لبنان – فسيفساء ثقافية

mozaic2

يقع لبنان على البحر الأبيض المتوسط ، وشكّل موقعه فرصةً ليتلاقى مع ثقافات حوض البحر ، فتتابع على تاريخه أكثر من ثقافة ، غازية أو مهاجرة .



فمن الكنعانيين حتى العرب ، تمازجت هذه الثقافات في بوتقته ، وقدّمت له بعداً وأصالة ، وعبقاً يمنح سكانه الحاليين نوعاً من الإعتزاز والفخر .
كما يمنحهم تعددية ثقافية ، حيث يتمازج الإثني مع المذهبي والطائفي ، وسمح للبنان أن يعيش ديمقراطية مبنية على طائفية ، مما خوّله لنهضة على صعيد الحرية والتعبير عن الرأي ، وغابت عنه الشخصانية ، حيث لكل فئة شخصها ، ولا شخصية جامعة لهذا المزيج .
وإن ترتّب على تعدّديته حسنات ، فإن لها سيئات ، منها على سبيل المثال عدم الإتفاق على تاريخ موحّد له ، إذ أن كل فئة/طائفة/ثقافة تقدّم لأتباعها تاريخها الذي يتقاطع وقد يتناص مع تاريخ الفئات الأخرى ، ليشكل بالتالي تاريخاً جامعاً .
إن هذا المأزم يرتبط بالذاكرة الجمعية ، وكيفية رؤية كل ثقافة لذاكرتها ، إذ تختلف التجارب والخبرات ، كما التشكيلات التي استقت منها كل ثقافة ذاكرتها ، لذا يمكن سماع بعض المثقفين وهم يتكلمون عن الأصول الفينيقية ، أو إعادة إحيائها ، واعتبارها الذاكرة الأرقى والأشمل ، وهناك من يتّحد بأصوله العربية ، وبمعزل عن طائفته/دينه ، ويعتبرها الإطار الذي طغى على هذا المزيج .
إن المأزم الثقافي في لبنان يمكن اختصاره بفرضين ، الأول يرتبط بعدم قبول (و/أو تقبّل) فكرة التعددية ، والثاني برؤية الذاكرة مبنية على أساس واحد وحيد مطلق .
إن الإنطلاق في رحلة المعرفة ، خاصة في عصر التلاقي والتلاقح والتثاقف ، أو حتى عصر الغزو الثقافي ، يقدّم الفرصة لكل فرد أن يقارب ثقافة بلده من خلال منظور شمولي ، فلا يعتبرها مطلقة أو كاملة ، بل هي بأحد تجلياتها ، واحدة من الإستجابات التي التزمها الشعب في مواجهة موئل وظروف ، مشكلاً باستجابته ثقافة ، أضحت مع التراكم والزمن : الثقافة .
أخيراً ، وددت من خلال ما سلف ، أن أقدم بعض ملامح التشكيل التاريخي للفسيفساء الثقافية اللبنانية ، متمنياً أن يقدّم عوناً في إدراك الأحداث الثقافية (كما السياسية) التي جرت (وتجري) في لبنان ، مشيراً إلى أن في كل حدث عبق التاريخ والثقافة معاً ، إذ لا يستقيم فهمه دون اللجوء إلى رمزية كل فعل ، أو على الأقل رؤية إرهاصاته التي أسّسته …




ملاحظة : نشرتها مسبقاً على مدونتي على هذا الرابط

رأي واحد حول “لبنان – فسيفساء ثقافية”

  1. ولكن هناك أمرٌ هامٌ يستوجب على التمازج الثقافي حتى لو تكوّن في ظل ما ’كتب في هذه الرؤية البسيطة وهو -أن لا بدَّ من الثقافة أن يكون لها مخرجات حقيقية نلمس منها بذور التلاقي ، وحتى لو اجتمعت في لبنان كل هذه التناقضات وليس التلاقي كما هو بداخل الحروف أن تشكِّل دولة تكون انطلاقة للبلد المثالي ، فليس في لبنان فكرة تجمعهم بعد أن أصبحوا لقمة سهلة لاعبة في تشكيل تحالفات ضد مكونهم الذي يلتفهم – فمنهم ما يختص بملف التحالفات الاسلامية ضد بلد اسلامي ، ومنهم من اختص بملف الاغتيالات ، ومنهم من رعى الفضائيات الخليجية وانتج منها ثقافة العهر في بلدان لا زالت فيها العادات والتقاليد أقرب ما تكون من الاسلام النقي ، وانعكست كل تعدداتهم المغايرة للتعدد نفسه إلى انتاج الدولة الفاشلة ، والمنطوية على الطائفية ، وتعزيز بؤر الرفض وما ينتج عنه المزيد من الاختلالات والتوازنات السياسية والتي من المفروض في ظل ما ذكره الكاتب على هاشم – أن تخلق من هذا البلد أنموذجاً لاستقرار البلدان الاخرى التي تصلى نار الحرب على أسس واهية ، ولكن الحديث فيه أكثر من شجون في ظل انكماش الاعراق والطوائف والاقليات والمذاهب …

    رد

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.