الكتاب: اللغة والأسطورة

كتاب اللغة والأسطورة

لتحميل الكتاب أنقر فوق الصورة

الكتاب: اللغة والأسطورة

المؤلف: أرنست كاسيرر

ترجمة : سعيد الغانمي

دار النشر: هيئة أبوظبي للتراث والثقافة ، الإمارات، 2009

 

لمحة عن المؤلف

أرنست كاسيرر (1874 – 1945) : فيلسوف ومؤرخ فلسفة ينتمي إلى ما يسمى بمدرسة ماريورج في “الفلسفة الكانطية الجديدة”. اشتهر كأبرز شارح للفلسفة النقدية الكانطية في القرن العشرين. غادر ألمانيا في عام 1933، وتوفي حين كان مدرساً في جامعة كولومبي في نيويورك. من أشهر أعماله: “مشكلة المعرفة” 1906 – 1907)، “الجوهر والوظيفة” (1910)، “الحرية والشكل” (1916)، “فلسفة الأشكال الرمزية” (1923 – 1929)، “النهضة الأفلاطونية في إنكلترا” (1932)، “منطق الإنسانيات” (1942)، “الأسطورة والدولة” (1942)، “الرمز والأسطورة والثقافة (1979)، “اللغة والأسطورة” (1925)

عرض الكتاب : أحمد السعداوي

يسعى أرنست كاسيرر عبر كتابه “اللغة والأسطورة” إلى تحليل العلاقة بينهما، موضحاً أن اللغة بوصفها أداة الإنسان الأولى للعقل، تعكس الميل إلى صنع الأسطورة أكثر منه إلى العقلنة والتفكير المنطقي. ويشير في ذات الوقت إلى أن اللغة التي هي ترميز للفكر، تعرض نمطين مختلفين تماماً من الفكر، الذي هو في كلتا الحالتين فكر قوي وإبداعي.

اللغة عند أرنست كاسيرر في كتابه “اللغة والأسطورة” تعبر عن نفس في شكلين مختلفين، أحدهما المنطق الاستدلالي الاستطرادي، والآخر الخيال الإبداعي. ويبدأ الذكاء الإنساني مع التصور، الذي يمكن اعتباره الفاعلية العقلية الأولى، وتبلغ عملية التصور دائماً أوجها في التعبير الرمزي لأن التصور لا يثبت ولا يحتفظ به إلا حين يتجسد في رمز، بمعنى آخر يوضح كاسيرر أن دراسة الأشكال الرمزية تقدم مفتاحاً لأشكال التصور الإنساني، وعلى ذلك فإن تكوين الأشكال الرمزية، سواء أكانت لفظية أو دينية أو فنية أو رياضية، أو أي نمط من أنماط التعبير، هو ملحمة العقل. وتشير أغلب الدلائل إلى أن أقدم هذه الأنماط على ما يبدو تتمثل في اللغة والأسطورة، وكلاهما يعود إلى عصر ما قبل التاريخ، ولذا لا يمكن التحقق من عمر أي منهما، وإن كانت هناك أسباباً كثيرة لدى كاسيرر تدعوه لأن يعتقد أن كلاً من اللغة الأسطورية توأمين.

 

الوجود والذات

عبر صفحات كتاب “اللغة والأسطورة” يعمد كاسيرر إلى إبراز أهمية اللغة في تكوين الأساطير، مع حرصه على تبيان ارتقاء الأفكار الدينية على نحو يماثل تشكيل الأساطير اللغوية، منبهاً إلى ما سماه بـ “سحر اللغة” أو “مبدأ الكلمة”، أي التطابق بين الدال والمدلول، والكلمة والشيء في الاستعمال الأسطوري والشعر في اللغة، معتبراً أن التماهي الجوهري بين الكلمة وما تدل عليه يتضح بجلاء إذا ما نظرنا له من زاوية ذاتية، لا من النطق الموضوعي. ففي الفكر الأسطوري، حالما يتم النطق باسم الشيء، يكون الشيء قد حضر بلحمه ودمه.

