منطق العنف السياسي بالجزائر :رؤية انتروبولوجية

أ.مختار مروفل

جامعة معسكر/ الجزائر

مدخــل :

تشكل ظاهرة الموت ومايواكبها ويعقبها من أفعال وألفاظ أولوية في هذا العمل ، فالمظاهر التي جرت على خشبة العنف وما تكرر عليها من مشاهد الإقتتال وتبادل الموت ” كانت مدعاة لحدوث انهيارات كبرى لحقت بالمعنى واستبدلت ببناءات رمزية أخرى أعادت تأسيس المعنى المضاف للرابطة الاجتماعية ، لقد كان  للموت هنا دورا مساهما في تأسيس الذاكرة المعدة لتعويض الفراغ الذي يتركه هذا الأخير وملئه بزخم المعنى ” ، إن هذا الفعل في الزمن يتحول إلى مكان مثالي يؤسس ” للكائن التمثالي ” الذي يشير إليه  p.LEGENDE(1) ، ومن ثمة تبنى عليه كل عملية سن القوانين المنظمة للعلاقة بين الأفراد من جهة و بين الدولة و رعاياها من جهة أخرى . كيف يحدث ذلك ؟ هذه إحدى الأسئلة المركزية التي تشغل بال المؤلف على طول هذا العمل ، فيحاول أن يجيب عليها من خلال المشاهد ومظاهر مختلفة ، متجنبا بذلك القراءات الشمولية التوتولوجية التي تقصي البعد الثقافي الفاحص للمسارات ومراحل بناء الغيريات السابقة لكل عملية إصطدامية .

فبمقاربة أنثروبولوجية يساهم عبد الرحمان موساوي في فتح ملف تبادل العنف والموت في فترة التسعينيات التي تشكل منعرجا مفصليا في نمو المجتمع الجزائري ، لذلك فهو يركز في هذه الفترة على المعارضة الإسلامية المسلحة متجنبا في بحثه الأطروحات التي يصفها بالكسولة والتبسيطية ، كتلك التي تتحدث عن ” أزمة الحضارة ” أو اختلالات المرضية النفسية كما هو الشأن لدى القرآة البسيكولوجية أو الصدمات البيولوجية مثلما عليه الرؤية الديموغرافية ، وذلك عوضا من العودة إلى البنى الاجتماعية ذاتها ومحاولة استخلاص قوانين تنظيمها .

لذلك يفضل المؤلف في مقاربته الأنثروبولوجية الاشتغال والانشغال بالتفاصيل على ماهو شامل والخاص على ماهو عام، لذلك لا تخلوا هذه المقاربة من صعوبات ومخاطر خصوصا عند محاولة الالتحام بالمرشدين وشهود المشهد العنفي .

إن محاولة فهم العنف ككفية وارادة في العيش معا يتطلب منهجيا” الانتقال بالظاهرة من حاضرها بكل حمولته الزمنية والثقافية وما تنطوي عليه من ألام وأمال، وتطلعات مستقبلية لدى أفرادها وقدراتهم في الحاضر على تفعيل تجارب الماضي ، ثم محاولة معاصرتها ووضعها في حاضر اليوم وكذا في بناء حاضر الغد

معنى الموت :

قي هذا الفصل يناقش المؤلف خطابات الموت و التمويت التي يرى فيها أدوات مفضلة للقرآة الأنثروبولوجية ، قفعل إقصاء جسد الخصم هى عملية تعبر قى  حد ذاتها عن حالة الانسداد السياسي التي عرفتها الجزائر ، هنا يتساءل المؤلف كيف يتحول مواطن بسيط إلى مجاهد ؟ كيف يتم تلقي معنى الموت ؟ أولا :ان حالة البطالة وأزمة السكن وغياب رؤية واضحة تجاه المستقبل لدى الشباب جعلهم أمام خيارين إثنين من أجل معركة الكرامة ، فإما يرضخون للموت الاجتماعي وتستمر حياتهم بلا معنى ولا مستقبل وإما يتجهون نحو الشهادة من حيث هذه الأخيرة تمكنهم من الانتقام ومن الحصول على القوى الاجتماعية  إن الخيار الثاني المفضل لدى الشباب هو مشجع من حيث ” أنه يسمح للشاب من أخذ مكانة له ضمن المجموعة وأن  حياته خارج هذا السياق لا قيمة لها فهو يكرسها للدفاع عن مثال يجسده مع مجموعته المنتقاة” .

