«قفة» العروسة التونسية

عالم شخصي مليء بالعجائب واللذائذ

المنجي السعيداني

قفة العروس التونسية

لكل بلد خاصيته وخصوصيته، ولكل مناسبة طقوسها المختلفة والمتميزة، وهذا ما تؤكده عادة «قفة» العروس التونسية. فقد جرت العادة، قبل أيام قلائل من حلول يوم الزفاف، أن يحضر العريس قفة عروسه، وهي عبارة عن مجموعة من المواد المتنوعة التي «يعمرها» العريس في «القفة»، ومعناها السلة، كما يقول التونسيون، ويهديها إلى عروسته، كهدية لا يجب أن يعرف محتواها غير العريس والعروسة والمقربين جدا منهما. وتعتبر هذه العادة من الطقوس التي تصر عليها العائلات التونسية، وفي حال نقص عنصر من عناصرها، فإن العريس يواجه عدة مشاكل مع أسرته الجديدة، خصوصا أنه ليس له عذر في نقصها. ففي العاصمة التونسية القديمة، وبالتحديد في أسواق المدينة العتيقة، يمكنه أن يجد ضالته دون الكثير من العناء، أما في المدن والقرى التونسية الأخرى، فإن بعض المحلات التجارية متخصصة في مثل تلك الأصناف من المواد، خاصة خلال موسم الصيف، موسم الزيجات والأفراح. ويغتنم التجار هذا الموسم ويزيد طمعهم عندما يعرفون أن «القفة» ومحتوياتها موجهة إلى عروسة؛ فيزيدون في الأسعار، بحجة أن الأمر كله من باب البركة التي تحل على العروسين.

وتحتوي «قفة» العروسة التونسية على أكثر من خمسين اسمًا من أسماء المواد الغذائية والعطرية المتنوعة، وتختلف محتوياتها جزئيا بين عروس الشمال التونسي، وعروس الجنوب، تماشيا مع العادات والتقاليد المتوارثة من جيل إلى آخر، إلا أنها تبقى مرحلة ضرورية من مراحل الزواج، لا يمكن في أي حال من الأحوال الاستغناء أو التغاضي عنها.

وتشمل محتويات «قفة» العروس عمومًا مجموعة من مواد الزينة والاحتفال، على غرار الحنة، وورق الحنة، والمرحية، والبخور بأنواعه، واللوبان، والسواك، والكحل، وقارورة عطر، وعود القرنفل، والكمون الأسود، وشواشي الورد و السرغين، فضلا عن مجموعة من الفواكه الجافة، مثل اللوز غير المقشر، والزبيب، والفستق، والحلوى، إلى جانب بعض أدوات الزينة، مثل «الخلاص» أو المشط و«الفلاية» وهي (نوع آخر من أنواع المشط)، والملقاط، والمرآة، وأدوات التجميل، وبعض المشروبات، أهمها قارورة مشروبات، وعلبة سكر، وطوابع، وعلبة شمع وعلبة قطن. وتصر العائلات القاطنة في الجنوب على إحضار البخور ومكوناته بنفسها، في حين تقتنيه عائلات الشمال جاهزًا من الأسواق، فيما تتفنن بعض العائلات في ملء «القفة»؛ فتضيف، إلى ما سبق ذكره، العديد من المواد الأخرى، التي قد تشمل الإبرة والخيط.

