الثقافات التي يجب ان تموت

تحت تأثير تطور المواصلات لتصل الى قمتها في عصر العولمة الذي ندخله بسرعة متزايدة، اصبح من الصعب على الجماعات الاثنية ان تبقى منعزلة في غاباتها وقفارها ، وصار الاختلاط الثقافي وذوبان المكونات الصغيرة في الكبيرة بدون رحمة امر لامفر منه.

اليوم تملك جميع التجمعات البدائية تماس مع الحضارة المدنية التي احكمت الخناق على جميع البقاع ولم يعد هناك خط للرجعة. ليس من النادر ان نرى افراد شعب الغابات المسمى داني في جزيرة نيوغوينيا وهم يدخلون الى محلات المدينة عاريين تماماً، بالنسبة لنا على الاقل، إذ بالنسبة لهم يشعر الذكر منهم انه عاري فقط لو لم يغطي قضيبه الذكوري بأنبوب نباتي طويل من ثمرة اليقطين. وبالرغم من ان تأثير الحضارة الحديثة على ثقافة هذا الشعب على قدم وساق الى انها لن تصل الى حد اقناع الذكور بتبديل انبوب اليقطين بالشورت والبنطلون. ذكور هذه الحضارة يعتقدون اعتقادا راسخا انهم عرايا اذا تركوا قضيبهم الذكري بدون لباسه النباتي. لباس القضيب الذكري عند شعب داني نشأ على الاغلب من اجل حماية القضيب من التعرض للصدمات والضربات في الغابة، ولكنها تحولت مع الزمن الى طقس من طقوس ابراز الذكورية والاهتمام “باللباس” وطوله وشكل وطريقة ربطه بالشعر ليصبح مرفوعا او يربط نهاية اللباس بالريش لتزيينه. لقد تحولت العادة الى طقس مقدس تماما كما تظهر معظم الطقوس الدينية.

ماجرى ويجري على شعب داني في نيوغوينيا يمكن القياس عليه وإعتباره نموذج لما يحدث من تغييرات في مثيلاته من الاقليات البدائية في العالم بأسره، عند شعب داني نرى تأثير إختراق تجار المدن لمجتمعاتهم المعزولة . بضعة تجار لايستطيعون تغيير ثقافة مجموعة اثنية بيوم وليلة، ولكن على المدى الطويل فأن التغيير لامحيص منه. شعب داني، مثله مثل اي شعب اخر، لديه فضول وحب استطلاع على منتجات الشعوب الاخرى وسعيه للحصول عليها واقتنائها كفيل بالقضاء على تقاليده في الحياة والتفكير.

ان لاتستخدم هذه البيئات البضائع المعروضة عليهم، بالطريقة التي تعودنا عليها هو موضوع اخر. في احدى الجزر الاسيوية يوجد طلب كبير على بودرة الاطفال، ليس من اجل استخدامها على مؤخرة الاطفال وانما من اجل نثرها على رؤس الضيوف كتعبير عن الاحترام والترحيب.

ان يكون هذا التطور ايجابي او سلبي سؤال يستطيع ان يجيب كل منا عنه بطريقته الخاصة، ولكن مايبقى لنا اليوم من واقع انه لم يعد هناك جنة على الارض خالية من اثار الحضارة، كما كان الامر في القرن الثامن عشر مثلا. غير ان وجود آثار هذه الاثنيات البدائية دليل على ان السلوك الاجتماعي يأخذ وقتا طويلا حتى يتغير تماما، والسلوك الاجتماعي يعيش ويموت بالارتباط مع التغييرات في البيئة المحيطة.

في الغابات الاستوائية البرازيلية لازالت توجد بضعة فقاعات من البيئات البدائية التي تهرب من الحضارة والمصرة على التمسك بفطرتها. ومع ذلك نجد ان الباحثين عن الثروة يلاحقونهم بإصرار. شعب yanomamiindanerna هم احد هذه الشعوب التي بقي منها القليل على حالته الفطرية في اعماق غابات البرازيل. هذه المجموعة تعيش في عوائل جماعية، عارية وليس لها حاجات غير الصيد والرسم على الاجسام، طقوس الصيد.

في قرى يانومامي يرقصون على ولادة روح الشامان عندما يتوفى، فهم يعتقدون ان الموت هو ولادة جديدة، تستحق الاحتفال إذ لااحد يموت. في رقصهم المرح يقومون بتلوين اجسادهم بالاصباغ.

في امريكا لازالت توجد مجموعات مختلفة من الاثنيات الهندية البدائية، مثل هنود الجبال وشعب المايا ، blackfeet, lakota, cheyenner اقصى شمال امريكا يعيش الهنود الى جانب شعب الاسكيمو. في افريقيا توجد مجموعات عرقية مثل البربر او الطوارق، bushmen, pygméer, masaier. تقريبا نصف هذه المجموعات من السكان الاصليين للمناطق، تعيش في اسيا بالرغم من ان حكومات اسيا ترفض الاعتراف بوجودهم على انهم السكان الاصليين، وتفضل ان تسميهم “الشجرة الاصلية”. هذا الامر الذي قد يظهر للبعض شكلي يتيح لها الالتفاف على قرارات الامم المتحدة التي توصي بالمعاملة التفضيلية للشعوب الاصلية.

الاعلان الذي صدر عن الامم المتحدة لحماية هذه الاقليات العرقية الاصلية يضمن حقهم بشكل من اشكال الحكم الذاتي وحقهم بالسيطرة على مناطقهم الطبيعية والاعتراف بحقوقهم الثقافية. في مناطقهم وتحت ادراتهم سيملكون الحق في ان يكونوا مختلفين وان يقرروا بأنفسهم سرعة وشكل التطور الذي يناسبهم.

الكثير من الطقوس والعادات التي توصلت اليها هذه المجموعات العرقية وجدت لها انتشارا كبيرا، خصوصا الطقوس الطبية والطب الشعبي بما فيه الشعائر الشامانية في العلاج النفسي والاشهر هي المقتبسة عن شعب lakota . اقتباس الثقافة الروحية لبعض هذه المجموعات الاثنية لم يكن دائما بدون إعتراض، بعض هذه الشعوب رفضت واعتبرته استغلال وسوء استخدام. شعب لاكوتا احتج على استخدام طقوسه الروحية ومعرفته الطبية خوفا من اساءة استخدام هذه المعرفة. البعض الاخر يحتج على استخدام موسيقاهم بإعتبارها جزء من قناعاتهم الروحية التي لايجوز استخدامها ممن لايؤمن بمضمونها. التتداخل الحضاري اصبح امرا واقعاً، وتزال الحدود بإستمرار بين انتشار الفروقات الثقافية والحضارية الخاصة. واليوم نشاهد اكثر فأكثر معالم الاختلاط اللغوي والديني والعرقي والثقافي بين الشعوب. المجموعات الاثنية ستفقد مع الزمن الكثير من مميزاتها الخاصة، وستزال وتختفي حضارات باسرها لتذوب في المجموعات الاثنية الاخرى. في النتيجة ستنشأ مجموعات حضارية جديدة. هذه الاحداث تشير الى ان الثقافة والحضارة في تبدل دائم ومستمر، واننا نتاج مجموعة هذه العوامل التي تؤثر فينا، فنحن ننتمي اكثر لعصرنا الحالي وليس للماضي.

مصادر:
The Dani of the Grand valley
THE DANI IN THE BALIEM VALLEY
صور مدهشة لشعب داني
yanomamiindanerna
yanomami
Yanomamo Indians
Yanomamo Indians
bushman
Bushman and San Paintings in South Africa

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.