الطوطمية

Totemisme

أخذت كلمة “طوطم” عن الأوجيبوا، وهي لغة ألغونكية يتحدث بها هنود البحيرات الكبرى في أمريكا الشمالية، وقد أدخلها إلى الغرب ج. لونغ عام 1791، لكن استخدامها الأنتروبولوجي يعود إلى ف. – ج. ماك لينان (1869 – 1870).

يستخدم الأوجيبوا كلمة “طوطم” بمعنى علاقة محض اجتماعية (قرابة أو صداقية) قائمة بين شخصين. هناك بعض جماعات من الأوجيبوا تنتظم في عشائر أبوية النسب وخارجية الزواج، وتتخذ كل عشيرة لقباً مستمداً من إحدى فصائل الحيوان.

وتستخدم العبارة أحياناً للدلالة على الانتماء العشائري: “ماكوا نيندوتم” (الدب هو عشيرتي)، إلا أن هذه العبارة تمثل اختصاراً لما يغطيه المعنى التالي: “إنني ذو قرابة مع كل من ينتمي إلى العشيرة التي تتخذ لقب الدب، وبهذا فإني أنتمي إلى هذه العشيرة”.

يمكن إذن أن يؤدي تفسير العبارة إلى بعض الالتباس، وهذا ما أوقع ج. لونغ في دمج مؤسستين مختلفتين، أي إلى عدم التمييز بين العشائر والملكية الفردية لروح حارسة، وهو أمر بالغ الشيوع في أمريكا الشمالية.

كانت الأنتروبولوجيا في بداياتها شديدة الحماس لهذه الروابط مع الكائنات الطبيعية، والحيوانية منها بشكل خاص، والتي يصر أفراد المجتمعات الغريبة على التلاحم بين جنس طبيعي وعشيرة خارجية الزواج، الاعتقاد السائد لدى الأشخاص بانتمائهم لذلك الجنس، موقف (التبجيل) لذلك الجنس (تحريم قتله وأكله، الخ.). ولكن لم تلبث أن ظهرت سريعاً بعض الصعوبات لكون هذا التعريف قد بدا غير قادر على الإحاطة بتنوع الوقائع الإثنوغرافية. ثم بدا أن الصعوبات التي تعترض منظري الطوطمية (فرايزر، 1910؛ دوركهايم، 1912) ناجمة خصوصاً عن إصرارهم على تقديم تفسير لتلك العلاقات القائمة بين الفصائل الطبيعية والوحدات – أو الوحدات المصغرة – الاجتماعية: فخلال بحثهم عن محتواها، وجدوا أنفسهم يحوّرون أشكالها إلى ما لا نهاية له.

لقد كانوا بذلك يمارسون نشوئية عصرهم؛ فتشيء الظواهر الطوطمية من جهة، وجعل المؤسسات الاجتماعية مقتصرة على تلك الظواهر من جهة أخرى، يترجمان تصوير تلك المجتمعات البدائية على أنها ما زالت تراوح في طبيعة سبق للحضارة الغربية أن تخلصت منها منذ زمن طويل، والأمر البالغ التعبير هنا هو أنه ما أن تم تجاوز النشوئية كنظرية مسيطرة حتى ابتدأ تراجع الطوطمية كإشكالية أنتروبولوجية.

في كتابه (الطوطمية اليوم) (1962) أعاد ليفي – ستروس طرح الموضوع من أجل مقاربته بصورة جديدة بالكامل تعتمد مسيرة متعاكسة تماماً مع الطرح الأساسين فالظواهر المسماة طوطمية لا تترجم برأيه تداخلاً بين الثقافة والطبيعة، بل انقطاعاً تاماً بين هذين النظامين، ومن هذه الخلفية يمكن تأويلها، ذلك ان التماهي الأسمى أو الطقوسي (الحظر الغذائي)، أي إقامة علاقة معينة بين جماعات بشرية وفصائل حيوانية أو نباتية متميزة، ينتج عن حركة ذهنية مزدوجة: إدراك تمايز الأجناس في نظام الطبيعة، واستخدام الفروقات التي يتم إدراكها لتحديد التمايز داخل النظام الاجتماعي. فالمسألة متعلقة إذن أول الأمر باختبار منطق الترابط والتقطع، أي بمنطق التصنيف. بهذا تكون فرضية ليفي – ستروس، وبفضل الجدول الذي تقدمه بالمبادلات بين الفئتين، الطبيعية والثقافية (فئة، شخص، من جهة؛ جماعة، إنسان، من الجهة الأخرى)، قد عرضت بياناً بجميع أشكال الطوطمية، ولكن ليس بكل مظاهرها. تبين هذه المقاربة اللحظة التي يستحوذ فيها الفكر على أشياء العالم المحسوس فيميز أو يقارن بينها ثم يصنفها مع احتمال أن يقرن فيما بينها، ولكنها تهمل من ناحية ثانية لحظة أخرى يعيد فيها الفكر ذاته استثمار التصورات الناتجة عنه، أي لحظة الشعائر، ذلك أن الأحداث الطوطمية تظهر بصورة عامة على شكل شعائر أو معتقدات.

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.