البيئة النفسية للطفل وعلاقتها بالعنف

الحرمان الجزئي من الأم العاملة وعلاقته بالعنف

أ.كوسة بوجمعة

جامعة جيجل/ الجزائر

مـقـدمــة

يعيش المجتمع الجزائري في السنوات الأخيرة , تسارعا كبيرا للأحداث وعلى جميع الأصعدة, الشيء الذي نتج عنه تغير في المعايير والقيم التي كانت سائدة من قبل , سنوات صنعها جيل شاب نشأ في ظل ظروف صعبة , كان قوامها ولغتها العنف , الدمار والقتل, كلها مصطلحات تصب في بوتقة الصراع الأعمى, صراع سياسي, اقتصادي , ثقافي, اجتماعي وحتى أخلاقي.

إن خروج المرأة إلى ميدان العمل ظاهرة قديمة جديدة على المجتمع الجزائري ، قديمة في مراحلها ،جديدة في تطورات الأحداث التي أفرزتها هذه الظاهرة ، لأن القضية تتعلق بتوزيع الأدوار بين الرجل والمرأة في الأسرة وفي المجتمع على حد سواء. هذه الأدوار تزداد صعوبة إذا ما ارتبطت بعملية التنشئة الاجتماعية في مرحلتها الأولى في كنف الأسرة .

ويزداد الأمر خطورة عند الوقوف على مدى أهمية دور الأم في الأسرة ،هذه الأخيرة تسهم في عملية تنشئة الطفل ، إذ تعتبر أداة الاتصال الإنسانية الأولى ، وهي معلمه النفسي والاجتماعي الأول ، وبذلك تشكل نمط شخصيته وتحدد اتجاهاته، فهو يتأثر إلى حد كبير بالجو الأسري وخاصة باتجاهات الوالدين وما يتبعانه من أساليب في تنشئة الطفل.

وكثيرا ما تلجا الأمهات العاملات إلى ترك أطفالهن عند إحدى القريبات ، وفي غالب الأحيان في روضات الأطفال ، أين تكون ألام أكثر اطمئنانا على أطفالها ،كونهم في أيادي أمينة وحتى مؤهلة لمثل هذا الدور الذي استحدثته ظروف الحياة .

إن القراءة الاجتماعية والنفسية لهذه التطورات ، ورغم التوزيع الحديث للمؤسسات التي تتكفل بعملية التنشئة الاجتماعية – في ظل وجود الروضة- رأت أن العنف ينشأ عند الأطفال في سنوات مبكرة للغاية ، حيث أن بعض الأطفال يبدون نوعا من العدوانية المادية والمعنوية ، تتطور في كثير من الأحيان لتصبح عنفا بالمعنى المتعارف عليه ، وهذا في ظل توفر وبقاء الأسباب التي مهدت لذلك.

هذا ما حاولنا الوقوف عليه في هذه الدراسة التي كانت عبارة عن بحث ميداني بروضة أطفال حكومية بمدينة سطيف ، استهدفت ملاحظة السلوك العدواني عند الأطفال في سن مبكرة من 3-5 سنوات وعلاقة ذلك بالعنف.حيث احتوت عن مقدمة وضعنا فيها الموضوع في إطاره العام مع إثارة للمشكلة , ثم حاولنا ضبط الموضوع من جانب المصطلحات وعلاقة العنف ببعض المفاهيم الأخرى, ثم عرجنا على أبعاد العنف في الوسط الأسري وأهم مظاهره, ومن ثم عرضنا أهم النظريات المفسرة له, وتحدثنا عن العنف في الإسلام ومغزاه, إلى جانب تخصيص عنصر يتطرق لخروج الأم للعمل ،كما تطرقنا في عنصر آخر إلى الحرمان العاطفي وانعكاساته على نفسية الطفل ثم أدرجنا بعض الحلول والاقتراحات الشخصية الكفيلة بالسيطرة على ظاهرة العنف لدى الأطفال، خاصة في مرحلة الطفولة المبكرة.

أما الجانب الميداني فخصص لمنهج البحث ، وعينته ومميزاتها وأدوات البحث، إضافة إلى عرض الحالات وتحليلها ، ومن ثم الخروج بنتائج هذه الدراسة.

الجانب النظري للدراسة

إشكالية الدراسة

لما كان العنف هو إلحاق الأذى بالآخرين , بغض النظر إن كان الطرف الآخر شخصا أو جماعة أو شيئا , فإن وجود مؤسسات التنشئة الاجتماعية تعني الحفاظ على توازن المجتمع ،وذلك ببنائه بناءا يرتكز على الأخلاق واحترام القانون وتقديم أفراد صالحين لقيادة مجتمع الغد والعيش فيه بأمن وسلام.

إن ظاهرة العنف لم تعد تلك الأفعال العدوانية التي نراها عند الكبار فحسب , بل أصبحنا نراها ونلحظها عند الأطفال الصغار أيضا, بأفعال وتصرفات لا تقل خطورة عن عنف الكبار .إن التقليد والمحاكاة باعتبارهما أهم عمليات التنشئة الاجتماعية ،ولدا العنف عند هذه الفئة من فئات المجتمع ، والتي كان من المفروض أن تتلقى رعاية واهتماما يليق بسنهم ، خاصة وأن أصبع الاتهام في مثل هذا السن – في أحداث العنف-يوجه مياشرة لدور الوالدين بصفة عامة ، وإلى الأم بصفة خاصة .

إن التطورات المادية والاجتماعية لعبت دورا هاما جدا في استفحال ظاهرة العنف .فالتلفاز والصور واللعب وتفاعل المجتمع وعمل المرأة ، كلها من الأمور المتسارعة التي كان لها دورها في المساهمة العنفية وتقتصر دراستنا عن دور عمل المرأة العاملة خارج البيت ودورها كأم داخل البيت، وتأثير ذلك على تخصيص جزء من وقتها لأجل أطفالها ،حتى يكتسبوا الحنان الكافي منها ، خاصة وأن دفئ الأم وحنانها والتقرب إليها والنوم في حجرها، كلها  عوامل بقدر ما تخلق علاقة تقارب وعلاقة حميمية بين الطفل وأمه ، بقدر ما تكسبه تلك الحصانة والمناعة ضد العنف والعدوانية ، لأن الطفل إذا ما تشبع بالحنان الكافي ويتربى عليه فإنه سوف يبحث عن طريقة لإعطائه للآخرين لا أن يبحث عنه في حالة افتقاده .

