العسكرة الرقمية – مقاربة أنثروبولوجية

p25_20161126_pic5

الرقمية الإحرابية (العسكرة الرقمية) – احتلال إسرائيل في عصر الميديا الاجتماعية – قراءة في كتاب صدر حديثًا

بقلم: زياد منى

اختيار هذا المؤلف عن فلسطين، أساسه أن شهر تشرين الثاني (نوفمبر) يشهد اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني الذي أقرته معظم دول العالم في منظمة الأمم المتحدة التي مررت، في اليوم ذاته من عام 1947 قرارها الظالم وغير القانوني واللاشرعي بتقسيم فلسطين ومنح الحركة الصهيونية أرضية «شرعية» دولية. أما اختيار المؤلفات فمرده في المقام الأول إلى أهميتها، لكن ليس بالضرورة الموافقة على كل ما يرد فيها. المهم في هذه المؤلفات ما يرد فيها من معلومات، لا التحليلات. إضافة إلى ذلك، فإننا اخترنا هذه المؤلفات لأن بعضها يتناول بالطرح والتحليل مواضيع لم يسبق تناولها من قبل، في مؤلفات عربية تحديداً.

ليس ثمة من شك في الدور الريادي، بل حتى الطليعي، الذي تؤديه وسائل التواصل الاجتماعي/ الميديا الاجتماعية، في نشر الأخبار، والأكاذيب طبعاً، حتى إنّها تفوقت من ناحية الأهمية على وسائل الإعلام/ التضليل التقليدية، وقد رأينا ذلك في ما يسمى الربيع العربي، وكذلك إبان العدوان الصهيوني على قطاع غزة المحاصر إسرائيلياً، ومصرياً، وهو الأمر المفجع لأن ظلم الأقربين أشد، وإبان العدوان الصهيوني على لبنان من قبل، ولا ننسى التذكير بالحرب في سوريا وعليها.

