لماذا التطرق إلى مقدمة العلامة إبن خلدون اليوم ؟

1245876935

بقلم : د. رامي ناصر

    إذا كانت معرفة أي شعب من الشعوب تبدأ بقراءة أدبياته ، فإن معرفة أي علم من العلوم تنطلق من التمكن بأساسياته ونظرياته الأولى وذلك بالإطلاع على كتابات مؤسسيه . ولا بد للمشتغل بعلم الإجتماع اليوم الإطلاع على مقدمة مؤسس علم العمران العلامة عبد الرحمن بن محمد بن خلدون الحضرمي، الذي يعتبر المؤسس الأول لعلم الإجتماع قبل مجيء أوغست كونت وإميل دوركايم وغيرهما من مؤسسي علم الإجتماع الحديث .

    فالتاريخ ظاهره كلام عن أخبار الدول والشعوب وباطنه تحقيق بكيفيات الوقائع وأسبابها كما يقول إبن خلدون .

    مقدمته جاءت تصحيحاً للوقائع التاريخية وكلام في نشأة الدول وزوالها وسير ملوكها . يشرح فيها أحوال العمران والتمدن وما يعرض في الإجتماع الإنساني وطرق دراسته ومناهجه . لا تزال مناهجه في علم العمران قائمة حتى يومنا ، إعتمد عليها كل من جاء بعده ، وإرتكز عليها في دراساته .

    فالإجتماع حاجة ماسة لبقاء البشر وإزدهارهم ، فالبادية هي أصل العمران، لأن البدو هم سابقين على الحضر . كما أن التنظيم ضروري لبقاء الحضر ، وذلك يفرض التعلم والتعليم خصوصاً الكتابة والحساب ، مما يتيح إمكانية التدوين والتسجيل لحفظ الأعمال ومنع الغلط ، فالقوانين والأنظمة ضرورية لدوام الإجتماع البشري بعكس البداوة التي تحكمها العصبية والعشائرية . ولاحظ أن للدول أعماراً طبيعية كالبشر ، كما أن المناخ والغذاء يؤثران في الطباع والطبائع . قال بوجوب مراقبة الملك وتنظيم الجباية والضرائب وإعتبر أن الحكم الظالم يؤذن بخراب العمران .

     فالصنائع تميز الحضر عن البدو كما تميز أمماً عن أخرى ، لإمتياز بعض الأمم بصنائع تميزها عن غيرها . فالعمل ضرورة بشرية للعمران وكسب المعاش على مختلف مذاهبه وأصنافه . ولاحظ أن التخصص في العلوم يعطي القدرة على التحصيل والتعمق والأدراك ، لأن كثرة العلوم تعيق التعمق والإستزادة ، عندما يكتفي المرء بالمختصرات والمعلومات العامة . إعتبر أن السفر مهم جداً لإكتساب المعارف والخبرات وتوسيع المدارك ، وقال بضرورة بقاء العلماء بعيداً عن السياسة . كما أن الحفاظ على التراث يكون بجودة المحفوظ وليس بكثرته.

     لقد إعتمد إبن خلدون في مقدمته ، على الملاحظة الدقيقة في وصف مجتمعه ورصد الظواهر وفهمها وتحليل تأثرها وتأثيرها بالجوانب المجتمعية الأخرى. هذه الطريقة العلمية إتبعها كل من جاء بعده والتي لا زلنا نتبعها حتى اليوم في الدراسات الإجتماعية . أوليس من الجائر أن ننسب علم العمران لغيره ما دام هو من وضع ركائزه  الأساسية ؟

    في الختام يطيب لي أن أذكر حادثة حصلت معي أثناء دراستي في تشيكيا في حصة اللغة التشيكية وكنا ندرس موضوع عن أبو الطب “إبن سينا” ، وعلمنا أن أكبر مطبعة ومكتبة للكتب العلمية هي مكتبة إبن سينا في براغ ، حيث يكنون للعالم الطبيب كثير الإحترام . أوليس من المخجل أن يدرس الغرب عن علمائنا ويسمون دور النشر بأسمائهم فيما نحن لا نكلف أنفسنا عناء الإطلاع على مؤلفاتهم بداعي أننا نواكب العصر والتطور ؟




كاتب المقال : د. رامي ناصر : باحث أنثروبولوجي من لبنان ، خبير في دراسة الواقع وإعداد خطط التنمية الإستراتيجية ، مسؤول فريق إعداد الخطط في وكالة التخطيط والتنمية – البقاع (لبنان) ، مشارك ومعد لأكثر من ورقة بحثية في الأنثروبولوجيا الثقافية وفي التاريخ الريفي ، مهتم بمواضيع التراث الشعبي والتراث الثقافي اللامادي .

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.