بين التضحية والتدنيس :

يفكك المؤلف هنا مفهوم  التضحية  ويفرق بينها وبين العنف الأعمى فتبعا للـB.Lempert ،الذي يميز بين”عنق مهدم للجماهير وعنف مراقب ومضبوط وأليق وطقسي” (2) هنا يضع المؤلف صنفان من الموت الناتج عن الموت نفسه، موت الجسد من جهة ، والموت الاجتماعي من جهة أخرى كيف ذلك ؟ الاغتصاب مثلا الضحية فيه تحمل جسمين : جسمها الخاص بها والأفراد المنتمون إلى ذات الضحية من الأقارب بشكل عام ؛ الجسم الثاني هذا المتعدد الوصول إليه  يعني الوصول إلى الضحية ذاتها وذلك على اعتبار أن هذه الأخيرة هي من ستضرر أكثر فهي من ستحمل النعش وهي من ستتلقى العزاء. بمعنى هي من تجعل ذاكرة الفقيد تستمر لذلك فإن الضحية المقصودة بالفعل هي هؤلاء الأقارب ، أي تعريض الواجهة الاجتماعية للضحية للألم .

بلفت انتباهنا هنا المؤلف إلى مسألة جد هامة في فصول الصراع والخطابات المواكبة له فيتحفظ من التقسيرات والتبرايرات  السياسية والدينية التي تحاول أن تجيب على هذه المعضلة .

فماهي إذن بواعث الصراع من وجهة نظر المؤلف ياترى ؟ اعتمادا على البحث الأنثروبولوجي الدقيق يرى المؤلف أنه من الصعب  فهم نفسية الفرد الذي يقدم نفسه لحرب خاسرة مسبقا إلا اذا رجعنا إلى”دليل الشرف” أين يكون الانتقام لا ثمن له ، فإذا ما فقد أحد فإن المجموعة تتحمل الانتقام خوفا من أن تفقد كل شرفها . هكذا يتصرف الكثير من ممثلي الجماعات المسلحة والتي لا تولي أية اهتمام تجاه فرص نجاحها قي حرب خاسرة .

إن الباعث الأنثروبولجي هنا هو من يحدد التحالفات مع الأقرب فالأقرب كما كان سببا وراء التحاق العديد بالمجموعات المسلحة ، الشرف الذي يبرز هنا  ” كمركز نشط  ” Un centre actif ”  C.Geertz (3) يشمل كل السلوكات والمواقف المحركة للفعل المتهور .

على نفس القاعدة تصرف الطرف الثاني من الصراع  كعرض ما يسمى بالتائبين وتقديم شهادتهم وصورهم بالإعلام . إن السلطة بذلك تبرهن على علوها وتؤسس شرفها بعرض جثث معارضيها بقراهم ” كأن هتك شرف طرف يتغذى من شرف طرف الأخر ، إن مس الطرف الأخر في حياته وشرفه أصبح الوسيلة الطبيعية من أجل طلب الشرف بمعنى أخر كل مجموعة تحاول مس والوصول إلى شرف الآخر” .

على القاعدة الأنثروبولوجية يمكننا فهم الكثير من النقاط الغامضة في جذور الصراع  بالجزائر فمحدد الشرف هنا يصبح عنصرا عملانيا في تركيبة المشهد العنفي والموتى بالجزائر ، على خلاف

لتفكيرالعمومي المستند على التقسيرات السوسيو الاقتصادية أو السياسية أو الجوهر الاسلامى التي تنتهي بالإنغلاق على نفسها .

مركز نشط آخر يعتمده المؤلف في التفسير الأنثروبولوجي وذلك فيما يتعلق بمرفولوجية الدولة مع بداية التسعينيات.

فعلي كافي رئيس المنظمة الوطنية للمجاهدين القوية  O.N.M  الذي تقلد فيما بعد منصب مجلس الأعلى للدولة يقول :

