كتاب مهنة الأنثروبولوجي

كتاب مهنة الأنثروبولوجي

لتحميل الكتاب أنقر فوق صورة الغلاف أو أنقر هنا

 

الكتاب: مهنة الأنثروبولوجي: المعنى والحرية

تأليف: مارك أوجيه 

ترجمة: محمد الجويلي

الناشرالدار العربية للعلوم ناشرون

 

صدر أخيراً عن «الملحقية الثقافية» في باريس كتاب «مهنة الأنثروبولوجي، المعنى والحرية»، للباحث والعالم الفرنسي مارك أوجيه بترجمة محمد الجويلي.

يعتبر مارك أوجيه أن مهنة الأنثروبولوجي هي مهنة دراسة الإنسان «الأنثروبوس»، فهي برأيه حُكم عليها بأن تكون إنسانية أو لا تكون، ويتطرق إلى دراسة العلاقات الاجتماعية من خلال ثلاثة أبعاد للإنسان النوعي الذي يعرّفه الكاتب بأنه «هو الذي أبدع خلال القرون وآلاف السنين تقنيات جديدة، وهو الذي سار على سطح القمر والذي يحدث أن يرمز اسم علم ومفرد إلى وجوده وكل واحد منا له الحق في أن ينتسب إليه مهما تواضعت منزلته الإنسانية». فالإنسان النوعي هو الذي يوحدنا ونتوحد فيه مهما اختلفت ثقافاتنا ودياناتنا ولغاتنا، وهو ملكية مشتركة لنا جميعاً بما في ذلك من سار على سطح القمر.

 

يبشر أوجيه في كتابه بانثبولوجيا جديدة تقف على طرفي نقيض من العقلية التبشيرية الاستعمارية وتنشد على العكس من ذلك الحرية لكل الشعوب واصفاً إياها بكونها «هي التي تكون في الآن نفسه أكثر وثاقة في صلتها بعصرها وأكثر التزاماً بقضاياه، لكنها الأكثر ذاتية والأكثر انشغالاً بالكتابة».

 

ويرصد أوجيه مشاغل الأنثروبولوجيا الجديدة في ثلاثة محاور أساسية، يشكل كل واحد منها فصلاً من فصول هذا الكتاب الثلاثة: الزمن، الثقافة والكتابة.

 

مارك أوجيه وهو يرسي انثروبولوجيا جديدة على انقاض انثروبولوجيا المراحل السابقة فطن إلى أن الترجمة تقع في معترك هذا البنا الجديد. ويؤاخذ الانثروبولوجيين الذين سبقوه على وقوعهم في المركزية الغربية عندما اهتموا مثلاً بظواهر التملك في أفريقيا أي الادعاء بظهور قوى في جسم أحد الأفراد، فيعلق أوجيه هنا بالقول: «هنا أيضاً تختلف الترجمات عن نية مبيتة أو تقريبية: نتحدث عن الأرواح، عن العفاريت، عن الآلهة». ويضيف «هذه القوى تحمل اسماً عاماً من الصعوبة بمكان أن نجد له ما يترجمه في الفرنسية»، فهي حينئذ ليست بأرواح ولا بعفاريت ولا بآلهة. ويعلن أوجيه: «حرفياً ليس هناك ما يترجم، الأنثروبولوجي لا يترجم وإنما ينقل، وفي اعتقادي هو على حق بأن يفعل ذلك».

 

يعبر أوجيه عن قناعته بأن الأنثروبولوجيا خصوصاً لها من العتاد ما يمكنها من مواجهة تجليات العصر الراهن وحقائقه شريطة أن يحافظ الأنثروبولوجيون على فكرة واضحة بمواضيع اختصاصهم ورهاناته ومناهجه. فمهنة الأنثروبولوجي هي مهنة المقابلة والحاضر، فما من أنثروبولوجي بالمعنى الكامل للكلمة لا يحمل على عاتقه وزر راهن مستجوبيه، وهذا ما لا ينزع شيئاً من تاريخه وموضوعه، بل على العكس من ذلك تماماً، فمسألة الزمن هذه لا بد من توافرها في كل تفكير يتعلق بمهنة الأنثروبولوجي.

 

ثقافات متعددة

 

يتحدث أوجيه عن المعرفة بالإنسان الذي يدعي الأنثروبولوجيون والأثنولوجيون دراسته، فهم أفراد ومستجوبونهم أفراد. وهنا يرى أن الأنثروبولوجيين يهتمون بالأنظمة، وثقافات متعددة ومختلفة، وعلاوة على ذلك لا يهملون طموح الأنثروبولوجيا الفيزيائية والأنثروبولوجيا الفلسفية وسيعهما إلى دراسة الإنسان عموماً.

 

أما في ما يتعلق بالكتابة، فيؤكد أوجيه أن الأثنولوجيون يكتبون بقلة أو بكثرة، كل حسب حالته، لكنهم يكتبون في نهاية الأمر. لماذا يكتبون؟ وكيف يكتبون، ولمن يكتبون؟ هذه هي المسألة كلها في نهاية الأمر، فأن تكتب هو أن تسرد وفي سياق ما بعد الاستعمار، وقد استند كثير من الملاحظين على هذه المعاينة للتساؤل عن وضع الاختصاص الأبستيمولوجي والأخلاقي.

