هل يطلب الله الدم؟ إليكم أصول الأضاحي كما رأتها الأنثروبولوجيا

 

أصول الأضاحي كما رأتها الأنثروبولوجيا

هل يطلب الله الدم؟ إليكم أصول كما رأتها الأنثروبولوجيا

عبدلله بن عمارة

مع كل مناسبةٍ دينيةٍ إسلاميةٍ تقتضي ذبْح الأضاحي، يتمّ استحضار المعنى الروحي للذبيحة باعتبارها واحدة من الفرائِض الدينية، وطقساً تَعَبُّدِياً يُقرِّب العبد إلى ربّه، في هذا البحث المُوجَز نتتبَّع أهم ما كُتِب عن تاريخ تبلور هذا الطقس، وعن الغاية منه، وعن وظائفه المُختلفة، من وجهة نظرٍ، تتعدّى الجانب الديني المَحْض، أيّ التراث والنصّ المُقدَّس، إلى مُقاربته كمجالٍ مُهمٍّ في العلوم الاجتماعية؛ الأنثروبولوجيا والسوسيولوجيا والأثنولوجيا. وهي العلوم التي من خلالها حاول الكثير من الباحثين فَهْم الظاهرة لجهةِ علاقتها بالإنسان وبتفاعُلاته مع مُحيطه الاجتماعي (المجموعات التي تشاركه نفس أنماط المعاش وترتبط معه في إطارٍ مُتماسكٍ) ومع العالم الغَيْبِي أو المُقدَّس، ومُقَارَبَة هذا الطقس بأدواتٍ معرفيةٍ غير تقليدية، بمعنى غير مُرتبطةٍ بمجالها المُقدَّس فحسب، يستدعي مِنَّا الإشارة إلى نقطتين أساسيتين نراهما مُهمّتين في هذا السياق، أولاً: المُقَدَّس لا يتشكّل، كما يقول الباحِث المغربي نور الدين الزاهي (1)، عبر عملياتٍ نظريةٍ تجريدية، وإنما هو تجربة الأفراد والجماعات في علاقاتهم المُتعدّدة مع مُحيطهم الاجتماعي والطبيعي، أي أنَّنا، أمام تجربةٍ تستدعي التاريخ الواقعي والمُتخيَّل للأفراد، وبالتالي يصبح من الضروري إدراك هذه التجربة في أبعادها الاجتماعية والتاريخية والرمزية، من أجل معرفة الآليات الناظِمة لمُمارسة الطقس المُقَدَّس، وثانياً: محاولة فَهْم تلك الأبعاد من خارج الأُطُر التقليدية، لا يُقلِّل من مكانة الطقس الروحية ومن بُعده الرمزي لدى المُمَارِسِين له، فمن الطبيعي ألا يخرج ذَبْح الأضحية  -باعتباره فرضاً دينياً يُضْفي على النصِّ الديني هالة من القداسة تجعله يتمتّع بمكانةٍ “لاهوتيةٍ” بصفتهِ كتاباً مُقدّساً، وشرعاً مُقدّساً، وأخلاقاً مُقدّسةً (2) – عن نطاق الفقه الإسلامي الذي يُفسّر مختلف التشريعات والواجبات الدينية، ويضبطها في المجتمع، فالفقه هنا كنظامٍ لاهوتيٍ، على حد قول الكاتِب الجزائري محمّد أركون، يُهمِل المقولات الأنثربولوجية والجانب التاريخي الظرفي من السِّياقات الاجتماعية والثقافية والسياسية التي كانت قد رُسِّخت فيها الحقائق المُقَدَّسَة والعقائدية(3)، وطقوس الذبيحة هي جزء من تلك الحقائق.

لكن ذَبْح الأضحية، كشعيرةٍ تعبُّديةٍ، وما يتعلّق بها من تفسيراتٍ ميثولوجية، ليس حَكْراً على الإسلام ولا على الأديان التوحيدية الأخرى، بل هو طقس بدائي ارتبط بظهور فكرة الدين أصلاً، وكانت تجري مُمارسته عند شعوبٍ وحضاراتٍ عديدة ضمن الإطار العام للطقوس الدينية، والذي لخّصه عالِم الاجتماع الفرنسي جون كازونوف Jean Cazeneuve، في سِمتين جوهرتين هما؛ الارتباط بمرجعيةٍ دينيةٍ  “ماورائية”، وسِمة العمل المُتَكَرِّر في نوعٍ من الثبات، فالمُمارسة المُتكرِّرة والثابتة (بمعنى خضوعها لمجموعةٍ من القواعد) لأيِّ عملٍ، بشكلٍ فردي أو جماعي، ضمن إطار مرجعية دينيةٍ مُعيّنةٍ، هي التعريف الأمثل للطقس الديني (4).