أبناء الشهداء سلالة متواصلة مكونة من نفس الذات المكون منها أبائهم ” هذا الخطاب المستند على الدم كقيمة سيمولوجية فضيةholiste ينظر إلى أعضاء المجتمع فيه على أنهم أقارب الشيء الذي يعني على مستوى خطاب العنف نسف بنية ” النحن ” الجماعة و صعوبة إعادة بناء ” نحن المجتمعية ” ،ان الاتتماء في هذا السياق هو انتماء إلى كيان متشظ ومشرذم في وحدته الاجتماعية ،ان الدولة في النموذج القرابي هذا تأخد ضفة الأب الأكبر ّBig man  ، هذا الأب الرمزي الذي لعب على مرار عقدين متتاليين بعد الاستقلال دورا موزع السخي والعادل للريع على الأقل ، بشكل مفرح ومطمئن سرعان ما شعر رعاياه باليتم بفعل تراجع أسعار النقط والتزايد الديمغرافي وذلك لما أوقفت السلطات العامة  ” سخائها الضروري ” G Duby ” إن هذا الفشل الذي واكب بناء الدولة الأمة عزز من ظاهرة التشرذم والتجزئة الاجتماعية  إن الشعور بموت الأب  سيؤدي بالجزء الاجتماعي للبحث عن ممثليه ومن ثمة الدخول في منافسة مستميتة مع الأجزاء الأخرى .

كيف يتجلى ذلك على الخشبة السياسية ؟

منظمتين إثنتين متوارثتين تشكلان ما يسمى بالأسرة الثورية  ” منظمة الوطنية للمجاهدين O.M.N ” والمنظمة الوطنية للأبناء المجاهدين O.N.E.M ” والمنظمة الوطنية لأبناء الشهداء O.N.E.C ممن يسمون بذوي الحقوق يحتلون اليوم أهم المواقع في الدولة ، هؤلاء يشيدون ثقافة الر ابط الجينيالوجي  الخالص مما جعل من يقف على  الطرق النقيض من معارضيهم يشيدون ثقافة الايمان الخالص على هذه الخلقية نتساءل على أي أساس يستند التنظيم الاجتماعي ؟ هل الراوبط

الاجتماعية هنا تستند على الجماعة أم على المجتمع F.Tonnes ؟

ان  مفهوم الجماعة هنا يعد محددا مفتاحيا للفهم تعقد الوضعيات ففي الإطار الذي تكون فيه المورفولوجية التقليدية تساهم في صناعة وانتاج التحالفات الجديدة فإن العرش والعائلة هما من ستكون لهما اليد الطولة وراء تكوين التعاطفات الأكثر حداثية ، ينطبق هذا الوصف على جميع الآحزاب باستثناء الجبهة الاسلامية للانقاذ FIS التي ظهرت بشكل مفارق أقل تورطا في هذه النماذج العتيقة لقد هزت ج.أ.إ

هذه التقاليد وانخرط فيها الأفراد بحسب مواصفاتهم الخاصة  لذلك نجد بعض الأفراد من شباب النخبة الاسلامية اليوم موجودون في جهاز الدولة .

وعلى سبيل الخلاصة فإن الخطاب الرسمي الذي جعل من الموت مناسبة للإنتاج خطابات سياسية حيث كانت الموت في مركز الشرعية فباسم الموتى أسس النظام حكمه ، فالموت هنا هي من تعطي الحق في الكلمة وفي لعب الأدوار .

هذه الظاهرة ليست خاصة بثقافة دون الأخرى فتاريخ الانسانية زاخر بالأمثلة على تأسيس الحكم على خلفية ضريبة الموت  ، إن التضحية بالحياة هي حافز قديم ، لكن أن يحتكر هذا المعطى من أجل تحويل ثراوت الوطن وحق المشاركة والعدالة الاجتماعية إلى امتيازات وأعطيات تغذقها الدولة بقدر انتساب إلى سلالة المجاهدين الأسرة الثورية وذوي الحقوق فهذا استثناء جزائري .

عنف على المرآة :

ينطلق المؤلف من مقدمات أنثروبولوجية خالصة في تحديده لوضعية المرآة ضمن المجتمع الجزائري فهو بدلي بقراءة يماهي فيها بين الجسم البشري والجسم الاجتماعي فمثلما الجسم البشري من الناحية البيولوجية هو عبارة عن أطراف وفتحات فالجسم الاجتماعي هو الآخر له ذات التقسيمة ، في الجسم الفزيقي هناك مناطق خطيرة  (الأعضاء التناسلية ) في الجسم الاجتماعي كذلك يوجد أعضاء خطيرة ، المرآة فيه تحظى بالاحترام والتقدير ذلك لأنها تشكل العضو الخطير .

