تكوين الهوية الرقمية للشباب الجزائري – مقاربة سوسيولوجية لاستخدام شبكات التواصل الإجتماعي [1 من 4]

digitalidentity_0

بقلم: د.ساسي سفيان

المقدمة

يشكل الاستخدام الاجتماعي لشبكات التواصل الاجتماعي حقلا معرفيا مميزا قائما بذاته، ذي بعد نظري ومنهجي يهتم بالأساس بتوصيف طبيعة العلاقة التي تجمع بين “الإنسان” المستخدم والأداة الاتصالية الجديدة، وهو مفهوم يقابله مفاهيم ناشئة “التثقيف التواصلي، التواصل الافتراضي، المجتمعات الافتراضية، الهويات الافتراضية، …” وغيرها من المفاهيم والمصطلحات التي تستدعي منا الكثير من النظر والتدقيق ثم التفهم والتمحيص .

وأنطلق هما من مقاربة كاترين ديستلر(Katerina Distler)، التي ترى أنه ليست في المظهر التقني للآلة إنما هي في قواعد استعمالها وفي إرادة الفاعلين على إدارة مشروع مشترك، أي أن مهمتنا-كما تقول- هي البحث فيما إذا كان هنالك إلى جانب هذه المنشات التكنولوجية التي نملك، ثقافة تدرك قواعد استعمالها وإرادة قادرة على التحكم في إدارة هذه التكنولوجيا .

الإشكالية

إن ظهور مواقع التواصل الإجتماعي[1] ، وفرت “فتحاً تاريخياً” نقل طرق الاتصال إلى آفاق غير مسبوقة وأعطى مستخدميه فرصاً كبرى للتأثير والانتقال عبر الحدود بلا رقابة إلا بشكل نسبي محدود، وإنذار لمنافسة وسائل الاتصال التقليدية.

استخدم الشباب الجزائري في بداية الأمر مواقع التواصل الاجتماعي للدردشة ولتفريغ الشحن العاطفية، ولكن يبدو أن موجة من النضج سرت، وأصبحوا الآن من خلالها يتبادلون وجهات النظر، من أجل المطالبة بتحسين أوضاعهم السياسية، الاجتماعية والاقتصادية ومن هنا تشكلت حركات الرفض الشبابية التي انتظمت عبر العديد من مناطق الوطن، وانتشرت تلك الأفكار الرافضة للسياسات والوضع الاجتماعي بسهولة عبر شبكات التواصل الاجتماعي في الدول العربية.

كما أن استخدام شخصيات عامة في الجزائر هذه الوسائل الجديدة واقتطعوا وقتاً معيناً من الأنشطة الأخرى لصالحها، لإيمانهم بأنها البوابة الحقيقة والجادة للتواصل وسماع الشباب والمواطنين، وبهذا تغير المشهد الإعلامي بشكل واضح للعيان في الجزائر.

ولهذا تثير علاقة مواقع التواصل الاجتماعي بتكوين الهوية الرقمية للشباب الجزائري إشكاليات عدة، لا يمكن اختزالها في الأبعاد التقنية المستحدثة في مجال البث والتلقي، إذ تجعلها عاملاً محدداً للتحولات الثقافية وتستبعد أنماط التواصل الجديدة، ولهذا سيعتمد بحثنا على المفاهيم النظرية القادرة على تحليل الإشكال الإمبيريقي لمواقع التواصل الاجتماعي، بالاعتماد على نماذج الاتصال، لفهم الظاهرة كحقل تتفاعل فيه التقنية والتواصل كعملية اجتماعية معقدة، وأيضا من منطلق مقاربة خصوصيته كممارسة تكنولوجية، أفرزتها الوسائط التواصلية الجديدة التي تعمل داخل بيئة تواصلية متغيرة تسهم في تشكيلها تقنيات المعلومات والاتصال، وتستعرض الدراسة مجموعة من التعريفات، بحث معمق، في تكوين الهوية الرقمية للشباب الجزائري، من خلال مقاربة سوسيولوجية لاستخدام شبكات التواصل الاجتماعي في الجزائر، ايجابيتها، سلبياتها، اهتماماتها، وتوجهاتها.