الذبيحة في الأديان البدائية

الذبيحة إذاً، كطقسٍ، ارتبط بمرجعٍ دينيٍ، هو في الأساس، التقرُّب من الآلهة، أو من كل القوى الماورائية الخارِقة، التي يلمس الناس ضعفاً تجاهها لاعترافهم بسيطرتها وقُدرتها، وبعجزهم أيضاً عن مُجاراتها.

لذلك فإن التقرّب إلى الآلهة بالذبيحة ارتبط بصيغةٍ احتفاليةٍ وموسميةٍ، سوف يصبح معها هذا الطقس من نوع الطقوس الإحيائية، إذا ما اعتمدنا تقسيم عالِم الأنثروبولوجيا البريطاني جيمس فرازر James Frazer (قسّم فرازر الطقوس إلى أربعة أنواع؛ الودية، الإحيائية، الدينامية والطقوس المُرتبطة بالعدوى)، التي تتجسَّد فيها قوَّة الإله والطَوْطَم (5)، كما ارتبط أيضاً بالحاجات الطبيعية الضرورية للشعوب، المُراد تحقيقها من قِبَل الآلهة، فعند الشعوب الزراعية، تستدعي الحاجة إلى المطر، تقديم الذبائح والقرابين إلى الآلهة (قد تكون آلهة المطر)، أو تقديم القرابين (قد تكون بشرية) للآلهة، كما عند المصريين القدامى، حتى تمنع عنهم غَضَب نهر النيل المُتمثّل في الفيضان، كما قدَّمت بعض شعوب أميركا اللاتينية، كشعب المايا، قرابين وذبائح للآلهة طلباً لحاجاتٍ أو تكفيراً لذنوبٍ اقترفوها، وعند السكان الأصليين لأوستراليا كانت تُقدَّم الذبائح في ولائمَ تنتهي بأكل الناس لطَوْطَمِهم (6).

لكن هذه النظرية التي تَوسَّع فيها عالِم الأنثروبولوجيا البريطاني إدوارد تايلور Edward Tylor، والتي ترى أن الذبيحة، إنما هي هدية أو هِبة يتقدّم بها “المؤمِن” إلى الآلهة من أجل استجلاب كَرَمِها عليه، فتكون في وضعية المَدين له، والمُضطر لوفاء هذا الدَين، واجهت انتقادات عند دارسي الظاهرة من عُلماء الاجتماع والأنثروبولوجيا الغربيين، حيث جاء عالم الأثنولوجيا الألماني Wilhelm Schmidt الذي يعتبر الطَوْطَمية أقدم الديانات، لينتقد أساسها، وهو مبدأ الهِبة، ويدعو لمُقاربةٍ جديدةٍ يتعلّق مضمونها باعتبار الذبيحةِ شكلاً من أشكال المآدب المشتركة بين الآلهة والناس، حيث يتناولون نفس أنواع الأطعمة فيحدث التقارُب بينهما.

أما نظرية فرازر في هذا المضمار، فتعتمد على أن الآلهة، ورغم قوّتها وسطوتها على الناس، تخضع لقوانين الطبيعة، فمصير الطبيعة مُرتبط بمصير هذه الكائنات القوية (الآلهة) فإذا ضعفت أصاب الطبيعة الهزال، و” من أجل أن يَحُول الإنسان من دون وقوع هذه الكارثة يقوم بنقل القوّة الموجودة في الآلهة إلى شخصٍ آخر، وهذا ما كانت تُجسّده بعض القبائل المكسيكية، فتأخذ أحد أسراها وتعبده مدّة ستة أشهر من السنة، ثم تأكله وتذبحه وتصنع من جلده ثياباً لأسيرٍ جديد، يصبح بدوره إلهاً، وتعتقد بأن الإله الذبيح قد ذهب بأمراضها وجرائمها وعِللها”(7).

أما نظرية البريطاني غرانت آلن Grant allen، فاعتمدت على أن الذبيحة نابعة من عبادة الأسلاف، لأن القبائل المُتوحّشة تقدِّم الذبائحَ لأرواحِ الموتى حتى تتّقي شرّها.

أمَّا عالما الأنثربولوجيا والسوسيولوجيا الفرنسيان مارسيل موس Marcel mauss وهنري هوبير Henri hubert ، وهما لم يخرجا، كما يرى الأنثروبولوجي البلجيكي جون بول كولاين Jean-Paul Colleyn، عن إطار المدرسة السوسيولوجية التي أسَّسها إميل دوركايم  Emile durkheim، والتي ترى في المُقَدَّس تعبيراً رمزياً عن المجتمع، وتعتبر الدين “أقنوماً”(8) للوعي الذي يُعطيه المجتمع لنفسه، فقد اعتمدا في دراستهما المُخَصَّصَة لطبيعة ووظيفة الأضحية بعنوان “بحث حول طبيعة ووظيفة الأضحية“، على مبدأ أن الذبيحة، هي فعلياً، تكريس يجري معه التحوّل من الحلالِ إلى الحرام، بهدف تغيير حالة مُقدِّم الذبيحة.

