وسائل الإعلام و مواجهة العنف في الجزائر

أ. بن يحي سهام

جامعة جيجل / الجزائر

ملخص

إن قضية العنف قضية مجتمعية أخلاقية ترجع أساسا إلى تراجع القيم الاجتماعية في المجتمع ،و تتطلب لمواجهتها مشاركة جميع مؤسسات التنشئة الاجتماعية كالأسرة ،المسجد ، المدرسة ، وخاصة وسائل الإعلام بكل أشكالها المقروءة و السمعية و البصرية نظرا لما تمتلكه هذه الأخيرة من خصائص و إمكانيات تكنولوجية متنوعة تساعدها في التأثير على المجال المعرفي و الوجداني و السلوكي للفرد.غير أن دراسات علمية كثيرة أكدت على الدور الرئيسي لهذه الوسائل في نشر العنف  في المجتمع لاسيما عند فئة المراهقين والأطفال – من خلال ما تبثه من برامج مليئة بصور و مشاهد العنف- أما البعض الآخر فقد قلل من تأثيرها واعتبرها فقط من بين العوامل التي يمكن أن تساهم في زيادة نسبة العنف إلى جانب عوامل أخرى كالظروف الاجتماعية والاقتصادية.

بالمقابل يمكن استغلال التأثير الكبير لوسائل الإعلام على سلوك الفرد لمواجهة العنف بمختلف أشكاله (الجسدي اللفظي، الرمزي).ومن خلال هذه المداخلة نحاول أن نبين كيف يمكن بناء إستراتجية  إعلامية قادرة على تنمية القيم الاجتماعية التي تنبذ العنف  و تدعو إلى الحوار و التواصل بين أفراد المجتمع عند التعامل مع بعضهم البعض لاسيما إذا كان هناك تكامل و تناسق بين هذه الوسائل .

مدخــل

تعتبر ظاهرة العنف ظاهرة اجتماعية  معقدة ذات أبعاد سياسية و اقتصادية ،  و اجتماعية ، عرفها الإنسان منذ القدم ، واتخذ ت أشكالا مختلفة ، وقد سعت كل الأديان و الأعراف و القوانين المحلية و الدولية للقضاء عليها و معاقبة مرتكبيها من جهة واتخاذ كافة التدابير اللازمة للوقاية منها من جهة أخرى.

وسجل تاريخ المجتمعات القديمة حوادث عنف بأشكال وصور مختلفة عما نعرفه اليوم،”إذ لاحظ بارون Baron أن الإغريق عندما استولوا على طروادة عام 1184 ق.م  أعدموا جميع الذكور الذين تجاوزوا العاشرة ، و باعوا الأطفال و النساء في سوق النخاسة .

و في القرن 13 م اجتاح ” جنكيزخان” أسيا و أوروبا و أباد الملايين البشر أما هتلر فأباد أثناء الحرب العالمية الثانية 11 عشر مليونا  من الأبرياء، و يعتبر الشرق  الأوسط ، شمال ايرلندا من المناطق التي يكثر فيها العنف بشكل ملحوظ ،و تعتبر الحروب من أعمال العنف الجماهيري، كذلك المسجونين الذين يرتكبون أعمال العنف و القتل.”(1).

وقد اختلفت أشكال العنف في العصور القديمة كما اختلفت العوامل المسببة له وتأثيراته النفسية والإجتماعية والإقتصادية على الفرد والمجتمع وقد تتسبب هذه الظاهرة في خسائر بشرية ومادية معتبرة عبر التاريخ  وانهارت حضارات بسببها إلا أن ماركس كانت له رؤية مختلفة لهذه الظاهرة فبالرغم من أنه “كان مدركا لدور العنف في التاريخ لكنه كان يعتبر ه دورا ثانويا ،فليس العنف ما يقود المجتمع القديم إلى الزوال ،بل التناقضات داخل ذلك المجتمع ،كما أن ظهور المجتمع الجديد سبقه اندلاع العنف ،دون أن يتسبب به ذلك الإندلاع ،وهو ما شبهه ماركس بآلام الولادة دون أن تكون الولادة ناتجة عنها”.(2).و في عصرنا الحالي غالبا ما تكون الظروف الإجتماعية والإقتصادية السبب الرئيسي الذي يدفع  إلى العنف .

ونجد للعنف مدلولات واسعة في التراث النظري ، من بينها تعريف  OMSحيث تعتبر العنف” على أنه تهديد أو استعمال عمدي للقوة الجسمية أو السلطة ضد نفسه ،ضد الآخرين أو ضد جماعة أو طائفة تتسبب في صدمة نفسية ،موت ،مشاكل نفسية ، ضعف النمو أو حرمان.”(3).

ومن خلال السجلات القضائية والبحوث المتعلقة بالعنف نجد أن هناك عنف يؤدي إلى  الموت وعنف أخر لا يؤدي إلى الموت ،وحسبMS Oفي سنة 2000 هناك 1.6 مليون شخص توفي بسب العنف يتعلق الأمر 520000 حالة قتل، 815000 حالة انتحار، حرب 310000 وتكون معظمها في الدول النامية وأقل من 10% في الدول المتقدمة(4).وتدل هذه الإحصائيات على حجم الخسائر التي تنتج عنه مما يستدعي ذلك تضافر جهود الجميع لمواجهته والحد من انتشاره،لأن ديمومة الأمن والاستقرار حتمية لا مفر منها لتنمية المجتمع وتطويره وغيابه يؤدي إلى اختلال العلاقات الاجتماعية وحدوث الفوضى ،مما يقلل من مرد ودية الفرد في جميع المجالات  .