أولا. المدخل المفاهيمي والنظري

لا تمثل مواقع التواصل الاجتماعي العامل الأساس للتغيير في المجتمع، لكنها أصبحت عامل مهم في تهيئة متطلبات التغيير عن طريق تكوين الوعي، في نظرة الإنسان إلى مجتمعه والعالم، فالمضمون الذي تتوجّه به عبر رسائل إخبارية أو ثقافية أو ترفيهية أو غيرها، لا يؤدي بالضرورة إلى إدراك الحقيقة فقط، بل انه يسهم في تكوين الحقيقة، وحل إشكالاتها.

  1. رؤية في المفاهيم

1-1 شبكة التواصل الاجتماعي:

ازداد الاهتمام الأكاديمي بقضايا الشبكات الاجتماعية والمجتمع الافتراضي منذ أن شكل الإنترنت فضاءه المعلوماتي ونجاحه في تأسيس جماعاته الافتراضية، وعبوره الى الملايين بصورة ملفته للانتباه، فلقد أصبح الإنترنت بتفاعلاته جزء من الحياة اليومية للعديد من البشر، ولم يعد مصطلح المجتمع الافتراضي من المفاهيم التي تستوقف الانتباه عند سماعه إذ أصبح ذو عمومية وانتشار ليس على المستوي والتحليلات العلمية ولكن أصبح مفهوم متداول عن العديد من المستخدمين لشبكة الإنترنت، ويرجع ظهور المفهوم إلى هاوارد رينجولد  Rheingold 1993في كتابه المجتمع الافتراضي virtual community والذي عرّف المجتمع الافتراضي على أنه تجمعات اجتماعية تشكلت من أماكن متفرقة في أنحاء العالم يتقاربون ويتواصلون فيما بينهم عبر شاشات الكمبيوتر والبريد الإلكتروني يتبادلون المعارف فيما بينهم ويكونون صداقات يجمع بين هؤلاء الأفراد اهتمام مشترك ويحدث بينهم ما يحدث في عالم الواقع من تفاعلات ولكن ليس عن قرب، وتتم هذه التفاعلات عن طريق آلية اتصالية هي الإنترنت الذي بدوره ساهم في حركات التشكل الافتراضية.

وتعتبر شبكات التواصل الاجتماعي فايس بوك Facebook، توتير Twitter، جوجل+ Google+ ، ماي سبيس MySpace، هاي فايف 5Hi، لايف بوون Lifeboon، لينكد إن  LinkedIn وغيرها من أشهر المواقع التي تقدم خدمات للمستخدمين.

ويشكل المجتمع الافتراضي مجال نمو الشبكات الاجتماعية، ويشكل الفضاء المعلوماتي(Cyber Space) الحيز والإطار الذي تتم في سياقاته تجميع خيوط الشبكات الاجتماعية فقد عرفه نبيل علي أنه ” فضاء جديد تقطنه الجماعات تمارس فيه الصفقات وتقام فيه المؤسسات والمتاحف والمعارف ومنافذ البيع تعقد فيه التحالفات وتحاك فيه المؤتمرات تنقل فيه المعلومات بسرعة فائقة ورغم محاكاته لفضاء الواقع إلا أنه يختلف في طبوغرافيته وطبيعته وقوانينه وأعرافه عن فضاء الواقع فليس هناك سلطة مركزية تحكمه أو جهة رقابية تراجعه بل مجرد لجان أو مجموعات غير حكومية”[2]، كما عرفه أحمد زايد،[3] بأنه العالم الفضائي غير المرئي وغير المرتبط بمكان وزمان والذي تتداول داخله المعلومات الإلكترونية.