وقد ركّزا، وفق تقديم عالِم الاجتماع والأثنولوجيا السوري يوسف شلحت، على كيفية وقوع الذبيحة عند الهندوس، حيث يقوم الكاهِن بتكريس الضحية لتكون على صلةٍ بعَالَم الآلهة، ولا تكتسب صفتها التحريمية التامّة إلا بعد انتهاء مراسِم الاستعداد عندما يرفعها الكاهِن إلى هِبة للآلهة، لكن القوّة المُكتسَبة لا تخرج سوى بخروج الحياة، فيقتل الكاهن الذبيح، ثم يقوم بتقديم أجزائه على مَن حصلت التضحية لأجلهم ليستفيدوا من التكريس.

مبدأ التكريس إذاً، هو الانتقال من المُدنَّس (الدنيوي) إلى المُقَدَّس لأن الأضحية تُحِيل، حتماً، إلى التكريس بمعنى الانتقال من المجال المشترك إلى المجال الديني، كما عارضا، عالِم الحفريات الفرنسي سلومون ريناك Salomon Hermann Reinach الذي اعتقد بوجودٍ للطَّوْطَمية خلف كل أضاحي الآلهة في العالم الإغريقي-الروماني (9).

فذهبا إلى أن تقديم الأضحية للآلهة ليس بالضرورة أن يكون من أصلٍ طَوْطَمي، وانتقدا أيضاً، نظريات عالِمي الأنثروبولوجيا البريطانيين سميث روبرتسون William Robertson Smith وفرايز، حول طقس الأضحية، على اعتبار أنهما لم يُفسِّرا وظيفته ولم يتعمّقا في أبعاده.

لقد رأى موس وهوبير أن للذبيحة (الأضحية) وظيفة أيديولوجية وسياسية بحيث أن “التراتبية الاجتماعية في عددٍ كبيرٍ من المجتمعات الدينية/السياسية تتحدَّد بصفاتٍ مُكْتَسَبَةٍ أثناء التضحية المُقدَّمة من كلِ فرد … وقد تُضحّي الجماعة أيضاً” (10).

يتَّضِحُ لنا بعد هذا السَرْد المُقْتَضَب، لأهمِ نظريات العلوم الاجتماعية التي فسّرت أو “أرَّخت” لتطوّر مفهوم الذبيحة أو الأضحية عند الأديان القديمة، أن النقطة المشتركة بينها هي إراقة الدماء، أو ما يُمثِّل عنصر الحياة في الضحية (11).

الذبيحة في الميثولوجيا اليهودية والمسيحية

رأي واحد حول “هل يطلب الله الدم؟ إليكم أصول الأضاحي كما رأتها الأنثروبولوجيا”

  1. ،وجاء ردها كالآتى:فقد شُرعت الأُضْحِيَّة لحِكَمٍ سامِيةٍ كثيرة منها:

    1- الأُضْحِيَّة شكرٌ لله تعالى على نعمتي المال والحياة.
    2- الأُضْحِيَّة شعيرة من شعائر الإسلام، وقد شُرعت تقربًا إلى الله تعالى، واستجابةً لأمره.
    3- الأُضْحِيَّة توسعة على النفس والأهل والمساكين، وصلةٌ للرحم، وإكرامٌ للضَّيف، وتودُّدٌ للجار، وصدقةٌ للفقير، وفيها تحدُّثٌ بنعمة الله تعالى على العبد.
    4- الأُضْحِيَّة إحياءٌ لسنة سيدنا إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام حين أمره الله عز وجل بذبح الفداء عن ولده إسماعيل عليه الصلاة والسلام في يوم النحر.
    5- الأُضْحِيَّة دليلٌ على التصديق المطلق والتام بما أخبر به الله عز وجل، وشاهدٌ على صدقِ إيمان العبد بالله، وسرعةِ امتثاله لما يحبُّه ويرضاه.
    6- الأُضْحِيَّة شعيرة يتعلم المؤمن من خلال فعلها الصبر، فكلما تذكر صبرَ إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام وإيثارَهما طاعةَ الله تعالى ومحبتَه على محبة النفس والولد كان ذلك كلُّه دافعًا إلى إحسان الظن بالله، وأنه تولدُ المنحةُ من رحِمِ المحنَةِ، وأن الصبر سبب العطاء ورفعِ البلاء.

    رد

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.