كتاب أنثروبولوجيا العنف والصراع

 sira3

 الكتاب: أنثروبولوجيا العنف والصراع

المؤلف: بتينا اي شميدت وانغو دبليو شرودر

المترجم: د. هناء خليف غني

الناشر: بيت الحكمة، بغداد ، 2013

عدد الصفحات: 384 صفحة 

 

شهد تاريخ الجنس البشري العديد من حوادث العنف والصراع. ولم يقتصر وقوع هذه الحوادث على دولة دون اخرى أو مجتمع دون اخرى. وفي واقع الأمر، لم تنشغل المجتمعات المعاصرة بمثل ما انشغلت بقضيتيَ العنف والصراع اللذين تعددَ أشكالهما، وتنوعت أدواتهما، واتسعت دائرة حدوثهما حتى أصبحتا تطالان المجتمعات

جميعها الشرقية منها والغربية؛ ومنها مجتمعنا العراقي الذي ما برح رازحاً تحت وطأة سلسلة طويلة ومؤلمة من الحروب والصراعات الخارجية والداخلية التي عصفت بمفاصله كافة، وأسهمت -منذ ثمانينيات القرن العشرين فصاعداً- في تصاعد وتائر الاختلالات الاجتماعية، وتدمير المنظومة الأخلاقية وتقويض البنى التحتية.

وقد تفاقم هذا الوضع بعد أحداث العام 2003 التي أسهمت في تعميق انقسام المجتمع على وفق خطوط سياسية ومذهبية وطائفية جعلت العراقيين يدورون في حلقة مفرغة من العنف والاقتتال والتناحر اليومي.

وعلى الرغم من الإجماع العام على التنديد بأحداث العنف، وانتقاد المنخرطين فيها، والمحرضين عليها، وكثرة الدراسات والأقلام التي تناولت ظاهرتي العنف والصراع بحثاً وتحليلاً، واتساع ظاهرة العناية بهما في المستويين الشعبي والرسمي، ما زال العراقيون يعيشون حياتهم اليومية على وقع أخبار الانفجارات والاغتيالات والاختطافات المفجعة. وانطلاقاً من ذلك، أرى من الضروري عدم الإكتفاء بدراسة هاتين الظاهرتين في مجتمعنا فحسب، بل الاستعانة بخبرات المجتمعات الأخرى وتجاربها في هذا المجال علَنا نجد ما يعيننا على فهمهما وإلقاء مزيد من الضوء على جذورهما وسُبل الوقاية منهما أو ربما- وهذا ما نأمله-القضاء عليهما.

والعنف- بأبسط أشكاله- هو تعبير عن القوة الجسدية التي تصدر ضد النفس أو ضد أي شخص آخر بصورة متعمدة أو إرغام الفرد على إتيان هذا الفعل نتيجة لشعوره بالألم بسبب ما تعرض له من أذى. ويستخدم العنف في أنحاء العالم كافة كأداة للتأثير في الآخرين، كما أنه يُعد من الأمور التي تحظى باهتمام القانون والثقافة، إذ يسعى كلاهما إلى قمع ظاهرة العنف ومنع تفشيها. ومن الممكن أن يتخذ العنف صورًا كثيرة تبدو في أي مكان على وجه الأرض، بداية من مجرد الضرب بين شخصين والذي قد يسفر عن إيذاء بدني وانتهاءً بالحرب والإبادة الجماعية التي يموت فيها ملايين الأفراد.

أما الصراع فهو حالة سببها تعارض حقيقي أو متخيل للاحتياجات والقيم والمصالح. ويمكن أن يكون الصراع داخليا (في الشخص نفسه) أو خارجيا (بين اثنين أو أكثر من الأفراد). يساعد الصراع بوصفه مفهوماً في تفسير الكثير من جوانب الحياة الاجتماعية، مثل الاختلاف الاجتماعي وتعارض المصالح والحروب بين الأفراد والجماعات أو المنظمات. من الناحية السياسية يمكن أن يشير الصراع إلى الحروب أو الثورات أو النضالات، والتي قد تنطوي على استعمال القوة كما هو الحال في حوادث الصراع. والصراعات في بيئات اجتماعية يمكن أن تؤدي إلى التوترات عند عدم وجود حل سليم لها أو ترتيب مناسب للتعامل معها.

