الهوية اللبنانية – مقاربة ذاتية (4 من 5)

ID_001

‌أ. مقدمة
ب. محاولة للتعريف

ج. الهوية اللبنانية – محدّدات

د. الهوية اللبنانية الرقمية

ه . الهوية الجندرية (دراسة حالة) :

ه- 1 : مفهوم الجندر

ه – 2 : مناقشة الطروحات

ه – 3 : صورة ونقاش :

ID_002

وضعت هذه الصورة صفحة مصرية إسمها “رومنسيه وعشق وما بينهما حب”، وهي صفحة تأسست يوم 16 أيلول عام 2013 ، وعدد المعجبين فيها 3450 شخصاً فقط ![1]

الصفحة كإسمها مليئة بعبارات الحب وصور الممثلين الهنود ذكوراً وإناثاً ، مع القليل جداً من البوستات ذات التوجه الديني !

وبعد مرور هذا الوقت على وضع الصورة ، لم يعجب بها سوى سبعة أشخاص! وشاركها خمسة عشر شخصاً حصدوا جميعاً عشر لايكات ! أما التعليقات عليها فكانت ثلاثة !

ه – 3 – أ : السياق الأول :

الصفحة ، وتوجّهها ، وعدد المعجبين فيها ، يثير التساؤل حول مدى التأثير الذي يمكن أن تتركه صورة كهذه ! لكن الإطلاع التفصيلي على الصفحة ، وهو السياق الأول الذي سأنطلق منه ، يشير إلى جملة أمور :

  • عدد المعجبين بكل بوست على حدة وبنظرة وسطية يقترب من خمسة! فأن تحصل الصورة على أعلى من المعدل هذا مؤشر مهم .
  • الصورة هي من البوستات القليلة التي تمت إعادة مشاركتها ! ليس مرة فقط ، بل خمس عشرة مرة ! بما يعنيه هذا من إعادة نشر الصورة على صفحات ليست بالضرورة معجبة بالصفحة التي نشرتها أول مرة !
  • أن تكون صفحة كهذه ، مهتمة بالحب والعشق ، فتنشر صورة كهذه مشغولة بالفوتوشوب ! يثير تساؤلاً حول طبيعة الرومانسية التي تدل عليها وتطلبها ! خاصة مع التعليق المضاف إليها بالعربية “ونعم التربية” ؟! هل هي علاقة أبوية ؟! أم علاقة حب ضمن نظام أبوي ؟!

ه – 3 – ب : السياق الثاني :

السياق الثاني الذي سأتبعه ، هو في البحث التفصيلي عنها عبر “جوجل صور” (Google Images) والذي أوصل إلى النتائج التالية :

  • نُشِرَت هذه الصورة أول مرة ضمن صفحة “9GAG” على جوجل بلاس (G +) ، يوم 11/أيار/2013 ، تحت عنوان “عرّاب الدجاج” (The godfather chicken) ، وقد نالت الصورة 373 إعجاباً (مع إختلاف التسميات بين الفيسبوك والجوجل بلاس)، 43 مشاركة ، و18 تعليقاً بدأت منذ تحميل الصورة وتوقفت بعد أربعة أيام (15/أيار) ! وعبارة “العرّاب” (Godfather) لها علاقة بالمافيا ، فالعرّاب هو رأس الهرم في التنظيم المافيوي ، (وهي أيضاً مستخدمة حال التعميد عندما يحدّد الأهل عراباً لإبنهما/إبنتهما) . وقد أخذت الكلمة شهرتها بعد فيلم “العراب” بأجزائه الثلاثة (الأعوام 1972 ، 1974 ، 1990) والذي أخرجه “فرانسيس فورد كوبولا” (Francis Ford Coppola) ، وفيه يقبّل الجميع يد العراب تعبيراً عن مركزه وسلطته ، وخضوعهم له ! وهذا يرتبط – لا شك – بالبنية البطريركية ، وإن كانت مرذولة (هناك) عند العامة ، بما تثيرة المافيا من محمولات ثقافية عن عالم الإجرام والعنف .
  • نشرها في اليوم التالي موقع ” kulfoto” تحت تصنيف صور مرحة ، وبذات الإسم .
  • بعدها بأيام نشرها موقع ” redvooz” (يوم 20 أيار) ، بذات الإسم أيضاً ، وهو موقع يعرّف عن نفسه أنه “عالم المرح الجديد” .
  • نشرها موقع “جراءة نيوز” الأردني ، يوم 2/تموز/2013 ، تحت عنوان : “هذي نهاية البنت إلي تسلم نفسها للشباب !” ؛ مع تعليقين : واحد لذكر ، والثاني لأنثى ، وإجتمعا على إعتبارها أمراً مضحكاً !

