Site icon

الباحث في الأنثروبولوجيا الأستاذ سليم درنوني لـ ” كراس الثقافة “:” الأنثروبولوجيا تبحث عن المعنى وليس عن بناء الحقيقة”

.

الباحث الشاب سليم درنوني متحصل على شهادتي ليسانس فلسفة وماجستير أنثروبولوجيا ويعدّ رسالة الدكتوراه في التخصص الثاني بجامعة الجزائر، أستاذ بجامعة تبسة. يتحدث في هذا الحوار عن إقصاء الدولة الوطنية في الجزائر لعلم الأنثروبولوجيا واهتمامها بعلم الاجتماع؛ لاعتقادها بخدمة الأنثروبولوجيا للحركة الاستعمارية، كما يتطرق إلى العلاقة بين العلمين في الماضي والحاضر، ومواضيع أخرى تطالعونها في هذا الحوار :

حاوره: نورالدين برقادي

ولكنّ دراسة الأنثروبولوجيا للمجتمعات الإنسانية، تتركّز في الغالب على: التقاليد والعادات والنظم، والعلاقات بين الناس، والأنماط السلوكية المختلفة، التي يمارسها شعب ما أو أمّة معيّنة. أي أنّ علم الأنثروبولوجيا الاجتماعية يدرس الحياة الاجتماعية (المجتمع ككلّ )، وينظر إليها نظرة شاملة، ويدرس البيئة العامة، والعائلة ونظم القرابة والدين، بينما تكون دراسة علم الاجتماع متخصّصة إلى حدّ بعيد. حيث يقتصر على دراسة ظواهر محدّدة أو مشكلات معيّنة، أو مشكلات قائمة بذاتها، كمشكلات: الأسرة والطلاق والجريمة، والبطالة والإدمان والانتحار …

وإذا كان ثمّة تباين أو اختلاف بين العلمين، فهو لا يتعدّى فهم الظواهر الاجتماعية وتفسيراتها، وفق أهداف كلّ منهما. فبينما نجد أنّ الباحث في علم الاجتماع، يعتمد على افتراضات نظرية لدراسة وضع المتغيرات الاجتماعية، ويحاول التحقّق منها من خلال المعلومات التي يجمعها بواسطة استبيان أو استمارة خاصة لذلك، نجد – في المقابل – أنّ الباحث الأنثروبولوجي، يعتمد تشخيص الظاهرة استناداً إلى فهم الواقع كما هو، ومن خلال الملاحظة المباشرة ومشاركة الأفراد في حياتهم العادية .

