الخلفيــة المعرفيــة لظاهــرة العنـف

د. صليحـة مقاوسـي

جامعة الحاج لخضر باتنة/ الجزائر

المقدمــة:

تعتبر ظاهرة العنف مشكلة خطيرة ومرضا اجتماعيا أكثر من كونها جريمة، فالظاهرة لازمت الإنسان عبر العديد من المراحل، وأصبحت منتشرة على نطاق واسع وتمثل مشكلة اجتماعية أساسية في المجتمع المعاصر، وهذا ما جعلها تحتل صدارة الهرم الاجتماعي بالنسبة للباحثين المهتمين بالظواهر الاجتماعية.

ونظرا لما تخلفه هذه الظاهرة من أثار بالغة ونتائج سيئة داخل المجتمعات باختلاف وتعدد أشكاله انطلاقا من الأسرة إلى المدرسة، إلى المؤسسات الأخرى، كالجامعة، ثم المجتمع  فقد أخذت طابعا جديدا في مجتمعنا الجزائري خاصة، حيث تتميز الظاهرة بسرعة الانتشار     و اكتمالها كظاهرة اجتماعية نتيجة تداخل عدة عوامل نفسية، واجتماعية والتي تجمع بين عوامل سياسية واقتصادية وثقافية.

وإدراكا منا بأهمية الموضوع، وشعورنا بخطورة هذه الظاهرة، وتفشيها بصورة واضحة في الآونة الأخيرة بالمجتمع الجزائري، فالوضع يتطلب ضرورة التفكير واتخاذ الإجراءات الملموسة أسرة، مدرسة، دولة، وحكومة،وكل مؤسسات والباحثين، ودون تهاون للحد من مخاطر الظاهرة، والتي يذهب ضحيتها أطفال، أسر، وشباب الذي يعد ثروة وقوة المجتمع الجزائري وعليه فإن ظاهرة العنف تصنف في النطاق المتكامل بين الجريمة وعلم القانون والاجتماع.

أولا: ضبـط المفاهيـم الأساسيـة

إن الأداء العلمي، يفرض الاهتمام بتوضيح المفاهيم،  والوصول بها إلى مستوى من التأصيل الأكاديمي مما يجعلها تزيد من قيمة الموضوع، القائم و المطروح للحوار وإبداء الآراء  وسنعمد إلى ضبطها على النحو الآتي:

1- العنــف Violence

يشير مفهوم العنف ” إلى أي سلوك يصدر من فرد أو جماعة تجاه فرد أخر أو آخرين ماديا كان أم لفظيا أم سلبيا، مباشرا أو غير مباشر نتيجة للشعور بالغضب أو الإحباط أو الدفاع عن النفس، أو الممتلكات أو الرغبة في الانتقام من الآخرين، أو الحصول على مكاسب معينة ويترتب عليه إلحاق أذى بدني أو مادي أو نفسي بصورة متعمدة بالطرف الآخر(1) ولتحديده بدقة يتطلب الأمر التفرقة بين العنف الشرعي و العنف غير الشرعي، فالدولة التي تستخدم العنف بطريقة غير شرعية لحماية النظام و القانون داخل المجتمع، دون عقاب الممارسين للعنف الشرعي، أما العنف غير الشرعي، فيبدو عندما يتعرض الفرد للضرب من أحد الغرباء فإنه يعد سلوكا غير مشروع، كما يصنف العنف إلى عنف فردي يقع بين الأشخاص باستمرار ويتمثل العنف الجمعي في حالة الحرب الذي يستهدف التدمير والقتل الجماعي.

