الانتشارالثقافي Diffusion culturelle

dif_cult

الانتشار الثقافي   Diffusion culturelle

هو انتشار المواد الثقافية من مكان إلى آخر. ويستخدم مصطلح الانتشار على نطاق واسع في علوم الطبيعة، والكيمياء والحياة. كما نصادفه في كتاب تايلور Taylor “الثقافة البدائية” Primitive Culture (الصادر عام 1871).

حيث يشير إلى توزيع الخرافات الروائية Myth . وكان علماء الأثنولوجيا في أواخر القرن التاسع عشر (مثل بواس) يفضلون استخدام مصطلح نشر dissemination على مصطلح الانتشار. غير أن الكلمة الأخيرة عاودت الظهور في مستهل القرن الحالي،وكانت عندئذ فعلاً المفهوم السائد في الأثنولوجيا حتى عام 1925، حيث أصبح مفهوم الوظيفة هو المفهوم الأساسي.

وتؤكد بعض التعريفات الحديثة للانتشار على إبراز نتائجه النهائية، على حين تؤكد تعريفات أخرى على دوره كعملية مستمرة. وينتمي إلى الفئة الأولى رأي جاكوبز Jacobs وشتيرن Stern أن الانتشار يعني: “انتشار أحد سمات الثقافة خارج حدود المجتمع المحلي الذي نشأت فيه”. أما هيرسكوفيتس Herskovits فإنه يتخذ موقفًا متطرفاً بعض الشيء، حيث يعرف الانتشار بأنه «دراسة النقل الثقافي الذي أنجز فعلاً». ومن ناحية أخرى يقول لينتون Linton إن الانتشار – أي انتقال العناصر الثقافية من مجتمع إلى آخر – هو «عملية أصبحت الإنسانية قادرة بواسطتها على استقطاب قدرتها الإبداعية». ويفسر تلميذه هوبل الانتشار بأنه:«عملية في ديناميات الثقافة تنتشر فيها العناصر أو المركبات الثقافية من مجتمع لآخر». ونورد فيما يلي بعض التعريفات الأخرى التي تسير في هذا الخط إلى حد ما: فيعرفه “مجلس البحث العلمي” Science Research council بأنه: «نقل المواد الثقافية (الأشياء، أو السمات، أو الأفكار) بين نسقين ثقافيين». ويعرفه وينيك، بأنه:«الوسيلة التي قد ينتشر عن طريقها نظام، أو اختراع أو عنصر مركب ثقافي إلى مناطق أخرى».

فالانتشار إذن نوع من نقل المواد الثقافية يتم على المستوى الأفقي، أي بين مكانين. فهو لذلك عملية (مستمرة) وحالة قد تمت فعلاً.. ويمكن بناء على هذا أن يحكم عليها من وجهتي نظر مختلفتين. حقيقة أن هناك بعض الباحثين الذين يذهبون إلى القول إنه لا يمكن اعتباره عملية مستمرة. فنجد هيرسيكوفيتس يقول «لو أننا سمينا الأبحاث في النتائج النهائية للتغير الثقافي – عن طريق تحليل توزيع العناصر الثقافية – دراسات انتشارية، لكان علينا أن نسمي البحوث التي تتناول موضوع التغير في أثناء عملية التغير نفسها دراسات التثقف من الخارج». وبالمثل يقرر سيجل أن «الانتشار عبارة عن بيان مجموعة نتائج ديناميات الحياة البشرية، أما التثقف من الخارج فهو عبارة عن مجموعة شروط يجب علينا عن طريقها دراسة العمليات التي قد تتمثل في تلك النتائج». ومن ناحية أخرى يعرف كروبر الانتشار بأنه جزء من عملية التثقيف من الخارج، فيقول: «ليس الانتشار إلا ما يحدث لعناصر الثقافة أو أجزائها، أما التثقيف من الخارج فهو ما يحدث للثقافات». وهذا نفسه هو رأي جينسنج Gjessing، وما نأخذ به هنا أيضًا.

