس» 1973، الذي نشرته قبل إتمامها العشرين من عمرها، طارحة فيه عبر مجازات كثيرة قصائد في الحرية والعروبة والمرأة الأخرى، وأثنت عليه الناقدة السورية خالدة سعيد، حينها كانت أبوخالد طالبة في بيروت بجانب مختبر الحداثة العربية، وتوالت دواوينها عن دار العودة: أشهد الوطن 1982، قراءة في السر لتاريخ الصمت العربي 1985، ثم عن دار الجديد ماء السراب 1995، وصدر الأخيران عن دار الخيال شجن الجماد 2006، تمرد عذري 2008. وبقيت احد خصوم التيار الإسلاموي، حيث هوجمت مع الشاعرة المحتجبة خديجة العمري إزاء مشاركاتهما في مهرجانات شعرية في الكويت والعراق وظهرتا دون غطاء وجه أثار حنق تلك الجماعات من منابر ومنارات المساجد، ولاقت أبوخالد خلال العام الماضي تهديدا ووعيدا من أحد مساجد حائل، حيث تشارك في أمسية بناديها!
البشر تفكك الحالة النجدية
وأما القاصة والكاتبة الاجتماعية بدرية البشر المولودة في الرياض، وزوجة الممثل السعودي المشهور ناصر القصبي، فاهتمت ضمن جيلها من القاصات والشاعرات والكاتبات بموضوع المرأة والعلاقات الاجتماعية ضمن مجموعتيها القصصيتين: نهاية اللعبة (دار الأرض 1993)، مساء الأربعاء (دار الآداب 1994) التي ترجمت للفرنسية عام 2002 عن دار هرماتان الفرنسية.
كتبت البشر في جريدة اليوم بالدمام زاوية أسبوعية (نصف الضجيج) 1991 – 1993، وهي تكمل دراساتها العليا في علم الاجتماع واضعة أطروحة عن «الحياة الاجتماعية في نجد – دراسة سوسيولوجية تحليلية» وأثبتت فيها عبر دراسة موسعة للحكايات الشعبية (السوالف والسباحين) التي جمعها كل من عبدالكريم الجهيمان ومحمد العبودي في موسوعات نشرت منذ الستينات والسبعينات من أنحاء قرى وبلدان نجد لتدرس البنية الاجتماعية والسياسية والثقافية وتكشف عن أثر وتأثير قوى القبيلة في الإرث التاريخي والاجتماعي والثقافي لمجتمعات نجد متحدية كل الإيديولوجيات المقحمة عليها لاحقا.
انتقلت البشر لتكتب زاوية يومية (ربما) بجريدة الرياض منذ عام 1999، بينما صدرت لها مجموعة قصصية «حبة الهال» (دار الآداب 2004)، وهي تكمل دراستها العليا في الجامعة اللبنانية حتى درست مظاهر العولمة في مدينتين من الخليج العربي: الرياض ودبي وصدرت تحت عنوان «فخ العولمة في مجتمعات الخليج العربي: دبي والرياض أنموذجان» (2008 مركز دراسات الوحدة العربية)، ثم كتبت لفترة في جريدة الشرق الأوسط وبعدها انتقالها مع أسرتها لتعيش في دبي، استأنفت لتكتب الآن في صحيفة الحياة الطبعة السعودية، خاصة بعد ان
أصدرت روايتها الأولى «هند والعسكر» (دار الآداب 2006)، ولاقت صدى جيدا، إلا أن كتابها اللاحق وهو دراسة متميزة صدر تحت عنوان «معارك طاش ما طاش: قراءة في ذهنية التحريم في المجتمع السعودي» (2007، المركز الثقافي العربي) أعادها إلى الواجهة متصدية لدراسة تلقي برنامج طاش ما طاش، وما أثاره من مواضيع دفعت بالكثير من الفئات الإسلاموية بإصدار الفتاوى ضده، وكتابات مطوية وأخرى في مواقع شبكية درستها وكشفت عن ذهنية التحريم، حيث تعيدنا إلى جهل الكتاب العرب الذين هاجموا سلمان رشدي دون قراءته!