فإذا كان الفم هو ثقب الكبير في الجسم الذي من خلاله يتغذى كل الجسد فإن المرآة تحتل مكانة الفتحة الأكثر تقديرا بالجسم الاجتماعي ، ذلك لأنها تحمل رحم وتلد فهي الثقب الذي يغذي كل الجسم الاجتماعي لذلك يخشى اقتلاعه فإن مسألة طهارتها وعفتها هي صمام الآمان الذي يحفظ سلامة هذا الجسم الاجتماعي  ومن ثمة فإن استهداف المرآة يقصد به في المجتمع الجزائري في سياق العنق إهانة الخصم وضربه في قيمه وقيمته ، إن اغتصاب النساء في هذا المعنى بحضور الأزواج الأب والأخ هو قتل للشخص اجتماعيا من أمام وسطه وأقاربه وجيرانه .

بمعنى أخر ان  امتلاك امرأة خارج رابطة الزواج ماهوالا امتهانا و هجوما على قرابتها خاصة الذكرية منها .و كأن مضاجعة امرأة هنا هي مضاجعة لكل رجال قرابتها (الزوج الأب الأخ) وهذه في حدذاتها يكفي لتكون أكبر مسبة في جبين المجتمع الذي يعطي لذكورة قيمة مؤسسة لرابطة الاجتماعية.

الحرب مكان لتأسيس حاضر التاريخ :

قي 1974 لما كتب القائد الإسلامي  عبد السلام ياسين رسالته المشهورة المعنونة بـ الإسلام أو الطوفان ذكر الملك أولا في المقدمة بهويته سجل أولا أصوله المتواضعة وتمكنه من العلوم الدينية ثم انتهي بتحديد بأنه ” ابن فلاح فقير ” وهو كذلك ” ادريسي من سلالة شريفة فهو يعلن انتسابه إلى الشرف وإلى أصله البربري وذلك حتى يكون له الحق في وعظ الملك .

عبد السلام ياسين يحرك هنا مرجعا معترف به ومعروف متداول لدى الملك ورعيته إنه الدم والعلم الديني للذان يسمحان ويعطيان الشرعية لعالمنا بوعظ الملك وهو يتبع تقليد مؤلوف و معروف اسلاميا يتشبه فيه بالعلماء الذين كانوا يدخلون على الملوك في قصورهم و يعضونهم ، وهذا نفسه الذي يفسر السيادة الملكية .

بالجزائر  يشيرون إلى نوع أخر من الرموز ، فعباس مدني لم يترك مناسبة تمر دون التذكير بمكانته المتمثلة في مجاهد قديم ، على بلحاج يتفاخر أنه ابن شهيد مات من أجل الجزائر ، فمن خلال قربهما من الحرب يشعرون بحقهم في الكلمة .

قبدلا من الاعلان كما في المغرب الانتساب إلى النبي ، فإن الاعلان هنا يكون بالانتساب الى الأعمال الكبرى المسلحة الشخص ذاته أو أبائه يعد مرجعا في الشرعية.

ان  السلطة كمعارضيها يؤسسون ثيولوجيتهم السياسية ، فعلى خلفية حرب التحرير تبني مرجعية االدم كل الخطابات فالكل يعلنها ، وكل الشكاوى تعتمد على الحرب فمثلا مطالب الحركة النسائية استندت على انتماء بعض من مؤسسيها إلى حرب التحرير ، فبإسم الحرب كل شيء يطلب .

و عليه  استنادا على النموذج الما قبل الحديث فان الإيديولوجية الرسمية لازالت تؤهل ممثلي الدولة على أساس الانتماء الى ” الأسرة الثورية” هذه العائلة ليست فقط خرافة بل هي قائمة على القرابة مشكلة من طرف المجاهدين القدامى بما فيهم أبناء الشهداء وأبناء المجاهدين المسمون بذوي الحقوق ، فالكل يرجع إلى الدم باعتباره قيمة سيمولوجية وكيان” فيضي فهو يشكل بنية أنثروبولوجية قاعدية ، فالخطابات والوضعيات جعلت من حرب التحرير قيمة ذات مكان مؤسس . ان ممثلي الدولة يرون في أبنائهم امتداد وسلالة للأبائهم ينبغي أن يكرموا على هذا الأساس. في المقابل الجماعات المسلحة اعتبروا أبناء حركى ذلك أن

” من الأصل يشق الفرع ” ، من الأسطورة والمرجع الجنيولوجي يصبح الدم هو من يركب كل الخطابات والأفعال ، وعلى نفس المرجع تستند المجموعات الإسلامية المسلحة. فهي عندما تقوم بذبح المواليد ببرودة فلأنهم أبناء كفار ومنافقين فهم ليسوا إلا سلالة  لآباء كفار .ان أفراد المجموعة المسلحة ينتمون إلى مكانة ” ّ المجاهد ” مع كل ما يكتنف هذه الكلمة من غموض تاريخي بالنسبة للمواطن الجزائري  المجاهد هو الذي يقوم بمعركة من أجل نصرة الإسلام لكن حرب التحرير أممت هذه الكلمة وأضافتها إلى كل من يملك معنى مقاتل من أجل الحرية والاستقلال .