والإنسان بتواجده في المجتمع، يكون في صراع و تفاعل مع الآخرين، و غالبا ما ينتج عنه عنف سواء كان لفظيا أو جسديا أو رمزيا، كأسلوب للتعبير في ظل غياب أسلوب الحوار.

وغالبا ما تلعب التنشئة الاجتماعية دورا كبيرا في ترسيخ فكرة العنف في أذهان  الأطفال ، فشتم الأب زوجته أو ضربها أمام أطفالها ،أو استعماله كأسلوب للتربية يشكل بداية العنف ،كما أن الثقافة السائدة أحيانا تعتبر العنف كأسلوب مشروع لتأديب الأبناء والتعامل مع الزوجات ،ومن هذا المنطلق ،تبدأ فكرة استعمال العنف كأسلوب للتعامل مع الآخرين بدلا من الحوار،إنها صورة من صور العنف اليومي الذي يتعلمه الطفل في بيته ليمارسه في الشارع مع أصدقائه أو في المدرسة ،فالطفل يتعلم العنف كوسيلة للتعامل مع الآخرين ،لأنه لم يتعلم أو لم يشاهد والديه يمارس الحوار معه  و غالبا ما تكون نهاية هذا العنف ارتكاب أبشع جريمة في العالم و هي القتل بسبب مناوشات كلامية أو من أجل مبلغ بسيط..

وقد  تزايدت نسبة العنف في الجزائر بشكل ملحوظ يدعو للقلق، مس جميع  الشرائح الاجتماعية ، و تعددت أسبابه كما تعددت نتائجه فتعقد الحياة العصرية ، ازدياد نسبة الفقر ، البطالة، ارتفاع النمو الديمغرافي ، انتشار الأمية و الأحياء القصديرية في المدن بسبب النزوح الريفي ، كلها ساهمت   بشكل أو بأخر بنشر العنف و أضحت وسيلة الفرد لحل مشاكله لأنه لم يتعلم منذ تنشئته كيف يحل مشاكله بعقله .و الملاحظ لظاهرة العنف في الجزائر، يستنتج أنها لا تخرج عن كونها أزمة قيم ، فهي  بالدرجة الأولى سلوكيات نابعة عن غياب القيم المتعلقة بطريقة معاملة الإنسان للآخرين كالتسامح ، الصبر ،احترام  الآخرين ، التعاون ،النظام ،العمل ، وغيرها من القيم المطلوب توفرها عند الفرد “فالقيم تلعب دورا كبيرا في تشكيل الكيان النفسي للفرد وتزويده بالإحساس بالغرض منه وتوجهه  تجاه هذا الغرض على النحو التالي :

1-فالقيم تهيئ الأساس للعمل الفردي والجماعي الموحد .

2-تتخذ كأساس للحكم على سلوك الآخرين .

3-وتمكن الفرد من معرفة ما يتوقعه الآخرين وما هي ردود الفعل.

4-توجه لديه إحساسا بالصواب و الخطأ”.(5)

ولتدعيم هذه القيم وتثبيتها في المجتمع نستعمل وسائل الإعلام بكل أشكالها المقروءة والمسموعة والبصرية بالرغم من أنها تعتبر من العوامل المسببة لانتشار العنف نتيجة مشاهدة أفلام العنف أو رسوم متحركة مليئة بمشاهد العنف ،أو الإطلاع الدائم والمستمر لألعاب عبر الانترنت و”العنف في التلفزيون أو السينما عبارة عن منتوج إعلامي يخلق صورة عن عالم عنيف …هذه الصور مليئة وجدانيا ومعرفيا بالقيم والمعايير، في أغلب الأحيان يمكن أن تكون مصدرا لمعايير السلوك لأنه ينظر إليها على أنها مقبولة اجتماعيا ويشترك فيها أغلبية الجمهور…”(6). ويكون تأثيرها بشكل أكبر على المراهقين والأطفال الذين يفتقدون فيه للمعلومات والخبرة .بالمقابل يمكن أن يكون لوسائل الإعلام دورا عظيما في مواجهة العنف بكل أشكاله (اللفظي ،الجسدي ،الرمزي)من خلال تثبيت القيم الإجتماعية وتدعيمها وتوعية الأفراد باللجوء إلى استخدام الحوار والعقل عند التعامل مع الآخرين في حل مشاكله .

وفي مداخلتنا هذه نحاول تسليط الضوء على هذين الجانبين المتعارضين من الموضوع ،كيف يمكن أن تساهم وسائل الإعلام في نشر العنف بكل أشكاله ؟وكيف يمكن أن تلعب الدور المضاد في مواجهة العنف ونشر القيم الإجتماعية التي تنبذ ه باعتبار العنف قضية أخلاقية ؟

ولاحتواء كل جوانب هذا الموضوع قسمنا  هذه المداخلة إلى العناصر التالية :

مدخل.

مجالات تأثير وسائل الإعلام على الفرد والمجتمع

دور وسائل الإعلام في نشر العنف في المجتمع.

بناء نموذج لإستراتجية إعلامية لمواجهة العنف في الجزائر.

الخاتمة.