2- العدوانيــة Agression

في الجمع بين معناها النفسي والسلوكي، ” هي ذلك المتصل الذي يحتل إحدى طرفيه سلوك هجومي، أو فعل عدواني الذي يمكن أن يتخذ أية صورة من الهجوم الفيزيائي، ويحتل طرفه الأخر النقد اللفظي المهذب وكل كائن يجد لنفسه موقعا على هذا المتصل، تبعا للمواقف الاجتماعية التي يحياها “(2)

3- التصلـب l’intransigeance:

ربط بعض الباحثين بين ” العنف والتصلب La violence et l’intransigeance” فالعنف فعل يبدأ بالتصلب ” وهو حالة من الاحتفاظ باتجاه أو رأي أو التمسك كأسلوب للعمل “ (3)

ثانيـا: طبيعـة العنـف وخصائصـه

للعنف طبيعة خاصة تميزه عن السلوكيات الأخرى للفرد وله عدة خصائص منها:

–       إن العنف ليس فطريا تدفعه الغرائز، فهو سمة سلوكية للفرد وحالة اجتماعية تعايشه ناتجة عن أسلوب المعاملة البيئية مع المحيط الاجتماعي، أو بسبب تدني المستوى الاقتصادي للأسرة…

–       للعنف سمة انفعالية ويعتبر كفعل خارجي مدمر مدفوع بتفريغ شحنة عدوانية لها آثار سلبية على الفرد الآخر.

–       العنف متفاوت الشدة والكثافة ويتسم بالتدرج من أعمال مادية بسيطة، إلى أعمال إجرامية كالقتل، والنهب..، ويتعدى ليصل إلى اغتيالات تركز على رموز سياسية  فكرية بأسلوب تخطيطي منظم نتيجة أهداف معينة.

–       العنف نوع من العدوان اللفظي البدني.

–        يعتبر العنف مشروع إذ كان الفرد الذي يقدم على السلوك العنيف من أجل حماية ذاته حين يتعرض للعدوان عليه من فرد أو جماعة، أما إذا كان ضد الدولة وممتلكاتها العامة، أو سلب أموال الغير ….إلخ هنا يعتبر الفرد خارجا عن القانون عنف غير مشروع.

ثالثـا: الأطروحـات المعرفيـة لظاهـرة العنـف

إن فهم ظاهرة العنف وتحليل دلالاتها وفحص أسبابها العميقة، يتطلب تسليط الضوء على الأطروحات التي تناولت الظاهرة وركزت على ميكانيزمات مختلفة، اجتماعية، سيكولوجية ومن هذه الأطروحات ما يلي:

1– تؤكد الأطروحة السيكولوجية الأولى على ضرورة تبني موقف ” توليفي” الذي يبرز تداخل العلاقة الثابتة بين الذاتي (الطبيعية والغريزية الإنسانية) و الموضوعي (الأوضاع والظروف التي تشكل محيط خصبا لبروز العنف).وهي تجمع بين احتمالات العنف، وأوضاع  العنف. كما اعتبر علماء النفس أن العدوانية ليست شر مطلقا ” بل أنها طاقة حيوية على شكل توتر يمكن استغلاله وتوجيهه سواء في الاتجاه السلبي أو الايجابي حسب الظروف” (4) والاعتقاد بوحدة وثبات الطبيعة الإنسانية.

2– تعتمد الأطروحة السوسيولوجية الثانية على مفهومي الطبقة الاجتماعية والسيطرة، فالعنف ذو طبيعة مزدوجة، عنف يمارسه المجتمع يتمثل في الإكراه والإلزام، والامتثال للقيم والمعايير الاجتماعية السائدة والمسيطرة، وفي المقابل يمارس الأفراد عنفا من خلال رفضهم لذلك الإكراه الاجتماعي ويتجسد في الخروج عن القواعد والإخلال بالمعايير.  أما بورديو” أعتبر بأن الأفراد الذين يمارسون العنف هم أفراد خاضعون داخل النسق المسيطر عليهم” (5). بينما في المجتمعات الحديثة تواكبها تغيرات اقتصادية واجتماعية.. بطيئة على صعيد السلطة السياسية ويتبع ذلك انغلاق في الحقل السياسي ثم المواجهة العنيفة من أجل التداول على السلطة(6).

3– تربط الأطروحة الثالثة ظاهرة العنف بظاهرة الصراع والتنافس من أجل تلبية الحاجات الضرورية من أجل البقاء والسيطرة، وكما تربطها أيضا بالقوانين الاقتصادية التي توصف بأنها حتمية طبيعية لخدمة مصالح خاصة.

وتتجلى مظاهر العنف في الاستغلال والتعسف في توزيع الثروة واستخدامها بطرق غير عادلة من قبل الأقليات المسيطرة والظلم وسيطرة الممارسين في عالم المال والأعمال.

