1. الخلفيات السوسيواقتصادية لظاهرة الإرهاب في الجزائر من خلال خرائط الفقر

د . سيف الإسلام شوية جامعة عنابة –  الجزائر

  • إلماعة سوسيو إقتصادية للمجتمع الجزائري

عانت الجزائر من الاستعمار الفرنسي لمدة 132 سنة الذي ركز على تجهيل / تفقير / ضرب القيم والثوابت الاجتماعية / اغتصاب الأراضي / فرض الثقافة واللغة الفرنسية …. منذ عام 1830. عندما حصلت الجزائر على استقلالها سنة 1962 ، وجدت نفسها في خضم صراعات ثقافية وسياسية واجتماعية عديدة ، كما ظهرت توجهات كبرى متصارعة أهمها :

1. توجه نحو الإسلام ، ومحاولة إحياءه وتطبيقه في الدولة المستقلة الجديدة .

3. توجهات علمانية ، ونعني بذلك تقوية علاقات شاملة مع فرنسا والعلمانية الفرنسية عموما. 2. توجه نحو العروبة ، بمعنى تحاول الارتباط وتقوية العلاقات مع العروبة والقومية العربية .
من الناحية السوسيو اقتصادية ، عانت الجزائر كثيرا من عدم النجاعة وسوء التسيير الاجتماعي- الاقتصادي ، و يتجلى ذلك من خلال عرض البيانات الكمية في المجالات التالية :

* أشار تقرير الأمم المتحدة سنة2002 وسنة 2005 إلى أن أكثر من 40% من السكـان في الجزائر أو ما يعادل 12.4 مليون نسمة في دائرة الفقر أو على حافة الفقر . منهم حوالي 6 إلى 7 ملايين جزائري مصنفين في خانة الفقر المدقع لدولة قدر نتاجها المحلي الخام بأكثر من 55 مليار دولار لعام 2001 ، وبلغت مداخيل البترول والغاز خلال السنوات الأربع الماضية فقط سجلت أعلى أرقامها حيث تراوحت ما بين 18 و31 مليار دولار . (الخبر 13 / 02 / 2006، 12)
* إن ثلث الجزائريين البالغين سن العمل في حالة بطالة. (الخبر 15 / 11 / 2005. 11).
* حسب تقرير الأمم المتحدة حول التنمية البشرية فإن مليون جزائري فقدوا مناصب عملهم منذ 1990-2005. ( الشروق 14 / 09 / 2005،4)
* بلغت مديونية الجزائر بين 21-33 مليار دولار بين 1990-2005. أما احتياطي الصرف بلغ في أكتوبر 2005 حوالي 55 مليار دولار. (الشروق 30/ 08 / 2005. 4).
* أشار تقرير الأمم المتحدة 2005 إلى تراجع العملة الجزائرية مقابل الدولار منذ سنة 1900 إلى 2005 بلغت أزيد من 1000٪. (الشروق14/09/ 2005،4 )
* قدرت مصادر مصرفية الخسائر الناتجة عن أهم الفضائح المالية التي عرفتها الساحة المالية بين 1990-2005 بلغت 2.5 مليار دولار.(الخبر1/11/ 2005،6).
* في الفترة الممتدة بين 1990-2005 لوحظ أن نسبة الزيادة في الأجور لدى العمال والموظفين في المجتمع الجزائري تراوحت بين حوالي 40٪ إلى 60٪ غير أن الزيادة في أسعار المواد الغذائية الأساسية في نفس الفترة بلغ بين 100٪ إلى 500٪ مما ساعد على زيادة الفقر. (الخبر 21 / 08 / 2005،6).
* ارتفاع نسبة التضخم بين سنة 1990-2001. (الشروق 02 /02 / 2006 ،4 )

2- خصائص التعليم في المجتمع الجزائري:

* في منتصف السبعينات عدد الجامعات أربع. لكن في سنة 2002 اصبح عدد الجامعات 26 جامعة ،08 مراكز جامعية ، 12 مدرسة كبرى ، و04 مدارس عليا . فضلا عن ذلك كان عدد الطلبة في الجامعات في منتصف السبعينات لا يتجاوز 18000 طالب تضاعف هذا العدد ليصبح 574725 طالبا في سنة 2002 .) وزارة التعليم العالي الجزائرية (
* حسب التقرير ألأممي حول التنمية البشرية لسنة 2005 بلغ عدد الأميين ممن تجاوز سنه 15 سنة (07) ملايين أمي ( من أصل 30 مليون مجموع سكان الجزائر) ، وأن 200 ألف طفلا لا يذهبون إلى المدرسة سنويا بسبب عدم القدرة على ذلك. (الشروق 14 / 09 / 2005، 04).
* إن المدرسة الجزائرية لفظت (05) ملايين تلميذ منذ 1990- 2005 مما يجعل نسبة التسرب في الجزائر من أعلى النسب في العالم.) الشروق 14 / 09 / 2005 ،04).
* حسب إحصاء 2005 فإن عدد الأطفال في الجزائر بلغ 09 ملايين و600 ألف طفل بنسبة 30٪ من مجموع السكان ، وأن (500 ألف) طفل يتركون سنويا مقاعد الدراسة بسبب الظروف الاجتماعية والاقتصادية التي يعيشونها.(الخبر 19 /01 / 2006 ، 13).
*
حسب الإحصاءات الرسمية لسنة 1998 أن نسبة الأمية في الجزائر قدرت بـ 31.90% أي 7 ملايين و 172 ألف أمي.(الشروق : 08 / 01 / 2003 . 11 )

3- واقع الإرهاب في الجزائر إحصائيا :

*
حسب الإحصاءات الرسمية تضاعف عدد قتلى الإرهاب ليصل إلى حوالي 31934 قتيلا ، في حين بلغ عدد الجرحى حوالي 25957 جريحا في الفترة الممتدة من سنة 1993 إلى سنة 2000.
* 25 ألف مسلح التحقوا بالجماعة المسلحة من 92-95.
*
أوقفت مصالح الأمن 500 ألف مواطن بتهمة الإرهاب.(الخبر: 27 / 10 / 2002 . 4)

ما يلاحظ أن البيانات الرسمية حول ظاهرة الإرهاب في الجزائر تركز على الإحصاءات وتكاد تخلو أو تهمل التحاليل الخاصة بمواضع الجرائم بشكل تفصيلي، وأيضاً بمواقعها التي يمكن أن تثري فهمنا للجريمة، ومن ثم تسهم في التحكم فيها. والإحساس بالمكان يعني النظر إليه على أنه أكثر من نقطة على الخريطة أو مجرد موقع، وإنما ما يحيط بالمكان من خصائص اقتصادية، اجتماعية، وثقافية.

* التساؤل الرئيسي للدراسـة

انطلاقا من تحليل مسرح جريمة الإرهاب أو مناطق الإرهاب الساخنة ومعرفة صفاتها الموروفولوجية واعتمادا على فحص خرائط الفقر تحاول هذه الدراسة الإجابة على تساؤل أساسي وهو :

كيف تبدو عوامل وخلفيات ظاهرة الإرهاب في الجزائر من خلال فحص خرائط الفقر ؟

*

أهداف الدراسـة:

يهدف هذا البحث إلى كشف عوامل ثقافة ظاهرة الإرهاب في الجزائر من خلال تحليل المجال الاجتماعي الاقتصادي للفترة الأكثر دموية الممتدة بين 1993 – 2000 ، وهذا انطلاقا من تشخيص المناطق التي تعاني من الإرهاب تبعا لمنظور خريطة الفقر في المجالات : الاقتصادية , التعليمية , الصحية ، والإسكان.

تعتمد الدراسة على تحليل الجوانب الاجتماعية الاقتصادية المحيطة بظاهرة الإرهاب فضلا على المقاربة الكارتوجرافية Approche Cartographique الذي يركز على التمثيل الكارتوجرافي للظاهرة الإرهابية، اعتمادا على تحليلات إحصائية.

بُغيتي من هذا الطرح أن أقول أنه من الضروري النظر عند بحث ظاهرة الإرهاب ومعطياتها إلى الموضوع نظرة مابين فرعية interdisciplinaire وتفسير الجريمة من خلال هذا المقترب البيني، دون الاعتماد فقط على المحددات الاجتماعية أو الأمراض النفسية .

غني عن البيان أن هذا البحث يهتم بظاهرة الإرهاب في الجزائر من زاوية البعد المكاني الذي يتفاعل من دون شك مع بقية الأبعاد البيئية والاجتماعية.