إن عمل الأم خارج البيت يفرض عليها البقاء لفترة طويلة في مكان العمل ، وترك الأطفال الغير متمدرسين – لم يبلغوا سن التمدرس- في دور الحضانة ، ظاهرة تفشت في المجتمع الجزائري منذ ما يزيد عن عقدين من الزمن .هذا الأمر بقدر ما يحمل ضرورات أملتها ظروف الحياة ، بقدر ما يحمل مخاطرة كبيرة تتمثل في فقدان الطفل تلك الصلة بينه وبين أمه في هذه المرحلة من الطفولة التي نتحدث عنها ، خاصة وأن المرأة تكون أمام إلتزامات خارج البيت في عملها ، وإلتزامات داخل البيت بعد الرجوع إليه آخر النهار .ومن هنا تكمن اشكالية توفيق المرأة بين دورها كعاملة ، وبين دورها كربة بيت ، وبين دورها كأم ، وأهمية الدور الأخير ، لما يشكله من مخاطرة لأجيال قد تتبنى العنف كسلاح اتجاه المجتمع ،كتعبير لا شعوري عن فقدان العطف والحنان من الأم في مرحلة معينة من مراحل حياته .

ومن هنا نستطيع صياغة الأسئلة التالية:

–       كيف يمكن لهذا الفرد العنيف أن لا يكون عنيفا وهو لم يغرس فيه كل العواطف التي تحصنه من ذلك العنف في مرحلة طفولته المبكرة ؟

–       هل يمكن أن تكون العدوانية المبكرة عند الأطفال الصغار عاملا مؤصلا لظاهرة العنف عند الكبر؟

–       لماذا لا نعالج الظاهرة بالوقوف على أسبابها النفسواجتماعية ،في إطار شامل وليس من وجهات نظر ضيقة تعتمد على معالجة العنف بالعنف؟وهل عدوانية الصغار أفعالا لا تستحق الدراسة ؟

ضبط المفاهيم والمصطلحات :

العنفViolence

تعريف العنف لغويا:

جاء في معجم لسان العرب لابن منظور أن العنف:” هو الخرق بالأمر وقلة الرفق به, وهو ضد الرفق, عنف به وعليه, يعنف عنفا وعنافة وعنفه تعنيفا إذا لم يكن رفيقا في أمره.  (1)

تعريف العنف اصطلاحا:

يعرف ساندابول روكنغ العنف :” الإستخدام الغير شرعي للقوة أو التهديد باستخدامها لإلحاق الأذى والضرر بالآخرين”.

ويعرفه دينيستين:” العنف هو استخدام وسائل القوة والقهر أو التهديد باستخدامها لالحاق الأذى والضرر بالأشخاص والممتلكات وذلك من أجل تحقيق أهداف غير قانونية أو مرفوضة اجتماعيا“.(2)

ويستخدم بعض الباحثين مفاهيم مختلفة تشير لديهم إلى معاني ومفاهيم مترادفة للإشارة إلى سلوك العنف , فهناك فضلا عن مفهوم العنف مفاهيم العدوان والإنتهاك وإساءة المعاملة والإهمال , ويذهب البعض إلى أن العنف يتضمن أشكال العنف المادي, وأشكال العنف غير المادي , كما يتضمن مفهوم العنف أشكال العنف الإيجابي مثل الإيذاء الإيجابي والمتمثل في الضرب , وأشكال العنف السلبي المتمثل في الإهمال وكل أشكال إساءة المعاملة.

يعرف العنف حسب القاموس النقدي لعلم الاجتماع بأنه” سلوك لا عقلاني غير نظامي واستراتيجي , وهو ينجم عن انتشار العلاقات العدائية في القطاعات غير المنتظمة في المجتمع, والعنف الاستراتيجي هو عنف منظم يهدف إلى تحقيق أهداف معينة كالحروب مثلا.” (3)

ويرى “عدنان كيفى” أن المقصود من العنف في المدارس ما يجري في بعضها من ممارسات سلوكية يكون أبطالها الطلاب والطالبات والمعلمون والمعلمات , شرارتها الغضب ووقودها تزايد الإنفعال ونتيجتها استخدام اللطم والركل والضرب باللكمات والآلات الحادة والعصي وأحيانا بالسلاح , وبالتالي فإنها تشكل خطرا على حياة هذه الفئة من الناس , هذه الظاهرة يتأذى منها الشعور الجمعي , ولكن مع الأيام تتطور المسألة وربما أصبحت في إطار المشكلات المستعصية الحل .(4)

مفهوم العدوانية : يعرفها Chaplin بأنها:” هجوم أو فعل مضاد موجه نحو شخص أو شيئ ، وينطوي على رغبة في التفوق على الآخرين ويظهر في الإيذاء أو الاستخفاف أو السخرية بغرض إنزال العقوبة بالآخر(5)

الطفولة المبكرة: تمتد هذه المرحلة من 3-5 سنوات ، وهي من المراحل الأولى من حياة الطفل ، إذ تسبق الدخول إلى المدرسة ، لذلك تسمى أيضا مرحلة ماقبل التمدرس ، تتميز باستمرار النمو ،الإتزان الفيزيولوجي ، التحكم في عملية الإخراج ، اكتشاف العالم الخارجي ، الحركة الكثيرة ،اكتساب اللغة ،التوحد مع نماذج الوالدين ،التفاعل مع الوسط الاجتماعي من خلال اللعب مع الأقران ،ويلتحق الكثير من الأطفال في هذه المرحلة فتسمى مرحلة الحضانة.(1)

مفهوم الأم العاملة : هي الزوجة المنجبة التي تؤدي عملا منتظما مشروعا خارج المنزل وتتقاضى عليه أجرا ، وترتبط بمواعيد عمل محددة .وتقوم بأدوار الزوجة ، الأم ، مديرة المنزل ، على أن يقيم معها أحد أبنائها على الأقل.(2)

مفهوم الحرمان الجزئي : هو عبارة عن نقص في الإشباعات العاطفية ، نتيجة للغياب الجزئي للموضوع المسؤول عن ذلك النقص .(3)

العنف والعدوانية : يصعب على الباحثين التمييز بين هاذين المفهومين ويوظف أحدهما في مكان الآخر ، وهذا التوظيف يأخذ مشروعيته في أغلب الدراسات الأنتروبولوجية والسوسيولوجية والسياسية.(4)

من المفاهيم السابقة أستسيغ المفهوم التالي الخاص بالعنف:

” العنف ظاهرة سلوكية عدوانية ، تتمثل في عملية اعتداء لفظي أو جسدي على شخص أو أشخاص أو ممتلكات بصورة مباشرة أو غير مباشرة، بنية إلحاق الأذى بالطرف الآخر وللتعبير عن حالة غضب أو عدم رضا ، أو انتقام.”

النظريات المفسرة للعنف

شكلت ظاهرة العدوانية الإنسانية ، وما زالت تشكل الجانب المظلم في تاريخ المجتمعات الإنسانية .وقد تبددت الآمال التي علقتها الإنسانية على الدور المتعاظم للتقدم الإنساني وإمكانياته في السيطرة على الظاهرة واجتثاثها .وعلى الرغم من تعاظم القيم الإنسانية الجديدة التي تؤكد السلام والأمن والإخاء والعدالة والديمقراطية ،مازال العنف يطرح ظله الثقيل ليبدد كل الطموحات في حياة تسودها قيم المسالمة والأمن والإخاء.

