مجلة الثقافة الشعبية – العدد السابع

الثقافة الشعبية العدد السابع

لتحميل العدد أنقر فوق الصورة أعلاه أو أنقر هنا

 المفتتح

لم تكن الثقافة الشعبية في أفنانها المختلفة إلا استجابة لظروف اجتماعية وثقافية واقتصادية محددة أحوجت إليها واقتضتها استجابة لأفق كان حضورها فيه ضروريا حتى يستقيم متوازنا، يحياه الناس وفق نسق لا يشق على عقولهم وإحساسهم وإيقاع حياتهم .

ينبغي أن نستحضر ملامح تلك البيئة ومختلف خصائصها حتى نفهم الأسباب الموضوعية التي ألجأت سائر المجتمعات إلى فنون الحكاية وصنوفها المختلفة لما يأوي الأطفال إلى ذويهم يلتمسون أنسًا وفائدة وملاذًا دافئاً يدرأ عنهم وحشة الليل ورهبة الكون ولبس السؤال. وينبغي أن نستحضر طبيعة النشاط الاقتصادي في مختلف بيئاته حتى ندرك أسباب نشأة سائر ألوان فنون القول الشعبي ونفهم طبيعة وظائفها. وينبغي أن نتمثل في كل ذلك قاعدة إنسانية واجتماعية تحكم نشأة كل أصناف الإبداع الثقافي مؤداها ألا شيء ينشأ عفوا أواعتباطاً إن هوأبدا إلا جواب ما لحاجة ما.

تغيرت الظروف والعادات وتبدلت الحاجات وأخذت أدوات العصر تغزو الحياة شيئاً فشيئاً حتى جاءت الوسائط الرقمية وتعددت. وانفصم من عرى العلاقة بين أفراد العائلة والمجتمع ما انفصم وباتت الآلة هي الملاذ والوسيط بين الإنسان والإنسان وكأن كل مناسبات الاجتماع والالتقاء لا تجدي لمد أسباب التعارف والألفة بين الناس فباتوا ينشدونها عبر الأنترنيت ومختلف أنواع الإبحار التي نشأت في كنفه. باتت التكنولوجيا الرقمية ثقافة العصر وميسمه وبات الجهل بها أمية أخرى لا تقل فداحة عن أمية الجهل بالقراءة والكتابة تلك التي قعدت بمجتمعات كثيرة ولازالت. أوغل الإنسان في الآلة الرقمية حتى جاء الجوال ولعب الأطفال الرقمية مثل البلاي ستيشون والإكس بوكس والنينتندو وغيرها. وبات الأطفال مأخوذين يعيشون عالماً آخر بعيدا عن العالم الذي نشأ فيه آباؤهم وأجدادهم يلوذون بالآلة وينقطعون إلى عوالمها الساحرة الأخاذة.وكأن الآباء استطابوا ذلك فهم يوفرون لأبنائهم منها ما يكفيهم مؤونة الاهتمام بهم ومعاناة العناية بأمرهم .

إن المسير إلى المعلوماتية والثقافة الرقمية حتمية علمية وحضارية لامناص منها وإنا لنصبو إلى أن تتجه مجتمعاتنا إلى أن تفيد منها معرفيا وثقافيا إلى أبعد حدود الإفادة ولكن ذلك لا يبرر تخلي الآباء عن وظيفتهم التربوية لفائدة الآلة. لا فائدة من الإشارة إلى ما أكدته دراسات علمية عديدة فيما يتعلق بالمخاطر الصحية التي يمكن أن تنجم عن المبالغة في الانغماس في ألعاب الفيديو والأنترنيت وغيرها من الرقميات. لكنا نريد أن ننبه إلى أمر على غاية من  الأهمية في تقديرنا وهو أن انجذاب الأطفال إلى مثل هذه الآلات لايغنيهم بأي وجه من الوجوه عن علاقتهم المباشرة بآبائهم وأجدادهم. فالآلة مهما كان سحرها لاتعوض الطفل عن لحظة دفء يعيشها وهو يأوي إلى أبيه أو أمه أوجدته يستمع إلى أحدهم يروي له حكاية. ثمة دفق من إحساس ونبض من عاطفة وغشاء من طمأنينة تعجز الآلة عن توفيره.فبين إبحار وآخر يحظى الطفل قرب أبويه  بالراحة والحوار وسكينة الروح كما لا يحظى في أي إبحار. والاهتمام بهذا الجانب من تربية الطفل ليس فقط اهتماما بالإنسان فيه، توازنه ، تماسكه ،تجذّره في بيئته، وإنما هو إلى ذلك اهتمام بتوازن المجتمع وتماسكه .

ولعل اهتمامنا بثقافتنا الشعبية هو في مراميه البعيدة سعي إلى الاهتمام بتوازن الإنسان مذ يكون برعما إلى أن يصير رجلا،يأخذ بأسباب المعرفة في أحدث منتجها ويتجذّر في بيئته كأعمق ما يكون التجذّر وأصلبه.

محمد نجيب النويري

(منسق الهيأة العلمية لمجلة الثقافة الشعبية)

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.