موقف حمدان خوجة من اليهود من خلال كتاب ” المرآة “

قراءة  الباحث كمال بن صحراوي

ماجستير تاريخ حديث،  الجزائر

كتاب المرآة
كتاب المرآة

تقديــــم:

ينتمي حمدان خوجة إلى عائلة جزائرية عريقة كانت في العاصمة، حيث كان والده عثمان فقيها وإداريا، يشغل منصب الأمين العام للإيالة، يشرف على حسابات الميزانية وعلى السجلات التي تشمل أسماء ورتب ورواتب الإنكشارية. أما خاله الحاج محمد فكان أمينا للسكة قبل الاحتلال الفرنسي.

ولد حمدان سنة 1773، حفظ القرآن و تعلم بعض العلوم الدينية على يد والده ، ثم دخل المرحلة الابتدائية التي نجح فيها بتفوق فأرسله والده مكافأة له مع خاله في رحلة إلى اسطنبول سنة 1784م، وكان خاله في مهمة حمل الهدايا إلى السلطان العثماني، فكان لهذه الرحلة دور كبير في نفسية الطفل الذي لم يتجاوز الحادية عشرة، حيث فتحت له أبوابا للتطلع لكل ما هو أسمى.

بعد عودته من إسطنبول انتقل إلى المرحلة العليا حيث تلقى فيها علم الأصول والفلسفة و علوم عصره، ومنها الطب الذي كتب في بعض جوانبه كالحديث عن العدوى ومسبباتها في كتابه ” إتحاف المنصفين والأدباء في الاحتراس من الوباء”[1].

بعد وفاة والده شغل مكانه كمدرس للعلوم الدينية لمدة قصيرة ثم مارس التجارة مع خاله و نجح فيها ، فأصبح من أغنياء الجزائر ، وهو ما فتح له المجال للقيام بعدة رحلات إلى أوربا، وبلاد المشرق والقسطنطينية، ومنها استطاع تعلم عدة لغات كالفرنسية والإنجليزية مما ساعده على التفتح و توسيع معالمه والتعرف على العادات و التقاليد، والأنظمة السياسية السائدة في تلك البلدان . وأثناء الحملة العسكرية الفرنسية على الجزائر ساهم كغيره من الجزائريين في الدفاع عن بلاده ولكن بطريقته الخاصة.

بعد الاحتلال الفرنسي اشتغل كعضو في بلدية الجزائر، وفيها حاول الحفاظ على ما تبقى للجزائريين من ممتلكات ، حيث رفض تسليم عدة مساجد للفرنسيين الذين أرادوا تدميرها بحجة إقامة مؤسسات وطرق عمومية بدلها، كما شارك في لجنة التعويضات الفرنسية لتعويض الأشخاص الذين هدمت ممتلكاتهم لفائدة المصلحة العامة كما يقول الاستعمار الفرنسي، و فيها بذل حمدان جهودا لخدمة إخوانه الجزائريين، ولكن الاستعمار الفرنسي تفطن لنواياه ونوايا الأعضاء الجزائريين المشاركين في هذه اللجنة فحلها، وأغلق باب التعويضات.

بعد ذلك شارك خوجة كوسيط بين أحمد باي و الفرنسيين، وأرسل إلى الجنرال سولت مذكرة يصف فيها التجاوزات التي قام بها الفرنسيون في الجزائر، فكان من نتائج هذه المذكرة إنشاء اللجنة الإفريقية في 07 جويلية عام 1833م للبحث عن حقيقة الأوضاع في الجزائر.

و في باريس راسل السلطان العثماني وناشده أن يتدخل لإنقاذ الشعب الجزائري قائلا: “إن المسلمين الذين استشهدوا ودفنوا في هذه التربة سوف يسألونكم يوم الحساب لماذا تخليتم عنهم”[2] .