* مفاهيم البحث :

إن مفاهيم، الجريمة، العنف، والتطرف ترتبط في تفسيرها واستعمالها بدرجات بمفهـوم الإرهاب الذي يعد من المفاهيم الإشكالية. وبما أنه جرى تسويقه وتعميمه، فقد أصبح بحد ذاته جزءا من الصراع، بحيث يرمي كل طرف خصمه بهذه التهمة، الأمر الذي أثار الخلط واللبس. ولابد من التأكيد على أن تعدد التعريفات. وتداخـلها ساهم في هذا التخبط ، ومما زاد من هذا التخبط استخدام هذا المفهوم أحيانا ” بانحيازات قيميـه وإيديولوجية وسيـاسية ، فقد اصبح يطلق على جهة معينة كسـلاح دعائي بهدف التشـويه ولتبرير بعض الإجراءات الانتقامية ضده “. (عبد الغني عماد ،2002. 25).
تُعرف الجريمةCRIME بأنها :
” كل فعل يعود بالضرر على المجتمع ويعاقب عليه القانون. وأنه يمكن تحديد نطاق التشريع الجنائي عندما نتعرف على الأفعال التي تقرر الدولة خلال فترة معينة من الزمن، أنها تدخل في عداد الجـرائم، وأن من يرتكبون هذه الأفعال يجب أن تطبق عليهم العقوبة “.(محمد علي محمد وآخرون ، 1985 . مادة : جريمة)
في حين يعرف جورج جربنر العنف VIOLENCE بأنه : ” التعبير الصريح عن القوة البدنية ضد الذات أو الآخرين أو هو إجبار الفعل ضد رغبة شخـص علــى أساس إيذائـه بالضرر والقتل أو قتل النفس أو إيلامها وجرحها” .(حمد خضر عبد المختار ، 1999 . 155)
أما مفهوم التطرف EXTREMISME فيشير إلـى : ” عقائد واعضة لاتجاهات أو
انفعالات متجاوزة حد الاعتدال”.( Matière :extrémisme. M. GRAWITZ , 1981 )
ممـا سبق ، يمكن أن نستنتج أنه إذا كانت الجريمة تفسر حسب الإطار القانوني للمجتمع ، يمكن أن تتخذ شكلا ثقافيا ، أي تصبح مفهوما ثقافيا يختلف من ثقافة إلـى أخرى غير أن التطرف يأتي في السياق العقائدي وليس كل تطرف جريمة . إلا أن العنف يفهم من الزاوية الأخلاقية باعتبار أنه هجوم على ملكية الآخرين وحريتهم ، لكن استعمال أشكالا من العنف كالسب ، الاستهزاء بمشاعر الآخرين ، والاشتباك بالأيدي كل ذلك لا يعتبر جريمة إنما يدخل في إطار الجنح بحسب التعاريف القانونية ، وعليه يمكن اعتبارالعنف في هذه الحالة جريمة العنف المرتبط بجرائم القتل والاغتصاب والتهديد باستعمال السلاح …
حسب قانون العقوبات الجزائري فإن أفعال الجماعات المسلحة الجزائرية تعتبر أفعالا إجرامية لأنها تدخل في عداد الجرائم التي تقرها قوانين الجمهورية الجزائرية في هذه الفترة . كما تعتبر تلك الأفعال( حسب نفس القانون) إرهابا لأنها تؤدي إلى إيذاء الآخرين وإلحاق الضرر بهم عن طريق القتل أو الجرح أو النهب باستعمال الأسلحة .

يعرف الإرهابTERRORISM بأنه: بث الرعب الذي يثير الجسم والعقل، أي الطريقة التي تحاول بها جماعة منظمة أو حزب أن يحقق أهدافه عن طريق استخدام العنف ويعتبر هدم العقارات وإتلاف المحاصيل في بعض الأحوال كأشكال النشاط الإرهابي. (أحمد زكي بدوى، 1982،مادة : إرهاب )

كما يعرف أيضا بأنه سلوك مادي بحت ينشأ منه حدث مادي في شخص كالضرب أو الجرح أو شيء تتلفه ، فهو كل مسلك يقطع مجرى الهدوء في الكون المادي أو الكون النفسي.( محمود حمدي زقزوق ، 2003 ـ مادة :إرهاب )

وترتبط جرائم الإرهاب بصفة عامة بظاهرة التطرف مع أن ثمة فارقا بينهما ،فالتطرف حركة في اتجاه القواعد الشرعية والقانونية ن في حين أن الإرهاب ظاهرة سياسية واجتماعية قبل أن تكون دينية وإن اتخذت الدين وسيلة إلى تحويل الفكر إلى سلوك. ( محمود حمدي زقزوق ، 2003 ـ مادة :إرهاب )

يبدو إذن أن مفهوم الإرهاب لم ينل إجماع المفكرين بمختلف اختصاصاتهم وهذا راجع حسب اعتقادنا إلى:

*

تنوع العوامل المؤدية إلي بروز الظاهرة .
*

اختلاف الأطراف الفاعلة في بروز الظاهرة .
* الأحداث العالمية(غزو العراق مثلا، أمريكا وحلفائها يعتبرون المقاومة إرهابية )
*

تدخل الدول العظمى في تحديد المفاهيم والتشريعات .
*

تحكم الدول العظمى في الأغلبية الساحقة للمؤسسات الدولية .

