الثقافة..بين علم الاجتماع والأنثروبولوجيا

د.ناهد رمزي

الثقافة

على الرغم مما يبدو أن هناك عددا كبيرا من علماء الاجتماع يهتمون بدراسة النظم الاجتماعية والبناء الاجتماعي,وان هناك الى جانب ذلك تيارا آخر قويا يجذب اليه عددا كبيرا من العلماء ويوجههم نحو دراسة الثقافة والتعرض لمشكلاتها ومايقابل ذلك في الانثروبولوجيا من انصراف بعض الانثروبولوجيين نحو دراسة النظم الاجتماعية,واتجاه البعض الآخر من علماء الانثروبولوجيا نحو دراسة الثقافة,وانه يمكن القول عموماً ان الاتجاه الثقافي يغلب على الدراسات الانثروبولوجية في أمريكا,بينما تميل الانثروبولوجيا في بريطانيا ميلا شديداً نحو الدراسات البنائية.

إلا أنه مع ذلك قد يكون من التعسف أن نحاول تقسيم العلم والعلماء وحتى العالم الى مناطق محددة ونزعم انه يسود فيها أحد الاتجاهين: الاتجاه البنائي أو الاتجاه الثقافي.

فالواقع أن الاتجاهين يوجدان الى جانب بعضهما في كل دراسة.ولقد ساعدت جهود العلماء والباحثين في علم الاجتماع والانثروبولوجيا حديثاً على التغلب على هذا التقسيم,واستطاع على سبيل المثال التحديد الواضح لمفهوم الثقافة وما أثاره من مشكلات على تجاوز هذا التقسيم خاصة وأن هذه الجهود قد أوضحت أن الثقافة تمتاز بالكلية والعمومية,وانه لا يمكن فهم الثقافة وظواهرها بعيداً عن بناء الجماعة التي تظهر في إطارها.
كما أن الملابسات والظروف التي كانت مسؤولة عن قيام هذين الاتجاهين وتبلورهما قد زالت.تلك الملابسات والظروف التي يتمثل بعضها في ماصاحب نشأة الانثروبولوجيا في القرن التاسع عشر في كل من بريطانيا وأمريكا,ويتمثل بعضها الثاني في الاختلاف في تحديد موضوع الانثروبولوجيا وعلم الاجتماع بين أصحاب المدخل الاجتماعي البنائي والمدخل الثقافي لدراسة المجتمع.

إذ كانت الانثروبولوجيا في اولى عهدها في بريطانيا تتجه الى دراسة المجتمع البدائي في أفريقيا حيث توجد معظم مستعمراتها,وهي قبائل تعيش كل منها في شبه عزلة اجتماعية واقتصادية لظروفها الجغرافية,بحيث تؤلف القبيلة في ذاتها مجتمعا متميزا ومستقلا عن غيره,مما جعل الباحث يقصر دراسته على مجتمع قبل واحد,وينظر اليه كوحدة متكاملة ويلاحظ النظم الاجتماعية التي تسوده,أو يدرس البناء الاجتماعي في تكامله وتمايزه.

وكانت الانثروبولوجيا في أمريكا تهتم بدراسة قبائل الهنود الحمر التي كانت تتبعثر وتنتشر وتسمح بالاختلاط والاتصال بين جماعاتها,وتتداخل ثقافاتها.ومن هنا انصرف العلماء نحو دراسة ثقافات هذه القبائل بدلا من دراسة البناء الاجتماعي لها.وإن كان هذا الاهتمام المتباين بين الانثروبولوجيا البريطانية والامريكية قد انعكس على الانثروبولوجيا عامة,وأدى الى الاختلاف في تحديد موضوعها لفترة من الزمن إلا انه عندما أدرك العلماء ان التفرقة بين المجتمع والثقافة كانت دائماً مسألة صعبة وشائكة,بدأوا في التخلي عنها خاصة بعدما ادركوا ان الاثنين هما في الحقيقة مظهران مختلفان لشيء واحد,او تجريدان مختلفان لوجود واقعي واحد.
المصدر : www.balagh.com

رأي واحد حول “الثقافة..بين علم الاجتماع والأنثروبولوجيا”

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.