مجالات تأثير وسائل الإعـلام على الفرد والمجتمع:

ارتبطت وسائل الإعلام منذ ظهورها بحياة الأفراد وان كانت قد اتخذت أشكالا مختلفة من صحافة مكتوبة إلى إذاعة مسموعة فالتلفزيون وصولا إلى الانترنت وأحدثت تغييرات بنائية ووظيفية في المجتمع،وازدادت أهميتها بزيادة قدرتها على المساهمة مع وسائل التنشئة الإجتماعية الأخرى في معالجة مشكلات اجتماعية واقتصادية وسياسية ونشر الوعي والمعرفة في المجتمع، وتعرّف على أنها “تزويد الناس بالمعلومات الصحيحة والحقائق الثابتة والأخبار الصادقة عن طريق إذاعتها أو نشرها بشتى وسائل نشر المعلومات المعروفة”.(7)

وتؤدي وسائل الإعلام وظائف عديدة في المجتمع واختلف العلماء في تحديد هذه الوظائف، فقد حدد “لازويل” ثلاثة وظائف منها : مراقبة البيئة، الترابط، نقل التراث الاجتماعي، في حين حددها “شرام” بالنسبة للفرد في الإعلام، التعليم، الترفيه. أما بالنسبة للمجتمع فهي فهم ما يحيط من ظواهر وأحداث، تعلم مهارات جديدة، الاستمتاع والاسترخاء، الهروب من المشاكل اليومية، أو الحصول على معلومات جديدة تساعد على اتخاذ القرارات”. (8)

ونظرا لأن وسائل الإعلام تؤدي وظائف متعددة في المجتمع، يمكن الاستفادة من إمكانياتها، و خصائصها للتأثير على الأفراد عند معالجة ظواهر اجتماعية خطيرة وتغيير سلوكيات سلبية كظاهرة العنف مثلا.

” فالإعلام يمثل كافة أوجه النشاط الإتصالية التي يفترض فيها تزويد الأفراد بكافة الحقائق والأخبار الصحيحة والمعلومات السليمة عن القضايا والموضوعات والمشكلات ومجريات الأمور بطريقة موضوعية، وبدون تحريف وهذا يؤدي إلى خلق أكبر درجة ممكنة من المعرفة والوعي والإدراك والإحاطة لدى فئات جمهور المتلقي للمادة الإعلامية بكافة الحقائق والمعلومات الصحيحة عن هذه القضايا والموضوعات”(9).

وتستخدم وسائل الإعلام باختلافها نظرا لقدرتها التأثيرية على المعرفة والاتجاه والسلوك وذلك على النحو التالي:

-1 أثـار وسائـل الإعـلام على المعرفـة والإدراك والفهـم :

تبدأ عملية الإتصال بجذب اهتمام الجمهور لتوليد الوعي (المعرفة) لتصل إلى الإدراك والفهم.

ويحدث الإدراك والفهم نتيجة التفاعل بين محتوى الرسالة مع الخبرات الشخصية المباشرة لأعضاء الجمهور. وتعتمد قابلية الفرد لاستجابة للمعلومات التي تقدمها وسائل الإعلام على تكرار التعرض لنفس المثير وبعض التدعيم من خلال العلاقات الشخصية(10).

فمن خلال تزويد الأفراد بالمعلومات والمفاهيم والحقائق المتعلقة بأخطار الناتجة عن ظاهرة العنف (كاستعمال العنف في تربية الطفل وما ينتج عنه من مشكلات نفسية وضعف نتائجه في المدرسة) وأسبابها والطرق

والأساليب المطلوب إتباعها لتفادي وقوعها، بالإضافة إلى إلقاء الضوء على كافة القوانين المتعلقة بالعنف ضد المرأة أو الأطفال… مع التنويه بأن القانون إنما وضع لحماية الأفراد، وكافة القرارات التي تتخذها الهيئات والجهات المختصة للوقاية من العنف والتأكيد المستمر على ضرورة مساندة هذه القرارات.

-2 أثـر وسائـل الإعـلام على الاتجاهات والقيـم :

هناك اتفاق عام على أن وسائل الإعلام تحدث آثارا على الاتجاهات والقيم، أما الفترة اللازمة لإحداث هذا الأثر فما زالت محل جدل وتساؤل ، وتشير معظم الدراسات السابقة إلى أن وسائل الإعلام تقوم بدور ملموس في تكوين الآراء، أكثر مما تساهم في تغيير الآراء.(11)

فنشر القيم الاجتماعية وتدعيمها لاسيما المتعلقة بطريقة معاملة الإنسان للآخرين كالتسامح، الصبر، احترام الآخرين، التعاون، النظام، العمل وغيرها من القيم تسهم في توجيه سلوك الفرد وتقلل من العنف.

-3 أثـر وسائـل الإعـلام على تغييــر السلـوك :

أشارت الدراسات السابقة إلى أن تغيير السلوك يحتاج إلى وقت طويل، ويعتمد على عوامل عديدة منها : عدد الأفراد المهتمين باتخاذ القرار، المخاطر الإقتصادية والإجتماعية، المخاطر المستقبلية للحدث، المدى الذي يستغرقه التحول من ممارسات حالية إلى ممارسات جديدة، ومدى ملائمة السلوك الجديد لطبيعة الشخصية والقيم والدوافع الفردية.(12)

ويرتقي دور وسائل الإعلام إلى اكتساب الأفراد سلوك حضاري هو احترام الآخرين واستخدام الحوار الذي يعد مقياسا لتحضر المجتمع.

هكذا يتمكن الفرد من الإنتقال من حالة اللاوعي إلى حالة الوعي بأخطار العنف والطرق والأساليب التي يجب إتباعها لمواجهته وبذلك يشارك الفرد في الحد أو التقليل منه وتحمل المسؤولية.

لأنه لا يمكن العيش في دوامة العنف ولا يمكننا بذلك تحقيق أهداف التنمية أو تطوير المجتمع وخير دليل على ذلك ما حدث في الجزائر التي بسبه عرفت تدهورا كبيرا في جميع المجالات بالإضافة إلى المشكلات النفسية التي يعاني منها ضحايا العنف.