وظل حمدان خوجة يناضل بشكل قوي ليبين عيوب الاستعمار[3]، ولما رأى أن جنرالات فرنسا مصرون على المضي في مشروعهم الاستعماري رحل إلى فرنسا في 1833، وواصل هناك جهوده للدفاع عن الجزائر من خلال الاتصال بالشخصيات الفرنسية التي ظن أنها يمكن أن تدعم قضيته، لكنه في النهاية رأى أن ذلك غير مجد فغادر باريس نحو القسطنطينية في 1836 وتوفي هناك ما بين 1840-1845.[4]
وكتاب المرآة الذي نحن بصدد الاعتماد عليه لمعرفة موقف حمدان خوجة من اليهود، كتبه مؤلفه بالعربية، ثم ترجمه إلى الفرنسية، ليصدر في باريس في أكتوبر 1833، تحت عنوان ” لمحة تاريخية وإحصائية حول إيالة الجزائر”، وبعد ذلك قام علي رضا باشا بن حمدان خوجة بترجمته إلى التركية بعنوان   ” مرآة الجزائر”[5].

موقف حمدان خوجة من يهود الجزائر:

منذ بداية العهد العثماني بالجزائر، رحب خير الدين باليهود الوافدين من إسبانيا[6]، وكان كثير من اليهود الأشكيناز[7] قد قدموا قبل ذلك من إيطاليا عام 1392م، هولندا عام 1350م، فرنسا عام 1403م، إنجلترا عام 1422م ، ليأتي دور اليهود القرانا[8] الذين كان توافدهم على الجزائر ملفتا للنظر.

ولعل التسامح الذي أبداه أهل الجزائر تجاه اليهود هو الذي مثل عامل الجذب الرئيسي لهذه الطائفة التي ساهمت إلى حد ما في الاقتصاد الجزائري، نظرا لتمكنها من كثير من الصناعات الحرفية، ومن التجارة، وحتى من مجال العملة.

وقد صار الوجود اليهودي بالجزائر يكتسي طابعا خاصا بالنظر إلى تفاعل الطائفة اليهودية مع الصراع الجزائري المسيحي، وهو ما أقحمها في النهاية في مسألة التحالفات في المنطقة والمساهمة في المباحثات التي كانت تجري بين الجزائر وغيرها من دول البحر المتوسط، لينتهي ذلك كله بقضية ضلوع اليهود في مسألة الديون وما صاحبها من تشنج على المستوى الداخلي، حيث قامت الانتفاضة ضد اليهود وحتى ضد الداي مصطفى حليفهم الأساسي.

وحمدان خوجة من بين المثقفين الجزائريين الذين عاشوا هذه المرحلة، وهو شاهد عيان على ما وقع خلالها خاصة فيما يتعلق بانحطاط الحكم العثماني، ثم سقوط الجزائر في يد الاستعمار الفرنسي.

وقد اعتبر صاحب كتاب المرآة أن دخول بعض اليهود إلى الجيش الإنكشاري كمجندين كان من بين أسباب انحطاط الحكم العثماني في الجزائر، حيث فُتح الباب “أمام المجندين من أزمير، فلم يعد يجند الرجال النزهاء الذين لهم جاه ومكانة، وإنما فتح الباب لأي كان حتى لأناس كانوا قد أدبوا وأدينوا، وكان يوجد من بين المجندين يهود ويونانيون ختنوا أنفسهم” [9] ثم علق على ذلك قائلا: “وكما أن حبة فاسدة تكفي لإفساد كوم كامل من القمح، فإن رجلا فاسد الأخلاق يكفي لجلب الشر على جميع الذين يخالطهم ويحيطون به”[10]

وكان حمدان خوجة من بين العناصر الفاعلة في المجتمع، فهو ينحدر من عائلة حضرية ذات مكانة مرموقة بحكم الوظيفة وبحكم الغنى، حيث كان أبوه مكتابجي أي بمثابة الأمين العام للإيالة، وكان هو ذاته مدرسا قبل أن يتفرغ للتجارة التي فتحت له باب التعرف على الشخصيات التجارية الفاعلة على مستوى البلاد كلها، وقد كانت بينه وبين بعض اليهود تعاملات تجارية، وبمساعدتهم كان يستورد آزوت البوتاس والأسلحة من إنجلترا [11].