يقدم لنا السياق السابق ، فرصة للمقارنة ، بين ثقافتين ، في مواجهة حدث تفصيلي يطال موضوع الجندر ، فكرة العرّاب – كما سبق وذكرت – وإن كانت كمحمول رمزي أبوي خاص لعالم المافيا ، إلا أنها أضحت ضمن الثقافة تثير الإبتسام . بينما الصفحة الأردنية كما الصفحة المصرية أحالتها إلى أمر أبعد من مجرد صورة لإثارة الإبتسام ، وفي الصفحة الأردنية دفعت العنونة القاسية المعلقيْن للضحك !

لكن هذا القول يحتاج إلى تفكيك “هذي نهاية البنت إلي تسلم نفسها للشباب !” فالدجاجة في هذه الصورة رمز للبنت ، والشاب هو الديك ، الديك ضمن المنظور الشعبي صورة عن الفحولة ، بكثرة سفاده ، كما بتعدّد علاقاته ، دون ملل أو تعب أو ضعف ! وهذا يثير غيظ الذكور وحسدهم !!

الدجاجة في المقابل ، رمز للخضوع ، لتقبّل الضرّة ، للقبول بما يجود به الديك، ويمنع منه ! بتقبّل مركزها وموقعها ضمن ملكيته !

والعبارة أعلاه توحي بأكثر من هذا ، فهي تعني حرفياً أنها بنت سيئة ، خسرت “شرفها” عبر تسليم نفسها “للشباب” ! والعبارة المصرية القديمة شهيرة : شرف البنت زي عود الكبريت …![2] وأمثالنا الشعبية مغرقة أكثر في تأكيد ضعفها ،[3] وعدم قدرتها على تحمل مسؤولية جسدها ، فتحتاج دوماً إلى رقيب ، محرم ، معه هي مصونة ، وبدونه هي معرّضة للوقوع في الخطأ !

عندما تقول العبارة “نهاية” معطوفة على “الشباب” فهذا يعني أنها فقدت عذريتها منذ زمن طويل ، وأن سيرتها قد أصبحت ملوثة ! فهي مضطرة هنا لأن تستر نفسها ! كيف ؟

الصورة تجيب : عليك أن تجدي شاباً – ديكاً بالمعنى السابق – يقبل أن يستر عليك ! وهذا بعد أن تتذللي له ! ولو وصل الأمر لأن تقبّلي نعله !

وتتلقى القارئة هذا بعبارة : «ههههههه صحيح والله 🙂 ^_^ :*» ! ضحكت ، ثم أكدت صحة العبارة ، مع وجه مبتسم [:)] ، وعينان مبتسمتان [^_^] ، وقبلة [:*] !

تأكيدها لصحة العبارة على صورة كهذه ، ليس إلا نتاج ثقافة أبوية ، ترى في البنت عورة ، فالبنت كما تؤكد أمثال هذا السياق الثقافي همّ “همّ البنات للممات” ، والبنت “يا جوازتها ، يا جنازتها” !

أما صفحة الحب المصرية ، فإعتمدت طريقاً مختلفاً ، هي تريد أن تخبرنا أن هذه هي التربية الحقة ، الفتاة تقبّل قدم والدها ! والزوجة قدم زوجها ! هكذا هي التربية الصحيحة التي تستحق التقدير والإعجاب !

ه – 3 – ج : السياق الثالث :

أنا لست معجباً بالصفحة ، لكن الصورة وصلتني عن طريق صديق ، وهذا هو السياق الثالث ، الذي يمكن من خلاله أن نستقرئ التفاصيل لنخرج بخلاصة ليس الهدف منها التعميم ، قدر ما هو محاولة لفهم صورة نعايشها فنفهم علائقها وتداخلاتها .

هذا الصديق ، خارج الفئة الأنشط فيسبوكياً[4] ، وجديد على الفيسبوك (عمره الرقمي سنة) ، وصفحته مليئة بالأقوال والأشعار ! ثم يقوم بمشاركة هذه الصورة !

هل هو نوع من المزاح ؟! لو كان كذلك ، لوضع ما يشير إليه ، كتقديم أو كتعليق ! لكنه لم يفعل !