إن هناك إعادة تشكل لقضايا المجتمع والسياسة على نحو افتراضي، فلقد نجح الإنترنت في تسهيل التفاعلات الاجتماعية ليس على مستوي الإفادة فحسب ولكن على مستوي الشبكات الاجتماعية، فلقد عرف السون وبويد Boyd/Ellson الشبكات الاجتماعية على أنها ” مواقع تتشكل من خلال الإنترنت تسمح للأفراد بتقديم لمحة عن حياتهم العامة، وإتاحة الفرصة للاتصال بقائمة المسجلين، والتعبير عن وجهة نظر الأفراد أو المجموعات من خلال عملية الاتصال، تختلف طبيعة التواصل من موقع لآخر”[4]، ولقد عرفت الشبكات الاجتماعية على أنها مجموعة من المواقع على شبكة الإنترنت ظهرت مع الجيل الثاني للويبweb 2.0  تتيح التواصل بين الأفراد في بنية مجتمع افتراضي يجمع بين أفرادها اهتمام مشترك أو شبة انتماء ( بلد – مدرسة – جامعة – شركة …الخ)، يتم التواصل بينهم من خلال الرسائل أو الاطلاع على الملفات الشخصية، ومعرفة أخبارهم ومعلوماتهم التي يتيحونها للعرض، وهي وسيلة فعالة للتواصل الاجتماعي بين الأفراد سواء كانوا أصدقاء نعرفهم في الواقع أو أصدقاء عرفتهم من خلال السياقات الافتراضية، ولقد أوجز سويت Swite سنة 2009 مفهوم الشبكات الاجتماعية في أنها “منظمة عصرانية غيرت في أسلوب الحياة من حيث الأسلوب والإدارة والممارسة”.[5]

وتشترك الشبكات الاجتماعية في خصائص أساسية بينما تتمايز بعضها عن الأخرى بمميزات تفرضها طبيعة الشبكة ومستخدميها، ومن أبرز تلك الخصائص :

  • الملفات الشخصية / الصفحات الشخصية (de Profile Page) : ومن خلال الملفات الشخصية يمكنك التعرف على اسم الشخص ومعرفة المعلومات الأساسية عنه مثل : الجنس، تاريخ الميلاد، البلد، الاهتمامات والصورة الشخصية بالإضافة إلى غيرها من المعلومات.
  • الأصدقاء Amis/ العلاقات relations : وهم بمثابة الأشخاص الذين يتعرف عليهم الشخص لغرض معين، الشبكات الاجتماعية تُطلق مسمى ” صديق ” على هذا الشخص المضاف لقائمة أصدقائك بينما تطلق بعض مواقع الشبكات الاجتماعية الخاصة بالمحترفين مسمى ” اتصال أو علاقة ” على هذا الشخص المضاف لقائمتك.
  • إرسال الرسائل: وتتيح هذه الخاصية إمكانية إرسال رسالة مباشرة للشخص، سواء كان في قائمة الأصدقاء لديك أو لم يكن.
  • ألبومات الصور: تتيح الشبكات الاجتماعية لمستخدميها إنشاء عدد لا نهائي من الألبومات ورفع مئات الصور فيها وإتاحة مشاركة هذه الصور مع الأصدقاء للاطلاع والتعليق حولها.
  • المجموعات: تتيح كثير من مواقع الشبكات الاجتماعية خاصية إنشاء مجموعة اهتمام، حيث يمكنك إنشاء مجموعة بمسمى معين وأهداف محددة ويوفر موقع الشبكة الاجتماعية لمالك المجموعة والمنضمين إليها مساحة أشبه ما تكون بمنتدى حوار مصغر وألبوم صور مصغر كما تتيح خاصية تنسيق الاجتماعات عن طريق ما يعرف بـ ايفنتس Events أو الأحداث ودعوة أعضاء تلك المجموعة له ومعرفة عدد الحاضرين من عدد غير الحاضرين.
  • الصفحات : تقوم فكرة الصفحات على إنشاء صفحة يتم فيها وضع معلومات عن المنتج أو الشخصية أو الحدث ويقوم المستخدمين بعد ذلك بتصفح تلك الصفحات عن طريق تقسيمات محددة ثم إن وجدوا اهتماما ً بتلك الصفحة يقومون بإضافتها إلى ملفهم الشخصي، هذا وتظهر الإحصاءات العالمية تزايد الإقبال على استخدام شبكات التواصل الاجتماعي في جميع أرجاء العالم والمنطقة اذ احتل الأردن المرتبة السابعة عربياً والمرتبة 60 عالمياً وذلك بعد ان سجلت قاعدة اشتراكات الفايس بوك في المملكة 1.9 مليون اشتراك، فيما تظهر أرقام رسمية محلية أن إجمالي عدد مستخدمي الانترنت في الأردن تجاوز مؤخراً 2.7 مليون مستخدم.