* الدراسات السابقة

تأتي دوافع هذه الدراسة كمحاولة أوّلية لكشف بعض حيثيات ظاهرة الإرهاب من خلال مقاربة سوسيوـ جغرافية ، وقد أجد من المفيد في هذا الصدد العودة إلى النتائج بحوث عالجت ظاهرة الإرهاب في الجزائر من زوايا مختلفة ، فهناك دراسات قامت بها المؤسسات العسكرية والأمنية ،وأخرى ركزت على تحليل الخلفية الاجتماعي لظاهرة الإرهاب ، في حين نجد البعض الآخر حاول معالجة تلك الظاهرة من خلال سياقها التاريخي .فلنحاول كشف أهم ما توصلت إليه نتائج تلك الدراسات .

*
دراسة المؤسسة العسكرية الجزائرية حول أسباب ظاهرة الإرهاب في الجزائر .(العقيد : جمال الدين بوزقابة .2003 .75ـ116 )

في دراسة قامت بها المؤسسة العسكرية الجزائرية خلصت إلى أن بروز ظاهرة (الإرهاب ) في الجزائر تعود إلى الأسباب التالية:

* ظهور الإسلاموية الراديكالية السلفية ومرجعيتها الفكرية أبو الأعلى المودودي ، سيد قطب ، عبد السلام فرح .
* الفتاوى المتطرفة التي مكنت العديد من الجماعات المسلحة والأمراء من الظهور .
* تمكن العديد من المنحرفين من إدعاء الإمارة وتكوين جماعات مسلحة مثل ما كان الحال بالنسبة لشريف قواسمي سنة 1994 عندما دعا إلى الجهاد وأرعب منطقة الشلف بالغرب الجزائري .
* عودة حوالي 1600 جزائري من مراكز التدريب بأفغانستان لتدعيم الجيش الإسلامي للإنقاذ ضد السلطة ، ولعل ما يؤكد هذا بأن أول عملية (إرهابية ) في الجزائر استهدفت ثكنة قمار بالوادي في نوفمبر 1991 نفذتها مجموعة ( إرهابية ) برئاسة الجزائري الأفغاني عيسى مسعودي .
* إن الفكر الوهابي ساعد على بروز الظاهرة الإرهابية ضمن التنظيمات الإسلامية السلفية .

* دراسة مصالح الأمن الجزائرية حول أصول الأفغان الجزائريين . (محمود مقدم ، 2002. 20

* اعتبرت مصالح الأمن الجزائرية أن الشباب الجزائري الذي تدرب على حرب العصابات في أفغانستان يشكل الدعم البشري الرئيسي للجماعات الإرهابية في الجزائر. وفي دراسة حول أصول الأفغان الجزائريين على عينة تتكون من 800 عنصر خلصت مصالح الأمن الجزائرية إلى ما يلي :
* إن أغلـب الجزائريين الأفغان يتراوح عمـرهم بين (33 – 42) سنــة بنسبة 66.45 % .
* أغلبهـم اضطرته ظروف عـدة إلـى الإقامة خارج الولايات التي ولدوا فيها.
* ثمة عوامل عديدة توفرت في مطلع الثمانينات عززت توجه الشباب الجزائري نحو أفغانستان للجهاد ضد الاجتياح السوفيتي ومن بين أهم الأسباب تذكر الدراسة :

*

* دراسة الخلفية الاجتماعية والسيكولوجية للجماعات الإرهابية الجزائرية . (بوسنة م ، 2003، 35ـ 59)

تهدف هذه الدراسة إلى كشف الخصائص العامة لأفراد الجماعات الإرهابية في الجزائر من خلال بحث عن ما هي الخصائص العامة لأفراد الجماعات المتطرفة والتي ظهرت إلى العلن وبدأت تدعو إلى العمل المسلح والإرهاب في/ أو بعد سنة 1991؟ هل الانتماء إليها مقتصر على فئة الشباب أم شملت مختلف الفئات العمرية؟ هل أغلبيتهم عزاب أم يوجد هنالك توزيع متساو بين العزاب والمتزوجين؟

للإجابة على هذه التساؤلات اعتمد الباحث في تحليله على المعلومات الرسمية الموثقة على المستوى المديرية العامة للأمن الوطني وهذا حتى شهر أوت 2002.

