المنهج الأنثروبولوجي والدراسات الميدانية

عيسى الشماس

مقــدّمـة‏
قد يكون من المفيد أن نبدأ بالسؤال التالي : هل يعدّ علم الإنسان (الأنثروبولوجيا) علماً؟ والإجابة عن هذا السؤال تبدو إيجابية في ظاهرها، وسلبية في ضمنيتها. فثمّة ممثّلون للعلوم (الحقيقية) يرون أنّ هناك ثغرة (عائقاً) تحول دون عضوية علم الإنسان في زمرة العلوم، وتتمثّل في تخلّفه عن ذلك العالم المهيب المسمّى بـ(العلوم الإنسانية ).‏
إنّ الواجب الذي يقع على عاتق العلوم جميعها، يتمثّل في دراسة الثوابت والمتغيّرات التي تبثّ الحياة في مجالاتها ؛ فعلم الأحياء، يدرس أشكال الحياة ومكوّناتها في العالم. وعلم الاجتماع، يركّز على دراسة اللامتغيرات، وثمّة تنافس في هذا المجال بينه وبين علم الأعراق.‏
وعندما نبدأ بالفكرة القائلة بأنّ علم الإنسان، لـه مهمّة محدّدة عليه إنجازها، وأنّ هذه المهمّة حيوية، وأنّها قابلة للتبرير عملياً، وأنّه ليس في مستطاع أي مجال من العلوم الأخرى الاضطلاع بها، حتى وإن كان ذلك مؤقّتاً. وأنّ هذا القطاع أو ذاك من علم الأحياء، يعلن اكتشافه لطريقة تمكّنه من فعل كذا وكذا – يوماً ما – فإنّ ذلك يغيّر بشكل جذري الأسلوب الذي نرى به المشكلة .‏
ومن هذا المنطلق يتمّ تمييز النزعة العلمية لعلم الإنسان، فيما يتّصل بالعلاقة بين الغاية التي يضعها علم الإنسان ذاته، وبين الوسائل التي يكتسبها في طريقه لأداء مهامه. ولكي نقترب من جوهر المشكلة، لا بدّ من مقارنة النزعة العلمية المفترضة عند (علم الإنسان) بحقيقة علمية معلومة، وذلك بغية تحديد أوجه التوافق والاختلاف، أو بالأحرى أوجه النقص التي تمنع علم الإنسان من أن يتوافق مع نموذج (علمي ). وهذا ما سنحاول مناقشته في هذا المقال .‏
أولاً- الأنثروبولوجيا بين النظرية والتطبيق‏
إذا كان علم الإنسان (الأنثروبولوجيا) ليس علماً، ولا يشبه أبداً أي علم من العلوم الطبيعية (التطبيقية )، فإنّ النقاش في طبيعة هذا العلم سرعان ما ينتهي لأنّه لن يكون مجدياّ، وبالتالي لا يحقّ للأنثربولوجيا أن تدّعي بالمنهجية العلمية.‏
لكنّ الميدان هو مخبر عالم الأنثربولوجيا الثقافية – كما يقول / هرسكوفيتز /، حيث يذهب الأنثربولوجي لكي يقوم بعمله إلى موطن الشعب الذي اختاره موضوعاً للدراسة، فيستمع إلى أحاديثهم ويزور بيوتهم، ويحضر طقوسهم ويلاحظ سلوكهم العادي .. ويسألهم عن تقاليدهم، ويتآلف مع طريقة حياتهم حتى تصبح لديه فكرة شاملة عن ثقافتهم، أو يحلّل جانباً خاصاً من جوانبها. فعالم الأنثروبولوجيا، في عمله هذا، أثنوغرافي وجامع للمعلومات، يحلّلها ويربطها بمعلومات أخرى، عندما يرجع من الميدان .( هرسكوفيتز ،1974، ص 85) وفي ذلك جانب علمي تطبيقي.‏
فالأنثروبولوجيا في جانبها الميداني / التطبيقي إذن، تشكّل فرعاً من فروع الأثنولوجيا، حيث يدرس التطبيق العملي للمعلومات والأساليب الفنيّة الأنثروبولوجيا، على الشعوب التي تعيش حياة بدائية بسيطة، والتي يحتكّ بها الإنسان المتحضّر، سواء عن طريق الدراسة، أو عن طريق الاستعمار أو الاحتلال الخارجي . (كلوكهون، 1964، ص 360)‏
ولذلك، يلاحظ أنّ الدراسات الأنثروبولوجية الميدانية، نشطت بشكل واسع وازدهرت، في أعقاب الحرب العالمية الثانية حيث لجأت الدول المستعمِرة، ولا سيّما (أمريكا وبريطانيا وفرنسا) إلى تشجيع هذه الدراسات على الشعوب التي تستعمرها، بغية التوصّل إلى معارف دقيقة عن الأنظمة السياسية والاجتماعية السائدة عند هذه الشعوب، والتي تنعكس في أحوالها الشخصيّة والمعيشية، بما في ذلك من طقوس دينية وعادات وتقاليد، وأساليب تعاملية بين أفراد المجتمع .‏