وحين بحث كاسيرر الأطوار المتعاقبة للفكر الديني، وجد أن هذه الأطوار تستهدي باللغة وتتبع خطاها. ثم يخلص من ذلك إلى القول بأن العمق الروحي للغة وقوتها يبدو جلياً في حقيقة أن الكلام نفسه هو الذي يمهد الطريق للخطوة الأخيرة التي يسمو بها هو نفسه. ويتمثل هذا الإنجاز الأصعب والأخص عن طريق مفهومين أساسيين قائمين على اللغة، وهما مفهوم “الوجود” ومفهوم “الذات”. ويبدو أن كلاً من هذين المفهومين ينتمي، في دلالته الكاملة إلى تطور متأخر نسبياً للغة، إذ أنهما يكشفان من خلال أشكالهما النحوية، عن آثار المصاعب التي واجهها التعبير اللفظي بسبب هذه المفاهيم، ولم يستطع السيطرة عليها إلا بدرجات بطيئة.

محاورة “فايدروس”

يتضح أن كاسيرر لا يريد إيلاء اللغة الأولوية على الأسطورة، أو الأسطورة على اللغة، بل يريد تجاوز هذا السؤال الزائف بغية التوصل إلى الآليات الضمنية لكلتيهما، وهذا يتكشف في نقده النظريات التي تعتبر الأسطورة أساس اللغة، وكذلك النظريات التي ترى اللغة أساس الأسطورة.

ويدلف إلى استعراض مكانة اللغة والأسطورة في نموذج الثقافة الإنسانية مستلهماً المحاورة الأفلاطونية “فايدروس” حيث يبين كيف استطاع فايدروس أن يستدرج سقراط لدى مقابلته، خلف بوابات المدينة على ضفاف “إيليوس”. ولقد صور أفلاطون إطار هذا المشهد بالتفصيل الجميل، وأضفى عليه بهاء ورونقاً لا نظير لهما تقريباً في الأوصاف الكلاسيكية للطبيعة.

ومن خلال تتبع تفاصيل المحاورة التي دارت بين سقراط وفايدروس يخلص كاسيرر إلى وجود نوع من تأويل الأسطورة أحرز فيه سفسطائيو ذلك الزمن وخطابيوه شهرة عالمية باعتباره ثمرة التعليم المهذب وذروة الروح الحضرية. ثم يتحدث عن رؤية بعض الفلاسفة الذين عمدوا إلى تحليل التبجيل الأسطوري – الديني للظواهر الطبيعية، كما هي حال الشمس والقمر على سبيل المثال، لا يكمن أصله النهائي إلا في سوء تأويل الأسماء التي استعملت لهذه الموضوعات، ومن أشهر هؤلاء الفلاسفة هربرت سبنسر.

الظل المعتم

يتعرض كاسيرر أيضاً إلى نظرية ماكس مولر الذي ارتأى أن الأسطورة مجرد الظل المعتم الذي تلقيه اللغة على الفكر، ويستخرج من ذلك لغزاً يكمن في وجوب ظهور هذا الظل دائماً في هالة نوره الخاص، وانطوائه على عنفوان وفاعلية إيجابية خاصة به، تميل إلى طمس ما يسمى، في العادة، بواقعية الأشياء المباشرة، وهكذا تشحب ثروة الخبرة التجريبية الحسية أمامه وتتضاءل. وبالخروج من دائرة هذه النظريات يعود كاسيرر إلى التأكيد أن “التجربة” البدائية نفسها مشبعة بخيال الأسطورة ومشحونة بأجوائها. والإنسان لا يعيش مع موضوعاته إلا بقدر ما يعيش في هذه الأشكال، فهو يكشف الواقع أمام نفسه، ويكشف نفسه أمام الواقع، بحيث يدع نفسه والبيئة يدخلان في هذا الوسط المرن، الذي لا يحتك فيه الطرفان فحسب، بل ينصهران بعضهما ببعض. وفي فصل بعنوان “ارتقاء الأفكار الدينية” يدعو كاسيرر إلى أن نلم بالوقائع المنفصلة التي قامت دراسات أوسنر في تاريخ اللغة والدين لتسليط الضوء عليها، بغية إيجاد أساس ملموس لتأويلاته وأبنيته النظرية.