و بالتالي فالجزائر في أمس الحاجة لاستخدام وسائل الإعلام بمختلف أشكالها لتنمية وعي الأفراد بأخطار حوادث العنف التي نجدها في كل مكان فحتى الرياضة أصبحت مسرحا لحوادث عنف راح ضحيتها أفراد من كل الأعمار وأيضا نجد العديد من الزوجات تم قتلهن من طرف أزواجهم أو أطفال قتلوا من طرف الأب أو الأم غير أن تأثير وسائل الإعلام يتطلب وقتا طويلا وذلك يحتاج لتغطية إعلامية مستمرة ودائمة وليس فقط في المناسبات كما هو الحال في الإعلام الجزائري، بل لابد من وضع إستراتيجية إعلامية ذات أهداف محددّة وواضحة لتغيير السلوك.

فالإعلام يقوم بدور كبير في تثبيت القيم “حيث يتفق علماء الاجتماع و الإتصال على أن أي تغير اجتماعي مقصود في المجتمع لابد أن يصل إلى الناس عبر وسائل الإعلام وأنه لا يمكن أن يتم أي تغير في المجتمع بمعزل عن استخدام هذه الوسائل …إذ تعد أساس عملية التغيير الإجتماعي ،ذلك لما يتم من خلال تلك الوسائل من عمليات تكوين الآراء وتغيير المفاهيم وأنماط السلوك وتثبيت القيم المرغوب فيها وتدعيمها”(13).

إن الوعي بأخطار العنف على المستويين الشعبي والحكومي ضروري، فالجماهير الواعية تحترم القوانين ويتجنبون اللجوء إلى العنف لحل مشاكلهم وصناع القرار يتخذون الإجراءات اللازمة لردع ظاهرة العنف.

دور وسائل الإعلام في نشر العنف في المجتمع:

من خلال العديد من الدراسات الإجتماعية والإعلامية حول تأثير وسائل الإعلام في نشر العنف نجد اتجاهين رئيسين فالإتجاه الأول يقلل من شأنها ويعتبرها كأحد الأسباب المؤدية لنشر العنف  والإتجاه الثاني يؤكد على العلاقة القائمة بين وسائل الإعلام وانتشار العنف في المجتمع.

“فقد أتبت BANDURA في إطار نظرية التعليم الإجتماعي أن الأطفال يميلون إلى تقليد الأنماط السلوكية التي يشاهدونها في التلفزيون ،أما جربنر فيؤكد في نظرية الغرس الثقافي على التعرض التراكمي للمضامين حيث يوضح كيف أن المشاهدة المنتظمة للتلفزيون وعلى المدى البعيد تؤدي إلى إدراك الواقع الذي نعيشه بشكل معين لدى الأطفال ،ولذلك يؤكد أن أهم المخاطر الحقيقية التي يخلفها العنف التلفزيوني إحساس المشاهد بأن العالم الذي نعيش فيه عالم خطير وغير أمن .”(14)

كما تم إجراء العديد من الدراسات لمعرف تأثير وسائل الأعلام في نشر العنف و كانت من أبرز هذه الدراسات تلك الدراسة ” التي تناولت مجموعة  من الأطفال  الجائعين من ذكور و إناث ، و من نزلاء مؤسسات إصلاحية متعددة و قد تناولت هذه الدراسة 368 طفلا جائعا من الذكور و الإناث . و قد أعرب 10 % منهم عن تأثير المباشر للسينما  كما أعرب 49 % من الجائعين الذكور أن السينما أثارت رغبتهم لحمل السلاح  ناري قاتل و أن 28% منهم تعلموا بعض أساليب السرقة التي تعرضها أفلام السينما.

و أن 20% منهم تعلموا كيفية الإفلات من القبض عليهم ، و التخلص من عقاب القانون ، و أن 45% منهم و جدوا في الانحراف و الجريمة الطريق السريع إلى الثراء العاجل  كما تصوره السينما لهم ، و أن 26% منهم تعلموا القسوة و العنف عن طريق تقليد بعض المجرمين في أسلوب معيشتهم الذي أظهرته السينما لهم من خلال أفلام العنف ( 15).

وتعتبر فئة المراهقين والأطفال من الأكثر الفئات تأثيرا بما يشاهدونه في وسائل الإعلام لأنها تفقد المعلومات والخبرة الكافية، كما تميل إلى التقليد لأبطال الفيلم أو رسوم المتحركة وقد تسبب ذلك في كثير من الأحيان في ارتكاب جرائم.

ونجد أيضا من أشهر الدراسات  التي تؤكد على الصلة القوية بين زيادة العنف ووسائل الأعلام دراسة طويلة الأجل قام بها ” أيرون و آخرون ” (Eron) بجامعة إلينوي بشيكاغو ، إذ بدأو هذه الدراسة  1960، على أطفال الفصل الثالث في مدينة  صغيرة بوادي هدسون  بولاية  نيويورك و بلغ عدد الأطفال 875  طفلا ( ذكور و إناث ) و قام هؤلاء الباحثون بفحص عدد كبير من الخصائص السلوكية و الشخصية للأطفال ، كما قاموا بجمع بيانات عن أبائهم و عن البيئة المنزلية التي جاءوا منها .

وتبين أن الأطفال الذين فضلوا برامج العنف التليفزيونية في سن الثامنة، كانوا ضمن مجموعة الأطفال الأكثر عنفا في المدرسة.

