أنثربولوجيا التنمية الثقافية في الوطن العربي

diab2

أنثربولوجيا التنمية الثقافية في الوطن العربي

على ضوء الأصالة والمعاصرة

د. عزالدين ذياب

 

توطئة :

سؤال الدراسة عن وجه العلاقة بين علم الإنسان الانثروبولوجيا والتنمية الثقافية في الوطن العربي لا يريد على الإطلاق أن يبحر في تعريف علم الإنسان والتنمية والثقافة فقد مضى فيها القول الاجتماعي والأنثروبولوجي والأدبي حتى باتت هذه العلاقة واضحة وضوح الشمس.

إذا ما القصد من السؤال وما هي غاياته؟

‏أنثروبولوجيا التنمية واحدة من عائلة العلم الأنثروبولوجي، ولها إسهامها الخلاق في مجال التنمية الإنسانية، لأنها انطلقت من معرفة حقيقة بالإنسان، وعلاقته الوثيقة بثقافته، والتأثير المتبادل بينهما.

‏غير ان أنثروبولوجيا التنمية في الوطن العربي انطلقت من رؤية أهمية الإنسان العربي في عملية التنمية. بحيث تبدأ منه وتنتهي به ، لأنه وحده شرط نجاح التنمية ، وأحد أهم مكونات المشروع الحضاري العربي المتمثل أولا وأخيرا بالوحدة العربية ، على اختلاف مستوياتها ونظمها ، ‏والعدالة الاجتماعية والديمقراطية غيرا لمشروطة بشروط تعجيزية تصرفها عن مهامها.

‏وإذ تقترن التنمية بالإنسان العربي وثقافته على ضوء الأصالة والمعاصرة، فإن هذا الاقتران يريد أن يوضح قضايا عدة تأتي في متن الدواسة ، وأبرزها التحديات التي تواجه التنمية ، وفي القلب ‏الإنسان العربي ودوره ومهامه وتطلعاته وغاياته القريبة والبعيدة.

‏وسؤال كهذا يبدأ من أطروحة تقول هل واجب أنثروبولوجيا التنمية في الوطن العربي أن تنطلق من رؤية وجود الماضي في الحاضر. ووجودهما معا في المستقبل لأن الماضي كزمن يتداخل في الحاضر والمستقبل.

‏وهذه الرؤية/الأطروحة تشرع لنفسها على سبيل المثال لا الحصر، إقامة علاقة منهجية بين رماة النبل في معركة بدر، ورماة الحجر في فلسطين. الرمية الأولى شكلت الماضي، والرمية الثانية شكلت الحاضر. وتداخل ماضي الأولى مع حاضر الثانية يقوم على مشتركات ثقافية/إيمانية أقواها حب الوطن والعروبة، وشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا ورسوله، وحمل الرسالة العربية القوية بإنسانية العروبة إلى المجتمعات والشعوب الأخرى في العالم.

‏وبادئ ذي بدء توضح الدواسة قولما في أطروحة التداخل بين الماضي العربي وحاضره. رماة النبل في بدر، ورماة الحجر في فلسطين لا من أجل تقديس الماضي فقط، وإنما هو بمثابة دعوة منهجية للتعامل مع التجربة الاجتماعية على ضوء التداخل والتساند الوظيفي بين ماضيها وحاضرها ومستقبلها ، وما فيها من حركة وإيقاع ونواميس ومعطيات ومؤشرات نابعة من حقائق الأمة العربية الموضوعية والذاتية.

‏والدعوة إلى التعامل مع حقائق الأمة العربية وتجاربها الاجتماعية في سيرورتها المحلية والوطنية والقومية تريد أن تنأى بالدراسة عن الامتثال الآلي للتجربة العربية، وأن تبتعد عن لغو المقارنة بالآخر، لأن فيه مستويات من التضليل.

‏وإذ تذكر الدراسة ببدر فقصدها أن تقول قولا صحيحا في رماة الحجر حيث لو قدر لهم وهم يخوضون معركة تحرير فلسطين بالحجارة ‏مساندة سياسية وكفاحية في وقت واحد، وأخوة تضامنية مقاتلة من قبل أبناء الوطن العربي كله في مشرقه ومغربه لفعلوا الأعاجيب، و لقلبوا المعادلة بين البر والبحر قلبا كاملا، وأعادوا الأمور إلى مجاريها وأنهوا حالة الانكسار.

‏إذا ، للمرة الثانية فإن أطروحة تداخل الماضي بالحاضر والمستقبل، وتواجد المستقبل في الحاضر والماضي تعني الدعوة للتفاعل مع التاريخ العربي في كل قضاياه، وقراءته قراءة معاصرة على ضوء أهمية الوحدة العربية في معركة المستقبل العربي، التي تبدأ من العمل العربي المشترك، والتضامن العربي، والسوق العربية المشتركة، والمجالس العربية، والوحدات الفدرالية البعيدة كل البعد عن المحاور والعصبية الجهوية ..الخ..

‏والتاريخ العربي في كل حالاته ذاكرة و دروس مستفادة وخبرة وعمل ورؤية، ولهذا كله لابد أن يكون لمنطق السياسة حضوره في القول عن أنثروبولوجيا التنمية في الوطن العربي على ضوء الأصالة والمعاصرة.

‏وتبدأ هذه الدراسة مداخلتها في الدعوة للالتحام مع التاريخ العربي في كل قضاياه وأحداثه ودروسه لأنه ذاكرة الشعب العربي في أجياله المتعاقبة ، الواحد تلو الآخر بعيدا عن لغو المقارنة مع الآخر كما أسلفنا، وإنما الاعتماد على التجربة الاجتماعية العربية في ماضيها وحاضرها ومستقبلها وما فيها أيضا من دروس مستفادة.

‏وهذا معناه أن يصبح التعامل مع التاريخ العربي وما فيه من تجارب اجتماعية وثقافية أحد أهم موضوعات الخطاب الاجتماعي العربي، جنبا إلى جنب مع منطق السياسة وحضورها في هذا الخطاب من أجل أن يجيد علماء الاجتماع السرب تحويل كتاباتهم إلى خطاب اجتماعي بكل ما ‏تعني هذه الكلمة من التزام وتجسيد ووصف ورؤية مستقبلية لحركة الواقع العربي لابد لهم – على سبيل المثال لا الحصر- من نسج العلاقة التاريخية والمنهجية بين رماة الحجارة في فلسطين ورماة النبل في معركة بدر. ولابد لهم من الاعتراف أن شهادة لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله. وحب الوطن والعروبة تمثل القاسم المشترك بينهم ووسيلتهم نحو العروة الوثقى وأداتهم للتغير العام.