 

يعتقد المؤلف أنه عندما يتحدث الأثنولوجيون أو أولئك الذين يستجوبونهم عن الزمن، فهم إذاً يتطرقون إلى الرابط الاجتماعي في الحقيقة، إلى فهم ما للعلاقات بين البعض والآخر داخل إطار ثقافي محدد. فالثقافة في المعنى العام والأنثروبولوجي للكلمة، هي مجموع هذه العلاقات، ويقع استخدامها من خلال بعد فكري رمزي وبعد محسوس. وأثبت الأثنولوجيون، حسب أوجيه، وجود ثقافات في هذا البعد المزدوج الفكري والمؤسساتي مهتمين بعلاقات النسب والتحالف أو السلطة، لكن أيضاً بالأساطير والطقوس وبالحقائق الأنثروبولوجية التي تفرض على البشر في اجتماعهم الخضوع للزمن كي يتسنى لهم قبول فكرة الموت وإعادة ابتكاره للعيش معاً.

 

ويؤكد أوجيه على أن الأنثروبولوجيا لم يعد موكولاً إليها دراسة المجتمعات التي هي في طور الاضمحلال وموضوعها الفكري، على وجه الدقة وعموماً هو دراسة العلاقات المرمزة والمؤسسة بين الأفراد كما تتشكل في سياقات معقدة قليلاً أو كثيراً والتي وفرت جماعاتها المدروس من الأثنولوجيا في مرحلتها الأولى أمثلة نموذجية أولية. كذلك يشدد الكاتب على أن العالم الجديد والإنسانوية الجديدة لا يمران عبر مجرد التعايش بين ثقافات مغلقة على نفسها، وهذا ما قد تحيل عليه مجازفة الكلمة الغامضة «التعددية الثقافية» وإنما على الأصح عبر التعايش بين ميزات فردية غنية ومركبة في علاقة بعضها بالبعض الآخر، وهذا ما يمكن أن نصطلح عليه «بالتجاوزية الثقافية» التي تفهم بوصفها إمكان يُتاح للأفراد لتخطي الثقافات والالتقاء ببعضهم الآخر: سيرورة منفتحة تكون الديمقراطية والتعليم وحدهما هما محركاها ووحدهما هما ضامنها.

 

تمارين روحية

 

يعلن أوجيه أن الإنسانوية والكتابة ترتبطان ارتباطاً حميماً، فالأنثروبولوجي لا يكرس نفسه لتمارين روحية خاصة وإنما يطمح إلى إنتاج معرفة موجهة إلى جمهور. وهذا يشكل أحد رهانات الكتابة وهي مسألة تطرح على الأنثروبولوجي كما تطرح على المؤرخ والفيلسوف. فمسألة الكتابة ليست أحد التوابع ولا جانبية وإنما هي في صميم الاختصاص الأنثروبولوجي. فالأنثروبولوجي يخضع وهو يكتب لغيره من الناس الواقع الذي يصفه ويجعل منه موضوعاً أنثروبولوجياً يعرضه على النقاش ويطرحه للمقارنة. هكذا، فهو ينقاد إلى تنظيم المعطيات التي تظهر في الحياة اليومية وهي مبعثرة ومتقطعة، ملتمساً من مخاطبيه إقامة علاقات لم يكن بوسعهم إقامتها أو استنتاجها انطلاقاً من ملاحظات مشتتة.

 

يضيف المؤلف أن الخلاصات التي نجدها في بعض النصوص الأنثروبولوجية لا توجد غالباً في المجتمعات الواقعية إلا بصفة مجردة، وقد يحدث للأنثروبولوجي أن يشكل انسجاماً يكون على يقين بأنه يكمن في الوقائع، ومع ذلك يحافظ الانسجام على طابعه باعتباره فرضية استقرائية.

 

الأنثروبولوجي بوصفه كاتباً يوقع على ما يكتب، يوقع وهو بذلك يضمن تجربة وتحليلاً وفرضيات. ولأنه يوقع فهو موثوق به علماً بأن العلاقة حقيقةً لا تكون على الطبيعة نفسها عندما نحكي عن تجربة أو عندما نبلور تحليلاً أو نطرح فرضيات. فكلما يلتزم الأنثروبولوجي بوصفه مؤلفاً يكتب أكثر. ويخلص أوجيه إلى القول إنه كلما استطعنا أن ندرك في كتابته صدى صوت وصدى ذاتياً يمكننا أن نطمئن أكثر أنه يتخلص من عيوب الرتابة والمركزية الإثنية المقولبة.

 

ويختم أوجيه بأن ثمة أثنولوجيين كتاباً، لكن ليس بالكثرة الهائلة، لكن على أي حال فكتابة الأنثروبولوجي سواء أكانت أدبية أم لا ليست مدعوة إلى التعبير عن الجزء الذي يفترض أن يفوق الوصف في كل ثقافة: إنها تروي تجربة حيث للفرد نصيبه وتجعلها تنفتح على المقارنة. فالأنثوبولوجيا هي تحليل نقدي للمركزيات الإثنية الثقافية المحلية، بل إن موضوعها الأساسي المركز هو التوتر بين المعنى والحرية التي تنبثق منها كل أنماط التنظيم الاجتماعي من أكثرها بساطة إلى أكثرها تعقيداً وهذا يعني أن عملاً كثيراً ما زال في انتظارها.

 

رأيان حول “كتاب مهنة الأنثروبولوجي”

  1. شكرا جزيلا لكم على توفير هذا الكتاب القيم على الرابط وادعو من الله ان يديم عليكم النجاح والتألق ويبعد عنكم وعن كل المسلمين والبشرية جمعاء شر المسيئين

    رد

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.