إنَ ما يمَرُ به وطني العراق هو ما شجعني على اختيار ترجمة ((أنثروبولوجيا العنف والصراع))- وهو الكتاب الثاني في سلسلة الكتب التي عزمت- بعد التوكل على الله- ترجمتها الى اللغة العربية.

وبالنظر الى الطبيعة المعقدة لظاهرتي العنف والصراع لجهة كثرة العوامل المسهمة في حدوثهما، وتداخلهما مع طيفٍ واسعٍ من الظروف السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية الحاضنة لهما- كما ستبيَن فصول الكتاب- فإن الكتابة عنهما على وفق المناهج والمقاربات والنظريات الأنثروبولوجية ليست بالعمل الهين، فهي تتطلب تحليلاً دقيقاً وموضوعياً ومعرفة شاملة بكافة الظروف المنتجة لهما؛ لضمان فهمهما فهماً صحيحاً، ومحاولة التوصل الى حلول ناجعة تجنب شعوب العالم ويلاتهما.

وتاريخياً، لم يتبلور علم أنثروبولوجيا العنف والصراع في حقل معرفي متكامل مستقلٍ بذاته سوى في الآونة الأخيرة؛ ولكونه فرعاً معرفياً حديث النشأة نسبياً، ما زال العديد من مفاهيمه وممكناته المعرفية موزعاً على الفروع المعرفية الأخرى أمثال علوم الاجتماع والسياسة وعلم النفس والدراسات الثقافية وغيرها.

ويخدم ((أنثروبولوجيا العنف والصراع))، الذي يمثل نقطة انطلاق مبدئية  مناسبة نحو فهم انثروبولوجي لظاهرتي العنف والصراع، غرض معالجة هذا القصور ومحاولة تطوير منهج عبرثقافي لتحليلهما ودراستهما. إن الغاية من دراسة بعض حوادث العنف والصراع المهمة أمثال الحروب الأهلية في البانيا (الفصل الخامس)، والصومال (الفصل الثامن)، وسريلانكا (الفصل التاسع)،وسراييفو (الفصل العاشر)، فضلاً عن العديد من حوادث العنف والصراع الأخرى غير المعروفة على نطاقٍ واسعٍ هي وضع نظرية شاملة للعنف تكون قابلة للتطبيق على وفق مقاربة عبرثقافية مناسبة. والأهم- من وجهة نظري- تمثيل أنثروبولوجيا العنف والصراع أداةً مناسبة تساعدنا في الحدَ من انتشار هاتين الظاهرتين في عالمنا المعاصر.

وختاماً، آمل ان يرفد هذا الكتاب المكتبتين العراقية والعربية بمؤلفٍ ذي قيمة يصبُ بفائدة المختصين في مجال الدراسات الأنثروبولوجيا والاجتماعية، ومن الله التوفيق.

 

د. هناء خليف غني

  • دكتوراه جامعة بغداد تخصص ادب انكليزي/مسرح حديث
  • نشرت واحداً وعشرين بحثاً في داخل العراق وخارجه
  • شاركت في عددٍ من المؤتمرات العلمية
  • مشرفة على رسائل ماجستير ودكتوراه في جامعة بغداد
  • ترجمت عشر كتب لحد الآن
  • عضوة في عدد من اللجان العلمية وهيأة تحرير مجلة (The international journal of Applied linguistics and language learning world)

 

4 رأي حول “كتاب أنثروبولوجيا العنف والصراع”

  1. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، شكر الله عظيم جهدكم ومبرة تقاسمكم ،أتساءل عن امكانية تحميل هذا الكتاب ؟
    مع أطيب المنى

    رد
  2. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، شكر الله عظيم جهدكم ومبرة تقاسمكم ،أتساءل عن امكانية تحميل هذا الكتاب (المقصود أنثروبولجيا العنف والصراع) ؟؟
    مع أطيب المنى

    رد

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.