إن ظاهرة العنف لا يمكن فهمها بمعزل عن مشكلات أخرى التي تتطلب على مستوى التحليل، والاعتماد على مدى الارتباط والتشابك بين عناصر الظاهرة.

رابعـا: عوامـل انتشـار ظاهـرة العنـف بالمجتمـع الجزائـري

يكتسب الأفراد مجموعة من القيم الاجتماعية والمعايير الأخلاقية والاتجاهات الوجدانية من المجتمع تسهم في تحديد أنماط سلوكهم الاجتماعي من التعاطف أو التشدد، ومن بين العوامل التي تؤدي إلى شيوع العنف في الوسط الاجتماعي ما يلي:

1- العوامـل الاجتماعيـة: اعتبر ” إميل دوركايم  Emil durkeimبأن ” نقص التنظيم الاجتماعي وعدم الانسجام بين الوظائف الاجتماعية المرتبطة بالأفراد والجماعات تسبب انقطاعا مؤقتا في التضامن الاجتماعي، مما يعكس حالة من اللانظامية التي تمهد خلل اجتماعي يصيب جسم المجتمع، ينتقل تدريجيا إلى الطابع العنيف”(7).

إن المجتمع الذي تزداد فيه معدلات التفكك الأسري، والطلاق، والقهر النفسي، وظروف الحرمان الاجتماعي القهر، وضعف الرقابة الأبوية للأبناء، و التفكك الأسري، والافتقاد إلى حلقات الحوار مع أبنائهم، هذا بالإضافة إلى انتشار وسائل الإعلام وأساليبها الاستفزازية ونوادي الفيديو التي تعد مصدر هام لعرض أفلام العنف والفساد.

2- العوامـل الاقتصاديـة : إن صيرورة عملية التغير التي تحدث على الجانب الاقتصادي تؤثر على حالة الاستقرار والتوازن في البنية الاجتماعية، وتؤكد الدلائل الأنثروبولوجية ” ميشل جوارم” ” أن قلة المصادر وندرتها لا تكفي النشاط الاقتصادي الذي يبدو واضحا في أغلب المجتمعات المتقدمة مما يولد العنف كما أن استخدام الضغط والسيطرة في يد القوة الظالمة يؤدي إلى ازدياد النشاط الاقتصادي لهذه الفئة مما يولد العنف في الفئات المحرومة اقتصاديا”(8) وتزداد خطورة الوضع كلما اتسعت دائرة هذه الفئة نتيجة التوزيع الغير عادل للثروة، إن قلة الدخل الاقتصادي،و الفقر والبطالة يدفعان هذه الفئات إلى التمرد وممارسة سلوكيات غير مقبولة ويولد قواعد العنف والجريمة في المجتمع.

3- العوامـل السياسيـة: إن التضارب السياسي يؤثر سلبا على تكامل البناء الاجتماعي ويستمر في توليد ظاهرة العنف بأشكاله المختلفة، فالصراع من أجل السلطة، وتجاهل حقوق المواطنة، وتعسف السلطة، كلها عوامل تعبر عن عدم رضا المواطنين ويتحول ذلك إلى أسلوب التمرد والعنف.

4- العوامـل الثقافيـة: تخضع حياة الفرد لتأثير مجموعة كبيرة من المؤثرات الحضارية والثقافية وتزداد انتشارا مع وسائل الاتصال الحديثة التي تهدد بنية الثقافة فالمتغيرات الدخيلة وتقليد الغرب في السلوك واللباس، أصبح الشغل الشاغل لشبابنا الجزائري فأصبحت القيم الثقافية الأجنبية هي السائدة في مجتمعنا تهدد بنية ثقافتنا الأصلية، ثم ممارسة العنف تمدد إلى اتجاهات القيم نتيجة الخلافات الثقافية بين الأجيال ووجود مسافات متباعدة بينهما.

وخلاصة القول إن انتشار ظاهرة العنف تعتبر حصيلة جملة من العوامل المتداخلة سواء كانت اجتماعية، أو سياسية، أو اقتصادية، وأصبحت تهدد النظام الاجتماعي ككل.