التراث بيننا:

‏إذا هي دعوة للالتحام مع التاريخ العربي في كل قضاياه، لأنه ذاكرة الشعب العربي. من أجل هذا كله، ومن أجل أن يبدأ هذا العمل التاريخي في الخطاب الاجتماعي العربي الذي سيكون للفكر القومي إسهامه فيه لابد أن يكون لمنطق السياسة حضوره في هذه المشاركة.

‏السياسة تبدأ من اعتبار أن الحرب الثالثة بين العرب والكيان الصهيوني وما تمخض عنها من نتائج كانت بداية لتساؤلات نقدية أخذت حيزها في نسق الثقافة السياسية _ الاجتماعية العربية المعاصرة ، لأن هذه الحرب وإن استهدفت المزيد من ضم الأراضي العربية إلى الكيان الصهيوني فإنها كانت تعني في الدرجة الأولى توجيه ضربة مؤلمة إلى الإنسان العربي ونسف قيمه ومعتقداته، وهز مرتكزاته النفسية ، والإخلال بتوازنه الفكري والاجتماعي والسياسي.

‏وسواء شئنا أم أبينا فإن الصهيونية قد أصابت في حربها هذه بعض أهدافها بدقة، ونجحت إلى حد ما في خلق المناخ النفسي الملائم لها لتقوم بحربها الثقافية المتمثلة في إفراز عناصرها الثقافية وتسريبها إلى الثقافة العربية ثم إيصالها خطوة خطوة إلى الإنسان العربي بقصد ‏الإجهاز على ما تبقى من ممانعة في شخصية الأمة العربية وثقافتها.

‏وعلى طريق الحرب الثقافية ضد العرب التي شارك فيها عدة أطراف دولية استنفرت هذه ‏الأطراف كل تقنياتها الإعلامية وإمكانياتها الفكرية لتبدأ من حيث توقف العدو الصهيوني، وأصبح ما تبقى داخل شخصية الإنسان العربي من إيمان بدينه وعروبته واعتزازه بتاريخه، و تصميم على إنجاز مشروعه الحضاري هدفا مباشرا واستراتيجيا للضربة المقبلة (1).

‏وكانت بداية البدايات في هذا المنحى تكريس الهزيمة ودعم العدوان الصهيوني وتبريره ‏وإضفاء الشرعية عليه عن طريق هذا السيل الجارف من العناصر الثقافية التي تريد الإطاحة بالإرادة العربية وتطويقها بكل المحددات الثقافية التي تجعلها على صورتها هي .

‏وثمة عوامل ثقافية قديمة ووسيطة ومعاصرة نابهة من طبيعة الحياة الثقافية العربية – شأن كل الثقافات – تشكل عوامل مساعدة للثقافات التي تحاربها في محاولاتها المتعددة لتدجين المواطن العربي، ووضعه بمستوى من الحيادية التي تمنعه من ممارسة دوره ‏الحضاري. لكن المجانية التي حددت، على ما يبدو، قدرا له لا تنبع من فراغ، وإنما تبدأ من خلال مجموعة من الأسس والمقدمات، حيث تحركت العديد من الجهات الداخلية والخارجية لإيجادها وإكثارها في الحياة العربية وهي:

  • توفير حالة من القلق النفسي والاجتماعي والسياسي داخل الحياة العربية.
  • تسهيل نمو واضطراد العوامل التي تدفع الفرد العربي إلى التخلي عن قيمه القومية وأهدافه الوحدوية.
  • إيجاد الأجواء والظروف المناسبة التي تقود الفرد العربي نحو الانحراف النفسي والاجتماعي والسقوط في القيم التي تطرحها الثقافات الأجنبية الغازية مثل تنمية وتقوية نزعة الاستهلاك، وتثبيت وتعزيز الدوافع والاتجاهات الإقليمية والعشائرية.
  • إشاعة نمط الرجل المناسب في المكان غير المناسب، وتنشيط سلوك الشطار والزعار، في كل مستويات الحياة اليومية (2‏).
  • ضرب المرتكزات الثقافية التي تشكل ثوابت للشخصية العربية من أجل تمرير عناصر الثقافة الأجنبية التي تطرح نفسها بدائل لتلك الثوابت.
  • إنماء الازدواج الثقافي داخل النسق الثقافي العربي بمستوييه الوطني والقومي.

‏ولاشك أن هذا النمط من السلوك الذي تكاثر بين الشباب العربي يعود إلى عدة أسباب أهمها في رأينا:

  1. الفشل في تصعيد وتأثر العمل العربي المشترك بصياغته التوحيدية.
  2. تعاظم الاتجاهات القطرية، وتخلف القيادة عن الطليعة، والطليعة عن الشعب.
  3. عدم قدوة الفكر العربي على إيجاد نظريته السياسية لتكون دليل عمل للقوى السياسية المؤمنة بالتعددية السياسية.

‏أمام هذا الواقع المحفوف بالمخاطر من كل جانب، كان على الجيل المؤمن بعروبته من علماء الاجتماع السياسي والثقافي من أبناء الوطن العربي أن يعلنوا النذير لإيقاف الانزلاق الحضاري العربي الذي تسير نحوه الأمة العربية بخطى سريعة بعد أن أذاقتهم هزيمة الخامس من حزيران المر.

‏وليس محض مصادفة هذه الملتقيات والندوات التي تعقد في أكثر من مكان من الأقطار العربية تحت شعارات متعددة وأهداف ‏إستراتيجية معلنة، إنما هي دلالة على يقظة روح الالتزام لدى هذا القطاع الجدي من العلماء، الذين كانت نقطة تحركهم تلك الأسئلة النقدية التي وجهت إلى الواقع العربي المعاصر وإشكالاته، ومنطق الخطورة فيه، وتأثيرها على التحديات التي تهدد مصيرا لأمة العربية في بعديها الداخلي والخارجي.