وغالبًا ما تصطحب العروسة زوج المستقبل، إلى الأسواق قبل أيام قلائل من حلول يوم العرس لاقتناء ملابس الزواج، مصحوبين بعدد قليل من أفراد العائلة.. وعادة ما تكون أخت العروسة، أو إحدى المقربات إليها، وهن مَنْ يتدبرن أمر هذه القفة العجيبة. وأحيانا، يحصل خلاف بين أفراد العائلتين حول المحتويات المعروفة من قبل الجميع، إلا أن الاختلاف قد يكون على مستوى الكميات التي توضع داخل القفة فقط، وغالبا ما تكون العروسة المطلعة على أحوال وظروف زوج المستقبل، هي التي تحدد الكميات المطلوبة، مراعية في ذلك إمكانياته المادية، حتى لا تحدث خللا فيها قبل الزواج بأيام، وحتى لا تعطي صورة سلبية عن طرق التدبير لديها أمام زوجها. ومهما حاول العروسان التخفيف من محتويات هذه القفة، التي إذا فتحها غريب تَعَجَّب مما تحتويه، فإنها لا تقل في كل الأحوال عن ثمانين دينارًا تونسيا (حوالي 70 دولارا أمريكيا)، وهي كلفة ليست بالهينة، إذا عرفنا مجموع «الجبهات» المفتوحة على الزوج، من ذوي الدخل العادي، خلال فترة الزواج. وبالرغم من توجه المرأة التونسية إلى العمل، وحصولها على مرتب، قد يفوق في بعض الحالات مرتب الزوج، إلا أن «قفة» العروسة بقيت من مهام العريس.. فهو المطالب بتعميرها وإهدائها إلى عروسه يوم الزفاف وهي مغلقة بالكامل، بحيث لا يدري أحد من الزائرين شيئا عما تحتويه، ولا تفتحها العروسة إلا في ليلة زفافها، ويكون لها مطلق الحرية في طريقة التصرف في محتوياتها. وتغتنم العروس فرصة الزيارات المتكررة للأقارب والجيران للتهنئة، لتهديهم القليل من محتوياتها، مثل اللوبان والسواك والحلوى، وغيرها من المواد الاستهلاكية.

وحول هذه العادة، تقول نبيلة الشواشي (28 سنة) «إن قفة العروسة التونسية تغيرت مع مرور السنين، تماشيا مع إمكانيات العائلة التونسية، إلا أن ذلك لا ينفي تواصل مجموعة من المكونات التي لا تخلو منها قفة العجائب»، كما أسمتها. وأضافت بأن «خياطة القفة يجب أن تكون دون لف للخيوط، مع احتفاظ أم العروسة بالخيط والإبرة، خشية السحر والشعوذة، التي قد يمارسها بعض ضعاف النفوس على العروسين».

وتتذكر علجية المعلاوي (65 سنة) بصعوبة واضحة محتويات القفة التي تعود إلى سنة زواجها في بداية الستينات من القرن الماضي، موضحة أن قفة العروسة لم تَخْتَف طوال هذه العقود، لكن محتوياتها هي التي تطورت وتغيرت بعض الشيء. وتضيف أنها دائما هدية من الزوج إلى زوجته. وأم العروسة تحتفظ بالخيط والإبرة الغليظة حتى حدوث الولادة الأولى للعروس، بغية الاطمئنان عليها من أي عمل سيئ. من جهته، يعلق مصطفى العامري، وهو تاجر بالمدينة العتيقة منذ 1959، قائلا «إن مكونات القفة متنوعة، وإنْ كانت كلها تصب في صالح العروسة، باعتبارها المنتفعة الأولى من هذه الهدية»، إلا أنه استدرك قائلا «إن محتوياتها قد تختلف من منطقة إلى أخرى، ومن عائلة إلى أخرى.. فبعضهم لا يقدر على اقتناء سوى القليل من الكميات، فيما يسرف البعض الآخر في تأثيثها، وكأنك تطَّلِع على دهاليز (علي بابا)، لكن يبقى القاسم المشترك بين كل قفة.. العطور وأدوات الزينة والحلويات، التي لا تغيب، ولا يمكن أن تغيب، حتى تكتمل بهجة الزفاف».


السلام عليكم ورحمة الله وبركاتة

لكل بلد خاصيته وخصوصيته، ولكل مناسبة طقوسها المختلفة والمتميزة، وهذا ما تؤكده عادة «قفة» العروس التونسية.

فقد جرت العادة، قبل أيام قلائل من حلول يوم الزفاف، أن يحضر العريس قفة عروسه، وهي عبارة عن مجموعة من المواد

المتنوعة التي «يعمرها» العريس في «القفة»، ومعناها السلة، كما يقول التونسيون، ويهديها إلى عروسته، كهدية لا

يجب أن يعرف محتواها غير العريس والعروسة والمقربين جدا منهما. وتعتبر هذه العادة من الطقوس التي تصر عليها

العائلات التونسية، وفي حال نقص عنصر من عناصرها، فإن العريس يواجه عدة مشاكل مع أسرته الجديدة، خصوصا أنه

ليس له عذر في نقصها. ففي العاصمة التونسية القديمة، وبالتحديد في أسواق المدينة العتيقة، يمكنه أن يجد ضالته دون

الكثير من العناء، أما في المدن والقرى التونسية الأخرى، فإن بعض المحلات التجارية متخصصة في مثل تلك الأصناف