العنف بين الحقيقة والتمثل :

سنستعرض هنا الكيفية التي من خلالها يتم إدماج أعضاء الأمن و المقاتلين لدى الخصمين. ففيما يتعلق بالدولة فإن إدماج أفراد الحرس البلدي أو  مجموعات الدفاع الذاتيGLD لا يختلف كثيرا عن الكيفيات التي استعملتها المجموعات الاسلامية ، فالدولة تستدعي التضامن العصبي ودليل الشرف القائم على الثأر. وهنا تكمن المفارقة الكبرى حيث نرى الدولة تشجع هذا النمط بإسم الحداثة وذلك في تناحرها مع القوى المضادة التي تسميها  بالعتيقة والظلامية.

فلقد نجحت الدولة في قطع الطريق على معارضيها المسلحين ا حتكارهم لتعبئة المجموعات المدنيةومن ثمة تعزيز صفوفها من عناصر الشبا ب المهمش في القرى و المداشر.لذلك لجأت الى نفس المصدر وشكلت من نفس الوسط الاجتماعي الذي ينتمي اليه معارضيها عناصر موالينا لها.بهذه السياسة تكون الدولة قدأعطت صورة مفادها أن العدو لا يسنده أحد الامن كان مكرها.ان تعزيز مختلف وحدات الأمن الرسمية الكلاسيكية بوحدة أخرى نابعة من نفس الأماكن و المناطق المتواجد فيها العدو.يخلق بحكم التجاور مرونة في التنقل من فريق الى أخرويجعل المشهد التصادمي أكثر اثارة .هذه الاستراتيجية المتبعة تكشف بعمق عن الأشكال البدائية للحماية الاجتماعية .ان البحث عن مخلص يحقق اتنصارا على غريمه .سياسة نجدها متبعة لدى الطرفين و التي تجد مرجعيتها في النماذج الأكثر عتاقة  .

ففي ما يتعلق بصناعة الأبطال الذين يحسمون المواقف الصراعية ، فإن الفريق الإسلامي المسلح صاغ البطل الجديد في صفه على أساس تحيين أبطال الإسلام فهم يحينون الشهيد المسلم بالاعتماد على النموذج القديم هذا المصدر يسمح بالدخول مباشرة في معبد البطولة .

إن الرغبة بالحصول على مكانة البطل هي رغبة في الحصول على مكان يتوسط السلطة وقاعدتها فيما بين الأسفل والأعلى بين الحاضر والمستقبل، ليتم ذلك فبطل المستقبل عليه أن ينفذ مواقف خطيرة وشاقة بأخذها على عاتق جسده

مدافعا. وغالبا بفارق في الوسائل بالمقارنة مع الخصم ، إن فيلم حرب الجزائر LA BATTAILE D’Algerهو تكريما لبطل تحرير الجزائر العربي بن مهيدي خصوصا في كلمته للجنرال ماسو MASSU ” أعطونا طائرات نعطوكم قففنا”

البطل الوطني هنا يصبح مخلص أو الفاعل المقدر للمصير الوطن وحتى الفدائي بدمه ماهو إلا رسول منتظر للوطن ،

إن البطل وبالأخص الشهيد يشكل خطوة نحو تحقيق ” الأمة المتخيلة ” BENEDICT  ANDERSON .”.إنه الماضي الذي يمول بالقوالب الضرورية المواد- لصناعة الأبطال فبمجرد أن ينتج فإن دور البطل يصبح يتمحور حول تحويل الحاضر إلى المستقبل” .

لغة الجهاد وكلمات العنف :

يبحث المؤلف من خلال الكلمات على الأنماط الفكرية التي تتخفى وتختبىء وراء الألفاظ – ففي وضعية

الصراع تصبح الخطابات مليئة بالمعاني – فالخطاب هو أداة للتذكر والنسيان ولإعادة تمظهر الذاكرة الجماعية فيركز هنا على قاموس العنف الذي له ملفوظاته الخاصة به .