وهناك نوعان رئيسيان من الانتشار: – الأول هو ذلك الذي يرجع إلى الهجرة والآخر الناتج عن الاستعارة. ويرتبط النوع الأول عادة بانتشار وحدات ثقافية كبيرة. وينطوي على حركات شعوب بأكملها أو مجموعات كبيرة من السكان. وقد تعرضت مدرسة الدائرة الثقافية Kultukreis على وجه الخصوص لهذا النوع من الانتشار. أما الاستعارة فتشير هنا إلى نقل وحدات بسيطة دون حدوث حركات شعبية (شعوب).

وقد درس هذا النوع من الانتشار دراسة مستفيضة على سبيل المثال في الأثنولوجيا الأوربية العامة والإقليمية وفي الفولكلور. واقترح عالم الآثار البريطاني هوكس Hawkes تسمية حالات الانتشار عن طريق الهجرة “الانتشار الأولي” Primary، وتسمية حالات الانتشار بدون هجرة “الانتشار الثانوي” secondary. غير أن أحد زملائه – وهو ماكهوايت MacWhite – قد وجه اعتراضًا مؤداه أن: «أي شكل من أشكال الانتشار ينطوي على هجرة من نوع أو آخر»، سواء كان ذلك عن طريق تاجر زائر أو أسير. ومهما يكن من شأن فلا زالت الأقطاب المتطرفة قائمة وستظل في النهاية مبعث التمييز بين النوعين.

والعملية واحدة في كلتا الحالتين. وتميز مرجريت هودجن M. Hodgen بين ثلاثة أطوار: الأول: هو أن يُعرض العنصر الثقافي فترة من الوقت قبل تقبله؛ والثاني أن يستقر في بيئته الثقافية الجديدة، والثالث أن ينتشر بعد ذلك. ويقول رالف لينتون إن «الانتشار يتضمن في الواقع ثلاث عمليات متميزة: تقديم العنصر أو العناصر الثقافية الجديدة إلى المجتمع، ثم قبول المجتمع (لهذه العناصر) وأخيرًا تكامل العنصر أو العناصر المقبولة مع الثقافة القائمة». ويمكن بصفة عامة وصف عملية الانتشار بأنها تتضمن ثلاث خطوات:

هناك تقييم للوحدة الجديدة من جانب الثقافة المستقبلة. ويتم الاختيار على أساس نسق القيمة الموجود.

أما أن ترفض الوحدة الجديدة أو تقبل.

في حالة القبول، تنتشر الوحدة الجديدة في نفس الوقت الذي تعدل فيه أو تحول. ويدل هذا التعديل على شكلها وأهميتها ووظيفتها

وقد تعرض جريبنر Graebner وشميدت Schmidt وسابير Sapir لمناقشة التغيرات التي يحدثها ، ويتم تسجيلها عادة بواسطة الخرائط. ولقد تم في ميدان الأثنولوجيا الأوربية الإقليمية وحدها إخراج عدة أطالس شاملة (انظر في قائمة المراجع مؤلف إريكسون 1955 أ) ويمكننا أن نشير في هذا الصدد إلى تعليقات إريكسون على الأعمال الأطلسية الجارية. وبمجرد انتهاء الأطالس القومية العديدة –التي يجرى العمل فيها حاليًّا – سيتضح أن النقد الموجه إلى الدراسات الانتشارية لا يقوم على أساس. ذلك أن جميع الدراسات التوزيعية السابقة كانت جزئية، وتمهيدية، على حين يمكن أن تمدنا الأطالس – إذا ما أحسن التنسيق بينها والمقارنة – بمواد قادرة على توضيح خصائص المناطق والجماعات الثقافية المختلفة.

إلا أنه يبقى أمامنا بالطبع – برغم كل شيء – السؤال الهام الخاص بالمقابلة بين الانتشار والنمو المتوازي (ونلاحظ هنا أن التناقض المزعوم بين الانتشار والتطور ليس حقيقيًّا،). ولقد استخدمت معايير القرب والكم والكيف لحل مشكلات الحالات الفعلية، إلا أن نطاق عدم اليقين كثيرًا ما يكون واسعًا جدًا. (فيما يختص بالتوزيع المستمر والمتقطع) وقد كان تايلور Tylor أول من وضع واحدًا من المبادئ الشهيرة التي كثيراً ما سيقت في هذا الصدد وهو: كلما كثرت العناصر في داخل المركب، قل احتمال الظهور المستقل لهذه العناصر مترابطة. بالنسبة للمعايير