خامسـا: العنـف كظاهـرة اجتماعيـة

لقد أصبح العنف ظاهرة يزداد انتشارها في المجتمع المعاصر، وعوامله تتجاوز خصائص الأفراد، كما ترتبط بمجمل مظاهر التغير الاجتماعي والثقافي للمجتمع.

فالمجتمع الجزائري عرف على مر الأزمنة التاريخية المتعاقبة عنفا متعدد الجوانب حيث تعرض للاحتلال الفرنسي لمرحلة طويلة (1830-1954) استعمل فيها الاستعمار كل أساليب القمع والقتل الجماعي، والتهميش بأنواعه للمواطنين الجزائريين، ثم تليها مرحلة الثورة التحريرية (1954-1962)، إلا أن مقاومة الجزائريين للاستعمار وتطبيق كل أساليب العنف بأشكاله ضد الإدارة الفرنسية يعتبر مشروعا للدفاع عن الذات والوطن. لأنه الوسيلة الوحيدة للقضاء على الظلم والممارسات التعسفية الاستعمارية، والقتل والتعذيب واسترجاع السيادة.

لقد عانى المجتمع الجزائري مظاهر عديدة من العنف وامتدت جذوره إلى يومنا هذا بأشكال جديدة تتماشى مع العصر.

غير أن التطور العلمي والتكنولوجي أعطى صبغة جديدة لتكنولوجيا العنف من خلال استعمال أنواع الأسلحة الفتاكة، بالإضافة إلى تشكيل منظمات عالمية للإرهاب وما تحدثه من أعمال العنف في المجتمع المعاصر بالإضافة إلى الصراع الثقافي، ووسائل الإعلام التي لعبت دورا كبيرا في توسيع ظاهرة العنف، من خلال البث لبرامجها المختلفة منها الإيجابية ومنها السلبية والتي تدمر المجتمع.

أما بالنسبة للنوع الثاني من العنف الذي مس تقريبا فئات المجتمع السياسي في الجزائر كانت أحداث أكتوبر 1988 وعمت التراب الوطني، وما نتج عنها من عنف سياسي وظاهرة خطيرة داخل النسيج الاجتماعي.

وتعد هذه الظاهرة كمرحلة تاريخية زادت الحركة الإسلامية سنة 1992  من توسعيها  حيث انتشر العنف و المواجهة بين الحزب المنحل الجبهة الإسلامية للإنقاذ، وقوات الأمن واستمر الوضع إلى غاية 1995.

غير أن ظاهرة العنف اتخذت طابعا جديدا في القرن العشرين تحت ستار الضرورة التقنية والاجتماعية، لها أهمية خاصة في ظل التحولات الجذرية، حيث برز جدال نظري حول طبيعة هذه الظاهرة ودورها في الحياة الاجتماعية وطبيعة تعقدها،فهي تدرس من خلال كل مظاهرها في علم الاجتماع، علم النفس، وغيرها من العلوم الأخرى لهذا تشير الفرضية: إلى أن ظاهرة العنف بمثابة الخاصية المتجذرة في بناء الشخصية واعتباره أحد رواسب الأصول الحيوانية للجنس البشري.

وعليه فالحد من ظاهرة العنف يعتبر أمرا مشروعا من خلال التوافق والانسجام بين الفرد ومحيطه نتيجة لعملية التطور الايجابي لمعرفة الإنسان.

سادسـا: المداخـل النظريـة المفسـرة لظاهـرة العنـف

نظرا لتعدد المداخل النظرية المفسرة بظاهرة العنف واكتشاف مصدره، من خلال عوامل مشروعة فقد تم التركيز على البعض منها.

1- الاتجـاه السيكولوجـي:

يرى أصحاب هذا الاتجاه بأن العدوانية الكامنة وراء العنف هي في الصميم من كيان الإنسان ومن ممثلي هذا الاتجاه أي نظرية التفاعل الرمزي شارلز كولي ch.cooley وجورج هريربرت ميد G.H.Mead، ونظرية الإحباط والعدوان بزعامة فرويد.