لقد حز في نفسه الصراع القائم بين الأتراك والكراغلة فطرق هذه المسألة مبينا كيف أن الآباء ظلوا يراقبون أبناءهم حتى إذا خامرهم أدنى شك في أنهم يضمرون لهم نوايا سيئة نفوا قادتهم وفرقوا اجتماعاتهم، وكانت النتيجة أن الكراغلة وغيرهم من الجزائريين عزفوا تماما عن ممارسة السياسة بسبب الإهانات التي كانوا يتعرضون لها، وهو ما أوصل في النهاية إلى القضاء على ” بذور الكفاءة عند رجال هذا البلد، وخلق في المجتمع حذرا عاما استمر حتى مجيء الفرنسيين” [12]، ويلقي حمدان خوجة ببعض اللائمة هنا بصراحة على اليهود حيث اعتبر أن “نصائح الغدر التي كان يسديها اليهود قد ساعدت على أن يتزايد الطغيان ويبلغ منتهاه، وعلى أن تنشأ فكرة مشوهة عن طبائع سكان الجزائر الذين يرزحون تحت نير الاستبداد” [13]

وحين يعمد خوجة إلى تحليل الوضع القائم آنذاك يقرر أن هذا الإقصاء الذي عانى منه الجزائريون استغله اليهود في التقرب إلى الحكام الأتراك ” من أجل المصلحة، وقد جمعوا في تلك الظروف أموالا طائلة”[14]

وهو يتحدث عن أساليب اليهود هذه، والتي أوصلتهم في النهاية إلى التقرب من مركز القرار، عرّج حمدان خوجة على قضية الصريمة ( أي الحلية ) التي كانت سببا في غنى نفتالي بوشناق، وكيف أنه حصل من ورائها على ربح مقداره  3750000 فرنك رغم أنها في الواقع لم تكلفه سوى 30000 فرنك، وكان الضحية هو الوزناجي الذي كان بايا على التيطري، ثم بايا على قسنطينة بتدخل اليهود لدى الداي حسن[15].

وتجدر الإشارة إلى أن اليهود يثمنون كثيرا هذا التحايل ويعتبرونه نوعا من المهارة التجارية، حيث يتحدث الحاخام اليهودي فيربو إلى ولده بخصوص هذه المسألة بالذات فيقول: ” أترى يا بني أن عزيزنا الموقر بوشناق ، كان تاجرا ماهرا ” [16]

وإذا كنا قد أشرنا سابقا إلى أن حمدان خوجة كانت بينه وبين اليهود تعاملات تجارية فإنها لم تمنع أبدا من وجود منافسة بين الطرفين، وإذا كان وجود المنافسة بين التجار طبيعيا فإن الذي لم يكن طبيعيا في نظر صاحب المرآة هو أنهم “كانوا يحظون بجميع منافع ذلك الاحتكار، في حين أن تلك التجارة كانت تمنع علينا ولا نستطيع التمتع بما ينتج عنها من منافع، لأننا لا نستطيع الشراء بنفس الأسعار التي يشترون بها هم”[17]، وفي ذلك إشارة واضحة إلى ظاهرة الاحتكار التي تمتع بها بعض اليهود في ظل حكم الدايين حسن ومصطفى، والتي استمروا يزاولونها تحت حكم الفرنسيين للجزائر لكن بدرجات أقل نظرا ” للوضع الذي توجد فيه الإيالة”[18]