فالتاريخ الحديث يسجل بان العنف الإنساني ظاهرة تأخذ مداها المتعاظم في مختلف مجالات الوجود الاجتماعي ، وتضرب وجودها بإحكام في مختلف التنوعات الجغرافية ، في الشمال والجنوب ، وفي الشرق والغرب ، وتترك بصماتها المأساوية على مختلف انطباعات الحياة في هذا العصر ، ولا سيما في العقود الأخيرة من القرن العشرين.

1- النظريات المفسرة للعنف من المنظور الاقتصادي:

أعطت الماركسية مقاييس علمية وموضوعية لدراسة تقييم مختلف ظواهر العنف في الحياة الاجتماعية , كاشفة عن علاقتها المباشرة مع مصالح طبقات معينة وتبعيتها للعلاقات الاجتماعية الاقتصادية المسيطرة.فالتناقضات الاجتماعية الحادة لعمليات التطور الاجتماعي والظروف التاريخية الملموسة التي تكتسب فيها مشكلة العنف خواصها الحديثة وحدة لم يسبق لها مثيل.حيث أن مفهوم العنف ككل الحالات الاجتماعية هو انعكاس شكل معين للعلاقات الاجتماعية , شكل اجتماعي من حركة المادة , وبنفس الوقت للعنف طابعه المتميز للتعبير عن هذه العلاقات والتأثير عليها , ودوره وهدفه الخاص في الممارسة التاريخية الاجتماعية للبشرية.

2- نظرية المصدر

يشير Goode ( القوة والعنف في الأسرة) إلى أن كل التفاعلات والعلاقات الاجتماعية تعتمد إلى حد ما على القوة أو على التهديد بها , ففي داخل النسق الاجتماعي كلما زادت الموارد التي يتحكم الشخص فيها , كلما زادت القوة التي يستطيع أن يحشدها.وكلما زادت مصادر وموارد الشخص التي يستطيع أن يستخدمها في أي لحظة قلما قلت درجة ممارسته الفعلية للعنف, وبالتالي فإن الفرد يلجأ إلى استخدام العنف عندما تكون موارده غير كافية أو ضئيلة.

فعلى سبيل المثال , فإن الزوج الذي يريد أن يكون العضو المسيطر , والحاكم الآمر الناهي في محيط أسرته  ولكن تعليمه منخفظ , ودخله ضئيل ويفتقر إلى مميزات الشخصية الفعالة , يلجأ إلى العنف حتى يجسد الشخصية التي يحلم بها .

وهنا نعطي مثال عن الشباب الجزائري فإنعدام المصدر المالي وانعدام قنوات اتصال بينهم وبين السلطة للتعبير عن حاجاتهم وانشغالاتهم تؤدي بهم إلى حالات عنف إما لكسب مال عن طرق السطو والسرقة أو الإعتداء على الممتلكات العامة في الشوارع وقطع الطرقات لإسماع أصواتهم إلى الجهاة المسؤولة.

3- النظرية النفسية

العنف أو العدوان في بعض الحالات تكمن خطورته في كونها أحد احتمالات التكوين الإجرامي عند البعض أو الإستعداد له , فهو بذور الشر الكامنة التي إذا ما تعهدتها التربية المناسبة نمى وأثمر ( مجرما) , هذه التربة إنما هي باقي العوامل المساعدة سواء أكانت الأسرةو أو المجتمع بمؤسساته النظامية واللانظامية

وتركز نظرية مدرسة التحليل النفسي على حافزين بيولوجيين فطريين , هما حافز الجنس وحافز العدوان , الأول من وجهة نظرها يلعب دورا خطيرا في تحديد سلوك الفرد واتجاهاته في مختلف أدوار حياته وهو ملازم له للمحافظة على ذاته وتأكيد وجوده.والعدوان هو الآخر حافز فطري يتصل بالحوافز البيولوجية , وظيفته المحافظة واشباع حاجاته , ويظهر العدوان حين تبقى الحاجات بلا إشباع نتيجة كبتها أو صدها كما يظهر في أي صورة من صور تأكيد الذات.

كما أن الإنسان قد قد يمارس عملا عدوانيا ضد آخر , دون أن تكون لديه مشاعر كراهية ضده , أي بمعنى أنه لا يرغب في نهاية الأمر أن يسبب له الشقاء أو الزوال , وهذا المفهوم يجب ألا يستخدم إلا إذا كانت هناك نية في إزالة الآخر أو على الأمثل إيذائه.(1)

4- النظرية الاجتماعية

هناك عدة قوانين ونظريات اجتماعية لها أهميتها في تفسير العنف والجناح.ومن هذه القوانين ما يسمى بقانون التشبع الجنائي الذي يذهب إلى أن كل وسط اجتماعي يحتفظ بنسبة ثابتة من الإجرام ، وقانون زيادة التشبع الجنائي حيث تقود الكوارث الطبيعية إلى زيادة معدل الجريمة ، الذي لا يعود إلى حالته الأولى إلا بزوال الكارثة سواء كانت حرب أو مجاعة أو وباء .ولقد أوضح” فيري Ferri ”  انه كلما تقدم الإنسان انخفض عنصر العنف وازداد الخبث والدهاء في الجريمة .

كما انتقد “دوركايم” وغيره من علماء الاجتماع الفرنسيين ، نظرية لومبروزو ، مركزين على أهمية الوسط الاجتماعي في تفسير العنف ، دون إنكار أهمية العامل البيولوجي .ولم يقصر “جبرائيل تارد” دراساته على كيفية تأثير الوسط الاجتماعي على الفرد ، بل حاول دراسة السبب وراء ذلك ، حيث صاغ قانون التقليد  أو المحاكاة باعتباره العامل الأساسي وراء العنف.

ويذهب البعض إلى أن من أهم الاتجاهات التي احتواها المدخل السوسيولوجي في تفسير الجناح ، ذلك الاتجاه الذي على ضوئه ربط علماء الاجتماع التفاوت في معدلات الجناح بما طرأ على التنظيم الاجتماعي من تغير ، وخاصة في النظم الاجتماعية الأساسية .وعليه اهتم القائلون بهذا الاتجاه بظاهرات مثل الجماعات الأولية ، وحركة السكان وخصائصهم والعمليات السكانية والصراع الثقافي والتدرج الطبقي الاجتماعي .

ويرى “كلينارد” عند حديثه عن البناء الاجتماعي والسلوك الانحرافي أن هذا السلوك يرتبط بالمكانة المعتمدة على الطبقة الاجتماعية .فالمكانة الطبقية يمكن أن تتمثل في معايير الجوار المتباينة وفي الأنماط المتمايزة للعلاقات الشخصية خاصة بين الآباء والأطفال .وفي هذا تحدث” كلينارد “عن جرائم ذوي الياقات البيضاء التي تسود الطبقات الوسطى والعليا ، والجرائم التي تسود الطبقات السفلى كالبغاء والممارسات الجنسية قبل الزواج .وينتهي من هذا أن الجناح ظاهرة ترتبط بالطبقة الدنيا.

