حقوق المرأة – نظرة موجزة

gendertoa

عندما نقول حقوق المرأة ، هل نقصد حقوقاً طبيعية أم حقوقاً إجتماعية ؟!

هل هناك من حقوق “طبيعية” خاصة للمرأة دوناً عن الرجل ؟! أم أن كامل الحقوق خاضعة لناموس التغير ؟ خاضعة للعقد الإجتماعي ؟!

هي حقوق أنثوية كونها أنثى ! أم أن هناك حقوقاً طبيعية “إنسانية” خارج عالم الجندر !

البحث والنظر يظهر أن ليس هناك حقوقاً طبيعة للمرأة إلا في كونها إنسان ! ليس هناك من حقوق طبيعية جندرية !

أما عن الحقوق الإجتماعية – فهذا مدار بحث ! مدار بحث لأنه متغير عبر الزمن ، وعبر الثقافات ، ليس هناك من ثبات فيه .

المقاربة التطورية (Evolutionary) تجيز لنا تأكيد عمل المرأة داخل الكهف/المنزل والرجل خارجه ! بيار كلاستر (Pierre Clastres) أطلق عليها مصطلح القوس/السلة !

لكنها خاصية تطورية  – هذا يعني متبدلة ، ليست ثابتة إلا بدوام الحال ، ودوام الحال (كما يقولون) من المحال !

التطورية تقدم لنا أساساً للإنطلاق فقط ، دون أن تحوي فهماً لكامل التداعيات والعوامل الثقافية والإجتماعية .

المسألة التي أحاول توضيحها ، أنه ليس هناك من حتمية جندرية في تقسيم العمل بين الرجل والمرأة !

ليست مهاماً طبيعية ، أي أصلية لها علاقة بجبلّتها ، وليس المقصود من طبيعية أنها عادية أو هكذا كان وهكذا سيكون !

إذن ، هي ليست طبيعية ، بل إجتماعية ، وعندما نقول إجتماعية نقصد بها أمراً نسبياً مختلفاً عبر متصل الزمكان ، وعبر تنوع الثقافات !

الطرح التطوري الذي ذكرته ، يهدف فقط إلى تقديم نوع من الإجابة عن الأســــباب لهذا التقســيم الجندري غير الحتمي ، لكنه لا يشرح لنا حقيقة ما جرى !

ربما لأنه جسدياً أقوى ، ذهب هو في رحلات صيد جماعية ، مغامرات خارج الكهف يصارع فيها الوحوش ليجلب منها ما يؤكل .

هي أضعف ، وهي من تحمل الأطفال ، دفعهما ذلك – لحماية النسل – إلى بقائها داخل الكهف ، فتجمع ما يؤكل من حوله !

لكن ، هذه القوة الجسدية هل هي من أصل جبلّتهم ؟! أم أنها محفورة ضمن البنية الإجتماعية ؟!

هذا أمر يبقى مجال نقاش …

قلت أنها ليست حتمية جندرية في تقسيم العمل … اليوم !

فهو يعمل خارج المنزل كما هي ، ويمكنهما أن يعملا داخله !

طبيعة الحياة العصرية ، أبعدت الوحوش التي تتطلب مهارة وحيدة (القوة الجسدية) وإستبدلتها بمهارات لا ترتبط بالجندر !

لماذا ليست حتمية ؟

يكفي أن نُظهر إختلافها عبر متصل الزمكان ، لكي تسقط حتميتها ! فالحتمية تتطلب الإطلاق !

هل نعيش على هدي حتمية ؟!  أكانت هكذا دائماً ؟ ألم تختلف من عصر إلى عصر ؟!

وماذا عن عصرنا الحالي ؟ أتكون الحالة عامة ؟ هي وهو في نقاشهما حول واجبات وحقوق كل منهما …!

أمثالنا الشعبية توحي بهكذا تقسيم : أبو عامر بزق وإم عامر بترق ! [هو يحمل لها الحطب ، وهي تخبز]

لكنه خاص بظرف تاريخي ، سنناقشه بعد قليل .

لقد أخذنا حالة خاصة بين شريكين (كيف ومتى ولماذا يساعدا بعضهما داخل وخارج المنزل) ، وأحلناها إلى المجال العام ، فكثر فيها الكلام ، وضاع الأصل !