* أن أغلبية أعضاء هذه الجماعات هم من الذكور 98.04%.
* أن مجتمع الجماعات يتكون من مختلف الفئات العمرية تمثل فئة الشباب (25 سنة أو أقل) أقل من 7% وترتفع إلى 21.94% إذا أدرجنا في فئة الشباب، فئة 26-30 سنة وتصل إلى نسبة 42% إذا زدنا إلى هذا المجموع فئة 31-35 سنة.غير أن الفئة التي يزيد عمرها عن 35 سنة تمثل أكثر من النصف أي 52.4%.
* أنّ الأفراد العزاب يتمتعون بالأغلبية المطلقة في صنف كل من المتابعين أو الذين تم القضاء عليهم. أما فيما يخص الأصناف الأخرى (التائبين والمفرج عنهم والمعفى عنهم) فتوزيع فئة العزاب والمتزوجين نجدها متقاربة جدا، بل إن نسبة المتزوجين أعلى نوعا ما.
* تسير المعلومات المسجلة في اتجاه يؤكد أن أغلبية أفراد هذه الجماعات من ذوي المستويات التعليمية الدنيا فحوالي (68.20%) ليس لديهم أي مستوى أو لديهم مستوى ابتدائي. مع العلم أن نسبة الجامعيين ضعيفة جدا (2.65%)
* أن أكثر من نصف الأفراد (55.6%) كانوا بدون عمل.والباقي يشغلون أعمالا متواضعة..عمال..، حرفيين..،البناء…….وعليه فإن أغلبية أفراد هذه التنظيمات لم يكن لديهم دخل مضمون أو كاف وذلك لأنهم إما من فئة البطالين أو ذوي الدخل المحدود.

تعتبر هذه النتائج مؤشرا هاما يدل على أن الحالة الاجتماعية من المحددات التي لديها تأثير حقيقي في عدول أو استمرار الفرد في النشاط ضمن التنظيمات الإرهابية.

* دراسة حول نشأة الإسلاموية الجزائرية وخلفيتها التاريخية .(جميلة الزين ،2003 ،9ـ33):

قامت المؤرخة جميلة الزين بدراسة تاريخية لنشأة ظاهرة الإرهاب في الجزائر ، انطلقت الباحثة من التساؤلات التالية:

ـ هل أن الإرهاب الإسلاموي في الجزائر نشأ بسبب توقيف المسار الانتخابي في جانفـي 1992 ؟
ـ هل كان الإرهاب في الجزائر استجابة طبيعية ورد فعل مشروع للحرمان من حق ؟

ـإلى أي أصل مذهبي ترجع الإسلاموية في الجزائر؟ وفي أي سياق تاريخي ظهرت؟

للإجابة على هذه التساؤلات قامت الباحثة بتحليل الجذور التاريخية للمجتمع الجزائري وخلصت إلى النتائج التالية :