آلهة مؤقتة

يوضح كاسيرر أن أوسنر قام بمتابعة ارتقاء المفاهيم اللاهوتية عبر متابعة أسماء الآلهة وألقابها، فكانت هناك ثلاث؛ أطوار رئيسية، الطور الأول ويرتبط بإيجاد “آلهة مؤقتة” يلجأ إليا الإنسان في حالات الشعور بالخطر والخوف، وعند مستوى أعلى قليلاً من هذه القوى الإلهية المؤقتة، التي تأتي وتذهب وتظهر وتختفي مثل الانفعالات الذاتية التي تنشأ عنها، حيث نجد سلسلة جديدة من الآلهة تنشأ عن الفاعليات المنظمة والموصولة للإنسانية، يسميها أوسنر “الآلهة الخاصة” والتي تطورت تطوراً واسعاً ومتنوعاً في الديانة الرومانية، وكان لكل ممارسة تؤدي راعيها، على سبيل المثال أفعال البذار، الحرث، إزالة الأحراش، ما من عمل من هذه الأعمال يمكن له أن يفلح ما لم يكن ألهه الراعي قد استدعى على نحو مكرر وباسمه الصحيح.

ومن خلال دراسة تاريخ تلك الديانة الإغريقية بآلهتها المتعددة يمكن استخلاص استنتاج مفاده أن طبائع مثل هذه الآلهة وأسمائها تبرز عند مرحلة معينة من مراحل التطور الديني لدى الناس جميعاً، فهي تمثل طوراً ضرورياً لابد من أن يجتازه الوعي الديني كي يصل إلى إنجازه النهائي والمتفوق، أي تصور الآلهة الشخصية.

ويتابع كاسيرر تحليل أوسنر لتطور الآلهة فيقول إن الأخير ارتأى أنه ما إن يتم تصور إله خاص في البداية، حتى يطوق باسم خاص، لابد من أن يكون مشتقاً من الفاعلية الخاصة التي تسببت بإحداث ذلك الإله. وما دام هذا الاسم يفهم ويؤخذ بمعناه الأصلي، فإن حدود معناه هي حدود قوى الإله، ومن خلال اسمه يظل الإله يحتفظ دائماً بذلك الميدان الضيق الذي خُلق من أجله في الأصل.

وبالنظر إلى الدليل المادي الذي استند إليه أوسنر والقائم على تاريخ الديانة الإغريقية والرومانية، يوضح بجلاء أن هذه الكشوف ليست سوى حالات تمثيلية لنمط يصح استخدامه على العموم في كل الديانات وعلاقاتها الوثيقة بالأساطير واللغة.

قانون الأشكال الرمزية

يدعو كاسيرر إلى أن معرفة وفهم الطبيعة الخاصة بالتصور الأسطوري – الديني، ليس فقط من خلال نتائجه فحسب، بل من خلال مبدأ تكوين نفسه، وأن نرى، بالإضافة إلى ذلك كيف يرتبط نمو المفاهيم اللغوية بمفاهيم الأفكار الدينية وفي أي السمات الجوهرية يتطابقان، كل هذا يتطلب منا حقاً أن نبحث عائدين في الماضي البعيد.

ثم يعرج كاسيرر على تناول ما يعرف بـ “سحر الكلمة” فيقول “حتى الآن كنا نبحث عن اكتشاف الجذر المشترك للتصور اللغوي والأسطوري، والآن يظهر السؤال عن الكيفية التي تنعكس بها هذه العلاقة في بنية “العالم” الذي يقدمه الكلام والأسطورة”.