ولم يكن خوجة يرى في تحركات اليهود ما يبعث على الاطمئنان، خاصة لما علم أن الدوق دو روفيغو [19] اشترط على سكان المتيجة دفع العشر، وكانوا من أفقر الناس، وهو ما تم “بإيعاز من اليهود والأشرار” [20] ، بل لم يكن هو الوحيد الذي تخيفه هذه التحركات، فقد نقل إلينا في معرض حديثه عن الصراع الذي دار بين الحاج أحمد باي قسنطينة وبين الشيخ فرحات [21] أن هذا الشيخ بعد أن هزمه الحاج أحمد أكرمه وأكرم نساءه وأطفاله ورد عليه أمواله، فوقع ذلك من نفسه موقعا حسنا، فصار يراسل الباي أحمد ويطلعه على أسس علاقاته بالدوق دو روفيغو، ويحيطه علما أيضا بجميع الاتصالات التي يقوم بها اليهود وتحركاتهم إلى جانب الفرنسيين، وهو ما استغربه الباي أحمد حينما قال لحمدان خوجة” كيف أن الفرنسيين الذين اشتهروا بالفكر الثاقب وبحدة الذكاء يظهرون العكس في مثل هذه الظروف؟ كيف يثقون ثقة عمياء في يهود مناورين” [22]

ومن هنا كان حمدان خوجة شديد الحذر من اليهود، فحين عرض عليه أحدهم – بعد دخول الفرنسيين إلى الجزائر- أن يتكفل بإرسال بعض صناديق المرجان إلى ليفورن احتاط خوجة وطلب من اليهودي أن يقدم إليه بيانا يثبت ملكيته لهذا المرجان. قال:” وقد أجدت فعلا إذ اتخذت هذه الاحتياطات، لأن السيد فوجرو[23] عندما اكتشف إرسال هذا المرجان طلب مني بعض التوضيحات، فقدمت له بيان اليهودي” [24]

لم تكن فعال اليهود هذه جديدة على حمدان خوجة، ورغم هذا قرر فضحهم، فقال: “فهناك أفعال أخرى ولكن معاكِسة يجب أن يشهّر بها”[25] وهو هنا يقصد أساليبهم الملتوية كمخادعة اليهود للضباط الفرنسيين، حيث اشتروا منهم أثاثا غاليا جدا بثمن بخس، فقد باع أحد الضباط لابن دوران أمتعة وأوان فضية وملابس تقدر قيمتها بمليون فرنك بمبلغ 2200 فرنك، والملابس وحدها تطلب نقلها سبعة أيام[26]

وسرد قصة أخرى مماثلة [27] ثم قال:”وهناك ألف قضية أخرى تشبه هذه، وهي حقيقة بالرغم من أنها تبدو مستبعدة، وإني لا أكاد أصدق عيني بالرغم من أن الأمور كانت تقع بمحضري” [28]

أما مسألة الديون فقد كتب خوجة متحدثا عن بعض تفاصيلها في إطار الحديث عن أسباب الحرب بين الجزائر وفرنسا، وبين كيف أن اليهود حينما رأوا أن تسوية القضية ما تزال بعيدة ” شرعوا في مفاوضات مهلكة، ذلك أنهم وقعوا سندات بمائة ألف فرنك، وتنازلوا عنها بعشرين ألف فرنك، لأن المهم عند هؤلاء اليهود هو أن يحصلوا على الدراهم” [29]. كما طرق أيضا مسألة التحالف الخطير بين اليهود وبين القنصل الفرنسي دوفال، واتسم خوجة هنا بكامل الموضوعية حيث أنه حين أقر بمعرفته لكثير من المناورات التي وقعت بشأن هذه القضية توقف عند حدود هذه المعرفة، فذكر أن بكري تقرب من قنصل فرنسا ووعده بمبلغ هام إن هو عمل على إسراع التصفية في باريس، لكنه لم يجزم بما زعم البعض من أن بكري أعطى الدراهم نقدا إلى القنصل المذكور.

ثم عرج على مسألة العلاقات الجزائرية الإسبانية وكيف أن ديون بكري كادت أن تعصف بها لولا أن الداي حسين كان أكثر حكمة، وأفهم القنصل الإسباني أن كلامه بخصوص هذه الديون موجه لحكومته لا لشخصه [30].