كما ظهر اتجاه آخر يهتم بتحديد العمليات الاجتماعية التي تدفع الفرد إلى العنف .ويركز أصحاب هذا الاتجاه على النظريات الخاصة بالتعلم والتنشئة والتطبيع الاجتماعي ، معتقدين أن السلوك الانحرافي قد يكون نتيجة لعمليات التعلم ذاتها أو متضمنا داخلها .وبهذا يفسر علماء الاجتماع السلوك الانحرافي برده على عوامل ومسببات داخل المجتمع أو المنطقة التي يعيش فيها الفرد ن أو إلى الطبقة الاجتماعية التي ينتمي إليها .كما يفسرون العنف بأنه انتهاكا للقيم والمعايير والقواعد المنظمة للسلوك والأدوار والمراكز التي يشغلها أفراد المجتمع.(1)

وفي نظرية التفاعل الرمزي نرى أن الكائنات الإنسانية تسلك إزاء الأشياء في ضوء ما تنطوي عليه هذه الأشياء من معان ظاهرة لهم , وأن هذه المعاني هي نتاج التفاعل الاجتماعي في المجتمع الإنساني , ويرى أصحاب هذه النظرية أن الجانب الأهم في التنشئة يقع على عاتق الأم , ويشاركها في ذلك الآباء والأجداد والمعلمون .(2)

5- من المنظور الإسلامي

لقد دعا الإسلام بالنص الصريح ” وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله إنه هو السميع العليم” الأنفال (الآية61)

فالإسلام يرى الطبيعة الإنسانية مكونة من جسد وعقل وروح ونفس , وهنا أعطى لكل شطر حقه , في الراحة والتربية والأخلاق وطلب العلم والتسامح وصلة الرحم وإفشاء السلام والجلوس عند الغضب والعفو عند المقدرة , كما وضع الحدود والقصاص والعقاب لأهداف نظامية وردعية للفرد والمجتمع .كما نبذ الاعتداء على وجه غير حق وحرم الظلم والسلب والنهب ووضع لذلك روادع وحمى لا يجوز تجاوزها.

النمو واحتياجات مرحلة الطفولة المبكرة

1- النمو الاجتماعي: الطفل كائن اجتماعي منذ الأيام الأولى من حياته.يؤثر ويتأثر مشكلا بذلك سلوكه من خلال التنشئة الاجتماعية التي يتم فيها التفاعل.فالأسرة تحاول إكساب الطفل ثقافة المجتمع وما فيها من عادات وتقاليد وقيم ولغة ومعايير الاجتماعية المرغوب فيها .فيخطو الطفل خطوات واسعة على درب النضج الاجتماعي إذ يساهم في نموه الكثير من العوامل والجماعات المختلفة إلا أن دور الوالدين بصفة عامة والأم بصفة خاصة أدوارا هامة في عملية التنشئة.(1)

فيتعلم بذلك المعايير , وينمو الوعي والإدراك الاجتماعي , ويشعر شيئا فشيئا بفرديته مدركا ذاته ككيان مستقل بذاته .وتنمو لديه روح الصداقة حيث يصادق الآخرين ويلعب معهم كما يستمع إلى أحاديث الكبار حارصا على المكانة الاجتماعية حيث يهتم بجذب انتباههم, ويسود اللعب بعض العدوان والشجار ويكون في شكل صراخ وبكاء ودفع وجذب وضرب وركس ورفس.فيئول سلوك الطفل ذو ثلاث سنوات الأنانية وحب الثناء عليه والمدح , كما يميل إلى المنافسة والتي تظهر في الثالثة وتبلغ ذروتها في الخامسة , كما يتسم سلوكه بالعناد ويكون في ذروته حتى العام الرابع .(2) إذ يبدي طفل الرابعة صداقة مع مجموعة من الرفاق فيلعب بصورة طيبة ويتميز لعبه بما يعرف بالتبادل , حيث يقوم أحدهم بعمل شيء ما ثم ينتظر الاستجابة من الطفل الآخر مع ظهور بعض المنازعات واتساع طابع المصالحة, ونجد الأطفال بنهاية السنة الخامسة أكثر اهتماما بالمنافسة .

ومن أهم دلائل النضج الاجتماعي أن الطفل يستطيع أن يرد على الكثير من الأسئلة بما يحقق مصلحته حتى ولو كان الرد يخالف الحقيقة , وهذا السلوك هو وسيلة من وسائل التكيف مع الحياة الاجتماعية, التي بدأ يكتشفها من حوله.

2- النمو الانفعالي: يظهر النمو الانفعالي مبكرا في حياة الطفل , إذ تعتبر” الابتسامة” مؤشر مبكر للنمو الوجداني الإيجابي للطفل, وكذلك “التعلق” التي تنمو فيها للطفل أحاسيسه الخاصة اتجاه بعض الناس , أما الخوف فهو أحد أشكال الانفعالات السلبية التي يمكن أن يكتسبها الصغار في سنواتهم الأولى .وبهذا يظهرون اختلافات كبيرة في ردود أفعالهم الانفعالية عبر مراحل حياتهم .(3)

فالنمو الانفعالي عند طفل ما قبل المدرسة ينمو من ردود أفعال عامة نحو سلوك انفعالي خاص متمايز يرتبط بالظروف والمواقف , فيصبح يعبر عن عواطفه بشكل اكثر جدية وتشمل الغضب والخوف والغيرة والفضول  السرور , الحزن, الحب… فتزداد الاستجابات اللفظية لتحل تدريجيا محلها الاستجابات الانفعالية الجسمية, وتتميز الانفعالات هنا بأنها شديدة ومبالغ فيها : غضب شديد , حب شديد , كراهية شديدة, غيرة واضحة…وتتميز بالتنوع والانتقال من الانشراح للانقباض ومن البكاء للضحك .ويتركز حب الطفل كله حول والديه , ويزداد الخوف وتزداد مثيراته عددا وتنوعا .فيخاف الطفل من الحيوانات , من الظلام, الأشباح…إلخ.ولكن من أهم مخاوف الطفل في هذه المرحلة خوفه من الانفصال , وقد وجد أن العنف يبدو كثيرا عند أطفال ما قبل المدرسة .