فكلمة مجاهد مثلا الوجه العتيق للسياسة الجزائرية ، هوصنف يجر وراءه نظاما كاملا من الرموز  هذا النظام الذي استعمل في البداية لتقديس مؤسسة الحرب من طرف النظام الرسمي وصنف من طرف المعارضة الذي ربطته ببنية ميثولوجية تضمن لها الفعالية . فسلوك العنف ليس بعملية عقلانية فهو ينتج لنفسه خطابا وكلمات ترو ج له وتجمل صورته إزاء من يسيء لها .

إن هدفه الأول هو إعطاء عناصرأولية من خلال كلمات تفيد في شرعيته وضوروته ، ليس هذا وحسب  بل ينبغي أن ينظر إليه أيضا كفعل مؤهل  للحل .

نفس المجهود نجده عند الطرف الخصم الذي يرى في العنف على أنه غير شرعي بحيث يتحدث هذا الطرف على ضرورة التهدئة والاستقرار ، فما يعد جهادا عند هذا يعد إرهابا عند ذاك .

إن الشهداء والمجاهدون  لحرب التحرير ينازعهم في مكانتهم المجاهدون والشهداء  لهذه الحر ب الثانية .

لماذا يتنافس الطرفين على نفس الأصناف من الكلمات وليس غيرها ؟ لا يتعلق الأمر هنا بالشهيد والمجاهد الذي ينتسب إلى الاسلام ، إن المدعي هنا في الحقيقة هو يتخاصم مع ايديولوجية رسمية تحتكر ما لا يجب احتكاره ، فالسلطة كخصومها المسلحين يعتبرون هذه المكانة رهان رئيسي .

إن الشهيد مكان مشترك  TOPOS ، وفي مركز كل التمثلات ونظاما مرجعيا ، لذلك يحتسب بالنهاية كل خصم ضحاياه شهداء .

المخرج من العنف :

لتقديم قراءة للمفهوم المصالحة السياسية يفكك المؤلف مصطلح الذاكرة الجماعية بمنهجية أنثروبولوجية

لأجل استبيان حقيقة الأرضية التي تعمل عليها المصالحة الوطنية ، إن الذاكرة الجماعية هي نتاج للتذكر والنسيان المتبادل معا ، وإن العفو ما هو إلا الشكل المؤسساتي للنسيان، بمعنى آخر الذاكرة الجماعية ليست بالضرورة ناتجة عن النسيان المتبادل فالعفو وحده لا يمكنه بحال محو مختلف الذاكرات وذلك بسبب التخاصم والتناحر ومن ثمة الحؤول دون تشكل ذاكرة موحدة تساعد على ظهور ” فكر اجتماعيا”

M.HALBWCH.  إن بناء الذاكرة الجماعية يتم وفق ما يطلق عليه المختصون إسم التشفير الداخلي

L’encodage  كيف ذلك  ؟

إن ذكرى ما لا تصبح ممكنة إلا إذا خزنت في الذاكرة وحتى يتم لها ذلك ينبغي أن تشفر ، فالتشفير هو عملية نقل وتسجيل بحسب شيفرة معينة وذلك بعلاقتها مع ثقافة ممتثلة لإجراءات ذاتية .

اجراءات هذه تخضع بدورها لمسارات الأفراد والتواريخ الشخصية ، فحدث ما لا يمكن مثلا تذكره بنفس الكيفية من طرف شخصين شاركوا فيه وذلك لكون كل واحد منهما يشفره وفق مساره الخاص .

كيف يؤثر ذلك على الذاكرة الجماعية ؟

إن عملية التشرذم الاجتماعي تستمر إذا كانت أجزاء المجتمع يختلفون في الرؤية إزاء الأحداث المشتركة .

فكلمة القتل واغتصاب التي تقرء عند البعض في سجل الجرائم ، فإن كلمة قتل وسبي تقرء عند البعض الآخر في سجل الجهاد .

إن الطرفين في هذه الحالة يشكلان تصورا مختلفا ومتعاكسا عن الحاضر والمستقبل وذلك بسبب اختلاف السجل الذي يستقي كل طرف منه معانيه ، في هذه الحالة تصبح الذاكرة الجماعية عبارة عن خليط بين السجلين وهنا يصبح المستقبل في وضع اشكالي وغير أكيد .