هل هو الحنين إلى الماضي ؟ وهذا يعني ضمناً القبول بمدلولات الصورة . وهل يشير هذا إلى أن الثقافة مقتصرة على الذكور لا الإناث ؟ وأن الإحترام مطلوب من البنات وحدهن ؟!

كيف يمكن تفسير هذا السلوك ، سوى بأنه تقرير حال لواقع ثقافي يعبّر عنه الرجل دون أدنى توتر أو شك ، فلا يعتبر أن مشاركته لهكذا صورة قد تعني إساءة لأحد !

لو كان أصغر في العمر في بدايات العشرين أو ما دون ، لكنت إعتبرت أن حس الفكاهة هو الباعث الأساس للمشاركة (مع الأخذ بعين الإعتبار للشخص المشارِك) !

وهو قادر أن يعلّق عليها ، كما علّق على غيرها من الصور ، رفضاً وإنكاراً ، لكن ، في عمره ، هي مؤشر عن ثقافة كانت ولا تزال ، ثقافة ذكورية ، تمنح للـ”ديك” صلاحيات ومكانة ، على الدجاجة (بنتاً كانت أو زوجة) أن تخضع وتتقبلها ، بل وتمارس الإحترام الموقر لها !

صورة الصديق نالت خمس لايكات ، واحدة منها فقط ، من امرأة خمسينية ! وأربعة ذكور تترواح أعمارهم من الأربعين حتى التاسعة والخمسين .

وهذا يثير ذات الإنطباع ، أننا نعبّر من خلال منصّات التواصل عن ثقافة ، وفي هذه الحالة ، عن هوية ثقافية ، شدّدت على الجزء الجندري منها ، الذي طغى على غيره ، ربطاً بالحدث والسياق .

كيف يمكن أن أستقرئ من هذا ، الصورة الإنطباعية عن المجتمع ؟

عندما إختار أن يشارك هذا التفصيل ، إختاره لأسباب ، منها طرافته وقد يكون هذا ظاهر الفعل ، لكن الكامن هو التعبير الذاتي عن ثقافة مجتمعه ! هو من خلال هذا الفعل المفرد ، قدّم مؤشراً عن فهمه الخاص لهذه الثقافة . هكذا يرى التربية ، والعلاقة الجندرية . هذا ما نشأ عليه ، فأعاد صياغته ضمن الفضاء الرقمي ! يستخدم التقنية ليعيش عبرها الماضي ! بل هي إعادة إنتاج ، عبر التقنيات المستقبلية ، لعلاقات ماضوية !




[يتبع الأسبوع القادم]




الهوامش :

[1] إلى تموز – 2015

[2] وهي العبارة التي زادها شهرة الممثل والمخرج المصري يوسف وهبي عندما إستخدمها في أفلامه المختلفة .

[3] إن ماتت أختك إنستر عرضك ؛ اللي بتموت بنته من صفاوة نيته ؛ البنت يا تسترها يا تقبرها ؛ بيت البنات خراب ؛ صوت حية ولا صوت بنية ؛ ما أحلى فرحتهن لو ماتوا بساعتهن ؛ البنية بلية ؛ يا مخلفة البنات يا شايلة الهم للممات ؛ أم الولد بخير وأم البنت بويل ؛ طاعة النسوان بتورث الهم ؛ أمّن للحية ولا تأمن للمرا ؛ لا تأمن للنسا لو نزلت من السما ؛ دلع بنتك بتعرّك ودلع إبنك بعزك ؛ عمر النسا تربي عجل ويحرث ؛ بارك الله بالدابة السريعة والمرأة المطيعة ؛ البنت حلقة باب أيّ من كان بيمسكها ؛ بنت الدار عوْرا ؛ البنت مشمشة أي من كان بيهزّها ؛ ما في بنت شريفة إلا بعد محاورة الفحل .

[4] وهي (أي الفئة الأنشط) من العمر 18 إلى 44 (وتقدر نسبتها بـ 78 %) – بينما هو ضمن نسبة 2 % تبعاً لفئته العمرية (عمره 60) .

أنظر :

http://www.socialbakers.com/facebook-statistics/lebanon




ملاحظة :

تم نشر هذه الورقة ضمن فعاليات المؤتمر الرقمي الأول للإنسانيات والعلوم الإجتماعية – والذي صدرت أعماله لاحقاً ضمن كتاب – (يمكن تحميله مجاناً)

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.