قراءة حول أصل الشر

E_001

ترددت قبل أن أكتب ، حيث أن الموضوع – كما عادة أي سؤال عن الجذور – شائك !

لكن التردد حقاً يعود إلى كون الجواب – الكلمة عموماً – مسؤولية …

لذا ، فأي كلمة لا تتوخى وجه الحقيقة التي يطمئن لها القلب ، نتيجتها سلبية على المجيب قبل السائل !

إن البحث ، عن أصل الشر ، عن جذره ، عن سببية وجوده ونشوئه ! عن الحكمة منه ! أراها تعود إلى أصل الخلق ، فلا يمكن الكلام عن “شر” دون أن نذكر بدايتها البائية “بشر” ! كما تعود إلى لحظة الهبوط ، فلا يمكن الحديث عن “شر” قبل الهبوط على الأرض ، [وَقُلْنَا اهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ] {البقرة/36} ، إذ أن معصية آدم ووسوسة إبليس هي إرهاصات لتداعيات لاحقة “أرضية” ، والحديث حولها كالحديث عن لحظات “ما قبل” الإنفجار ضمن نظرية “الإنفجار الكبير” (Big Bang Theory) .

هبوط على الأرض أضحى فيه الإنسان مسؤولاً … بعد أن أضحى “حراً” في إختياره ! إذ لا يمكن أن تكون مسؤولاً (مكلفاً) دون أن تملك الأصل “حريتك” !

ومن هنا بدأ الإنحراف …

ومن هنا بدأ الإختلاف !

ومن هنا بدأت الحكاية !

إن في هذا الموضوع تشعبات أجوبة تذهب بي إلى أسئلة ! وكأنه مشروع بحثي كبير بحاجة للنظر في الثقافات وأساطيرها ! والأديان وكتبها ! هو موضوع أكبر من مقالة ، ولا مطلقات ضمنه ، بل ربما محاولة لتلمس أطرافه !

هناك نظريتان ، تناقش أصل الشر :

–       الأولى تعتبر أن الطفل يولد بريئاً وخيّراً والمحيط هو الذي يحوّله !

–       الثانية تعتبر أن في الطفل جبلّتين ، ثنائية الخير والشر ، ويساعد المحيط في إضعاف طينة وتمكين أخرى !

للنظرية الثانية ، شرطان :

–       الأول : الرحمة الإلهية ، حيث زوّدنا الله بالفطرة ، النزوع نحو الخير .

–       الثاني : الحرية التي تستوجب المسؤولية عبر التكليف ، فنحن بإرادتنا ورغماً عن “المحيط” نختار ، نجاهد ، فننتصر أو ننهزم !

إن للإنسان (كما أرى) طبيعة ثنائية ، أصل روحي فيه نزوع نحو الخير المحض ، وأصل ترابي فيه نزوع نحو الشر . هاتان النزعتان تؤمّنان الخيار الحر للإنسان .

فالعبد المملوك لا يملك حريته ، وبالتالي تنعدم مقدرته على الإختيار ! بينما رب العباد دفع للناس حريتهم ، [وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ] {الكهف/29}

ومع الحرية تأتي المسؤولية ، مسؤولية المقدرة على الإختيار وتبريره [مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ {154} أَفَلَا تَذَكَّرُونَ {155} أَمْ لَكُمْ سُلْطَانٌ مُّبِينٌ {156} فَأْتُوا بِكِتَابِكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ {157}] {الصافات}

إن حديث الشر ، هو كحديث الخير ، ثنائية لا يكتمل عقد الحياة دونها !

من طبيعتنا أن نجاهد نفسنا ضد منزع الشر فيها ، وأن ننتصر و/أو ننهزم أمام كل مفترق وعند كل إبتلاء !

لما كان لجهاد النفس هذه الأهمية الكبرى ، لو لم يكن من ثنائية أصلنا نزوعها نحو الشر !

إن البحث عن الأصل ، يستلزم عدم النظر إلى أمثال آنية ! ليس المهم اليوم والآن !

فإذا أردنا أن نفهم فقط سببية وجوده اليوم ، قد نُضيّع البوصلة ! لكن لنفهم الراهن ، علينا البحث عن الأصل ، بعدها سنكتشف أن “الآن” المستخفي ، ليس سوى ستار يحجب عنا الفهم !

نحن بحاجة ، للإنطلاق من البداية ، وهي ستقدم لنا فرصة إكتشاف باقي الطرق ، شرط أن نقدر على تحرير تشعباتها ، وإعادة تركيب ملغزها !

أصل الشر كأصل الخير لحظة الهبوط وبدء التناسل الأرضي ، يوم إختار قابيل الشر ، وإختار هابيل الخير : [لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَاْ بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لَأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ] {المائدة/28}

هي لحظة إختيار ، وهي قصة/مثل تريدنا أن نفهم أن الشر وإن كان جزءاً منا إلا أن مقدرتنا على عزله وتحجيمه هي بمتناولنا (إذا أردنا) ، وهي تشابه كثيراً لحظة إختيار “الحر” و”إبن سعد” ، لحظة حدّدت المصير الفردي كما المسيرة البشرية !

الفطرة كما أراها هبة من رحمة الله ، كأنها دفقة أمل دائمة أن الخير في النفوس باقٍ ! وأن الشر إلى إنكفاء …

هو باقٍ ما بقي فينا روح تنزع إلى معارجها …

لماذا الشر …؟

السؤال ، كما أراه ، لماذا نختاره ؟!!!




ملاحظة : نشرتها مسبقاً على مدونتي على هذا الرابط .

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.