* منذ بداية الثمانينيات من القرن الماضي تمّ في القطر الجزائري إنشاء جمعيات جديدة للأحياء والمساجد كانت بمثابة قاعدة للحركة الإسلامية من تيار الإخوان المسلمين. وقد سمحت هذه الأخيرة بوضع نسيج هيكلي وحيوي شكّل نواة الدعاية لإيديولوجيتها وتكوين المناضلين الذين انضموا فيما بعد إلى الحركة الإسلاموية، حيث تم الشروع في عمل يهدف إلى الاستحواذ على المجتمع ليكسبوا شيئا فشيئا ولاء شرائح واسعة ومختلفة من السكان. وبدأت تظهر علامات الدعوة التي تضاعفت والتي أدخلت في السياسة لتحضير المناضل من خلال صقل قاعدته وإيمانه مع استمرار في انتقاد الدولة وتوجهاتها الاشتراكية. وانتقل اتجاه الإخوان المسلمين من المطلب الروحي والأخلاقي إلى المطلب السياسي، لكن دون الاستجابة للرغبة في تنظيم حزب سياسي، مفضلين انتهاج الطريقة المرحلية مثلما تمليها الجمعية الأم. أي إعادة إخضاع القاعدة للتصور الإسلاموي الجديد، ثم تغيّر السلطة بصفة تلقائية.
* إنّ الإسلاموية في الجزائر ليست إلاّ ثمرة للتحولات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي ميزت بشكل عنيف في أغلب الأحيان الساحة الوطنية، خلال الثمانينات. وتستمد جذورها من السنوات الأولى من الاستقلال بفضل نشاط بعض الأئمة الذين كان معظمهم أعضاء سابقين في جمعية العلماء المسلمين الجزائريين الذين لم يترددوا في الابتعاد عن المبادئ الأساسية لجمعيتهم من خلال اقتحام المجال السياسي، والأئمة المحتجين المنتمين إلى جمعية “القيام”. إنّ هذين التيارين المعارضين للتوجهات الاشتراكية للنظام انتقلا شيئا فشيئا من المطلب الروحي إلى مطلب سياسي وذلك لبروز إسلام سياسي أكثر.
* إنّ استعمال اللغة العربية في التعليم باعتبارها جزءاً لا يتجزأ من الهوية الجزائرية والتي تجاهلها الاستعمار المدمر منذ أكثر من قرن، والتي كانت امتدادا طبيعيا للحركة الوطنية وحرب التحرير الوطني، عملية تبنتّها الدولة.غير أنّ نقص المعلمين الجزائريين في تدريس هذه اللغة دفع السلطات بالاستعانة بالمتعاونين من الشرق الأوسط، حيث كان العديد منهم مناضلين في الحركة الإسلاموية.
* شكلت الجامعة إطاراً للتحسيس و التجنيد لم يسبق له مثيل سرعان ما أدى إلى مواجهات وأعمال عنف بين الطلبة الإسلاميين والطلبة الشيوعيين التابعين لحزب الطليعة الاشتراكية من أجل مراقبة كل النشاطات بهدف فرض وجهات نظرهم على كافة الأسرة الجامعية بالقوة والردع.
* أصبح الانضمام إلى حزب الجبهة الإسلامية للإنقاذ عملا دينيا ووطنيا بالنسبة لشرائح واسعة للسكان الذين شعروا بالانخداع بسبب وعود كاذبة ولّدت في نفوسهم الشعور بالارتياب والانتقام إزاء السلطة القائمة التي انحرفت عن مبادئ ومكاسب ثورة نوفمبر 54، لا سيما لدى الشباب الذين تمكنت الجبهة الإسلامية للإنقاذ من استقطابهم لصالحها، كما استطاعت أن تكون إطار تنصّب فيه كل الأخطاء السابقة .ومن جهة أخرى، وحيث أن هذه الجبهة منحت لنفسها الشرعية الدينية والتاريخية وأيضا ممثلاً للإسلام دون سواه، وخاضت صراعا شديدا تجاه الأحزاب الإسلامية الأخرى من أجل الاستحواذ على الأماكن التي تشكل أراض طبيعية مناسبة للدعاية لطموحات إسلاموية وإنشاء لجان مساجد الأحياء والنقابة الإسلامية للعمال، والشرطة الإسلامية…..
* إنّ الإجراءات القمعية التي مسّت مناضلي الحزب لم تضعفه مثلما كان متوقعا، بل على العكس من ذلك، فقد عزّزت صورته على أنه الحزب الوحيد القادر على إحداث التغيير الذي يتطلع إليه السكان الذين أيدوه بقوة.
* إذا كان توقيف المسار الانتخابي قد وضع حدا نهائيا لأهداف الحزب في الهيمنة على المؤسسات التشريعية، إلاّ أنّه أدى إلى تعزيز الأطروحات الراديكالية المؤيدة لإقامة الجمهورية الإسلامية، ونشرها من طرف مناضلي الحزب والمتعاطفين معه الذين انتهى بهم الأمر بالالتحاق بجماعات مسلحة من أجل الجهاد ضد النظام الكافر والغاضب.

* ملاحظات حول الدراسات السابقة :

من خلال عرضنا للدراسات السابقة يلاحظ

* أن المؤسسة العسكرية ترجح العوامل الفكرية والسياسية لظاهرة الإرهاب .
* لمحت دراسة مصالح الأمن إلى الجوانب الاجتماعية الاقتصادية المساهمة في ظهور الجماعات المسلحة
* الدراسة الأكاديمية فقد أبرزت أهم المؤشرات التي ساهمت بشكل مباشر في تكوين تلك الجماعات.
* الملاحظ أن ظاهرة الإرهاب درست إما من منظورات فكرية ، أو قانونية، أو اجتماعية أو شرطية، أو عسكرية ، ًولم تهتم هذه الدراسات بالأبعاد المكانية.
* إن إحصاءات الإرهاب تكاد تخلو أو تهمل البيانات الخاصة بمواضع العمليات الإرهابية بشكل تفصيلي، وأيضاً بمواقعها التي يمكن أن تثري فهمنا الشمولي لظاهرة الإرهاب، ومن ثم تسهم في التحكم فيه.