كما يتوحد ويتماثل الطفل بقوة مع أحد الجنسين إذ يرون علماء النفس التحليليون أن تعلق الولد الرومانسي بأمه هو في حقيقة الأمر طريقة في محاولة التوحد والتماثل مع الأب فقد يقول الولد مثل أنه ينوي أن يتزوج أمه وهذا ما أطلق عليه فرويد “بالمرحلة الأوديبية ” , وعموما ففي أواخر سنوات ما قبل المدرسة يكون الأطفال إحساسا واضحا بجنسه .(1)

وقد يؤثر اتزان الأسرة تأثيرا كبيرا على النمو الانفعالي وعلى الجانب النفسي بشكل عام , فالنمو الانفعالي يؤثر على النمو الاجتماعي , كما يؤثر على جوانب النمو الأخرى ويتأثر بها أيضا, فالطفل الخجول ينطوي على نفسه ويقل احتكاكه بالآخرين وينقص تفاعله الاجتماعي, وعكسه الطفل الجريء المنبسط الذي تكون له علاقات كثيرة مع الآخرين , وبالتالي يتاح له التفاعل الاجتماعي.

3-حاجات الأطفال النفسية:

كما سبق ذكره فإن الأسرة هي أول العقول التي ينبت فيها الطفل , فهي التي تهيئ له الجو لانتقاله من مرحلة إلى أخرى موفرة له كل الاحتياجات والمتطلبات سواء كانت بيولوجية كتوفير الغذاء والملبس , والحفاظ على توازنه الحراري وتأمين الحماية ضد الأمراض .أو كانت نفسانية والتي لا تكون أقل إلحافا.

ولهذا حاولت بعض الأبحاث في علم النفس الحيوان أن تدرس بموضوعية الحاجة إلى الرضاعة , فقام ليفي D.Levyبتغذية جراء كلاب بمصاصة وقورن نموها بنمو الجراء التي ترضع الأم , فلوحظ أن المجموعة الأولى تنمو بشكل أبطأ من المجموعة الثانية. (2)

فالحاجة النفسية هنا كانت أقوى الاحتياجات عن البيولوجية , ولهذا يجب أن تتوفر وتسود في العلاقة مع الطفل ومن أهم الاحتياجات النفسية:

3-1-الحاجة إلى الأمن والانتماء:إن الطفل يحتاج إلى الرعاية في جو آمن يشعر فيه بالحماية , فتزداد الثقة بنفسه عندما ينتمي إلى جماعة تتقبله وتقدره وتحقق له مكانته الاجتماعية , لا سيما في مراحل طفولته المبكرة , ذلك لأنه يعتمد على والديه في تلبية جميع احتياجاته, فبعد الأم عنه أو تغيبها يعرضه للشعور بالقلق أو قد تؤدي به إلى أساليب سلوكية قد تكون انسحابية أو عدوانية .(3)

3-2-الحاجة إلى الحب: يعتبر من أهم الحاجات الانفعالية ,إذ يحتاج الطفل أن يشعر بأنه محب ومحبوب من طرف والديه واخوته وأقرانه وهي مهمة من أجل صحته النفسية .فإذا لم يشبعها فإنه يعاني من الجوع العاطفي فيشعر بأنه غير مرغوب فيه مما يؤدي إلى سوء التوافق , ويحتاج إلى هذا الحب خاصة من طرف أمه، إذ يحقق له نمو سليم يضمن له الوصول إلى أفضل مستوى.

3-3-الحاجة إلى التعبير عن ذاته وتوكيدها: يحتاج الطفل إلى أن يشعر باحترام ذاته ويحققها ويعبر عن نفسه في حدود قدراته وإمكاناته سواء في كلامه أو ألعابه وأعماله أو من خلال رسوماته , وتشجيع الآباء في التعبير عن ميولاتهم هام جدا في التعبير عن مواهبهم وتنميتها, ومن هذا فإن النمو السوي للذات وتنمية مفهوم صحي موجب لها يحتاج إلى إشباع هذه الحاجة الأساسية.

3-4-الحاجة إلى النجاح:يحتاج الطفل إلى التحصيل والإنجاز والنجاح وهو يسعى عن طريق الاستطلاع والاكتشاف ليتعرف عن البيئة المحيطة حتى ينجح في الإحاطة بالعالم من حوله , وأول خطوة يخطوها الطفل تحقق له نجاحا عند تعلمه المشي, يتلوها محاولاته في تعلم النطق فيشعر بتحقيق ذاته , ويزداد هذا الشعور عندما نشجعه ونظهر سرورنا، وهذه الحاجة أساسية في توسيع إدراك الطفل وتنمية شخصيته.

3-5-الحاجة إلى اللعب: اللعب هو أحسن عامل للتوازن النفسي للطفل , إذ يضمن له قاعدة لشخصيته

ويتطلب إشباع هذه الحاجة إلى إتاحة وقت الفراغ للعب وإفساح مكان له , واختيار اللعب المتنوعة من أجل توجيه الأطفال ذهنيا وتربويا..  وتشير الدراسات والبحوث أن اللعب عنصر هام وله دلالة عميقة في نمو شخصية الفرد وهو وسيلة للتعبير الإيجابي عن الذات واكتشاف الدوافع الابتكارية , وهو نشاط تعويضي كما يرى “فروبل”

وللعب هدف علاجي وتشخيصي خاصة في المواقف الإحباطية عند الطفل المحروم من حب والديه.(1)

4- العلاقة الثنائية أم -طفل :

إن علاقة الأم بالطفل هي بدون شك العلاقة الأكثر أهمية خلال سنوات الطفل الأولى , فهي تغذيه وتنظفه وتحفظه, وهو يلجأ إلى أمه وقت الخطر , وهي التي تمنحه الحب , وأي حالة تمنع الطفل من هذه العلاقة تسمى بالحرمان الأمومي, والطفل قد يكون محروما حتى وإن عاش في منزل وكانت  أمه غير قادرة على منحه الحنان اللازم الذي يحتاجه أي صغير .

فعملت ANNA FREUD على توسيع اكتشافاتها في علم النفس التحليلي للأطفال إلى ميادين التربية والمساعدة الاجتماعية والإرشاد  الطفلي والعائلي , وقد سلطت الضوء على دور الأم في تفتح ونضج الطفل وذلك من خلال الملاحظات التي أجريت في دور الحضانة , بحيث عملت على وضع مقارنة بين أطفال ذوي أسر عادية وأطفال بدون أسر , وقد توصلت بأن الفوج الأول يتمتعون بإشباع عاطفي مقارنة مع الفوج الثاني , الذي لاحظت عليه حدوث تأخرات في اكتساب اللغة , النظافة , التغذية , النمو الحسي الحركي.

ومن هنا تتضح أهمية الأم والذي تفرزه علاقتها بالطفل , فإن كانت علاقتها تتميز بالاعتدال والتفهم والحب والعطف والحنان, كان ثمرة هذا الطفل سوي.