‏وثمة مسالك سلكها أصحاب العلم والمعرفة ممن قدورا على تجاوز مصالحهم الذاتية والتعفف عن إغراءات فرق البحث الأجنبية ، والقفز من فوق انتماءاتهم السابقة لينتسبوا إلى الأمة العربية ومصيرها ومستقبلها ، وتمثلت هذه المسالك في الخطوات التالية :

  • تكوين الفكر النقدي النابع من الإطار المعرفي للوطن العربي وتعميمه على أكبر القطاعات من أبناء الأمة العربية.
  • ‏ إحياء التراث العربي والعودة إليه من أجل نقده وتفسيره واستلهامه.
  • ‏وضح الخصوصية كلحظة من لحظات العالمية أداة إرشاد في التعامل المعرفي مع التراث وفي تحليل البني الاجتماعية العربية خلال تطورها .
  • ‏ترتيب التناقضات حسب أولويتها في البني الاجتماعية والفكر السياسي وفرزها إلى جملة من الموضوعات البنائية ، وتسليط أسلحة العلم الاجتماعي عليه بهدف معرفة ظروفها الموضوعية والذاتية.

غاية هذه الدراسة :

‏وفي هذه الدراسة لسنا مطالبين بتقديم كشف حساب عن إنجازات ذوي الاختصاص الذين وحدوا في ذواتهم بين الثقافة والنضال.

‏الغاية أن نشير إلى إشكالات الثقافة ‏والشخصية، بالقدر الذي تخدم فيه الإنسان ‏العربي، وعلى هذا الأساس فإن التعامل الذي نقيمه مع الثقافة يكون له مهمة مزدوجة:

  • استخدام الثقافة كمادة نقدية تساؤليه.
  • وضعها كوسيلة كفاحية في إثارة المسائل وحلها ، وإعطاء إمكانات للشباب العربي ليرى مشكلاته أو أزمة واقعه بوضوح، من أجل أن يلتمس التحديات التي تحاصره وتهدد مستقبله.

‏تأسيسا على ذلك، فإن صياغة المشكلة الثقافية تبدأ من خلال البحث عن طبيعة العلاقة الجدلية بين الإنسان العربي وثقافته، من أجل معرفة إشكالات هذه العلاقة وما يترتب عليها من ظواهر داخل شخصية الإنسان.

‏والمعرفة التي نتوخاها هنا ونؤكد عليها، هي المعرفة التاريخية للثقافة ، وليست المعرفة الإيديولوجية، والغاية التي نسهى إليها هي إعطاء هذا التعامل حقه في تقصي أنماط التأثير المتبادل بين الإنسان العربي وثقافته، ومن بعد سبل توظيفها في إحياء الشخصية وتنظيم ردود فعلها، وإعلاء انتماء الفرد العربي لوطنه وأمته. ومن أجل أن يتاح لنا ذلك فإننا نضع المسائل الآتية بوصفها نقاط عمل:

  • صياغة المشكلة الثقافية وفق منطقها الداخلي، وتكوين المفاهيم والمقولات القادرة على التعامل مع الثقافة العربية وتحليل أنماطها الرئيسية والثانوية، وكذلك عناصرها البسيطة والمركبة، ومفاهيمها الدارجة وما تعبر عنه من معان وأفكار وأحكام.
  • ‏الاعتماد على المنهج التاريخي في دراسة العلاقة بين الثقافة والشخصية، والذي يعني المعرفة العلمية المنظمة للظروف الداخلية للوطن العربي في ماضيه وحاضره.
  • ‏الاتكاء على مفهوم الخصوصية والأصالة باعتبارهما ضمانة للباحث الذي يطمح لدواسة التاريخ الاجتماعي للأمة العربية خلال استمرارها التاريخي.

‏ومن نقاط العمل هذه، يظهر لنا أن الدراسة تتكون من عدة محاور تفترق وتلتقي حول اهتمام التنمية بالإنسان العربي، باعتباره ‏الحلقة المفقودة في برامجها وخططها الراهنة، ووسائلها في إطلاق الإنسان العربي من القمقم الذي أعدت هندسته ومواده ‏قوى معادية تعمدت إهانة الأمة العربية وإذلالها، وسنحاول بالقدر الممكن تحقيق التواصل بين هذه الحلقات على أمل الوصول إلى الغاية التي نسهى إليها.

الإنسان والثقافة :

‏عندما ننظر إلى حياتنا الاجتماعية ، فإننا نرى فيها جملة من الأنظمة الاجتماعية والفكرية والفنية والزراعية والصناعية، وكذلك من غدو ورواح، وحدائق وشوارع وأبنية، وما نتداوله من أمثلة وعادات وتقاليد وقيم وعقائد في جلساتنا ونقاشاتنا ومدارسنا وجامعاتنا، فهذا الذي نراه ونسمعه ونمارسه من سلوك يعني بالتالي ثقافتنا العربية الراهنة، التي تشير إلى عدة أشياء أهمها:

  • شخصيتنا الاجتماعية ونظرتنا إلى الوجود الذي يحيط بنا بمعطياته المادية، وإلى الكون الذي يتألف حولنا بكل عناصره ومواده.
  • ‏وهي تعني تراثنا الاجتماعي والفكري والروحي والمادي والاقتصادي.
  • كما أنها تعني أسلوبنا في الحياة المشتركة وما يتمخض عنها من خصائص ومقومات تتسم بها شخصيتنا وتميزها عن غيرها ، والتي تعرف من خلالها وترمز أيضا إلى ما تسميه بالعقلية العربية ، والتي نعني بها نظرتنا إلى كل ما يحيط بنا وطرائق تعاملنا مع هذا المحيط.

‏والثقافة إذ تكون كذلك فإنها تحتوي على بعدين تاريخيين:

‏البعد الأول: ويقصد به الثقافة التي أنتجها العرب في ماضيهم، وهذا ما نعني به التراث.

‏البعد الثاني: وهو الإنتاج الثقافي للأمة العربية في مرحلتها الحاضرة.

‏وثمة علاقات متعددة بين البعدين تحددها طرائق الأجيال العربية خلال تاريخها الطويل في نقل الثقافة، وما يحدثون فيها من تعديل وتبديل، منقادين بذلك وموجهين بفلسفتهم الثقافية وبنمط اتصالهم بالمجتمعات الأخرى.

‏ولا يتسع المجال في هذه الدراسة أن نتحدث عن الفلسفة وطرائق تكونها وتعاملها مع ثقافتها، وسبيل المجتمع في إنتاجها، لأن الحديث عن فلسفة الثقافة، سوف يلزمنا في معالجة ‏التغيرات الثقافية، ووجهات النظر والاتجاهات التي يتخذها الناس حيال ثقافتهم، وطرائق الأفراد في النظرة إلى ما يحيط بهم من تغيرات ثقافية، وكذلك أسلوبهم في توجيه الأسئلة النقدية لها وأسلوبهم في إخضاع معتقداتهم للمراجعة والتحليل والتعديل … الخ .