يتفق أنصار الاتجاه النفسي بأن العنف سلوك يتم تعلمه من خلال عملية التفاعل ” إن الناس يتعلمون سلوك العنف بنفس الطريقة التي يتعلمون بها أي نمط أخر من أنماط السلوك الاجتماعي”(9)، مادام العنف سلوك يتعلمه الناس فيمكن تجنبه عن طريق عدم تعلمه، وبالتالي يمكن التخفيف من حدته من خلال تغيير محتوى عملية التنشئة الاجتماعية وإعداد البرامج الفعالة لعلاج مشكلة العنف.

بينما رد أنصار نظرية الإحباط والعدوان سلوك العنف إلى البناء الاجتماعي كنتيجة لعدم المساواة والعدالة داخل المجتمع،” فالإحباط من شأنه أن يعوق التخلص من استشارة أليمة فقد يشعر الفرد بالإحباط لأنه لا يجد في بيئته ما يلزمه ويسعى إليه وهو ما يعرف بالنقص والحرمان”(10)، فالعوز والحرمان مصدر من مصادر العنف إلا أن ذلك لا يعني أن أي إنسان تعرض للإحباط يمارس بالضرورة للسلوك العنيف فمظاهر العدوانية أساسها النظام الاجتماعي

2- الاتجـاه الاجتماعـي:

ينظر أنصار الاتجاه الاجتماعي إلى العنف بأنه استجابة للبناء الاجتماعي وغريزة إنسانية فطرية تعبر عن نفسها عندما يفشل المجتمع في وضع قيود محكمة على أعضائه، بينما نظرية ميرتون ترى بأنه ما ينجم عن الأهداف المجتمعية والوسائل المباحة لتحقيقها من قبل الأفراد ونوعية سلوكهم، وإمكانية اعتباره سلوكا عنيفا، أم لا وفقا للعلاقة بين الوسائل والأهداف سواء بالقبول أو الرفض، بينما نظرية الثقافة الفرعية للعنف، تراه سلوكا غير مرغوب فيه بالنسبة لكثير من أعضاء المجتمع، ويكون جزء من أسلوب الحياة بالنسبة لبعض أعضاء المجتمع الذين ينتمون إلى الثقافة الفرعية للعنف، ويعتبر كعلاج لمشاكلهم لأنهم يفضلون أسلوب الخشونة. وقد عبر عن ذلك ” مارفن” ” بأن هذه الثقافة هي السبب الرئيسي لارتفاع معدلات العنف في جماعات الجوار الفقيرة، وبين أعضاء الطبقة الدنيا، وأنها لا تعد بثقافة فرعية بل في الواقع من الثقافة العامة للمجتمع”(11).

3- الاتجـاه الاقتصـادي:

يشير أنصار نظرية المصدر (المورد) coode إلى أن كل التفاعلات والعلاقات الاجتماعية داخل الأنساق الاجتماعية تعتمد على القوة، وكلما زادت الموارد التي يتحكم الشخص فيما زادت القوة التي يستطيع أن يحشدها، وكلما زادت مصادر وموارد الشخص التي يستطيع أن يستخدمها في أي لحظة قلت درجة ممارسة العنف، وبالتالي فإن الفرد يلجأ إلى استخدام العنف عندما تكون موارده غير كافية أو ضئيلة.

إن ما يفسر الاستغلال المختفي وراء ترويج فكرة الحتمية الاقتصادية والتعسف في توزيع الثروة، والتشريعات المتعسفة التي تضعها أقليات لحماية نفسها ومصالحها، تعتبر من مظاهر العنف داخل المجتمع.

وخلاصة القول رغم اختلاف المواقف والاتجاهات نحو ظاهرة العنف، فإن نظرة الإسلام للطبيعة الإنسانية لا تركز بسبب واحد ولكن على مجموعة من الأسباب والعوامل المتداخلة معا، وهذه العوامل تتعلق في نفس الوقت بالشخص الذي يمارس للعنف، وبطبيعته  وثقافته، وتاريخه، فالعنف محصلة معادلة معقدة شديدة التعقيد لمجموع العوامل الطبيعية والذاتية والنفسية والاجتماعية والبيئية والاقتصادية التي تؤثر في الإنسان.