تواريخ الألم والاغتراب
وراء مضاوي الرشيد تواريخ عديدة مغسولة بالألم والغربة، لم تبدأ عند سنة ولادتها عام 1962، ولا إخراج عائلتها وسفرهم إلى بيروت إثر حادثة اغتيال الملك فيصل – رحمه الله، وتعرض أقرباؤها إلى اتهام بالتدبير، ولخروجهم من بيروت إثر اجتياح إسرائيل عام 1982، وانتقالها إلى لندن لتدرس وتتزوج حيث تقيم، وتكمل دراستها حيث حصلت على الدكتواره في الأنثروبولوجيا الاجتماعية من جامعة كامبريدج، وهي، أستاذة علم الإنثربولوجيا الديني، في قسم اللاهوت والدراسات الدينية بكلية الملوك بجامعة لندن.
أنجزت معظم كتبها بالإنكليزية وترجمت إلى العربية وصدرت عن دار الساقي، فهي درست وحللت نشوء وسقوط دولة آل رشيد في القرن التاسع عشر ونهايتها في الثلث الأول من القرن العشرين في كتابها –أطروحة الدكتوراه- «السياسة في واحة عربية 1998 بينما أصدرت بعده كتاب «تاريخ العربية السعودية بين القديم والحديث 2005،وما هو سوى محاولة لاستطلاع الاستمراريات والانقطاعات في التاريخ الاجتماعي والسياسي السعودي».
تقتفي الرشيد في هذا الكتاب بمهارات تاريخية وأنثروبولوجية تاريخ المملكة الاستثنائي من حقبة الإمارات في القرن التاسع عشر إلى حرب الخليج في 1991، وفي عهد أحدث احتفالات الذكرى المئوية للتوحيد 1999. وهي تدمع الكرونولوجيا بالتحليل، التجربة الشخصية بالتواريخ الشفهية، مستندة إلى حشد من الوثائق المحلية والأجنبية لتطوير السرد وإلقاء الضوء على حياة السعوديين الاجتماعية والثقافية.
فيما يناقش كتابها «مأزق الإصلاح في السعودية 2005 مسببات «الأزمة» التي يعيشها مشروع «الإصلاح» في السعودية، وتستعرض العوائق والإشكاليات التي تحول دون تحقيقه، ولا تكتفي بكشف من يقفون ضده وإنما يكشف أيضاً التباس الدعوات المطالبة به، وتناقض الأطياف الساعية إليه.
وأما كتابها «مساءلة الدولة السعودية 2008» ينظر إلى مصطلحي «وهابي» و«سلفي» على أنهما متداخلان، وغالباً ما يساء فهمهما. ولكن، ومثلما تشرح الرشيد بأنه لا يتفق حتىمع السعوديين أنفسهم على مدلولهما. وتحت تأثير الثقافة الجماهيرية، والطباعة، وتكنولوجيا الاتصالات الجديدة، ووسائل الإعلام العالمية، فإنهم يصوغون نتائجهم، ويناقشون الدين والسياسة، في مواقع تقليدية ومستحدثة، خارقين التابوات الرسمية، والقيم المحافظة للمجتمع السعودي. وفي سعيها لردم الهوة بين النص والسياق، تسبر الرشيد كيف يستغل المواطنون والدولة معاً الخطاب الديني من أجل تحقيق غايات سياسية؟، وكيف أن هذا الاستغلال يولد ردود أفعال، غير متوقعة، تفلت سيطرتها من أيدي الذين أطلقوها.
وشاركت الباحثة مع رابطة العقلانيين العرب في مؤتمر «مملكة بلا حدود» شكلت أوراق البحث فيه كتاباً صدر بإشرافها تصدر ترجمته قريباً بينما تعمل على بحث عن المرأة في السعوديّة.
هل من هوية حجازية؟
مي يماني ابنة أحد أهم وزراء النفط السعودي تأثيراً وهو أحمد زكي يماني، وهي أكاديمية مشهورة وكاتبة ومحللة في المعهد الملكي للشؤون الدولية.وهى معنية بالموضوعات الاجتماعية والسياسية والمتعلقة بحقوق الإنسان في الدول العربية وخاصة دول مجلس التعاون الخليجي.