و بعد حوالي 10 سنوا استطاع الباحثون الالتقاء بمجموعة من العينة الأصلية و عددها 427 طفلا لمعرفة العلاقة بين ظروف التعلم و سلوك الأطفال و هم في سن الثامنة بالمقارنة بسلوكهم بعد 10 سنوات و هم في سن 18 فكانت النتائج أن الأطفال الذين اعتبروا عدوانيين في سن الثامنة  أصبحوا عدوانيين و هم في سن 18 مما يدل على ثبات السلوك العدواني ، فهذا بالإضافة إلى أن الأطفال الذين اعتبروا عدوانيين في سن الثامنة  كان لهم سوابق جنائية بحوالي ثلاثة أضعاف الأطفال الذين اعتبروا مسالمين .

و قد ذكر “إيرون و آخرون”في دراسة لاحقة تتبعيه للدراسة السابقة على عدد 400 من بين الذين أجري عليهم البحث السابق و الذين أصبحوا في سن الثلاثين تقريبا ، فأسفرت نتائج هذه الدراسة باستمرار سلوكهم العدواني و مخالفة القوانين بل أصبحوا أكثر قسوة مع زوجاتهم و أطفالهم”. (16)

رغم أن معظم هذه الدراسات تؤكد على العلاقة القائمة بين مشاهد البرامج التليفزيونية العنيفة و السلوك العدواني للأطفال و الكبار على حد السواء ،الإ أنه لا يمكن اعتبار وسائل الإعلام وحدها مصدرا للعنف باعتبار هذه الأخيرة عرفها الإنسان منذ القدم ،وهي موجودة في كل الأماكن الحضرية وحتى الريفية التي تفتقد لوجود وسائل الإعلام وهذا مايؤكد رأي “ماركس” الذي يعتبر التناقضات الموجودة في المجتمع تلعب دورا كبيرا في زيادة مظاهر العنف ،وفي الجزائر مثلا هناك تزايد ملحوظ في  نسبة العنف بسب المشكلات الإقتصادية و الإجتماعية  إلى جانب تراجع بعض القيم والعادات دون أن يلازم ذلك تكريس قيم جديدة ومحددة.

” فهناك متغيرات عديدة تؤثر في العنف  سواء في زيادة أو خفض نسبته .وبشكل رئيسي من الصعب عزل تأثيرات وسائل الإعلام عن باقي العوامل الأخرى التي تؤثر في سلوكنا :الأسرة،المدرسة،مكان العمل …وبمعنى أخر هذه الظاهرة متعددة الأسباب…   “.(17)

و في استعراض الأدلة التي عرضها المعهد القومي للصحة العقلية1982 أوضحت لجنة من علماء النفس الاجتماعي آليات ممكنة لهذه الصلة تتلخص فيما يلي:

1- التعلم بالمشاهدة:

عندما يشاهد الأطفال غيرهم يتصرفون بعدوانية ، فإن هذا السلوك يمكن ملاحظة واختزانه، ليتم تذكره و تقليده في الظروف المناسبة وقد أوضح ” هيكس ” أن الأطفال الذين شاهدوا نموذجا عدوانيا تصرفوا بصورة عدوانية شديدة ليس بعد المشاهدة مباشرة و إنما بعد انقضاءه أشهر من المشاهدة.

2-فقد العوامل المعوقة للعدوان :

عندما يشاهد الأطفال على التلفزيون مشاهد العنف، يفقدون العوامل المعوقة للعدوان ، و الاستمرار في المشاهدة يساعد على انعدام الإحساس و الشعور بالمعاناة أو الإشارات البيئة الأخرى التي يمكن أن تعطل أو تعوق النزاعات إزاء العنف. وقد يستقر في ذهنهم أن العالم حافل بالعنف يقبلونه كمنوال و نمط لتسوية المشكلات.

2- الإثارة:

عندما  يتم إثارة الناس بشدة كما حدث عند مشاهدة برامج العنف التلفزيونية فإنهم قد يتصرفون بعدوانية ، و قد تؤذي الإثارة إلى الغضب .

3- تعزيز و تقوية النزاعات الموجودة:

هذا التفسير لا يوافق على أن مشاهدة المشاهد العنيفة في التلفزيون تؤذي إلى العنف ، و لكن على العكس فإن الذين سبق لهم ارتكاب أعمال عنيفة هم يبحثون عن البرامج التليفزيونية التي تتضمن أعمال العنف.

و قد و جد ” دينر و ديفور “Diner et Defour” في بحث لهما أن الأفراد الذين يميلون للعنف ازداد حبهم للبرامج التليفزيونية العنيفة ، و يميلون لإختيار هذا النوع من البرامج(18)

من خلال هذه الدراسات العلمية التي أوضحت العلاقة بين وسائل الإعلام والعنف فان ذلك يتطلب اتخاذ التدابير اللازمة حتى نقلص من نسبة العنف، ورغم تباين تأثيرات وسائل الإعلام على الأفراد باختلاف الظروف الإجتماعية والاقتصادية،ونفسية المشاهد الإ أن تأثيرها يمكن أن يكون عند الفرد الذي يعيش أوضاع اقتصادية واجتماعية متردية و محيط أسري يصادف فيه عدم الإنسجام بين الوالدين واستعمال الضرب للتأديب .