قد يقول قائل أن نسبة من يساعد زوجته في عمل المنزل أقل ، وهي نسبة متدنية حول العالم . ألا يثبت هذا أمراً ؟!

بالطبع ، يثبت أنها خاصية ثقافية ، إرتبطت بأحوال وظروف وقيم وتطور تقاني !

في بلادنا ، كان تحضير الخبز يأخذ نهاراً … لا تقدر المرأة أن تكون خارج المنزل وداخله ، وإلا ماتت الأسرة من الجوع ! وكان غسل الملابس يأخذ نهاراً وهلم جراً على مدار الأسبوع !

القبول بفكرة الأفران ، القبول بفكرة أن نشتري الخبز ، والقبول بفكرة وجود غسالة كهربائية ، وثلاجة ، وغيره ، قدّم للمرأة وقتاً إضافياً ، وافراً أحياناً ..

كما أن تغيّر القوانين في البلاد ، وتوسّع الوظائف الرسمية ، سمح للمرأة أن تخرج إلى ميدان عملٍ خارج المنزل . ليست بحاجة لأن تخبز طوال النهار ، فالفرن تكفّل بهذا الأمر . والغسيل ، يأخذ من وقتها دقائق لوضعه في الغسالة التي تقوم بباقي المهمة . يمكنها أن تكون خارج المنزل ، دون أن يؤثر ذلك على سير الحياة داخله !

هذا جعل بعض الرجال ، يرتاح لفكرة أن تعمل النساء ! حتى أضحى المعيار أنها تعمل لا العكس ، وأضحت بعض النساء يخجلن من عبارة “ربة منزل” وكأنها موازية لمن لم تتعلم !

وهذا يؤكد أن التقسيم الحتمي غير صحيح … وإلا لكان بقي الحال على ما هو عليه …

في الخارج ، هناك حملات إعلامية حول أهمية أن تبقى المرأة في المنزل لرعاية الأطفال ، مدفوعة الأجر من قبل الدولة طبعاً ! وفي بعض الدول يطلب منهما أن يختارا من سيبقى في المنزل هو أم هي …

وهذا يؤكد أن الحتمية أضحت نسبية ، حيث توقف النقاش (هناك) عن دور كل من الأم والأب البيولوجيين ، وأضحى الإهتمام حول من يربّي (بالمعنى الشامل لمفهوم التربية والرعاية) ، وأصبح يطلق عليه تعبير “الشخص الذي يوفر الرعاية” (caregiver) !

إذ ليس بالضرورة أن يكون هناك أفضلية لدور أحد منهما على الآخر ، أو نقاش حول من يقدّم أكثر لأسرته ! هذه عقلية لا تؤسس لشراكة في مؤسسة الزواج ! بل تقدم الأسس لفرار سريع طالما رجحت كفة أحدهما !

مؤسسة الزواج هي بحر أمواجه عاتية ، وأحياناً هادئة ، والدخول فيه على أساس الحب فقط ، لم يعد مجدياً (ولا أعلم إن كان مجدياً أساساً عبر التاريخ) فالحب ضمن الزواج ، هو مجرد ميكانيزم “تشحيمي” لمفاصل الزواج عندما يكون الإحتكاك شديداً ، فيخفّف من حدّته !

هناك الكثير الكثير من التفاصيل اليومية التي تستغرق الزوجين ، والتي يمكن لها أن تؤســـس إســــتمرارية أو تؤدي إلى فراق !

إعتبار الزواج منتهياً ومنجزاً فور الإتفاق المبدئي حول القضايا الكبرى ، هو بداية خاطئة جداً ، إذ هذا يضع حجر الأساس فقط لا غير . لكن بناء هذه المؤسسة يتطلب العمل اليومي والمستمر ، منذ لحظة الإنتقال إلى بيت الزوجية وحتى حضور هادم الملذات ومفرق الجماعات !

ما أريد تأكيده هو التالي : نحن نختار ، نختار زوجنا/زوجتنا ، نختار كيف نعيش حياتنا ، بمعزل عن “الظروف والتقاليد والمحيط” ! نحن نختار … وإذا أعطينا أُذُناً للثــلاثــي الســابق ، فهذا يعني أن الشــيطان حقاً سـيكمن في التفاصيل …




ملاحظة : نشرتها مسبقاً على مدونتي على هذا الرابط .

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.