وبصورة موجزة ومختصرة نقول: الأنثروبولوجيا تبحث عما يوجد وراء أفعال الأشخاص. فهي لا تبحث عن الحقيقة، بل عن المعنى. بناء المعنى هو المهمّ وليس بناء الحقيقة. الأنثروبولوجيا تجعل الإنسان (الباحث الأنثروبولوجي) يشعر بأنه  أقدر على إدراك ما وراء الكلمات والعبارات ومظاهر السلوك من معان خفية.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن هناك تخصص جديد يطفو على السطح وهو: السوسيو- أنثروبولوجيا الذي يزيل كل الحواجز والفوارق التي وضعت بين العلمين على الرغم مما يبدو أن هناك عددا كبيرا من علماء الاجتماع يهتمون بدراسة النظم الاجتماعية والبناء الاجتماعي، وأن هناك إلى جانب ذلك تيارا آخر قويا يجذب إليه عددا كبيرا من العلماء ويوجههم نحو دراسة الثقافة والتعرض لمشكلاتها، وما يقابل ذلك في الأنثروبولوجيا من انصراف بعض الانثروبولوجيين نحو دراسة النظم الاجتماعية، واتجاه البعض الآخر من علماء الأنثروبولوجيا نحو دراسة الثقافة، وأنه يمكن القول عموماً أن الاتجاه الثقافي يغلب على الدراسات الانثروبولوجية في أمريكا، بينما تميل الأنثروبولوجيا في بريطانيا ميلا شديداً نحو الدراسات البنائية. إلا أنه مع ذلك قد يكون من التعسف أن نحاول تقسيم العلم والعلماء وحتى العالم إلى مناطق محددة ونزعم أنه يسود فيها أحد الاتجاهين: الاتجاه البنائي أو الاتجاه الثقافي. فالواقع أن الاتجاهين يوجدان إلى جانب بعضهما البعض في كل دراسة. ولقد ساعدت جهود العلماء والباحثين في علم الاجتماع والأنثروبولوجيا حديثاً في التغلب على هذا التقسيم، واستطاعوا ـ على سبيل المثال ـ التحديد الواضح لمفهوم الثقافة وما أثاره من مشكلات على تجاوز هذا التقسيم، خاصة وأن هذه الجهود قد أوضحت أن الثقافة تمتاز بالكلية والعمومية، وأنه لا يمكن فهم الثقافة وظواهرها بعيداً عن بناء الجماعة التي تظهر في إطارها.
كما أن الملابسات والظروف التي كانت مسئولة عن قيام هذين الاتجاهين وتبلورهما قد زالت. تلك الملابسات والظروف التي يتمثل بعضها في ما صاحب نشأة الأنثروبولوجيا في القرن التاسع عشر في كل من بريطانيا وأمريكا، ويتمثل بعضها الثاني في الاختلاف في تحديد موضوع الأنثروبولوجيا وعلم الاجتماع بين أصحاب المدخل الاجتماعي البنائي والمدخل الثقافي لدراسة المجتمع. إذ كانت الأنثروبولوجيا في أولى عهدها في بريطانيا تتجه إلى دراسة المجتمع البدائي في أفريقيا حيث توجد معظم مستعمراتها، وهي قبائل تعيش كل منها في شبه عزلة اجتماعية واقتصادية لظروفها الجغرافية، بحيث تؤلف القبيلة في ذاتها مجتمعا متميزا ومستقلا عن غيره، مما جعل الباحث يقصر دراسته على مجتمع واحد، وينظر إليه كوحدة متكاملة ويلاحظ النظم الاجتماعية التي تسوده، أو يدرس البناء الاجتماعي في تكامله وتمايزه. وكانت الأنثروبولوجيا في أمريكا تهتم بدراسة قبائل الهنود الحمر التي كانت تتبعثر وتنتشر وتسمح بالاختلاط والاتصال بين جماعاتها، وتتداخل ثقافاتها. ومن هنا انصرف العلماء نحو دراسة ثقافات هذه القبائل بدلا من دراسة البناء الاجتماعي لها. وإن كان هذا الاهتمام المتباين بين الأنثروبولوجيا البريطانية والأمريكية قد انعكس على الأنثروبولوجيا عامة، وأدى إلى الاختلاف في تحديد موضوعها لفترة من الزمن إلا انه عندما أدرك العلماء أن التفرقة بين المجتمع والثقافة كانت دائماً مسألة صعبة وشائكة، بدأوا في التخلي عنها خاصة بعدما أدركوا أن الاثنين هما في الحقيقة مظهران مختلفان لشيء واحد، أو تجريدان مختلفان لوجود واقعي واحد.
قديما، كان العالم يتّصف بالموسوعاتية (مؤرخ، شاعر، فلكي..)، ثم تدريجيا ظهر التخصص وبعده الميكرو تخصص، هل يمكن للباحث الانثروبولوجي أن ينجز دراساته دون معرفة بالعلوم المتّصلة بتخصصه مثل: علم الاجتماع، التاريخ، الفلسفة، علم النفس، الهندسة المعمارية، علم الآثار..الخ.
سيدي الكريم. أقول لك أني كنت في السابق أقول أن الذي يميّز الفيلسوف أو دارس الفلسفة هو أن الفلسفة تتميز بالموسوعية، فأنت ملزم على اكتساح مجمل المجالات العلمية والمعرفية لتكوين نظرة كلية شاملة عن الكون والإنسان والحياة…لكنها في كثير من جوانبها نظرة مجردة. هكذا وبعد أن درست الأنثروبولوجيا وتخصصت فيها وجدت فيها ما يشبه الفلسفة إلى حد بعيد، غير أن ما يميزها عن الفلسفة هو أنها تتخلى عن الطابع التجريدي وتتشبث بالميدان. فما يميزها هو الميدان.