وإذا كان العكس أثر سلبيا على شخصية الطفل , وتؤكد أبحاث “ميرسل” أن علاقة الطفل بأسرته تتطور من اعتماده كليا على أمه في بدأ حياته وخاصة في تغذيته إلى استقلاله نسبيا عن هذه الأم , وأن علاقة الطفل بأبيه تقوم أساسا على علاقة الأب بالأم , فهي بذلك امتداد لعلاقة الطفل بأمه.(1)

التعلق بالأم والانفصال عنها وعلاقته بالعدوانية عند الطفل

من أهم القائلين بمصطلح التعلق نجدMurray  1938 إذ عرفه على أنه اعتماد الفرد على مساعدة الآخرين إلى الحد الذي يصبح فيه هذا الاعتماد هدفا يسعى الفرد لتحقيقه.وكذا Bowlly  1958 الذي استبدل مصطلح التبعية بمصطلح التعلق الذي يعتمد على مفهوم العلاقات المتبادلة , لاسيما بين الطفل وأمه فكل منهما يتعلق بالآخر , وإذا وصفت به جماعة فذلك دليل على تماسكها وتآلفها, والفرد يسعى لذلك التقرب ليكون بقرب أفراد , كما ينفصل عنهم لتتخذ تنشئته وجهتها السوية .

لكن هذا التعلق لا يستمر كما كان عليه بل يتجه تدريجيا نحو الانفصال كون الفرد ينمو ويستقل بذاته  لكن هذا الانفصال لا يكون مباشرة وإنما يكون بالتدرج كي لا تكون هناك نتائج سلبية , كأن يصدم الطفل نفسيا وما ينجر عن ذلك من آثار قد تعود بالسلب على شخصية الطفل مستقبلا , وقد يؤدي كذلك إلى العدوانية التي من خلالها يؤكد وجوده واستقلاله.

ومن أهم الدراسات التي تناولت هذا الجانب التي قام بهاM.K.HarlowوH.F.Harlow حيث حاولا فهم العلاقة بين التعلق والانفصال والعدوان خاصة إذا كان هذا الانفصال والعدوان بهدف اكتشاف البيئة التي يعيش فيها الفرد .فقاما الباحثان بتربية قرد صغير مع دمية كبديل للأم مع بعض اللعب الأخرى والأحجار والكرات , في البداية كان القرد يخاف ويقفز إلى الأم الاصطناعية كي يحتمي بها بسبب خوفه من ما هو موجود في الغرفة , ثم شيئا فشيئا بدأ ينتبه إلى ما هو موجود في الغرفة بنوع من الاستحياء , ثم ترك أمه متجها إلى الكرة فتحركت ففر منها والتصق بأمه وتكرر ذلك معه مرات حتى تناقص فزعه والتصاقه بأمه , وزاد عبثه بالأغراض الموجودة في الغرفة.وبالمثل عند الأطفال في سن الطفولة المبكرة عندما يعترضهم أمر جديد سواء أشخاص أو أشياء كاللعبة الجديدة في البادئ يخاف منها ثم تدريجيا يلمسها إلى أن يصل به الأمر لضربها وتحطيمها , خاصة إذا لاحظ ذلك الفعل على الكبار وهو الأمر عندما ينفصل الطفل عن أمه.

ومن هنا نجد أن العلاقة بين التعلق وبين الانفصال والعدوان علاقة عكسية بحيث كلما زاد التعلق نقص الانفصال والعدوان , وكلما نقص التعلق زاد الانفصال والعدوان.(2)

التنشئة الاجتماعية ودورها في التحكم في العدوانية

إن التنشئة الاجتماعية يجب أن يكون لها دور الوسط في التحكم في العدوانية بحيث لا يقضي عليها لأنها تمثل أحد جوانب أو أسباب التقدم والازدهار والاستمرار في الحياة, ولا ينميها ويشجعها فتؤدي للدمار والخراب وانعدام الحب والأمن.

والحل الوسط هو توجيه الفرد نحو ما هو أأمن وأنسب من خلال معرفة متى يجب عليه أن يثور ويغضب من أجل تجنب موقف معين وبالتالي يحافظ على نفسه.

ومتى يجب عليه أن يبدي سلوكه العدواني عن طريق التحكم فيه .وحسب بعض العلماء فإن الكائن الحي له القدرة على الاحتفاظ بمثيرات العدوان فتتراكم حتى تصل إلى مستوى التوتر الذي يؤدي بها إلى المسلك العدواني.وإذا صح هذا الرأي فإن معالجة مثل هذا السلوك العدواني تتطلب أن نجد مسلكا بين الحين والآخر لتفريغ تلك الشحنة العدوانية حتى تحول بينها وبين التراكم, وقد تكون بعض ألعاب الأطفال هي المسلك المناسب   لتفريغ الشحنة العدوانية لو أحسن اختيارها خلال تنشئة الطفل اجتماعيا.(1)

وبالتالي فوجود طاقة كامنة للعدوانية أقل شيء قد يثيرها وتصبح حركية لذلك دور التنشئة الاجتماعية هو محاولة إبعاد الطفل عن تلك المثيرات التي تؤدي إلى العدوان ومنها التي تهدد حياة الكائن , وكذلك دور الإحباط في ذلك , ويكون ذلك عن طريق استغلال تلك الطاقة وتوجيهها نحو أهداف مقبولة اجتماعيا مما يجعلها تستغل أحسن استغلال , فتحافظ على حياة الفرد والجماعة وهو ما يسمى بالتسامي أو الإعلاء.

الجانب الميداني للدراسة

منهجية البحث ونتائج الدراسة

الدراسة الاستطلاعية : كان هدفنا من الدراسة الاستطلاعية هو معرفة الجوانب التي تساعدنا على معرفة الطابع العام للروضة ولتسهيل اختيار العينة ومن ثمة كسب ثقة الطفل , وتمت دراستنا داخل روضة الأطفال بحي 400 مسكن بسطيف والتي بدأت من بداية شهر جانفي إلى نهايته بمعدل مرة في الأسبوع.

2-العينة: العينة هي الفئة الممثلة لمجتمع البحث , تشمل معظم خصائص المجتمع لها من الأهمية ما يجعل البحث سهلا وممكنا.

تتكون العينة من ستة حالات كلهم يقطنون في ولاية سطيف.أمهاتهم عاملات.تتكون من 04 ذكور,  أنثين, يتراوح سنهم ما بين 04 سنوات و 05 سنوات.