إن ذاكرة القتل المتبادل بين الطرفين ينبغي استحضار ماضيها وتحويلها إلى آليفة .

فحتى يحصل النسيان لابد من مواجهة المعانات التي تتحول شيأ فشيأ و تأ خذ مكانة لا تنتمي لا الى نظام الغياب و لا الى الحضور و لا الى المستحيل عودته و لا الى الحقيقة .” ان الغضب يزول أو ينقص بحسب ردود الفعل المتبادلة بين الطرفين كما يمكن أن يزول تماما اذا ما اعترف المهاجم بأخطائه بشكل فجائي أو اذا ما اعترف المدافع بأن لم يتصرف بشكل صحيح في سياقات سابقة”D.LeBRETON ان التسامح و النسيان لا يمكنهما التعايش لأنهما لا ينتميان الى نفس السجل .فما يؤخذ على الدولة هنا أنها تريد مصالحة بالمؤسسات و ليس تسامحا واعترافا بالخطأ في مابين الأشخاص.

الخلاصــة :

على سبيل الخلاصة يعقب المؤلف على الأطروحات  و الدراسات التي حاولت تحليل ظاهرة العنف التي أصابت الجزائر في أزيد من عشرية من الزمن .فيرى في كل من من المقاربة البسيكولوجيةالتي تعيد مسألة العنف الي الطبيعة القلقة للانسان الجزائري .أ والتفسير الاقتصادي الذي يعتبر العنف نتيجة طبيعية للفقر و البأس الذي يرزح تحته الشعب الجزائري.  أ و الأطروحات السياسويةالتي ترجىء أصل الاقتتال الداخلي الى افلاس في مسألة الشرعية

والعدالة و التمثيل. أ و تلك التي ترى في الدين الأصل المباشر في العنف .كل هذه الأطروحات من وجهة نظر المؤلف هي  ذات اتجاه يفضل طريقة التساؤل في لماذا  ؟ حصادها لايتعدى التفسيرات  ذات النزعة الجوهرية  و التعليلات الميكانيكية .الانسان فيها مجرد حيوان مطيع لقوانين ” ايثولوجية ”  يمتثل فيها لمنطق الأعراف و العقائد أو حتى” بليد ثقافي”سلوكه مبرمج ومحدد بثقافته.

ان الاتجاه التفسيري الذي يشتغل عليه  المؤلف ويحبذه هوذاك الذي يتسائل بكيف؟ الذي لا يهدف الى تقديم نبوءات أو اقامة حقائق كلية بقدر مايقدم أدوات و وسائل .

إنه من الصعب- يقول المؤلف في هذا الصدد- فهم لماذا الجزائريين في التسعينيات لم يستطيعوا ردع العدوان بطريقة توافقية في ما بينهم ؟ و لماذا تغتصب شابة ؟.بل يصبح من الغموض بمكان معرفة لماذا  تتم عمليةالاغتصاب ببرودة دم أمام الأقارب و يتبع  ذلك الفعل ببتر الأعضاء التناسلية ؟

ان تفضيل مقاربة تقدم الفعل في الخطاب يعد أول احتياط يمكن من تجاوز الفعل الى التمثل الدىيضفيه الفاعلين على أفعالهم .ان دراسة العنف السياسي تقتضي تبني مقاربة تأويلية تسمح بالاقتراب و اختراق الرابطة الاجتماعية من مختلف جهاتها دلك أن الصرع في الأصل ماهو  الا وجه ثان لبناء هده الرابطة  وأن المهمة المبدئية للحضيرة فيه تتمثل في توفير الوسائل الممكنة لتسير هدا الصراع وبالتالي فان أي خلل يطال  هدا الدور سينعكس سلبا علي الرابطة الاجتماعية التي ستشحن بدورها  الصراع و تحوله الى . عنف مفتوح

الهوامش

1- LEGENDE.P ; le crime du caporal Cortie, paris FAYARD 1989 p133

2- LEMPERT. B ; critique de la pensée sacrificielle, paris SEUIL, 2000 p53

3- Geertz .C ;  savoir local savoir global, paris 1996p57

4- LEBRETON .D, les passions ordinaires anthropologie  des émotions, paris ARMOND COLLIN 1998 p102


رأيان حول “منطق العنف السياسي بالجزائر :رؤية انتروبولوجية”

التعليقات مغلقة.