 وما تزال “الولايات المتحدة” تتبوأ مركز الصدارة بين دول العالم بأعلى قاعدة اشتراكات للفايس بوك بحوالي 156 مليون اشتراك، يليها اندونيسيا بفارق شاسع وبحوالي 40.8 مليون اشتراك، ثم الهند احتلت المرتبة الثالثة عالمياً بحوالي 38 مليون اشتراك، فبريطانيا بحوالي 30.5 مليون اشتراك، لتحتل تركيا المرتبة الخامسة بحوالي 30.4 مليون اشتراك.

 وأعلن موقع “فايس بوك” خلال مؤتمر Iv 8 أن عدد مستخدميه حول العالم تجاوز 800 مليون مستخدم، أي أن عدد مستخدميه اليوم يفوق إجمالي عدد مستخدمي الإنترنت حول العالم المسجل في العام 2004 وقت انطلاقة فايس بوك لأول مرة والذي لم يتجاوز آنذاك 75 مليون مستخدم .

واستطاعت شبكات التواصل الاجتماعي مثل “الفايس بوك” وغيرها كـ “توتير” و “لينكد ان” في العالم وفي منطقة الشرق الأوسط على وجه التحديد أن تستقطب اهتماماً وإقبالاً متزايداً في الاشتراك والاستخدام منذ بداية العام الماضي، مع تواصل الأحداث السياسية والشعبية التي اندلعت في تونس، وامتدت بعد ذلك في كل من مصر، اليمن، البحرين، سورية، لما توفره هذه الشبكات من مساحات واسعة للتواصل والتعبير عن الرأي.




[يتبع الأسبوع القادم]




كاتب المقال : د.ساسي سفيان: أستاذ محاضر في قسم العلوم الإجتماعية ، جامعة الشاذلي بن جديد-الطارف، الجزائر، متحصل على شهادة الدكتوراه، تخصص علم الإجتماع الثقافي والتحولات البنيوية، عضو في فرق بحث ومشاريع بحثية عديدة، لديه العديد من المقالات العلمية والمداخلات في ملتقيات وطنية ودولية، مهتم بمواضيع تخص علم الإجتماع الثقافي، الثقافة الشعبية والأنثروبولوجيا.

البريد الإلكتروني : [email protected]




ملاحظة: تم نشر هذه الورقة ضمن فعاليات المؤتمر الرقمي الأول للإنسانيات والعلوم الإجتماعية – والذي صدرت أعماله لاحقاً ضمن كتاب – (يمكن تحميله مجاناً)




الهوامش:

[1] هناك تداخل بين مفهوم مواقع التواصل الاجتماعي والإعلام الجديد، والإعلام البديل، والإعلام الاجتماعي، ومن الممكن إن يحل المفهوم الأول محل الثاني والثاني محل الأول، وهكذا والتفاصيل في ثنايا متن البحث.

[2] نبيل علي، تحديات عصر المعلومات، مكتبة الأسرة، الأعمال العلمية، القاهرة، 2003، ص 254.

[3] أحمد زايد، عولمة الحداثة وتفكيك الثقافات الوطنية، عالم الفكر، مجلد 32، الكويت سبتمبر، 2002، ص16.

[4] عزة مصطفى الكحكي، استخدام الانترنت وعلاقته بالوحدة النفسية وبعض العوامل الشخصية لدى عينة من الجمهور بدولة قطر، أبحاث المؤتمر الدولي، “الإعلام الجديد: تكنولوجيا جديدة… لعالم جديد”، جامعة البحرين، من 7-9 ابريل 2009، ص 19.

[5] بهاء الدين محمد مزيد، الوجوه نموذجا (المجتمعات الافتراضية بديلاً للمجتمعات الواقعية)، جامعة الإمارات العربية المتحدة، 2012، ص 34.

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.