بناء نموذج لإستراتجية إعلامية لمواجهة العنف في الجزائر:

تتداخل عوامل كثيرة لتحقيق التأثير على الجمهور، فالوسيلة الإعلامية،القائم بالإتصال ،طبيعة الجمهور والرسالة الإعلامية كلها مجتمعة يتطلب توفرها حتى نتمكن من بناء إستراتجية إعلامية فعالة قادرة على معالجة ظاهرة العنف ومواجهته  ،وسنستعرض هذه العوامل كالتالي:

الأساليـب الإقناعيـة المستخدمـة في الرسالـة الإعلاميـة المتعلقـة بقضايا العنف :

تعتبر الرسالة الإعلامية أكثر عناصر الإتصال فعالية وقدرة لإحداث الإقناع لدى الجماهير، لتغيير أفكارهم واتجاهاتهم وسلوكاتهم ولكن هذا التغيير،  يتم إلا بتوظيف مختلف الأساليب الإقناعية كاستمالات التخويف، تقديم شواهد، التكرار… وغيرها من الأساليب التي تصل إلى رغبات وميولات المتلقي.

وتزداد أهمية هذه الأساليب عندما يتعلق الأمر بمعالجة مواضيع معقدة وخطيرة مثل حوادث العنف.

-1  استمـالات التخويـف :

يشير مصطلح استمالة التخويف إلى النتائج غير المرغوبة التي تترتب عن عدم اعتناق المتلقي أو قبوله لتوصيات القائم بالإتصال، وتعمل استمالات التخويف على تنشيط درجة معينة من التوتر العاطفي، تزيد أو تقل وفقا لمضمون الرسالة (19).

إن ذكر المعاناة النفسية والإجتماعية للمتضررين، كإعاقة، عاهة مستديمة… تثير الخوف لدى المتلقي وتدفعه للاهتمام بنصائح القائم بالاتصال، مما قد يؤدي إلى مساهمته في الحد أو التقليص من حوادث العنف.

-2 وضـوح الأهـداف مقابـل استنتاجهـا :

تشير الأبحاث إلى أن الإقناع يكون أكثر فعالية إذا حاولت الرسالة أن تذكر نتائجها أو أهدافها بوضوح، بدلا من أن تترك للجمهور عبء استخلاص النتائج بنفسه (20).

وباعتبار أن العنف أسبابه معقدة، فهو يحتاج أكثر لتقديم نتائجه بشكل محدد.

-3 تقديـم الرسالـة لأدلـة وشواهـد :

يحاول أغلب القائمين بالإتصال أن يدعموا رسائلهم الإقناعية بتقديم أدلة أو عبارات تتضمن إما معلومات واقعية أو آراء منسوبة إلى مصادر أخرى غير القائم بالإتصال، وذلك لإضفاء الشرعية على موقف القائم بالإتصال وإظهار أنه يتفق مع موقف الآخرين. ويكون تقديم الأدلة وقعه أكبر على الجماهير الذكية (21).

لأن استخدام الأدلة ضروريا لذكر فوائد استخدام الحوار مع أولادك والأضرار التي تنجر عن استعماله بشكل مستمر.كاللجوء إلى الانحراف والمخدرات، و كيف أن استخدام التشجيع مع التلاميذ يحفزهم أكثر على الدراسة.

-4عـرض جـانب واحـد من الموضـوع مقابـل عـرض الجانبيـن المؤيـد والمعـارض :

إن تقديم جانبي الموضوع يكون أكثر فعالية حينما لا يكون الجمهور مدركا بأن القائم بالإتصال يرغب في التأثير عليه، وحينما يكون أعضاء الجمهور أكثر ذكاءا وتعليما، وحينما يرغب القائم بالإتصال في أن يبدو موضوعيا، وفي المقابل يكون تقديم الجانبين أقل فعالية في حالة الأفراد ذوي التعليم البسيط والذي يحتمل أن يؤدي استماعهم إلى جانبي الموضوع إلى حدوث أثر عكسي (22).

بالنسبة لقضية العنف لها جوانب قانونية تهدف إلى الوصول إلى الجماهير المتعلمة فمن الأفضل تقديم جانبي الموضوع لتحقيق الإقناع.

-5 ترتيـب الحجـج الإقناعيـة داخـل الرسالـة :

قد أظهرت بعض الدراسات أن الحجج التي تقدم في البداية يكون تأثيرها أقوى من الحجج التي تقدم في النهاية، في حين أظهرت دراسات أخرى نتائج عكسية، وبشكل عام، يمكن القول : إن ترتيب الذروة أفضل بالنسبة للموضوعات غير المألوفة، وحين لا يكون الجمهور مهتما بالموضوع(23).

و إتباع الذروة ضروري بالنسبة للأفراد الذين لا يهتمون كثيرا بخطورة العنف ونتائجه السلبية على الآخرين.

-6 استخـدام الاتجاهات أو الاحتياجات الموجـودة :

لاحظ علماء الاجتماع وخبراء العلاقات العامة، أن الأفراد يكونون أكثر استعدادا لتدعيم احتياجاتهم الموجودة عن تطويرهم لاحتياجات جديد عليهم تماما. وتدعم أبحاث الإتصال هذا الرأي (24).

وبهذا الخصوص، فلا بد من أن نربط قضية العنف باحتياجات الأفراد، كاحتياجاتهم للأمن في المنزل وخارجه، والتخلص من حالة الخوف من أن يكون عرضة للعنف.

-7 تأثيـر رأي الأغلبيــة :

بشكل عام، فإن المعلومات التي تتفق مع الرأي السائد يزيد احتمال تأييد الآخرين لها، في حين أن الرسائل التي تردد رأي الأقلية لا يحتمل أن تجذب المؤيدين(25).

والعنف من المواضيع التي يجمع الجميع على أنها خطيرة ويعتبرونها طريقة غير ملائمة لحل المشاكل ونتائجها دائما سلبية على الفرد والمجتمع.