إقرأ المزيدالمنهج الأنثروبولوجي والدراسات الميدانية

البحث العلمي في الدول العربية ومنهجية البحث العلمي الغربي في العلوم الإنسانية والاجتماعية

د.مصطفى محمد العبد الله الكفري

البحث العلمي

حدث تحول جذري خلال العقدين الأخيرين في الدراسات المتصلة بالبلاد العربية في الغرب واتسم هذا التحول بالتخلي عن مناهج المستشرقين التقليدية، وإدخال مناهج العلوم السياسية الاقتصاد وعلم الاجتماع والأنثربولوجيا والتاريخ الحديث لفهم التحولات الاجتماعية

إقرأ المزيدالبحث العلمي في الدول العربية ومنهجية البحث العلمي الغربي في العلوم الإنسانية والاجتماعية

مناهج البحث الأنثروبولوجية

إعداد الدكتور: علي الحاجي*

طبيعة ومفهوم المنهجية الأنثروبولوجي:

من كل ما أشرانا إليه فيما مضى، ومن خلال تلك الميادين والتيارات الفكرية التي بني عليها علم الأنثروبولوجيا يتبين أن الدراسات الأنثروبولوجية متعددة وكثيرة الفروع. ولهذا كان طبيعياً أن يستخدم علماء الأنثروبولوجيا مناهج بحث متعددة وأساليب لجمع المعلومات متنوعة. فمنها ما يشترك فيها الأنثروبولوجي مع غيره من الباحثين في مجال الدراسات الأنسانية كعلم النفس وعلم الأجتماع، وعلم الأقتصاد، ومنها ما هو خاص ينفرد به علم الأنثروبولوجيا وبالذات الأنثروبولوجيا الطبيعية (الغيزيقية) حيث يستخدم الباحث المنهج التجريبي، ومنهج الملاحظة العلمية، أو منهج القياsس الأنثروبولوجي (الأنثرومتري).
ومن منظور آخر، فأن الدراسات الأنثروبولوجية تمتاز بترابطها وتكاملها وبنظرتها الشاملة للنظم والظواهر الأجتماعية. فالباحث يفسر الحقائق الأنثروبولوجية على أساس ترابطها وتشابكها بعضها بالبعض الآخر. وهنا يمكن أن نستعرض العديد من المناهج البحثية التي يستخدمها الباحثون في ميدان الأنثروبولوجيا بمختلف فروعها وأنماطها.

طريقة المنهج الأثنوغرافي Ethnoghraphic Resaareh:
هذا المنهج من أشهر المناهج المستخدمة في الحصول على معلومات علمية دقيقة حول الظاهرة المدروسة. المبدأ العام المبني عليه هذا المنهج هو أن الباحث يحصل على المعلومات والبيانات حول الظاهرة الأجتماعية التي يريد دراستها من واقع الميدان ذاته. فقد بدأ الباحثون من تحديد مجال البحث بدقة وعناية، وتحديد الظاهرة بكل تفاصيلها ودقائقها، وبكل موضوعية وتجرد. ثم أن الباحثين ارتحلوا إلى النظم الأجتماعية المراد دراستها، وعاشوا بين أفرادها لمدة لا تقل عن سنة، بحيث يتمكن الباحث من إتقان لغة ذلك وفهم دقائق علاقاته وعاداته وتقاليده ومعتقداته وشعائره، وكل ما يتصل بنظام حياته. (فهي بداية الأمر كانت هذه الطريقة تستخدم من قبل المبشرين المسيحيين). وهذا ما أطلق عليه بطريقة البحث العقلي (field Research).
وتعتمد الدراسة الأثنوجرافيه على ما يسمى بالملاحظة العلمية (scientific observation) وهذا النوع من المنهج على ثلاث أقسام:

إقرأ المزيدمناهج البحث الأنثروبولوجية