كما أن الحديث عن نمط الاتصال الثقافي الذي جرى ويجري بين الثقافة العربية والثقافات الأخرى يملي علينا تحليل دينامية الثقافة العربية والثقافات الأجنبية. وكذلك اختبار أساليب تأثيرها وتأثرها بالثقافات الأخرى، وهذا سوف يملي علينا تحليل شخصية الثقافة العربية وأسسها الفلسفية، ووسائلها في إنتاج عناصرها وترحيلها إلى الخارج، وأدوات الثقافات الأخرى في ذلك، وكذا أساليبها في فتح ممرات لعناصرها الثقافية للانتشار خارج حدودها .

‏والكيفية التي تغزو بها البناء الثقافي، ثم ما ينتج عن ذلك من تعديل اختياري أو قسري داخل العناصر الداخلية للثقافة، ثم تعاملنا مع العناصر الثقافية الغازية ..الخ.

‏إذن، كثيرة هي المسائل التي سوف تطرح نفسها علينا إذا أردنا الدخول في معالجة فلسفة الثقافة العربية ، وبما أن لهذه الدواسة غايات أخرى محدودة ، فإننا سوف نتوقف بالقدر الممكن عند مسألة نعتقد أنها مهمة، ونود لفت الأنظار إليها وإثارة الاهتمام حيالها، وهي مسألة التخلي والاكتساب داخل الثقافة ونتاجها داخل الشخصية، لأننا نرى أن هذه المسألة على علاقة صميمية بمسائل التنمية ، وخاصة التنمية الثقافية.

‏وما دامت الثقافة تعني كل الذي قلناه سابقا فإن تأثيرها في الإنسان عميق بعيد المدى، فهي التي تحدد طرائق التعامل مع الآخرين، وتقدم قواعد وأساليب التفاعل مع الأحداث الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وهي التي توفر له الأسس والمنميات للفعل ورد الفعل، وتنظم له طرائقه الفكرية، وهي أيضا تجهز العناصر اللازمة لتكوين ذوق الفرد الجمالي والفني والنفسي والاجتماعي، وتعد للإنسان مجموعة من الأنماط للتعبير عن عواطفه في حزنه وسروره، وأمام ما يحدث من مفاجآت. ويصل تأثيرالثقافة على الإنسان إلى الحد الذي تقرر فيه اختياراته لمواد الأكل واللبس والنوم والشراب وآداب الضيافة. ولا يغيب عن البال لحظة أن تأثير الثقافة على الإنسان يبدأ من يوم ولادته ويستمر حتى وفاته، وهي تبدأ عبر الأسرة والحي والمدرسة وتأخذ حيزها عبرا لمجتمع. عندما يتمثل الإنسان ثقافته ويتكيف معها.

‏وما دام للثقافة هذا التأثير على الإنسان، فإن الإنسان يؤثر بدوره في ثقافته، ويبدأ هذا التأثير منذ أن يبدأ الوعي الاجتماعي الفاعل ‏طريقه إلى هذه الشخصية. وكلما تنامي الوعي وتراكمت عناصره، كلما ازداد تأثير عناصر الشخصية في الثقافة. ومن المهم أن نأخذ في الحسبان أهمية التطور الاقتصادي/ الاجتماعي في زيادة إمكانات الشخصية في التأثير بالثقافة. فالفرد بعد أن يبني معايير الثقافة وقيمها وأدواتها ، يبدأ التأثير بهذه المعايير إما برفضها أو قبواها أو تعديلها على ضوء تطور وعيه الاجتماعي. وبهذا الخصوص نؤكد أن تأثير الأفراد في الثقافة يتوقف على نوعية الثقافة (تقليدية – ديناميكية ) وعلى قدرتها وفعاليتها ووزنها الحضاري بالنسبة للثقافات الأخرى. فإذا كانت الثقافة دينامكية متجددة ولها شخصيتها وفلسفتها المبدعة ، فإن تأثير الأفراد بها ينطوي على إنضاج الثقافة ، وإخصابها بما يتفق مع صالح المجتمع. أما إذا كانت الثقافة ضعيفة وتقليدية، فإن تأثير الأفراد فيها لا ينبع من العلاقات الداخلية لوظائف العناصر الثقافية فقط، وإنما تتشارك فيه ضغوط العناصر الثقافية الغازية. الأمر الذي يؤدي إلى القيام بالتعديلات داخل الثقافة بما يتفق وإملاءات الثقافة الغازية ومصالح مجتمعاتها. ويستثنى من ذلك الثقافة التقليدية التي بدأت في رسم مشروعها الثقافي الإنمائي ووضعت الخطوط الأولى لفلسفتها الثقافية الجديدة ، واختارت طريق النهضة ، عندها فإن أبناء هذه الثقافة يبدؤون الاتصال بالثقافات الغازية وفق رؤية حضارية واضحة ، ويضعون عليها لون وسمات عقيدتهم وشخصيتهم واتجاههم الذي تحمله فلسفتهم. هذا كان حال العرب في أعقاب الدعوة المحمدية داخل المجتمع الجاهلي، وشيئا فشيئا اكتسبت الثقافة العربية ملامحها الإسلامية ، وبدأت وحلتها للاتصال بالثقافات الأخرى على النحو الذي حدده الخطاب المحمدي.

بعد الذي قلناه، فإن الحديث عن الاكتساب والتخلي داخل الثقافة والشخصية أصبح مشروعا لأنه يساعدنا في تكوين موقف نقدي حيال الطريقة التي يتبعها العرب في مرحلتهم الراهنة مع الثقافات الأخرى، ويساهم في تسليط الأضواء على نوعية التأثيرات المتبادلة وطابعها بين الثقافة العربية والثقافات المجاورة لها، ويفيد في اكتشاف الاختيارات الهادفة لتوجيه طريقة الاتصال بالثقافات الأخرى، والكيفية التي يجب أن تتعامل بها عناصر الثقافة العربية مع عناصر الثقافات الأخرى ووظائفها.

‏وحتى يتم لنا ذلك، فإننا لابد أن نعرج نحو عملية الانقطاع والاتصال الثقافي داخل الثقافة العربية. وهذه المسألة تظهر بوضوح داخل جدل وظائف العناصر الثقافية.