ليواجه قانوناً يصح على جميع الأشكال الرمزية على السواء، ويؤتي ثماره في الجوهر في ارتقائها، فما من واحد في البداية يظهر كأشكال منفصلة، يمكن التعرف عليها على نحو مستقل، بل لابد لواحد منها أن يتحرر من القالب المألوف للأسطورة، وجميع المحتويات العقلية مهما يمكن ما تبديه حقاً في عالم نسقي منفصل، و”مبدأ” خاص بها، فلا تنكشف لنا في الواقع إلا باعتبارها متضمنة ومؤسسة. وعلى ذلك فإن الوعي النظري والعملي الجمالي وعالم اللغة والأخلاقية، والأشكال الأساسية للجماعة والدولة هذه كلها ترتبط في الأصل بالتصورات الأسطورية الدينية.

ثنائية الخير والشر

يشير كاسيرر إلى أن الرباط الأصلي بين الوعي اللغوي والوعي الأسطوري – الديني يجري التعبير عنه في أن جميع البنى اللفظية تبدو أيضاً ككيانات أسطورية، أسبغت عليها قوى أسطورية دينية، والواقع أن الكلمة تصبح نوعاً من القوة الأولية التي يتولد فيها الوجود بأسره والفعل برمته.

وفي هذه الحالة يظهر ما أسماه كاسيرر بـ“سحر الكلمة”، حيث يمكن العثور على هذا الموقف السامي للكلمة في جميع نشآت الكون الأسطورية بقدر إمكانية متابعتها والرجوع إلى بداياتها. إلى ذلك، يقول إن “الأديان التي تقوم صورتها عن العالم ونشأة الكون تستند في الجوهر على مقابلة أخلاقية أساسية، هي ثنائية الخير والشر، إذ توقر “الكلمة” المنطوقة لقوة مبدئية يتم بفاعليتها وحدها تحويل العماء إلى كون أخلاقي – ديني”.

ثم يعمد كاسيرر إلى الحديث عن “قوة الاستعارة”، مشيراً إلى أن هناك تداخلا بين الفكر الأسطوري واللفظي، فهما يتضافران في جميع الطرق، ومع ذلك لا يمكن أن نفهم أن الأسطورة واللغة تخضعان لقوانين الارتقاء نفسها، غير أنهما يشتركان في الوظيفة والمبادئ التي تعملان وفقها.

التفكير الاستعاري

مهما اختلف محتويات الأسطورة واللغة اختلافاً شاسعاً، فإن الشكل نفسه من التصور العقلي هو الذي يعمل في كلتيهما، وهذا الشكل هو ما يمكن للمرء أن يسميه “التفكير الاستعاري”، وطبيعة الاستعارة معناها هو ما ينبغي أن نبدأ به، إذا أردنا أن نجد وحدة العالم اللفظي والأسطوري من ناحية واختلافهما من ناحية أخرى، ولذلك كثيراً ما يشار إلى أن الرابطة العقلية بين اللغة والأسطورة هي الاستعارة.

ويفيض كاسيرر في الحديث عن قوة الاستعارة، محاولاً من خلال ذلك والكثير من الأفكار التي وردت في الكتاب أن يوضح أن الكلمة والصورة الأسطورية، اللتان واجهتا العقل الإنساني ذات يوم بوصفهما قوتين واقعتين صلبتين، تخلتا الآن عن كل دوافع فاعلية، وصارت أسماء منيرة ساطعة تتحرك فيها الروح دون عائق أو كابح، ولم يتحقق هذا التحرر لأن العقل يطرح عنه جانباً أشكال الكلمة والصورة الحسية، بل لأنه يستعمل كلاً منهما كأداتين لصالحه، وبالتالي يدركها لما توجدان من أجله فعلاً وهو أشكال انكشافهما الذاتي.

 

رأيان حول “الكتاب: اللغة والأسطورة”

  1. ما عرض هو ملخص للكتاب و هو ملخص وافى و مقنع .
    ولكنى أريد أن أقرأ أصل الكتاب .
    شكرا

    رد

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.