ولم تكن الأساليب التي اتخذها اليهود آنذاك بخافية على حمدان خوجة، فقد ذكر مسألة الرشوة التي عرضها بكري على الداي حسين ب 125000 فرنك مقابل إمضائه على وثيقة رسمية تثبت أن بكري أودع في خزينة الإيالة مبلغ 500000 فرنك، وقد فعل بكري هذا مباشرة بعد دخول الفرنسيين مستأنسا بقرب مكانته من ديبورمون، لكن الداي حسين رده خائبا [31].

ورغم كل هذا الخلاف الذي كان بين حمدان خوجة وبين اليهود كانوا يلجأون إليه، إما من أجل التعامل الاقتصادي كما بينا سابقا، وإما من أجل استغلال بعض الجاه الذي بقي له، ومن ذلك لجوؤهم إليه حينما عجزوا عن استعادة بعض أموالهم، وكانوا حينها يدركون قدراته الدبلوماسية واتساع نطاق معارفه.

وملخص ما جاؤوا من أجله يومها أنه لما سقط الحكم العثماني في الجزائر سقطت معه قابلية تعويض اليهود بعد ادعائهم أن لهم أموالا لدى بعض الكراغلة، فلما وجهوا طلبهم إلى ديبورمون ليدفع لهم مستحقاتهم بدلا عن الإيالة رفض ذلك، وحينها وجهوا طلبهم إلى باريس، ثم توجهوا إلى حمدان خوجة يسألونه الرأي فأجابهم:” يا أصدقائي ليس لكم أي حق في مطالبة الفرنسيين، وليس في إمكانكم إلا أن تلتمسوا من تلك الحكومة لتمنحكم عطفها ومساعدتها” [32]

ومن إجابة خوجة يمكن أن نستشف أمرا هاما وهو محاولته تفادي الصدام معهم، إذ نجده يستخدم ألفاظا بعيدة عن الحدة وهو يحدثهم، فيخاطبهم بالأصدقاء، في حين أنه في كتاب المرآة كله لم يفصح عما يدل على وجود هذه الصداقة بينه وبين اليهود، بل بين في كثير من مواضعه أنهم كانوا سببا في مشاكل حادة عانى منها هو والتجار الجزائريون، بل ومجموع الشعب خاصة بعد دخول الفرنسيين.

هناك أمر آخر لا يقل أهمية عما سبق في نظر خوجة وهو دور اليهود في مغالطة المسؤولين الفرنسيين، وكثيرا ما أشار إلى هذا في “المرآة” ومن ذلك إشارته إلى شكوى تقدم بها بعض المسلمين ضد يهود أهانوهم، فكلفوا جزائريين ليعرضا على ديبورمون القضية لكنهما ضعفا أمام ” دعاية الماكرين” وحولا الشكوى ضد الأتراك بدلا من اليهود، وبما أن السلطة الفرنسية لم تكن” تقوم بواجبها وأنها لا تهتم إلا بالذهب والفضة”[33] فقد انتقمت من الأتراك.

وفي صفحة أخرى يذكر أن اليهود المستشارين المفضلين عند كلوزال هم الذين أضلوه بخصوص مسألة بيع العمارات في البلاد الإسلامية [34].