الحالة الجنس السن الرتبة عدد الإخوة عمل الأب عمل الأم حالة عمل الأم
ز- إ ذكر 5             4 01 02 طبيب أستاذة بالتعليم الأساسي صباحا ومساءا
ك – ي ذكر 4            7 01 01 تاجر عاملة في صيدلية صباحا ومساءا
خ – إ ذكر 4            5 02 02 مهندس معماري مهندسة معمارية صباحا ومساءا
ش  – خ أنثى 5           4 01 01 معلم عاملة في CNAS صباحا ومساءا
خ – ه ذكر 5          11 01 02 مهندس معماري مهندسة معمارية صباحا ومساءا
و – غ أنثى 5             3 03 03 عامل في الجيش الوطني سكرتيرة صباحا ومساءا

2-1- طريقة اختيار العينة: قمنا بزيارة أولية للروضة وبالتحديد للقاعات التي تضم أطفال من بين: 03 سنوات و05 سنوات , عددهم 06 قاعات اخترنا 04 أفواج , ثم بعدها حددنا عدد الحصص أسبوعيا بحصتين في كل أسبوع مدة كل حصة 03 ساعات على الأقل في كل فوج .فاعتمدنا على الملاحظة خاصة أثناء الفترات التي يجد فيها الطفل نفسه حرا وأثناء النشاطات الحرة كالرسم واللعب الحر وغيرها , ومن خلال ما قدمناه في الفصل النظري الخاص بالعدوانية وأهم مظاهرها اعتمدناه في تحديدنا لأفراد العينة فأخذنا الأطفال الأكثر التصاقا بتلك المظاهر وطبعا بمساعدة المربيات كونهن في علاقة مستمرة مع هؤلاء الأطفال تصل في الكثير من الأحيان إلى 03 سنوات, إلا أن هناك بعض السلوكات العدوانية التي تجهلها المربيات

3- المجال البشري

اخترنا العينة من روضة الأطفال لحي 400 مسكن بسطيف .

– تعريف بالروضة: روضة 400 مسكن بسطيف ،روضة حكومية تابعة للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي C.N.A.S .تأسست بتاريخ 15 مارس 1982 . تقع في وسط  حي 400  مسكن بمدينة سطيف .تشرف عليها: المديرة , سكرتيرة , ممرضتان , 20 مربية منهن 06 مربيات متخصصات و 14 مربية مساعدة ,  06 عمال, 07 عاملات . وهي ذات مساحة شاسعة نوعا ما حيث تحتوي على : مكتب للمديرة , مكتب للسكرتيرة , قاعة للتمريض , هولين , و07 قاعات كل قاعة مقسمة إلى أربعة أقسام :

–                      قسم للنشاطات المختلفة التي يقومون بها .

–                      قسم خاص بتبديل الملابس.

–                      المرقد.

–                      المراحيض.

وتقدر الطاقة الاستيعابية للروضة عند الافتتاح 120 طفل منها 60 في الحضانة و120 في الروضة , لكن السعة الحالية 300 طفل مقسمين إلى:

* الحضانةCRECHE :

–                      الأطفال من سن 03 أشهر – إلى عامين.

–                      الأطفال من سن عامين فما فوق .

–                      الأطفال من سن 03 سنوات يعانون من تأخر حسي حركي.

* بالنسبة لروضة الأطفال: JARDIN D’ENFENTS

– تضم الأطفال من سن 03 سنوات – 05 سنوات مقسمين على 06 أفواج.

حيث نجد كل قاعة تحوي من 35- 40 طفل تحت إشراف مربية متخصصة و03 مربيات مساعدات .حيث تقدم لهم نشاطات مختلفة : أناشيد , حفظ القرآن الكريم, الأدعية, لعب حر, الرسم, ثم يقدم الغذاء ثم القيلولة.

وللروضة نشاطات مختلفة كالمشاركة في المناسبات المختلفة كالعيد العالمي للطفولة , عيد الطفل الإفريقي 06 جوان , وحفل نهاية السنة, كما تعقد الروضة كذلك اجتماعين على الأقل في السنة مع أولياء الأطفال لمناقشة مواضيع مختلفة خاصة بأطفالهم حول النشاطات المقدمة لهم في الروضة و إعطاء آرائهم واقتراحاتهم وتغلق أبوابها في نهاية الموسم الاجتماعي.

3- منهج الدراسة : تم اعتماد منهج دراسة الحالة ، حيث اعتمدنا من خلاله على تسليط الضوء على العينة المبحوثة عن طريق الملاحظة الدقيقة ، ومن ثم إجراء مقابلة مع الفئة المبحوثة ، ثم إجراء استبيان خاص بالمربية آخر خاص بالأم لمعرفة نظرتهم وسلوكات الفئة المبحوثة المكونة من 06 أطفال كما أشرنا سابقا.

4-أدوات جمع البيانات: إن قيمة البحث العلمي تتحدد في عملية جمع المعلومات فبقدر ما يمكن الاستعانة بمجموعة من الأدوات والمناهج بقدر ما يمكن أن نتوصل إلى نتائج موضوعية ودقيقة.

4-1- الملاحظة:

وقد كانت لنا العديد من الملاحظات عند نزولنا لميدان الدراسة سواء كان ذلك في خضم المقابلات التي أجريناها أو نقوم بملاحظاتهم عن بعد وتسجل سلوكا تهم على شيكة الملاحظة ونلاحظ مدى تكرار كل سلوك .وتحتوي هذه الشيكة من 31 بند .من 1- 20 بند من تصميم مصطفى باشن ( رسالة ماجستير 1989) وقد أصفتا عددا من البنود وكان هذا انطلاقا من ملاحظاتنا وعددها من 21- 31 بند .غير أن الشيكة الأصلية كان عدد تكرار السلوك حسب عدد أيام الأسبوع من السبت إلى الخميس غير أننا قمنا بإقصاء ترتيب الأيام وذلك لاعتبارات الوقت حيث حاولنا ملاحظة السلوك العدواني لمدة شهر، بمعدل حصة في الأسبوع صباحا

4-2- المقابلة:

ومن أجل جمع بيانات ومعلومات عن الحالة والتوسع فيما هو موجود قمنا بإجراء مقابلات مع كل طفل بأخذه جانبا واعطائه ورقة وقلم رصاص ومجموعة من الألوان ونطلب منه أن يرسم لنا شيء  يرغب في رسمه وذلك لكسب ثقة الطفل وأثناء الرسم نطرح أسئلة مختلفة خاصة بالموضوع والمحددة سابقا, فيقوم بالإجابة بعدنا نسجل كل ما قاله لنا.

4-3- الاستمارة:

قمنا بتوزيع استمارتين واحدة للمربية والثانية للأم. إذ بواسطتها يتم مساعدتنا على جمع معلومات جديدة ومستمدة مباشرة من مصدر ومن واقع الطفل المعاش , وقد تمت صياغة الأسئلة انطلاقا من مشكلة الدراسة والأهداف التي ترمي إلى تحقيقها .

واحتوت استمارة المربية على أسئلة تخص سلوكات الطفل داخل الروضة وخصصت للمربية لأنها الأقرب منه وأكثر معرفة للطفل , وتحتوي على 27 بند.

–       أما استمارة الأم فاحتوت على ثلاث محاور أساسية أي على 50 بند , حيث خصص المحور الأول للبيانات الشخصية للطفل وحالة الأب والأم والحور الثاني عن سلوكات الطفل داخل البيت , أما المحور الثالث يتعلق بأنواع السلوك الصادر من ألام عندما تلتقي بطفلها عند عودته من الروضة سلوكات الطفل اتجاهها وسلوكا ته أثناء الانفصال عنها.