جدل الثقافة :

تتكون الثقافة من عناصر مادية وحركية ( اجتماعية . نفسية . فكرية)، وهي إما أن تكون مركبة أو بسيطة حسب نسبة السمات العمومية والخصوصية التي تتفرع منها. والعمومي هنا هو كل عنصر ثقافي يشترك فيه أفراد المجتمع، أما العنصر الخصوصي فهو الذي تختص به جماعات رياضية أو فنية أو سياسية. وتمتلك كل سمة من هذه السمات وظائفها داخل النمط الثقافي ويتم التعامل بين هذه الوظائف ابتداء من داخل العنصر الثقافي البسيط والمركب، وينتهي داخل النمط الثقافي. ولكن جدل التعامل الوظيفي بين هذه العناصر يتم وفق المتغيرات التي تطرحها البني الاجتماعية، وخلال الاتصال الثقافي. هنا تنشأ عملية التحلي والاكتساب داخل الثقافة ثم تجد صداها داخل الشخصية.

‏إن الأمر يستدعي منا الاستشهاد ببعض الأمثلة، حتى تكون عملية التخلي والاكتساب واضحة أمامنا. ولكننا لن نطيل ذلك، وإنما سنحاول أن نكتفي ببعض الشواهد التي تخدمنا في هذا الاتجاه.

‏الانتماء للقبيلة ، عنصر ثقافي مركب يتكون مما يلي: الأسرة – الفخذ – البطن – العشيرة – القبيلة – القرابة الدموية – مستويات القرابة – العشرة والمعرفة بين أفراد القبيلة – صلة الدم – قيم القرابة الدموية وأعرافها – أمن القبيلة…الخ.

‏ولاشك أن إنتاج القبيلة لخيراتها المادية يلعب دورا أساسيا في تواجد هذا العنصر داخل الثقافة وهو الذي يضفي عليها طابعه الاجتماعي والثقافي. إن العنصر الثقافي المشار إليه، يملك مجموعة من الوظائف موزعة داخل السمات التي ينقسم إليها ، وجدل التعامل بين الوظائف هو الذي يحدد الانتماء القبلي وماهيته ومعالمه والواجبات المترتبة عليه بين الأفراد. وعندما تتطور حياة القبيلة المادية والفكرية والروحية ، فإن هذا التطور يجد صداه من خلال إنشاء مجموعة من الوظائف الجديدة التي تفرزها عناصر الإنتاج الجديدة ، الأمر الذي يقود إلى مجموعة من التغيرات في وظائف العنصر الثقافي القبلي (العصبية القبلية ) ويطرح أمامه مجموعة من البدائل الثقافية ، ويقوده إلى دائرة اجتماعية أوسع، مثل الانتماء إلى الطبقة ، أو الوطن، و الأمة.

‏فإذا حل الانتماء الطبقي، على سبيل المثال، بديلا للانتماء القبلي فإن الثقافة تقوم بعملية التحلي عن العناصر الثقافية القبلية (الرابطة الدموية ) لصالح مقولة الطبقة الاجتماعية كمقولة ثقافية ، وتنتج عناصر جديدة تمت بصلات وثيقة للعنصر الثقاب الجديد.

وتتركز تلك العملية في تلاشي أو انزواء العناصر الثقافية القديمة غير القادرة على التجاوب مع التطور وطابعها الاجتماعي الذي يتم داخل البني الاجتماعية ،واكتساب عناصر جديدة تنتمي إلى التغيرات الاجتماعية التي يشهدها البناء الاجتماعي، الأمر الذي يؤدي إلى سيادة وظائفها داخل النمط الثقافي، ولكن عملية السيادة هذه تتوقف على طابع الثقافة في تخليها عن عناصرها. فإذا امتلكت الثقافة القدرة على مد العناصر الجديدة بالوظائف التي يمليها طابع التغيرات الاجتماعية خلال انتقال المجتمع من مرحلة إلى أخرى أكثر تطورا ، فإن العناصر الجديدة تحقق هيمنتها وفرض سيطرتها ، أما إذا كان التخلي ثانويا أو هامشيا آنيا فإن العناصر الثقافية التي انزوت أو تلاشت، على حد زعمنا ، تظهرمن جديد حاملة وظائفها القديمة ، وتتوجه إلى الإنسان لتقوده نحو قيمها ، وهنا يتحول الإنسان من انتمائه الراهن أو الحالي، إلى انتمائه القبلي عبرالتسلسل التالي:الانتماء الراهن-الانتماء للأسرة الانتماء للفخذ- الانتماء للبطن- الانتماء للعشيرة – الانتماء للقبيلة-إلى نظم وثقافة المجتمع الأهلي.

ويصبح ولاء الإنسان لقبيلته أقوى من ولائه لبلده أو وطنه أو أمته، ويمكن اعتبار ما جرى خلال انفصال سورية عن مصر الشاهد التاريخي على الطابع الارتدادي التراجعي للثقافة في عملية التحلي والاكتساب. وثمة عمليات مماثلة في هذا الارتداد نجدها في واقع الأحزاب العربية الراهنة.

‏والحقيقة أن هذه الخاصية في عملية الاكتساب والتخلي تأخذ هذا الطابع، لأن الانتقال من نمط إنتاج إلى نمط آخر أكثر تطورا داخل الوطن العربي لم يتم على أساس فعل ‏القوانين الداخلية وحدها فقط. كما أن الجديد لم يشكل نفيا للقديم على غرارما جرى في المجتمعات الأوروبية ، وإنما امتازت الحياة العربية المعاصرة بتواجد وتعايش عدد من أنماط الإنتاج المتفاوتة في مستويات تطورها ، وهذا يعود لعدة أسباب تاريخية لا مجال لذكرها. الأمر الذي أدى إلى تعايش العناصر القديمة والجديدة داخل النمط الثقافي، وإلى التعادل الوظيفي بين ما هو قديم وجديد في الثقافة. ولا شك أن التعادل الوظيفي هذا يظهر في شخصيتنا الاجتماعية ، على اعتبار أن الشخصية هي المكان الملائم للعناصر الثقافية الاجتماعية ( الحركية ) لممارسة وظائفها ، وتظهر نتائجه في سلوكنا اليومي، فالإنسان عندنا على الأغلب، يجمع بين النقيضين في مجموعة من ممارساته ومواقفه. فهو في بعض الأحيان يكون مؤمنا و شاكاً ، وحدويا وانفصاليا ، اشتراكياً ورجعيا ، يدعو إلى الحرية ويضطهد الآخر، يؤمن بتوفير الفرص ويزاول الوساطة ويقبل بها. يدعر إلى النزاهة في العمل ويقبل الرشوة …الخ.