لقد كان خوجة من المعجبين بأفكار الفرنسيين وتوجهاتهم قبل الاحتلال، وقد رأى الدوق أورليان في 1820م في باريس وظن به خيرا حتى أنه اعتقد أنه أفضل رجال القرن[35] ، ولكن بعد تعيينه على رأس الدولة الفرنسية باسم لويس فيليب ” لم يحط نفسه إلا باليهود الذين لا يستحون ولا يترددون أمام أي شيء. إن لنفوذهم ودهائهم الماكر، دورا كبيرا في تسيير بلدي المسكين: اغتصاب الأملاك وسفك الدماء، والنهب والجرائم” [36]

وقد كتب خوجة عن واحد من اليهود رمز إلى اسمه بحرف بـ… ويُعتقد أنه بكري المقرب من الجنرال كلوزال: ” هو رجل لئيم لكنه يجيد التآمر، وتوجد لديه جميع الوسائل الضرورية للتسرب إلى المجتمع، يدبر المكائد ويقوم بالأعمال الذميمة”[37]

وإذا كان التاريخ قد خلد كلوزال في صفحات سوداء فإنه لم يُعفِ اليهود من مثلها، ذلك أنهم اطلعوا على أخلاقه وتبين لهم جشعه وطمعه، فأوهموه أن كنوز الداي مخبأة في جامع السيدة، فأدخل إليه ليلا مجموعة من العمال شرعوا في البحث عن الكنوز المزعومة، وهو ما حول المسجد إلى حطام بعد أن أخذت ثرياته وزرابيه ومشاعله ومنبره الرخامي [38].

واليهود أنفسهم هم الذين حدثوا كلوزيل عن كنوز حسن باي وهران وأقنعوه بضرورة الضغط عليه ليحمل إليه ما استطاع من الهدايا والأموال، و” عجيب أمر هؤلاء المستشارين، وهل كان ينبغي اتباع نصائحهم؟” [39]

هكذا عمل خوجة على تعرية العلاقة التي جمعت اليهود بالفرنسيين، وهكذا بين أنهم جميعا إنما جمعتهم مصلحة واحدة وهي نهب ما استطاعوا من أموال الجزائريين، بل عمل في كثير من المواضع على تبيان دور اليهود في ما حل بالجزائر سواء في آخر العهد العثماني أو بعد أن سقطت في يد الفرنسيين، وأنهم لم يتورعوا عن استخدام أية وسيلة لتحقيق مصالحهم، دون اعتبار لمستقبل البلاد وأهلها، ولعله ركز كشاهد عيان على دور اليهود باعتبار أنهم كانوا يوما ما يدعون أنهم جزائريون، غير أنهم لم يحفظوا للجزائر أي عهد إلا بالقدر الذي يحقق هذه المصالح اليهودية العليا.


[1]– من تأليف حمدان خوجة، تحقيق محمد بن عبد الكريم، الشركة الوطنية للنشر والتوزيع، الجزائر، 1968.

[2]– رسالة حمدان خوجة إلى السلطان محمود الثاني، باريس 16 أوت 1833م

عبد الجليل التميمي، بحوث ووثائق في التاريخ المغربي، 1816-1871، الدار التونسية للنشر، مارس 1972، ص 170

[3]–  كتب حمدان خوجة في هذا الشأن: “ولو أن الكفار يعلمون شطر ما فعلت من تحريرات وتأليف ومراسلات مع الأجناس، وغير ذلك مما لا أقدر على ذكره، كل ذلك لأجل إنقاذ البلاد، لأكلوا لحمي وأوقعوا بي، والحمد لله سترني الله”

من رسالة حمدان خوجة إلى السيد محمود بن أمين السكة، باريس يوم 23 محرم 1250ه/ 01 جوان 1834.

عبد الجليل التميمي، نفس المصدر، ص 179

[4]– حمدان خوجة، المرآة ، تقديم وتعريب وتحقيق محمد العربي الزبيري، الشركة الوطنية للنشر والتوزيع، الجزائر، ط 2، 1982، ص 43

[5]– حمدان خوجة، نفسه، ص 43

[6] –  محمد دادة، اليهود في العهد العثماني، رسالة ماجستير، جامعة دمشق، 1985. ص 32

[7]– إن الاشتقاق الحالي لهذه اللفظة من كلمة ” إشكيناز” بمعنى ألمانيا، وتطلق على اليهود الذين كانوا يعيشون في ألمانيا وفرنسا ومعظم أوربا.

