النظام الأسري للجماعات الهامشية في المجتمع اليمني

دراسة انثروبولوجيه لجماعة مختارة في مدينة صنعاء


أمة الغفور زيد يحيى عقبات

ملخص رسالة ماجستير2001

اهتمت الدراسة الأنثروبولوجية على مدى تاريخها الطويل اهتماماً كبيراً بدراسة البناء الأسري لأي جماعة أو مجتمع. إذ يستخدم المنهج الأنثروبولوجي في دراسة هذا البناء وذلك لأن الروابط الأسرية ليست مجرد علاقات دموية أو علاقات مصاهرة وحسب ، ولكنها تنطوي في الوقت نفسه على مجموعة مركبة من الالتزامات الاقتصادية والاجتماعية والأخلاقية … الخ. فأي علاقة أسرية بين طرفين ، ولنقل بين الأب وابنه هي في الأساس توصيف لعلاقة بيولوجية : بأن الأول أنجب الثاني من صلبه ، ولكنها بعد ذلك تمثل إطاراً لأسلوب في التخاطب وواجبات تتصل بالكفالة المادية ، والتربية الأخلاقية والدينية ، وعشرات بل مئات الواجبات الأخرى ، حتى أنها تتحول بعد أن يعجز الأب ويقعد عن الكسب ويكبر الابن تتحول إلى تبادل المواقع ، فيفرض المجتمع على الابن رعاية أبيه وتحمل مسؤوليات جديدة نحوه. ومن هنا يمكن القول بأن النظام الأسري في أي مجتمع هو الخريطة الأساسية لأي نظام اجتماعي في المجتمعات الإنسانية كافة. وفي دراستنا نتعرض للنظام الأسري لدى الأخدام كجماعة هامشية ، وبالرغم من أن دراسة الهامشية قد ارتبطت بالدراسات السلالية والعرقية في بدايتها ، كما أن الكتاب الذين تناولوا موضوع الهامشية قد درسوها على أنها ظاهرة راجعة إلى الاختلافات السلالية فقط ، إلا أن التفسير السوسيولوجي بدأ يأخذ مكانه وأصبح هذا التفسير أكثر قبولاً عندما وجه النظر إلى تأثير العوامل الاجتماعية في الموقف. فحيث يوجد شخص ولد عنصري يعيش في ظروف اجتماعية تحدده وتقيده ولا تعترف بوضعه فإننا نجده يختلف عن شخص آخر ولد عنصري أيضاً ، ولكنه يعيش في مجتمع يعترف به ، ويتيح له الفرص المتكافئة مع غيره. وهكذا فإن الظروف الاجتماعية لها تأثير واضح في الموقف الاجتماعي ، وفي ضوء هذا الفهم فالاختلافات السلالية تعد أحد العوامل التي تؤدي إلى ظهور الهامشية ، وليست هي العامل الوحيد لظهورها ، ولا بد هنا أن نوضح نقطتين : أولاً : إنه ليس من الضروري أن تؤدي كل اختلافات سلالية أو عضوية إلى نمط من الهامشية. ثانيا : إن العلاقة العلية بين هذين المتغيرين ــ السلالية والهامشية ــ لا يمكن أن توجد بهذه الصورة المبسطة فهنالك عمليات كثيرة وحلقات متعددة تربط بينها ، فالهامشية يمكن أن ترجع إلى الاختلافات الثقافية والعوائق التي قد يسببها الاختلاف العنصري أو أي عامل آخر ، فالجماعة السلالية قد تتبنى وتتمسك بأنماط ثقافية هامشية داخل ثقافة أساسية هي الثقافة القومية لمجتمع ما ، وهنا تتحدد علاقة علية غير مباشرة بين العنصرين. ونتناول (الأخدام) باعتبارهم جماعة هامشية . وهم جماعة مغلقة توجد أسفل التركيب الاجتماعي للمجتمع اليمني ، وتشكل موضوعاً للاستغلال الاقتصادي والاجتماعي ، ويُنظر إلى أفراد هذه الجماعة على أنهم دون مستوى الفرد اليمني العادي ومن ثم لا يحق لهم أن يحصلوا على ما يحصل عليه من فرص الحياة ، وربما كانت أقرب النماذج لجماعة الأخدام ، وطائفة المنبوذين في الهند ، والزنوج في الولايات المتحدة الأمريكية. وليس هناك رأي قاطع بين المؤرخين والباحثين حتى الآن عن أصل الأخدام ، ولكن كثيراً من الباحثين والمؤرخين يرجعون أصلهم إلى البلدان الأفريقية المجاورة لليمن نتيجة للعلاقات التاريخية القديمة بين اليمن والحبشة (تجارة – هجرات يمنية إلى الحبشة – صراعات مسلحة – غزوات الأحباش لليمن). وقد يكون أيضاً نتيجة للملامح الفيزيقية للأخدام والتي تشبه إلى حد كبير الملامح الفيزيقية للأفريقيين ، فالخادم له بشرة سوداء داكنة ، وشعر اسود مجعد ، وشفاة غليظة ، وأنف أفطس غالباً. والمناطق التي يعيشون فيها هي في العادة مناطق غير مستغلة ، وربما غير قابلة للاستغلال العاجل اقتصادياً ، وهم يبنون أكواخهم ــ وهي النمط السائد لسكانهم ــ على ارض هي عادةً إما ملك للدولة أو أوقاف ، أو أراضٍ غير محددة الملكية ــ وفي حالات قليلة يقيمون مساكنهم على أراض يملكها أشخاص برضاهم ولفترة محددة وقد يُكرهون على إخلائها. وبالنظر إلى أن نمو المدن اليمنية يسير بمعدلات عالية الآن وإلى إقدام الدولة والأفراد على استغلال أراضٍ لم تكن مستغلة من قبل فإن كثيراً من تجمعات الأخدام حول المدن تتعرض للإزالة ، وهذا مصدر من مصادر متاعبهم الأساسية بالنسبة لتوفير ضرورات العيش. والخدام جماعة هامشية تتواجد على هامش المجتمع ، وتتميز بحياة اجتماعية وثقافية تختلف في بعض جوانبها إن لم نقل في معظم جوانبها عن الثقافة السائدة في المجتمع اليمني ، وتعيش في عزلة اجتماعية واقتصادية وثقافية وسياسية.