‏بناء على ما تقدم يظهر لنا أن عملية التخلي والاكتساب، تنقاد وتوجه بما يسميه علم الانثروبولوجيا الثقافية بعملية الانقطاع والاتصال الثقافي، فالثقافات التي تتسم بظاهرة الانقطاع بين وظائف عناصرها تتأثر خلال عمليات الاتصال التي تقيمها مع الثقافات الأخرى على النحو الذي تقرره عناصرها ومحدداتها الفلسفية ، بحيث يكون هذا الاتصال غزوا من جانب إلى جانب آخر، وتصبح هذه الثقافات مصدر تطعيم (هذه الثقافة ، الأمر الذي يؤدي إلى خضوع عمليات التحلي والاكتساب في هذه الثقافة إلى إرادة الثقافات الغازية . ومن البدهي أن العناصر الثقافية الغازية عندما تحتل مواقعها داخل الثقافة العربية ، على سبيل المثال، فإنها ‏سوف تمارس وظائفها داخل شخصية الفرد العربي. فالثقافة الأمريكية ، كثقافة غازية للثقافة العربية ، تفرض مجموعة من قيمها واتجاهاتها وحتى ذوقها على الإنسان العربي، ويظهر لنا هذا الشيء بشكل واضح في أسلوبنا خلال شراء المواد الاستهلاكية ، وتقبلنا لـ(لموديلات) الأمريكية في اللباس والشرب والأكل والتحية. وفي التقنية الأدبية ( الشعر الحديث – القصص والمسرحيات …الخ. ) وثمة أمثلة أخرى كثيرة متعددة عن تسرب القيم والاتجاهات الثقافية الأمريكية إلى الثقافة العربية ، لا سبيل إلى ذكرها ، وحبذا لو أولينا هذه المسألة اهتمامنا في إطار تقييم شخصيتنا ، لنرى ما فيها من ثقافة أمريكية أو أوروبية. وعندما يقال أن الثقافة تستقبل العناصر الجديدة ، إذا اتفقت مع حاجاتها ، فإن هذا يكون صحيحا بالنسبة للثقافات الدينامية ، وليس صحيحا بالنسبة للثقافات التقليدية أمثال الثقافة العربية .

‏وما دمنا بصدد الحديث عن التحلي و الاكتساب كواحدة من العمليات الهامة في الجدل الثقافي، فإننا نود التوقف قليلا عند التخطيط الثقافي، باعتباره المقود الذي يتحكم في سير العملية سالفة الذكر، وهو إذ يأخذ دوره هذا فإنه يعتمد على قاعدة عريضة من الخبرة والتجربة والنماذج التخطيطية التي يستأنس بها ويتحرك من أرضها في بناء نموذجه الجديد معتمدا على معرفة واعية بالتيارات العامة التي كانت تسود حياة الأمة ومعتقداتها الأساسية التي تدين بها ، والمصطلحات والمفاهيم التي استخدمتها النماذج القديمة في تخطيطها وببرمجتها للثقافة ، فالتخطيط الثقافي الناجح لا ينطلق من فراغ، ولا يعتمد على النماذج الغربية وحدها أو باعتبارها نقطة البداية في تصميم ‏نماذجه. ولا شك أن التراث العربي هو هذه القاعدة العريضة للتخطيط الثقافي وتكوين وإعداد نماذجه.

‏ونحن عندما نقرر هذه الحقيقة فإننا نريد توجيه الأنظار وروح البحث نحو التراث العربي لاكتشاف نماذجه القديمة في هذا الميدان. وهذا يعني بالنسبة لنا أن التراث العربي ليس غاية في ذاته ، وإنما هو وسيلة في الدراسة وفي إثراء التخطيط الثقافي خلال تنظيمه لبناء نماذجه الجديدة ، التي تأخذ على عاتقها ترشيد عملية التخلي والاكتساب داخل الثقافة العربية. وبهذا الخصوص نقول إن هذه النماذج لن نعثر عليها في أوروبا وتجربتها الاجتماعية ، فأوروبا حصلت على نماذجها في تراثها ، وإنما نعثر عليها في تجربتنا الاجتماعية وفي بنائنا الحضاري.

‏من هذا المنطلق ، فإن العصر الجاهلي سيكون حقلنا الذي نبحث وننقب فيه عن النماذج التخطيطية العفوية الرائدة ، باعتبار أن هذا العصر شكل المقدمات لظهور الإسلام بعد أن بلغت التناقضات الاجتماعية والفكرية ذروتها . وكانت حصيلتها جملة من الإرهاصات الفكرية التي تبشر بولادة قوى جديدة. في هذا المناخ الاجتماعي والفكري ثار الجدل بين الفئات الاجتماعية، وتعددت الآراء وتنوعت حول التغيير ومهامه ودروبه ومستوياته. بعض الفئات كانت حريصة على إبقاء الواقع العربي آنذاك على ما هو عليه معلنة رفضها لأي دعوة للتجديد، والبعض الآخر وجد في الأجنبي ( الفرس والرومان) مصدره وقدرته على التغيير. وقوى ثالثة كانت تصر على التحديث لأنها ترى فيه شرط انطلاقها وتقدمها، وكان أصحاب هذا الاتجاه الأخير القوة القادرة على اتخاذ القرار بهذا الشأن، وتمثلت قيادة هذا الاتجاه بالنبي العربي محمد (ص).