5-   النتيجة العامة للدراسة:

من خلال النتائج المتوصل إليها تبين لنا أن لعمل المرأة المتواصل له تأثير على سلوكات الأبناء, وخاصة على الجانب الانفعالي وبالتحديد السلوك العدواني , فقد اشترك جميع أفراد العينة في نفس السلوكات العدوانية  سواء كانت هذه السلوكات متجهة نحو الآخرين من سب وشتم وضرب ودفع وغيرها, أو سلوكات عدوانية متجهة نحو الذات من قظم الأظافر الذي يمثل أهم سلوك عدواني بحيث يمثل تفريغا للطاقة الزائدة عند الطفل  أو من امتناع عن الطعام , كذلك يمتازون بالغضب ….الخ.

ومن خلال ما سبق ذكره ،تبين أيضا  إلى أن العدوانية لدى الأطفال في سن ما قبل التمدرس ترتبط بعدة متغيرات ، منها ثقافة الأسرة والعلاقات الوالدية داخل هذه الأسرة وبين الطفل وأحد الوالدين ، كذلك الشعور بعدم الأمان وعدم الثقة أو الشعور بالنبذ أو الإهانة أو التوبيخ ، الشعور بالغضب ، وتعلم العدوان عن طريق النموذج ، ثم الغيرة والشعور بالنقص ، كلها عوامل مكتسبة يساهم في تنميتها الوسط الأسري ومجموعة الأصدقاء داخل الروجة أو خارجها ، لكنها تبقى في مستويات مقبولة ، طالما لم تخرج عن الإطار الذي نتلقى من خلاله صعوبات ،تتمثل في الكراهية أو الشعور بالحزن ، أو التحطيم أو إيذاء الآخرين .

كما أن التجارب أثبتت أن 70% من الكبار الذين كانوا عدوانيين في طفولتهم لم يصبحوا كذلك فيما بعد ، مما يؤكد أن هذه المشكلة إذا لم تكن خطيرة في الطفولة لن تكون كذلك فيما بعد .

ولكن تبقى لنا نسبة 30% مازالوا عدوانيين منذ طفولتهم وحتى رشدهم .(1)


الــخاتـــــمة

تعتبر هذه المداخلة وجهة نظر , حول موضوع العنف في أطواره الأولى  , ذلك أن المشكلة يعاني منها المجتمع قبل المدرسة , إلا أن وصولها وبقوة إلى الوسط الطفولي  , جعل حالة الاستنفار هذه , لأن دور الأم دور عاطفي تربوي وتعليمي أيضا , وهو بطبيعة الحال دور اجتماعي أيضا ، خاصة إذا علمنا أن هذه الأم هي أيضا زوجة في أسرة مشكلة من زوج وزوجة وأولاد ، هم لبنة بناء المجتمع.

وإذا كان الدراسات النفسية تركز  على أمور دقيقة مثل الدور العاطفي وعلاقته بالعدوانية وما إلى ذلك من الأسباب النفسية ، إلا أن الشيئ الأكيد أن اضطراب توزيع الأدوار بين الذكر والأنثى ، بين الزوج والزوجة  بين الأطفال والآباء ، بين الآباء والأطفال ، لعب دورا هاما في بداية تشتت وتشرذم الأسر وبالتالي المجتمعات ، خاصة تلك التي كانت تبنى على علاقات أسرية معينة ، معظمها مستمدة من نواميس إلهية لا تخطئ أبدا ، هذه النواميس أيضا حددت الأدوار على أحسن ما يرام ، وما اختلال توزيع هذه الأدوار والابتعاد عن الأخذ بالنواميس الإلهية إلا مؤشرا من مؤشرات الانحراف ، الذي يأخذ عدة أبعاد وعدة صور منها العنف عند فئة الأطفال الصغار ، وبقدر ما يمارسون عملية العنف بشتى أنواعه ، فإنهم بالمقابل ضحية عمليات عنف خطيرة ومؤسفة حتى في مثل سن الطفولة المبكرة .

الهوامــش

)  .دبلة عبد العالي ,. جابر نصر الدين : العنف والمجتمع, ( مداخل معرفية متعددة ), دار الهدى للطباعة والنشر,  الجزائر 2004 ص300.

(2)  . جليل وديع شكور : العنف والجريمة , ط1 , الدار العربية للعلوم , بيروت , 1997, ص31.

(4) د أميمة منير جادو : العنف المدرسي, دار السحاب للنشر والتوزيع, ط1 2005 ص 5-6.

3) د. بورون وف.بوريكو, ترجمة: د. سليم حداد: المعجم النقدي لعلم الاجتماع, ط1 , المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع, 1986,ص400-401.

(5)زكريا الشربيني: المشكلات النفسية عند الأطفال، ط1، دار الفكر العربي ،القاهرة ،1994،ص19.

(1) حامد عبد السلام زهران: علم نفس التمو ،الطفولة والمراهقة،ط5،عالم الكتب ،القاهرة،1995،ص191.

(2) سميرة محمد شند: دراسات معاصرة في سيكولوجيا الطفولة،مكتبة الزهراء،القاهرة ،2000،ص19

(3)  بدرية محمد العربي : أثر الحرمان من الوالدين على شخصية الطفل ، مذكرة تخرج لنيل شهادة الماجستير ،جامعة الجزائر،1994،ص13

(4) علي أسعد وطفة: في أصل العدوانية الإنسانية, مكتبة الطالب الجامعي,ط1 2004ص28.

(1) د.علي أسعد وطفة: مرجع سابق ،ص52.

(1)  غريب محمد سيد أحمد ، سامية محمد جابر: علم اجتماع السلوك الانحرافي، دار المعرفة الجامعية ، 2005،ص39-40.

(2)  د. أميمة منير جادو: المرجع السابق, ص 5-6

(1) سيد محمود الطواب: النمو الانساني ،أسسه وتطبيقاته،دار المعرفة الجامعية، 1998, ص283

(2) حامد عبد السلام زهران،مرجع سابق،ص217.

(3) سيد محمود الطواب, مرجع سابق, ص253

(1) مواهب إبراهيم عواد:نمو وتنشئة الطفل من الميلاد حتى السادسة،ط2،منشأة المعارف، 2000, ص347.

(2) فيكتور سمير نوف ، ترجمة : فؤاد شاهين: التحليل النفسي للولد ،المؤسسة الجامعية للدراسات، 1980, ص164

(3) حامد عبد السلام زهران, مرجع سابق, ص298

(1) حامد عبد السلام زهران, مرجع سابق, ص200

(1) ) فؤاد البهي السيد: علم النفس الاجتماعي، دار الكتاب الحديث,القاهرة، دون سنة ,ص 263.

(2)  نفس المرجع ،ص110-111.

(1) نفس المرجع السابق ،ص 128.

(1) عبد المجيد سيد أحمد منصور: سلوك الإنسان بين الجريمة ،العدوان ، الإرهاب، دار الفكر العربي ،2003،ص202.

رأيان حول “البيئة النفسية للطفل وعلاقتها بالعنف”

التعليقات مغلقة.