*

وسائل جمع البيانات

اعتمدت الدراسة على البيانات التالية :

* الوثائق والأبحاث العلمية
* الإحصاءات الرسمية
* خرائط الفقر الرسمية

* مسرح ظاهرة الإرهاب في الجزائر :

إن تحليل مسرح جريمة الإرهاب في الجزائر أو مناطق الإرهاب الساخنة يعتمد على حجم الظاهرة انطلاقا من عرض الأرقام التالية. (الخبر 27 / 10 / 2002،4 ) :
القتلى     الجرحى     السنة
744     432     1993
7473     3172     1994
6524     5665     1995
4475     5241     1996
7244     4496     1997
3042     3759     1998
1475     1981     1999
957     1211     2000

كشفت المؤسسة العسكرية الجزائرية أن الجماعات الإرهابية في الجزائر مصدرها الولايات التالية : عين الدفلة ، الشلف ، البليدة ، معسكر ، سيدي بلعباس ، جيجل ، باتنة ، تبسة ، غليزان ، المدية ، وتيسمسيلت .( الشروق 08 / 01 / 2003 , 12)

يعني هذا أن تلك الولايات تشكل النقاط الساخنة” وعليه نحاول من خلال فحص خرائط الفقر كشف خصائص مسرح ظاهرة الإرهاب أو مناطق الإرهاب الساخنة ومعرفة صفاتها الموروفولوجية .

أولا – خصائص مسرح ظاهرة الإرهاب من منظور خرائط الفقر
يلاحظ من خلال فحص خرائط الفقر(الشكل 1-2 )

* يلاحظ أن نسبة( 11.5) من البلديات الجزائرية تندرج ضمن البلديات الأكثــر فقرا ونسبة ( 15.8 ) بلدية قريبة من حافة الفقر ،وهذا يعني أن نسبة ( 27.3) من البلديات مسها الفقر أي أكثر بقليل من ربع بلديات الوطن .
* أغلب البلديات الأكثر فقرا تقع بالدرجة الأولى في ولاية : المدية ، الشلف ، عين الدفلة.
* إن النقاط الساخنة أو الولايات التي اعتبرتها المؤسسة العسكرية مصدرا للإرهاب تقع ضمنها البلديات الأكثر فقرا أو على حافته.

ثانيا- خصائص مسرح جريمة الإرهاب من منظور خرائط الفقر التعليمي( الشكل 3-4)
فحسب الإحصاءات الرسمية لسنة 1998 أن نسبة الأمية في الجزائر قدرت بـ 31.90% أي 7 ملايين و 172 ألف أمي .(الخبر 31 / 12 / 2002 . 10 )
وأن المناطق التي تعاني من الإرهاب ” تنتشر فيها الأمية بنسب معتبرة خصوصا لدى الذكور،وهي الفئة الأوفر حظا للالتحاق بالجماعات الإرهابية ، والإحصاءات الرسمية التالية توضح ذلك : (الشروق 08 / 01 / 2003 . 11) :
نسبة الذكور الأميون
1. o تاثير معنى الجهاد وسلطته على نفوس المؤمنين . o الظروف الاقتصادية الصعبة التي كانت تعيشها الجزائر . o تنامي نسبة البطالة وسط فئة الشباب . o 1. الجوانب الاجتماعية الاقتصادية للمجتمع الجزائري :
النسبة العامة للأمية

الولاية
46.78 %     53.66 %
الجلفة
33.44 %     45.33 %
تيسمسيلت
32.82 %     42.33 %     عين الدفلة
30.46 %     42.05 %     غليزان
31.18 %     41.09 %     المدية
30.74 %     40.04 %     الشلف
32.22 %     38.08 %     الأغواط
28.98 %     37.21 %     معسكر
24.35 %     33.91 %     باتنة
22.51 %     33.20 %     البويرة
20.42 %     27.15 %     بومرداس
17.98 %

23.05 %

البليدة

إن إلقاء نظرة إجمالية على خرائط الفقر في المجال التعليمي نكتشف ما يلي :

* إن نسبة 6.4% من البلديات تقع ضمن الفئة المتردية ، و15 %تقع ضمن البلديات المتوسطة ، هذا يعني أن حوالي ربع البلديات 22 % تتراوح بين الفقر المدقع والفقر في مجال التعليم .
* إن البلديات الأكثر فقرا تقع في ولاية: المدية ، عين الدفلة ، الشلف ، غليزان ،الجلفة ، واقل حدة تقع كل من ولاية :معسكر ، باتنة ، تبسة ،جيجل .
* إن النقاط الساخنة أو الولايات التي اعتبرتها المؤسسة العسكرية مصدرا للإرهاب تقع ضمنها البلديات الأكثر فقرا في مجال التعليم أو على حافته.