‏نقطة البدء في المشروع الثقافي الإسلامي ، التحرك من الذات العربية وتراثها وتجربتها . وثمة خطوات كان على الرسول العربي إنجازها وإبرازها إلى حيز الحياة العربية ، ووضعها بمثابة الأسس والمنطلقات النظرية القادرة على بناء النموذج الذي يأخذ على عاتقه الإلمام بالحياة العربية وتراثها . ولكن كان لابد من خطوات على هذا الطريق والتي تمثلت في الأهداف الإستراتيجية الرئيسية الآتية :

  • توفير القدوة القادرة على استقطاب الناس نحو قيم ومعتقدات المشروع الإسلامي، حيث مثل الرسول العربي القدوة الحسنة.
  • تكوين الطليعة الإسلامية القادرة على فهم الإسلام، واستيعاب غاياته القريبة والبعيدة، وحمل رسالته والجهاد في سبيلها، وإقناع الناس بها . وكان جيل الصحابة الطليعة التي تمثلت الإسلام وآمنت به، واتخذت القرار بالمضي مع الرسول العربي حتى النصر وآخر الشوط أو المشوار. فكان الجيل الأول من المسلمين كلهم محمداً على كافة المستويات من الجهاد وحتى لقمة الأكل والتحية.
  • ‏تقديم العقيدة التي تعتبر بمثابة الموجه والمرشد للمسلمين في عملهم و جهادهم من أجل تغيير الواقع ونشر الإسلام. ولقد تمثلت هذه العقيدة في عدة مرتكزات، تستوعب كل متطلبات بناء النموذج الجديد، وقيادة التغيير وتوجيهه. وإليكم بعض شواهدها :
  • ” الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ ” سورة البقرة.
  • ” وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ “سورة آل عمران.
  • ” وَقُلْ جَاءَ الحَقُّ وَزَهَقَ البَاطِلُ إِنَّ البَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً ” سورة الإسراء.
  • ” وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ ” سورة الأنفال.

وثمة شواهد كثيرة نجدها في القرآن الكريم وفي الأحاديث النبوية تقدم نفسها آنذاك لقيادة عملية التخلي والاكتساب نحو الوجهة التي حددها الإسلام، على طريق بناء الحياة العربية الجديدة. وعلى خيالنا الاجتماعي أن يستوعب معانيها ومراميها.

‏وما دام البحث يتوقف في أكثر من مكان لمعالجة مسألة الثقافة وعمليات التخلي والاكتساب فيها ، وعلاقة ذلك بالشخصية العربية ، فإننا نقدم الآيات والأحاديث التالية كمؤشرات على اهتمام النموذج الإسلامي بتطوير الشخصية العربية وبنائها بناء جديدا ، ولقد تم خلق هذه الشخصية عن طريق التلقين الثقافي الذي قام به الإسلام للإنسان المسلم. وإحداث تفاعل بين الفرد العربي وتراثه. كما عمل الإسلام على إضفاء الحداثة على البناء الاجتماعي بشكل يتفق ويتجانس مع أصالة الأمة العربية المتمثلة في استمرارها الاجتماعي وتمتعها ببعض الخصائص:

أولا: القرآن الكريم :

  • ‏” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ ( ……) وَلا تَنَابَزُوا بِالألْقَابِ بئْسَ الاسْمُ الْفُسُوقُ (…)وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (….) وَلَاتَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُــلَ لَحْمَ أَخِيــهِ مَيْتــاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَــوَّابٌ رَّحِيـمٌ – سورة الحجرات.
  • ” فَقَاتِلُواْ أَوْلِيَاء الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفاً ” سورة النساء.
  • ” وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ ۖ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ ” سورة القصص.
  • ” وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ ” سورة النساء.
  • ” وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ” سورة آل عمران
  • ” وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا ” سورة آل عمران.
  • وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ ۖ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا  سورة الإسراء.

ثانياً : الأحاديث النبوية :

  • ( ليس منا من دعا إلى عصبية ، وليس منا من قاتل عصبية ) أبو داوود – كتاب جامع الأصول – ابن الأثير.
  • ( لا يحتكر إلا خاطئ ) مسلم بن الحجاج – أبو داوود – ابن ماجة.
  • ( أعطوا الأجير أجره قبل أن يجف عرقه ) ابن ماجة.
  • ( طلب العلم فريضة على كل مسلم ) ابن ماجة.
  • ( الناس سواسية كأسنان المشط ) الترمذي.

أما الخطوات الأخرى في المشروع الثقافي الإسلامي، فكان إنجاز مجموعة من الإجراءات الثقافية في صميم الوعي العربي، باعتبارها تشكل الشروط ، التي لا بد منها، للانتقال إلى مرحلة جديدة هي مرحلة الفتح والتوحيد ، وتمثلت تلك الإجراءات بالآتي:

  • حث الإنسان العربي على الانتقال من الانتماء القبلي إلى دائرة أوسع هي الأمة العربية، وتحريم الثأر والقتال أو الغزو بين القبائل ، وتوجيهها وجهة جديدة نحو نشر الدين الإسلامي والجهاد في سبيل الله، ورفض الفرقة وتحقيق ‏التعاون والإخاء والمساواة وتوظيفه لصالح الإنسان ، وفق أوامر الله ونواهيه.
  • وطرحت المبادئ الإسلامية نفسها بمثابة البدائل التي تقود وتوجه عمليات التحلي والاكتساب في الثقافة العربية فكبر العرب بالدين الجديد ، وضعف وتلاشى كل ما هو صغير وأناني وشرير من قيم. وتحركت نوازع الخير والجهاد والمحبة فيهم ، وبات من العسير أمام قوى التخلف والعمالة الحضارية أن تلجم هذه الانطلاقة أو تحرفها عن اتجاهها أو تكبح جماحها .

‏غاية هذا الكلام أن يشير إلى النقطة المركزية في النموذج الإسلامي ، وأن يكتشف الثوابت والمنطلقات والإجراءات في الخطاب المحمدي ، وأن يضع في الاعتبار دور التراث العربي في استلهام النموذج واعتباره الرئة التي تتنفس منها المحاولات الهادفة إلى بناء النماذج الجديدة وخططها ، وإلى أهمية محاولات التجديد التي عرفتها الحياة العربية بدءا من الرسول العربي (ص) ومرورا بالعصر الوسيط وانتهاء بالبدايات الجديدة للتحديث التي ظهرت على أيدي جمال الدين الأفغاني ، ومحمد عبده ، والكواكبي ، ومحمد بن عبد الوهاب وصولا إلى المرحلة الراهنة.

والخلاصة : إن الأوضاع العربية في نهايات العصر الجاهلي ، كانت تستدعي هذه الوقفة المحمدية ، ولقد نجح الإسلام بمهامه ، وبخاصة بما يتعلق باختيار الإنسان كمحور أساس لنموذجه ، وأفلح في قيادة معركة التخلي والاكتساب داخل الثقافة العربية ، لأنها أنبتت الإنسان العربي الجديد .