وقد تطورَ هذا الفرع ” الأنثروبولوجيا التطبيقية ” كثيراً ، خاصة مُنذ الحرب العالمية الثانية، وتنوّعت مجالاتهُ بتطور أقسام الأنثروبولوجيا وفروعها، إذ انهُ يمثل الجانب التطبيقي لهذهِ الأقسام والفروع، ولا يعد فرعاً مُستقلاً عنها وإنما هو الأداة الرئيسة لتطبيق نتائج بحوث كل فروع الأنثروبولوجيا والتي تجد طموحاتها لخدمة الإنسان والمُجتمع. وقد شملت تطبيقاتهُ مجالات كثيرة أهمها:
التربية والتعليم، التحضّر والسُكان، التنمية الاجتماعية والاقتصادية؛ خاصة تنمية المُجتمعات المحلية، المجالات الطبية والصحة العامّة، والنفسية، الإعلام والاتصال وبرامج الإذاعة والتلفزيون، التأليف الروائي والمسرحي، والفن، ومجال الفلكلور ” التراث الشعبي”، والمتاحف الاثنولوجية، إضافة إلى المجالات الصناعيّة، والعسكرية والحرب النفسية، السياسة ومُشكلات الإدارة والحكم، الجريمة والسجون….الخ.
ومن تطور هذا القسم (الأنثروبولوجيا التطبيقية) وازدياد البحوث فيهِ ظهرت فروع حديثة للانثروبولوجـيا الحضارية والاجتماعية حيث أختص كل فرع منها بمجال معين مما ورد أعلاه. وحتى نكون موضوعيين لقد ساعدتنا الدراسات التي أنجزتها الأنثروبولوجيا الفرنسية والأنجلوسكسونية عن المجتمعات المغاربية على فهم أنفسنا وذواتنا، إذ تحتوي هذه الدراسات على مادة إثنوغرافية هامة يمكن لنا أن نستغلها لإعادة بناء صورة حقيقية عن شخصيتنا الحضارية. فقط ما يستوجبه الأمر هو تحديد الهدف بدقة  فيما إذا كان مرادنا إحداث القطيعة أم الاستمرارية.

المطّلع على تاريخ العلوم الإنسانية والاجتماعية في الوطن العربي يكتشف أنها تعاني من هيمنة ثقافة الشارع السياسي العربي ورموزه الفكرية، إذ بلغت تلك الهيمنة حدا دفعت إغراءاتها بعض الباحثين في هذه التخصصات إلى مغادرة أسوار الأكاديميات والانتقال إلى الشارع السياسي وأصبحوا بنتيجتها في مواقع منافسة ليس للزعامات السياسية وحسب وإنما حتى لكتاب الأعمدة الصحفية. وكان وراء هذا النزوح، من الأسوار إلى الشوارع، إما إرضاء لدوافع ذاتية صادقة بتأدية الأكاديمي لدوره في المجتمع باعتباره مثقفا، أو للضغوطات المتتالية عليه من قبل الشارع ورموزه بالتخلي عن عزلته، كأكاديمي، والمبادرة بلعب دور المثقف النهضوي. وهكذا وفي غضون عقود متتالية لم يعد للعلوم الإنسانية والاجتماعية في الوطن العربي من دور تقوم به سوى انتقاء ما يصلح من أطروحاتها ورموزها العلمية وتوظيفها في الصراعات.
لقد أوجدت هذه الظروف التاريخية أوضاعا مواتية لمستويات متدنية من الباحثين في العلوم الإنسانية والاجتماعية لمواصلة الكتابة والبحث في هذه الميادين، ولكن بشروط ومواصفات أصبحت عادة ما تتسم بالضعف والابتذال. الأمر الذي جعل معاهد وأقسام العلوم الإنسانية والاجتماعية ومعظم جامعات الوطن العربي تظهر بمظهر الضعف مقارنة بغيرها من معاهد وأقسام العلوم والتكنولوجيا. وأمام غياب عدد من الباحثين المتميزين وانشغالهم بالشأن السياسي العام في الشارع الثقافي، وتوجه فريق آخر للاستفادة من الظروف المواتية في بيئات البحث العلمي في الأكاديميات ومراكز البحث في الغرب، استطاعت فئة أخرى لا تريد أن تجهد نفسها عناء البحث العلمي، إنتاج أبحاث ودراسات اتسمت بالسطحية والابتذال لتحقيق أغراض بعيدة تماما عن أهداف العلم.
لقد ترتب على تلك الأوضاع أن عانت العلوم الإنسانية والاجتماعية وميادينها المتعددة من ظروف غاية في السلبية، ولعل نصيب الأنثروبولوجيا، باعتبارها أيضا ميدانا حديثا من ميادين هذه العلوم ، كان الأعظم مقارنة ببقية الميادين.