ثالثا- خصائص مسرح جريمة الإرهاب من منظور خرائط فقر الصحة(الشكل 5-6)

يبدو من قراءة خرائط الفقر الخاصة بالجانب الصحي الحقائق التالية :

* إن نسبة 10.9 % من بلديات الجزائر تعاني من الفقر المدقع في المجال الصحي .
* إن نسبة 42.1 % متوسطة في المجال الصحي .
* إن نسبة 53 % من بلديات الجزائر تعاني من تدني المجال الصحي .
* إن نسبة 64 % من بلديات الشمال والوسط تعاني من سلبيات في المجال الصحي ، تليها 36 %من بلديات الجنوب.
* إن النقاط الساخنة أو الولايات التي اعتبرتها المؤسسة العسكرية مصدرا للإرهاب تقع ضمنها البلديات الأكثر فقرا في مجال الصحة أو على حافته.

رابعا- خصائص مسرح جريمة الإرهاب من منظور خرائط فقر السكن(الشكل 7-8)

إن إلقاء نظرة إجمالية على خرائط الفقر الخاصة بالمجال السكني تكشف ما يلي :

* إن نسبة 15 % من بلديات وضعيتها جد حرجة في مجال السكن .
* إن نسبة 40 % من البلديات وضعيتها متوسطة .
* إن نسبة 76 % من البلديات الأكثر تضررا تقع بين شمال ووسط البلاد.
* إن النقاط الساخنة أو الولايات التي اعتبرتها المؤسسة العسكرية مصدرا للإرهاب تقع ضمنها البلديات الأكثر فقرا في مجال السكن أوعلى حافته.

مما سبق نلاحظ ما يلي :

* أن هناك بلديات تعاني من فقر في مجالات دون اخرى ، بالمقابل توجد بلديات تندرج في خانة الفقر المدقع في جميع المجالات و يوجد حوالي60 % من هذه الفئة في كل من ولاية عين الدفلة ، الشلف ، باتنة ، تبسة ، غليزان ، المدية ، تيسمسيلت .أي 07 ولايات من 11 ولاية تعتبر مصدر الإرهاب أو ضمن النقاط الساخنة.في حين أن 04 بلديات متبقية هي : البليدة ، معسكر، سيدي بلعباس ،جيجل كلها تعاني من فقر في مجالات دون أخرى .
* لا توجد ضمن الولايات التي تشكل النقاط الساخنة” لظاهرة الإرهاب في الجزائر المدن الصناعية الكبرى في الجزائر التي تتميز بثراء أهلها نوعا ما ونقص البطالة وغيرها من سمات الفقر .
* تتميز الولايات التي تشكل النقاط الساخنة بقلة مواردها الاقتصادية ونقص في معدلات النمو فيها.
* اعتماد أهلها على الفلاحة التقليدية والرعي والحرف .

الخاتمة

* إن إلصاق العمليات الإرهابية بالفقر والأمية واللاعدل الاجتماعي في توزيع الثروات التنموية، لا يقصد به إعطاء الشرعية للجماعات الإرهابية ، ولكن هي مساهمة لتطويق العمل الإرهابي .
* تحاول السلطات الجزائرية التصدي لظاهرة الإرهاب بوسائل عدة (كمدخل لحل المشكلات الاجتماعية الاقتصادية) نذكر منها : إصدار وتنفيذ كل من قانون الرحمة وقانون الوئام المدني سنة 2004 ،وفي إطار تسوية الأزمة الأمنية التي يشهدها المجتمع الجزائري منذ 1990 .كما يطبق الآن في الجزائر مضمون ميثاق السلم والمصالحة الوطنية الذي يعني :

* العفو لصالح الأفراد المحكوم عليهم والموجودين رهن الحبس.
* الإعفاء لصالح جميع الأفراد الذين صدرت في حقهم أحكام نهائية أو المطلوبين الذين لا تشملهم إجراءات إبطال المتابعة أو إجراءات العفو السالفة الذكر.

* يبدو أن ميثاق السلم والمصالحة الوطنية ساهم بشكل كبير في التخلي عن العمل المسلح لدى عدد من قادة الجماعة السلفية للدعوة والقتال ، وعودة العناصر (التي

لم تلطخ أيديها بدماء الأبرياء ) للحياة الاجتماعية الطبيعية .

* إن عدم توحيد المرجعية الدينية المعتدلة والمستقلة أو غيابها أو تغيبها قد يساهم في بروز ظاهرة التطرف والتعصب ومن ثم تظهر الصراعات وأعمال العنف الاجتماعية .

* من الضروري النظر عند بحث ظاهرة العنف ومعطياتها نظرة مابين فرعية interdisciplinaire وتفسيرها من خلال هذا المفهوم البيني، دون الاعتماد على المنظور الأحادي.