من المواد، خاصة خلال موسم الصيف، موسم الزيجات والأفراح. ويغتنم التجار هذا الموسم ويزيد طمعهم عندما

يعرفون أن «القفة» ومحتوياتها موجهة إلى عروسة؛ فيزيدون في الأسعار، بحجة أن الأمر كله من باب البركة التي تحل

على العروسين. وتحتوي «قفة» العروسة التونسية على أكثر من خمسين اسمًا من أسماء المواد الغذائية والعطرية

المتنوعة، وتختلف محتوياتها جزئيا بين عروس الشمال التونسي، وعروس الجنوب، تماشيا مع العادات والتقاليد

المتوارثة من جيل إلى آخر، إلا أنها تبقى مرحلة ضرورية من مراحل الزواج، لا يمكن في أي حال من الأحوال الاستغناء

أو التغاضي عنها.

وتشمل محتويات «قفة» العروس عمومًا مجموعة من مواد الزينة والاحتفال، على غرار الحنة، وورق الحنة، والمرحية،

والبخور بأنواعه، واللوبان، والسواك، والكحل، وقارورة عطر، وعود القرنفل، والكمون الأسود، وشواشي الورد

و السرغين، فضلا عن مجموعة من الفواكه الجافة، مثل اللوز غير المقشر، والزبيب، والفستق، والحلوى، إلى جانب

بعض أدوات الزينة، مثل «الخلاص» أو المشط و«الفلاية» وهي (نوع آخر من أنواع المشط)، والملقاط، والمرآة، وأدوات

التجميل، وبعض المشروبات، أهمها قارورة مشروبات، وعلبة سكر، وطوابع، وعلبة شمع وعلبة قطن. وتصر العائلات

القاطنة في الجنوب على إحضار البخور ومكوناته بنفسها، في حين تقتنيه عائلات الشمال جاهزًا من الأسواق، فيما

تتفنن بعض العائلات في ملء «القفة»؛ فتضيف، إلى ما سبق ذكره، العديد من المواد الأخرى، التي قد تشمل الإبرة

والخيط.

وغالبًا ما تصطحب العروسة زوج المستقبل، إلى الأسواق قبل أيام قلائل من حلول يوم العرس لاقتناء ملابس الزواج،

مصحوبين بعدد قليل من أفراد العائلة.. وعادة ما تكون أخت العروسة، أو إحدى المقربات إليها، وهن مَنْ يتدبرن أمر

هذه القفة العجيبة. وأحيانا، يحصل خلاف بين أفراد العائلتين حول المحتويات المعروفة من قبل الجميع، إلا أن الاختلاف

قد يكون على مستوى الكميات التي توضع داخل القفة فقط، وغالبا ما تكون العروسة المطلعة على أحوال وظروف

زوج المستقبل، هي التي تحدد الكميات المطلوبة، مراعية في ذلك إمكانياته المادية، حتى لا تحدث خللا فيها قبل

الزواج بأيام، وحتى لا تعطي صورة سلبية عن طرق التدبير لديها أمام زوجها. ومهما حاول العروسان التخفيف من

محتويات هذه القفة، التي إذا فتحها غريب تَعَجَّب مما تحتويه، فإنها لا تقل في كل الأحوال عن ثمانين دينارًا تونسيا

(حوالي 70 دولارا أمريكيا)، وهي كلفة ليست بالهينة، إذا عرفنا مجموع «الجبهات» المفتوحة على الزوج، من ذوي

الدخل العادي، خلال فترة الزواج. وبالرغم من توجه المرأة التونسية إلى العمل، وحصولها على مرتب، قد يفوق في

بعض الحالات مرتب الزوج، إلا أن «قفة» العروسة بقيت من مهام العريس.. فهو المطالب بتعميرها وإهدائها إلى

عروسه يوم الزفاف وهي مغلقة بالكامل، بحيث لا يدري أحد من الزائرين شيئا عما تحتويه، ولا تفتحها العروسة إلا في

ليلة زفافها، ويكون لها مطلق الحرية في طريقة التصرف في محتوياتها. وتغتنم العروس فرصة الزيارات المتكررة للأقارب

والجيران للتهنئة، لتهديهم القليل من محتوياتها، مثل اللوبان والسواك والحلوى، وغيرها من المواد الاستهلاكية.

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.