هكذا تحتّم حياة الترحال الدائم أن تكون الجماعة البدوية خفيفة الحركة، كي تتمكن من مواجهة كافة الظروف الصعبة والمتغيرة التي تواجهها أثناء ترحالها، وخفّة الحركة هذه تستدعي أن تكون الجماعة البدوية بسيطة في مسكنها وملبسها ومعداتها.
بناء على هذا نجد أن الترحال والتنقل الدائم أو الموسمي يعبر بصورة أو بأخرى عن مفهوم الاستقرار في الحياة البدوية، فتعبير «استقرار» هو ذلك الذي لا يوحي بالتغير الشامل في نمط الحياة البدوية، ثم إن البدو مستقرون فعلا حسب نمط معيشتهم الخاصة، وذلك إذا أخذنا بعين الاعتبار كما يقول « د.محمد السويدي » تصورهم للمكان، فالمدى الجغرافي الذي يمارس فيه البدو هذا الاستقرار أفسح بكثير مما يتصور سكان القرى والمدن.
بناء على هذا نجد أن الخيمة وما ارتبط بها هي جزء من حضارة الإنسان من الناحية المادية وما ارتبط بها من قيم رمزية يمثل الجانب الثقافي.

وعلى كل ألخّص لك قيّم فضاء الخيمة فيما يلي:
ـ فضاء الخيمة رمز للتواضع والحشمة والحرمة.
ـ الخيمة فضاء مميز للتعبير عن قيم الجود والكرم.
ـ الخيمة رمز العزة والشجاعة والحرية.
ـ الخيمة رمز الانتماء والهوية.
هل هذه الثقافة في تطور أم في جمود ؟
بل هي في تحول مستمر.

إن الحضارة الحديثة أحدثت صراعاً بين ما حملته إلى البوادي والمناطق الحضرية التي يقطنها البدو المتحضرين من مبدأ الفردية، وما تم توارثه من القيم البدوية المضادة له، وهذا الصراع كثيرا ما يؤدي إلى صراع نفسي، لاسيما عند البدو المتحضرين، فكثيراً ما يجد هؤلاء أنفسهم في صراع، فيما يجب عليهم الأخذ به وفق مبادئ المساواة والعدالة والديمقراطية، التي جاءت بها الحضارة الحديثة، وبين أن يجدوا أنفسهم مضطرين إلى الاستجابة لقيّم النخوة والشهامة وعزة النفس والأنفة وحق الجيرة والقرابة والعشيرة والزاد والملح التي نشأوا عليها في محيطهم المحلي.

نشر هذا الحوار في جريدة النصر بناريخ: 06 أفريل 2010 وفي مجلة Batna info عدد شهر جويلية 2010

كما يمكنكم الإطلاع على أبحاث الأستاذ سليم درنوني من خلال موقعه www.dernounisalim.com

Exit mobile version