سابعا: الأسالـيب والوسائـل التي تحـد من مخاطر ظاهرة العنـف في المجتمـع الجزائري

طبقا لما أكده المتخصصين في القانون والجريمة والسوسيولوجيا، وما توصل إليه الخبراء المشاركين في المؤتمرات والجمعيات المنعقدة خصيصا لدراسة ظاهرة العنف وللحد من مخاطرها التي تهدد كيان المجتمع والأسر و المؤسسات، يجب إتباع الأساليب والوسائل الوقائية والعلاجية الآتية:

–       الهدي الإسلامي خير وقاية من جرائم العنف.

–       التوزيع العادل للثروات داخل المجتمع.

–       فتح مناصب جديدة للشغل واستيعاب الطاقة الشبانية البطالة لهذه المنصاب.

–       الفهم الصحيح للصعوبات والمشاكل الشخصية التي تظهر نتيجة الصراع وسوء التصرف.

–       الدعم المعنوي والمادي للفئات الضعيفة والمحرومة داخل المجتمع مع تطبيق الرقابة الصارمة على المسؤولين القائمين بالقضية.

–       بث برامج وحصص إعلامية عبر مختلف وسائل الإعلام تعرض فيها برامج تحسيسية توضح الانعكاسات الخطيرة للظاهرة.

–       مراقبة وحذف بعض البرامج السلبية والمولدة للعنف خاصة بالنسبة للأطفال.

–       ينبغي أن تتضمن برامج الوقاية والعلاج بناء شخصية ناضجة لأن غالبية مرتكبي الجريمة يفلتون من دائرة العقاب.

–       الترشيد الأكاديمي للبحوث العلمية التي يستخدم أصحابها المسوح الميدنية الخاصة بظاهرة العنف.

الخاتمــة:

بالرغم من التقارير العالمية والمحلية، والقانون الجزائري الصادر حول الحد من ظاهرة العنف بأنواعها وأشكالها، إلا أن نسبتها في تطور ملحوظ ولا بد أن تثمن بجهود الجميع كي يتم الاحتواء الشامل للانحرافات والجرائم التي تعم المجتمع، هذه الآفة التي تمثل خطرا يداهم استقرار المجتمع حاليا.

ومهما يكن فإن سلوك الإنسان كله خاضع للتعديل والتغيير إلى الأفضل والتهذيب والتحضر، وذلك من خلال غرس قيم السلم واحترام الشرع والقانون ومن هنا تضحى ظاهرة العنف ظاهر تخص المجتمع كله بل مسؤولية جماعية.

المراجــع:

1-     عدلي السمري: سلوك العنف بين الشباب، دراسة ميدانية على عينة من طلبة وطالبات المرحلة الثانوية، الندوة السنوية السابعة، الشباب ومستقبل مصر، 2000، كلية الآداب جامعة القاهرة قسم علم الاجتماع، ص3.

2-     أميمة منير عبد الحميد جادو: العنف المدرسي بين الأسرة والمدرسة والإعلام، المركز القومي للبحوث التربوية والتنموية، ط2، درا السحاب للنشر والتوزيع، القاهرة، 2008 ص 10.

3-     أحمد محمد موسى: الشباب بين التهميش والتشخيص (رؤية إنسانية) ط1، المكتبة العصرية للنشر والتوزيع، مصر، 2009،ص57.

4-     ميتشيل كورناتون: المجتمع والعنف، ص63. www.violence.fr

5-     P.Bourdieu : le sens pratique,paris,édition de Minuit, 1980, p 219.

6-     مجلة إنسانيات: العنف مساهمات في النقاش، مركز البحث في الأنثروبولوجية الاجتماعية والثقافية، العدد 10، جانفي، أفريل 2008، ص 78.

7-     فريدريك معتوق: معجم العلوم الاجتماعية، بيروت للنشر والطباعة، 1998، ص 40.

8-     محمد خضر عبد المختار: الاغتراب والتطرف نحو العنف، دار غريب للطباعة والنشر والتوزيع، 1999، ص91.

9-     عليا، شكري وآخرون: المرأة والمجتمع، وجهة نظر علم الاجتماع، دار المعرفة الجامعية، مصر، 1998، ص 385.

10- محمد خضر عبد المختار: مرجع سابق، ص 80.

11- فليب برنو: المجتمع والعنف، ص 89.  de la violence www.les théories