-8 تأثيـر تراكـم التعـرض والتكـرار:

يؤمن عدد كبير من علماء الإتصال بأن تكرار الرسالة من العوامل التي تساعد على الإقناع، وتؤكد الدراسات التي أجراها “باربليت” أن التكرار بالتنويع يقوم بتذكير المتلقي باستمرار بالهدف من الرسالة، ويثير في نفس الوقت احتياجاته ورغباته (26).

لأن التكرار بدون تنويع يزعج الجمهور، ويقلل من التركيز في الرسالة أو الاستماع إليها، عكس التكرار بالتنويع فإنه يثير الجمهور باستمرار.

وكل هذه الأساليب الإقناعية مجتمعة يمكنها من بناء رسالة ذات مرد ودية إقناعية ومؤثرة.

وظاهرة العنف بكل أشكاله معقدة ومتشابكة تتطلب الإلزام بالدقة وفي نفس الوقت الإعتماد على البساطة والسهولة لفهمها أكثر من طرف المتلقي.

الوسيلة الإعلامية:

تتفاوت وسائل الإعلام في درجة تأثيرها على الجمهور بفعل عوامل كثيرة .فالتلفزيون في هذه الوسائل من حيث قدرته الهائلة على التأثير على الأفراد ،…كونه يستحوذ على اهتمام قطاع كبير من الجمهور…كما انه يتعامل مع حواس الإنسان الرئيسية: البصر و السمع،… و بقية وسائل الإعلام الأخرى تختلف في قدرتها على التأثير حسب نوع الرسالة الإعلامية و نوع الجمهور و الأساليب الفنية…(27).

ويتطلب استخدام كل الوسائل الإعلامية بكل أشكالها وفقا للهدف المطلوب تحقيقه وطبيعة الجمهور المستهدف من خلال برامج اجتماعية، رسوم متحركة، حوارات، تحقيقات، مسلسلات تعالج قضية العنف وتبرز سلبياتها لاسيما على الضحايا.

الجمهـور:

لا يمكن فهم العلاقة بين مستوى تأثير وسائل الإعلام وبين الجمهور إلا إذا تخلصنا من ذلك الاعتقاد بأن الجمهور شيء واحد ذو طبيعة متجانسة. و هذا يتطلب أن نفهم أن الجمهور خليط متباين من الأفراد، يختلف كل فرد فيه عن الآخر بالكيفية التي يستقبل فيها الرسالة الإعلامية. و العوامل التي لها علاقة بالجمهور و يجب توفرها لتحقيق التأثير كنوع الجمهور و طبيعته، المكانة الاجتماعية للفرد داخل مجتمعه، معتقداته، اتجاهاته و إدراكه للرسالة (28).

القائم بالاتصال:

يعتبر القائم بالاتصال أحد العناصر الفعالة في العملية الاتصالية،ويبقى” التحدي الوحيد هو تكوين القائمين بالإتصال وتحديد كفاءتهم ،أسئلة مختلفة تطرح حول مضمون التكوين المقدم لهم في عصر تكنولوجيا الإتصال و المعلومات والعولمة الإعلامية” (29)  فهو من يقوم بإنتاج الرسالة الإعلامية في شكلها النهائي و تقديمها إلى الجمهور عبر وسائل إعلامية مختلفة، و يسعى دائما إلى تحقيق التأثير على المتلقيين، لهذا يتطلب أن يكون مؤهلا إعلاميا و يتميز بقدرات و كفاءات عالية تمكنه من معالجة ظاهرة العنف من كل جوانبها و بطريقة موضوعية ومتوازنة.

الخاتمـــة :

إن الأخطار الناتجة عن حوادث العنف تهدد الإنسان يوميا وتتسبب له في معاناة نفسية واجتماعية، وهي محصلة منطقية لأسباب عديدة تبدأ من المنزل بنسبة هي الأكبر وتمتد إلى المدرسة والشارع فوسائل الإعلام، لذلك كان من الضروري عدم الاكتفاء بسن القوانين للحد من حوادث العنف أو التقليل منها لتحقيق الأمن والإستقرارفي المجتمع لتحقيق التنمية و التطور، بل الاستفادة من  الإمكانيات والخصائص التكنولوجية لوسائل الإعلام لنشر رسائلها الإعلامية التي تنبذ العنف و تدعم القيم الاجتماعية وهذا من خلال  قوا لب صحفية و تلفزيونية مختلفة ،فبدلا من بث أفلام ومسلسلات تحتوي على مشاهد عنيفة تبث بدلا من ذلك مشاهد تدعم استخدام الحوار وحسن المعاملة بين الأبناء و الآباء أو بين الأزواج ،كما يمكن عرض رسوم متحركة تهدف إلى تعميق القيم الإنسانية وتنمية الخبرة الحياتية لدى الأطفال ،كقيم التعاون ،العمل ،…

و كذلك لم نعد بحاجة إلى التدليل على أهمية ودور وسائل الإعلام بكل أشكالها في تنمية الوعي بمشكلة العنف وتأثيراتها السلبية على الفرد والمجتمع، وتحقيق هدفها المتمثل في تغيير سلوكيات الأفراد اللامسؤولة وإكسابهم سلوك حضاري وهو استخدام العقل واللجوء إلى الحوار عند التعامل مع الآخرين وحل مشكلاته والذي يعد مقياسا لتحضر المجتمعات.