و هي أول امرأة سعودية تحصل على الدكتوراه من جامعة اكسفورد الأميركية ،حيث أجرت بحثها عن مهد الإسلام ،مي يماني درست في كلية برن بجامعة بنسلفانيا وعملت كأستاذة في كل من جامعة الملك عبد العزيز في جدة وكلية الدراسات الشرقية والافريقية في جامعة لندن..
جاء كتابها الأول «هويات متغيرة : تحدي الجيل الجديد في السعودية (شركة رياض الريس 2001)» ليدرس كما تقول «كل أعضاء الجيل الجديد وحتى كل أعضاء المجتمع السعودي، بعيداً عن مواقعهم السياسية والاجتماعية، يواجهون المشاكل التي تشير إلى اندفاع الحداثة وطوفانها، فإن رصد ردود الأفعال المتفاوتة بدورها تؤدي إلى هويات ثقافية متنوعة ومتفاوتة تلحظها الباحثة داخل مدار المواقع التي قد يطلق عليها «محافظة» أو تميل للخط الليبرالي.
وقد طالب الكاتب الراحل عبد الله الجفري أصحاب الخطط التعليمية بأن تأخذ في اعتبارها نتائج كتابها.
بينما أشار كتابها الثاني «مهد الإسلام : البحث عن الهوية الحجازية 2005»، الذي يسلّط الضوء على حياة الحجازيين (السعوديين) وثقافتهم المعاصرة التي أُخضعت، حين انضمامها، المملكة العربية السعودية بما فرضته نخبة سياسية ودينية وافدة من منطقة نجد الوسطى. وتوثق يماني مقاومة النخبة الدينية الحجازية (مكة، المدينة، جدة، الطائف) لما أسمته بالمشروع الوطني السعودي، متطرقة إلى كيفية تعبير الحجازيين عن ثقافتهم الخاصة، من خلال ترسيخ حدود ثقافية واضحة تميزهم وتعزّز هويتهم الحجازية.
بخلاف ذلك فإن محاولة قمع الهويات المحلية ومطاردة تعبيراتها الثقافية والاجتماعية والدينية هو المهدد الأكبر للوحدة الوطنية المأمولة. فالذي يحدث في هذه الحالات هو أن تلك التعبيرات لا تختفي، ولكنها تغيب عن الواجهة المرئية فيما تظل تعمل في الخلفية الاجتماعية لهذه الشريحة أو تلك.
لكن ثمة سؤال يظل يحلق في أفق الكتاب من دون إجابة له علاقة ببقية مناطق السعودية، مثل عسير والإحساء والمنطقة الشرقية. هل تعاني هذه المناطق أيضاً من أزمة هوية محلية وتشعر بالغبن الذي يشعر به الحجاز كما هو موصوف في فصول الكتاب؟
فهنا، وفي إطار عربي وإقليمي موسع، يبدو مشروع ابن سعود في توحيد الجزيرة العربية، أو الجزء الأكبر منها، مشروعاً متميزاً قطع الطريق على نشوء دويلات إضافية إلى جانب الدويلات التي نشأت على هوامش الجزيرة العربية في وقت لاحق.
وقد قام الباحث الآثاري سعد الراشد بوضع كتاب بعنوان «هويتنا ومغالطات مي يماني» معتبرا كل ما كتبته أوهاماً! وعلى أي حال، فيما ترى ثريا التركي أن «المرأة في بلادنا محل نقد من قديم الأزل لأنها رمز للأمة وتهذيبها والسيطرة عليها هي السيطرة على الأمة بأكملها، تتساءل مضاوي الرشيد ما معنى أن تكون المرأة سعودية الآن؟ فتضيف «المرأة السعودية مصادرة ممن يعتبرون أنفسهم رجال الدين.كذلك مصادرة من تيار آخر يسمّي نفسه ليبرالياً كأن ليس لديه معركة أخرى يخوضها غير مجادلة المطاوعة في أمور المرأة».