[8]–  يقصد بهم اليهود الذين قدموا من توسكانا بإيطاليا، خاصة من مدينة ليفورن، وهم الذين شكلوا نواة المسألة اليهودية في الجزائر قبيل الاحتلال الفرنسي عام 1830م.

للاستزادة في موضوع اليهود في الجزائر في أواخر العهد العثماني ينظر:

كمال بن صحراوي، الدور الدبلوماسي ليهود الجزائر في أواخر عهد الدايات، رسالة ماجستير، 2008، جامعة معسكر – الجزائر

[9] –  حمدان خوجة، نفسه، ص 149

[10]– حمدان خوجة، نفسه، ص 149

[11]– حمدان خوجة، نفسه، ص 19

[12]– حمدان خوجة، نفسه، ص 158

[13]– حمدان خوجة، نفسه، ص 158

[14]– حمدان خوجة، نفسه، ص 158

[15]– كان  الجزائريون في الحقيقة هم الضحية فهم الذين كانت أموالهم تبعثر يمينا وشمالا.

[16]–  Virebeau, G, Algérusalem, l’Algérie terre juive, Leçon d’Histoire algérienne d’un Rabbin à son fils, Alger: A Joyeux. 1937. P 06

[17]– حمدان خوجة، نفسه، ص 160

[18]– حمدان خوجة، نفسه، ص 160

[19]– اسمه الكامل   Rovigo Anne-Jean-Marie-René Savary, duc de ولد يوم 26- 04- 1774 في مدينة مارك ومات في جوان 1833 في باريس، وهو الذي أباد قبيلة العوفية في ناحية الحراش في أفريل 1832.

[20]– حمدان خوجة، نفسه، ص 145

[21]– فرحات بن سعيد وهو من أسرة بوعكاز، وقد كان بينه وبين الباي أحمد صراع طويل.

[22]– حمدان خوجة، نفسه، ص 79

[23]– موظف بمصلحة الأملاك العامة، وقد كان هو و فلاندان صاحبي وصية مفادها تمليك الأوقاف للأوربيين، وهو ما أقره  مرسم 07 ديسمبر 1830م.

[24]– حمدان خوجة، نفسه، ص 211

[25]– حمدان خوجة، نفسه، ص 216

[26]– حمدان خوجة، نفسه، ص 216

[27]– هي قصة وكيل الخرج الذي أرغمه بكري على أن يبيعه أثاثه الثمين وأنواعا مختلفة من أمتعة الزينة بـ 4000 فرنك، بينما قيمتها لا تقل عن 50000 فرنك، ثم لم يدفع له شيئا وإنما وقع له سندا إلى أجل معلوم، لكن وكيل الخرج نفي فبقي كل شيء لليهودي.

[28]– حمدان خوجة، نفسه، ص 216

[29]– حمدان خوجة، نفسه، ص 179

[30]– حمدان خوجة، نفسه، ص 179

[31]– حمدان خوجة، نفسه، ص 183

[32]– حمدان خوجة، نفسه، ص 157

[33]– حمدان خوجة، نفسه، ص 229

[34]– حمدان خوجة، نفسه، ص 235

[35]– حمدان خوجة، نفسه، ص 241

[36]– حمدان خوجة، نفسه، ص 242

[37]– حمدان خوجة، نفسه، ص 256

[38]– حمدان خوجة، نفسه، ص 279

[39]– حمدان خوجة، نفسه، ص 290

مجلة علوم انسانية WWW.ULUM.NL السنة السابعة: العدد 43: خريف 2009  – 7th Year, :July  Issue

43

لمراسلة الكاتب :

العنوان الإلكتروني

[email protected]

رأي واحد حول “موقف حمدان خوجة من اليهود من خلال كتاب ” المرآة “”

  1. انا من النعجبين بكتابات حمدان خوجة وموضوع بحثي عن اليهود افادني فيه كتاب المراه…..شكرا

    رد

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.