غير أن المعالجة الإعلامية قد تعترضها معوقات كثيرة مما يتطلب تفاديها حتى تكون الإستراتجية فعالة وتتمثل هذه المعوقات فيما يلي :

– يقول “لازويل” أنه من خلال إساءة وسائل الإعلام لأداء وظائفها، يؤدي إلى الاختلال الوظيفي فينتج إحساس باللامبالاة لدى الجمهور، ويعزز “ميرتون” و “لازسفيلد” هذه اللامبالاة إلى إغراق وسائل الإعلام جمهورها بالمعلومات بشكل يؤدي إلى عملية تحذير بدلا من عملية التنشيط… فيقضى الجمهور وقته في تعلم القضايا من وسائل الإعلام ولا يصبح لديه أصلا وقتا كافيا لعمل شيء اتجاه هذه القضايا (30). وهذا ما ينطبق على التغطية الإعلامية لحوادث العنف فكلما زاد تعرض الأفراد لوسائل الإعلام استقبل كم هائل من المعلومات لا تساهم في دفعه للقيام بسلوك إيجابي، فهو يعرف فقط ولا يقوم بأي سلوك. فلهذا لا بد من تحديد دور الفرد الذي يجب أن يقوم به لمواجهة هذه الظاهرة الأخلاقية، وتقديم له الطرق والأساليب المطلوب إتباعها لتفاديها.

-عدم وجود التكامل والتعاون بين مختلف وسائل الإعلام عند الحديث عن الظاهرة، حيث تقوم كل وسيلة في الحديث عنها بشكل منفرد.

-يكثر الحديث عن ظاهرة العنف في المناسبات فقط، وبشكل غير مستمر، كالحديث عن العنف ضد المرأة في عيد المرأة، والعنف ضد الأطفال في اليوم العالمي للطفولة، وينتهي الحديث عنها بانتهاء المناسبة.كما تعالج وسائل الإعلام قضية العنف إذا وقعت حادثة مست قطاع هام كالمدرسة، أو الجامعة أو الملاعب…ولإحداث التأثير المطلوب يتطلب المعالجة المستمرة والمتواصلة تمكن من إيجاد رأي عام مناهض للعنف .

– عدم الاهتمام بالمعالجة الإعلامية الشاملة لظاهرة العنف وتبيان كل أسبابها ونتائجها وأشكالها، أيضا علاقتها بالظواهر الأخرى.

– عدم وجود صحفي مؤهلا علميا ومتخصصا، قادرا على معالجة الظاهرة بطريقة موضوعية ومتوازنة يطرح جميع الآراء ويناقشها، كما يكون على معرفة واسعة بالقوانين الخاصة بقضايا العنف.

المراجــع

1-    خليل  ميخائيل معوض: علم النفس الاجتماعي، الإسكندرية، مركز الإسكندرية للكتاب، 2003، ص361.

2-    حنة أرندت: في العنف، ط1، بيروت، دار الساقي، 1996، ص12.

3-    Gustave-Nicolas Fischer : psychologie des violences sociales, paris, Dunod, 2003, p09.

4-    Ibid, p12

5 – منى كشيك: القيم الغائبة في الإعلام ،دار فرحة ،مصر ،2004 ،ص100

6- Gustave-Nicolas Fischer ،op.cit p71.

7- إحسان حفظـي: علم اجتماع التنمية، مصر، دار المعرفة الجامعية، 2003، ص 395.

8- منيـر حجاب: الإعلام والتنمية الشاملة، مصر، دار الفجر 2000، ص 131، 132.

9- إحسان حفظي، مرجع سابق، ص 395.

10- حسن عماد مكاوي، ليلى حسين السيد : الإتصال ونظرياته المعاصرة، الطبعة الثانية، القاهرة، الدار المصرية اللبنانية، 2001، ص397.

11- المرجع السابق، ص 398.

12- المرجع السابق، ص 401.

13- من كشيك، مرجع سابق، ص 87 ،88.

14- سلوى إمام علي: البيئة الإتصالية الجديدة للطفل العربي في ظل المتغيرات المعاصرة، المؤتمر الإقليمي الأول الطفل العربي في ظل المتغيرات المعاصرة، القاهرة، عالم الكتب، 2004، ص245.

15- حسين عبد الحميد أحمد رشوان: علم الاجتماع الجنائي، الإسكندرية، المكتب الجامعي الحديث، 2005، ص198.

16- خليل ميخائيل معوض، مرجع سابق، ص 378، 379 .

-17 Rémy rieffel: sociologie des medias, paris, Ellipses, 2001, p. 139

18- خليل  ميخائيل معوض، مرجع سابق ،ص 380،381،382.

19-جيهان  أحمد رشي: الأسس العلمية لنظريات الإعلام، ط1، مصر، دار الفكر العربي 1986، ص 465 .

20- المرجع السابق، ص 486.

21- المرجع السابق، ص 488.

22- المرجع السابق، ص 490.

23- المرجع السابق، ص 495.

24- المرجع السابق، ص 490.

25- المرجع السابق، ص 500.

26- المرجع السابق، ص 501.

27- محمد بن عبد الرحمن الحضيف: كيف تؤثر وسائل الاعلام، ط2، الرياض، مكتبة العبيكان، 1998، ص 59.

28- المرجع السابق، ص ص 49، 50.

29- 107op.cit p Rémy rieffel

30-منير حجاب، مرجع سابق، ص 134.

رأي واحد حول “وسائل الإعلام و مواجهة العنف في الجزائر”

  1. اريد كتب اعلان عن مرص السيدا ارجوك اتركني اكتبه لانني اريد اساعد الناس حتى لا يمرض الناس بهدا المرض

التعليقات مغلقة.