وإذا كانت هذه الوسائط الاجتماعية تمارس دوراً مهماً في التواصل بين الأفراد والجماعات، فإن فوائدها وأضرارها تعتمد على كيفية تفعيلها، وعلى الأفراد والجماعات التي توظفها. من هذا المنظور، فإن هذا العمل، الذي يتناول بالبحث والتحليل دور الوسائط في الصراع العربي-الصهيوني، يعدّ ريادياً، وضرورياً لكل من يعد نفسه مهتماً بهذا الصراع.
المؤلّف يوضح العلاقة بين الميديا الاجتماعية من جهة والسياسات الإحرابية (militarism) لجنود العدو الصهيوني والسكان والمسؤولين في كيان العدو وقادته. بمتابعة الرسائل التي ينشرونها، يتأكد القارئ أن الفضاء الافتراضي استحال ساحة حرب إضافية يشنها العدو على الشعب الفلسطيني، ويفاخر بجرائمه علانية، بهدف كسب المزيد من التأييد لسياساته العدوانية العنصرية.
أدي كُنتسمَن المحاضرة في المعلومات والتواصل في «منشستر متربُلتَن يُنفرستي»، ورِبكَّ شتاين أستاذة مساعدة للأنثروبولوجيا في «جامعة ديوك»، توضحان تمدد الاحتلال الإسرائيلي (للأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967)، ليشمل الفضاء الافتراضي، مقدماً بذلك الدعم للاحتلال المادي على الأرض الفلسطينية. وبرأي الكاتبتين، فإن الميديا الاجتماعية قد استحالت سلاحاً وأداة لا غنى عنهما في الحرب. بل إنها أضحت ساحة حروب العدو، تدعم الاحتلال وسياساته وتحاول إخفاء جرائمه.
من المفيد لهذا العرض ذكر ترجمة المؤلّف تعريف ‹الإحرابية الرقمية›. يقول: «إنها عملية استحالت عبرها منصات التواصل الرقمي والممارسات الاستهلاكية، في العقدين الأولين من القرن الحادي والعشرين، أدوات حربية في أيدي الفاعلين التابعين لأجهزة الدولة أو من غير العاملين فيها، في حقلي العمليات العسكرية والأطر المدنية».
على العكس مما يجري في بقية أنحاء العالم في هذا المجال، فإن الميديا الاجتماعية استحالت في المجتمع الإسرائيلي ـــ دوماً وفق المؤلف ـ إلى ‹سر عام› عن احتلال الأراضي الفلسطينية. بدلاً من أن تكون تلك الميديا وسيلة لنشر المعلومات، فإنها تمارس التضليل المعروف، فيغيب الشعب الفلسطيني ومعاناته وحقوقه غياباً كاملاً عن الميديا الاجتماعية الإسرائيلية.
يعطي المؤلف بعض الأمثلة على الحرب الدائرة في الفضاء الافتراضي بين العدو الصهيوني من جهة، والمقاومين العرب من جهة أخرى، ومنها قيام هاكرز العدو باختراق صفحتي «حزب الله» وحركة «حماس» في الإنترنت، أعقب ذلك اختراق المقاومين لصفحات وزارة حرب العدو والكنيست ومؤسسات مالية أميركية وإسرائيلية.
أما العدوان الصهيوني على «حزب الله» عام 2006 فقد شكل، وفق المؤلف، نقطة تحول. خاض الطرفان حربين، على الأرض وفي الفضاء الافتراضي، انتهت وفق المراقبين بانتصار «حزب الله» في الحرب الرقمية حيث تمكن من إيصال رسائله السياسية إلى المجتمع الصهيوني.
أما العدوان على القطاع المحاصر مصرياً إسرائيلياً مشتركاً، عام 2008/2009، فقد شهد أول محاولة إسرائيلية متناسقة لإرفاق الحرب المادية بأخرى رقمية حيث عملت على تأسيس قناة خاصة على اليوتيوب، وقام الرسميون الإسرائيليون باستخدام التغرديات عبر برنامج ‹توِتَر› لنشر رسائلهم.
وفي أعقاب هجوم جيش العدو على سفينة مرمرة، قام الجانب الصهيوني بنشر صور وتسجيلات مزورة تدعم الرواية الإسرائيلية الكاذبة عما حدث.
يصوب الكتاب اهتمامه إلى الجانب المدني لاستخدام الميديا في الحرب وجلب أمثلة عديدة منها قضية المدون الإسرائيلي إدن أبرجيل، الذي نشر صوراً للإذلال الذي يتعرض له الفلسطينيون على أيدي قوات العدو، ما أثار ضجة في إسرائيل واستحال المدون ضحية مثل الفلسطينيين. هذه الحادثة تظهر أن استخدام الميديا الاجتماعية يمكن أن يكون فاعلاً في فضح ممارسات العدو.
وفي مجال آخر، وفي فصل ‹الفلسطينيون لا يموتون›، يقوم بعض الإسرائيليين بمحاربة الرواية الفلسطينية عن الاغتصاب الصهيوني لفلسطين وطرد أهلها منها عبر زرع بذور الشك فيها والادعاء بعدم صحة المعلومات المصورة الواردة فيها!
مناقشة الكاتبتين الرسائل في الميديا الاجتماعية أظهر أن التطرف والعنصرية اللذين كانا من صفات اليمين المتطرف هما صفتان لصيقتان بالمجتمع الإسرائيلي على نحو عام.
كلمة أخيرة، لقد حذر علماء الاجتماع من الميديا الاجتماعية لأنها ليست وسيلة ديمقراطية، أي ليست بتعددية. فمستخدم الميديا الاجتماعية لتلقي الأخبار والمعلومات يقصر مصادره على ما يناسبه، ينبذ حتى محاولة الاستماع إلى أي رأي مختلف.




المصدر: جريدة الأخبار

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.