ونحن لا نغامر بهذا الكلام ، ولا نقدم فرضية جديدة ، وإنما هو إشارات إلى السبل والإجراءات التي اتخذها الإسلام حيال إشكالات العصر الجاهلي. ودعوة للاهتمام بالإنسان المعاصر، واعتباره مسألة المسائل في الإشكالات العربية الراهنة. ولا شك أن هذه الدعوة تريد من جهة أخرى إثارة مسألة التنمية الثقافية ووضعها في موقعها الصحيح داخل نسق خطط التنمية الجارية في الوطن العربي. ولكي يتاح للتنمية الثقافية أن تأخذ مجراها الحقيقي فإنه لابد من إثارة الظواهر الاجتماعية والنفسية والفكرية التي تزخر بها الحياة العربية المعاصرة مثل :حالة القلق النفسي داخل شخصية الفرد العربي، الخوف، النفاق الاجتماعي، العدوانية ، الإسقاط، الاندراج النفسي، تداعي الوازع الوطني، الشعور بالنقص، انتشار الوساطة والرشوة ، وذلك من أجل دواستها والتنقيب فيها واكتشاف عللها ، والنتائج التي تترتب عليها ، ورصد آثارها المباشرة وغير المباشرة على خطط التنمية ، وما تثير من معوقات ومصاعب في وجه محاولات النهضة العربية.

الثقافة والتنمية :

‏وغم كل ما كتب حول الثقافة وإشكالاتها في الوطن العربي: فإنها لم تنل بعد حقها من الدراسة والبحث والتحليل من قبل علماء الاجتماع والأنثروبولوجيا ، ولا أظن أننا نأتي بجديد عندما نقول أن ما كتب بهذا الشأن يدور حول هامش الثقافة ومسائلها لأن هذه الكتابات لم تدخل في اهتمامها مسألة السياسات الثقافية العربية الراهنة وفلسفاتها ، وطابع العلاقة الجدلية بين الثقافة والإنسان ، وما يترتب عليها من ظواهر داخل البناء الاجتماعي. ولم يستعمل العلم الاجتماعي أسلحته المنهجية لاكتشاف ما هو ثقافي وشخصاني واجتماعي في معركة العرب الثقافية. ولم نتمكن من وسم النماذج التخطيطية الثقافية القادرة على استيعاب كافة المشكلات التي تطرحها هذه المعركة. ولأن هذه ‏الدراسات نظرية أكاديمية يهيمن عليها طابع التقليد للعلم الاجتماعي الأوروبي والأمريكية. وتفتقد إلى الدواسات الحقلية التي تعتمد على التراث العربي وما يحتويه من نماذج ومقولات و أطروحات.

الذي أريده هنا هو التلميح إلى أهمية التنمية الثقافية في إطار العلاقة القائمة بين الثقافة والإنسان التي نوهنا عنها سابقا. ونجد أن وسيلتنا إلى ذلك تعريف الثقافة والتنمية.

‏من المعروف أن الحاجات الاجتماعية للمجتمعات التي تتوالد بفعل احتكاك هذه المجتمعات مع محيطها الطبيعي، هي التي تحدد شخصية الثقافة وخصائصها ، وتضفي الظروف الاجتماعية والمناخية والبيئية مجموعة من المعالم على الثقافات الاجتماعية. ولهذا نجد أن المجتمعات تتصرف بأساليب مختلفة ومتباينة من أجل إشباع حاجاتها وتطلعاتها ، وهذا يعني أن الثقافة تظهر أمامنا كمفهوم تركيبي، تحتوي على مجموعة معقدة من العناصر المادية ‏والفكرية والاجتماعية ، التي تتجلى في نشاط الناس الاجتماعي، وعلى هذا الأساس يمكن تعريفها على النحو التالي:

الثقافة ميراث مركب من عناصر اجتماعية وسلوكية ومادية ، يقوم الأفراد بنقلها من مرحلة إلى أخرى بفعل تداخلها في سلوكهم اليومي، وفي قدرة عناصرها على الانتقال بواسطة الأجيال من الماضي إلى الحاضر ثم إلى المستقبل. ويضيف الأفراد إلى ثقافتهم خلال عملية النقل هذه عناصر جديدة تتجلى في نشاطهم اليومي في مختلف ميادين الحياة الاجتماعية.

‏وقصدنا بهذا التعريف أن نشير إلى دور الثقافة كميراث مركب في تحديد سلوك الناس ووسمه بسمات معينة وفقأ للمقتضيات المتجسدة في العناصر الثقافية المركزية ، مثل القيم ‏والأعراف والقواعد والتقاليد ، التي تقوم بترشيد سلوك الناس.

‏إذاً ، يمكن القول عن ثقافة النظرة إلى الحياة والكون ، وثقافة العلاقات بين الناس، وثقافة العمل والدراسة ، وثقافة السياسة ، وسياسة الثقافة ، وثقافة التأثر …الخ. وبما أن الثقافة لها هذا التواجد والامتداد في حياتنا الاجتماعية ، فإن الحديث عن التنمية وخططها لابد أن يأتي في إطار النظر للوظائف التي تمارسها العناصر الثقافية داخل البناء الاجتماعي، وداخل شخصيات الأفراد ، باعتبار أن هذه الوظائف على اختلاف أنواعها تمثل في حقيقتها استجابة المجتمع لحاجاته.

تأسيساً على ذلك يمكن أن نعرف التنمية بأنها : المشروع الاجتماعي الذي يرتكز على مجموعة من المبادئ والمنطلقات النظرية التي تستوعب حاجات المجتمع القريبة والبعيدة في ضوء التحديات التي يواجهها هذا المجتمع بمستوييها الداخلي والخارجي، والتي تحدد بشكل أو بآخر الممارسات الفعلية التي تهدف إلى إحداث تغييرات شاملة في البنيان الاجتماعي تؤهله للانطلاق والتقدم نحو غاياته ، بحيث تشكل هذه التغيرات القاع الحقيقي لوثبات كمية ونوعية ، تعطي المجتمع الفرصة لتحقيق المزيد من السيطرة على بيئته واستغلال مواردها المادية.

وفي هذا السياق نتحرك نحو مسألة أخرى ، وهي السياسات الثقافية العربية بمستوييها الرسمي والشعبي ، والمكانة التي تشغلها هذه السياسات في حسابات التنمية وبرامجها ، وكذلك حضورها في النماذج الإنمائية التي تعدها الجهات الرسمية والأكاديمية ولا شك أن إعطاء السياسة الثقافية هذه المكانة تنير العاملين في مجال التنمية الثقافية والشخصانية لتكوين المفاهيم والأطروحات المتداولة داخل النمط الثقافي، الأمر الذي يساعد فرق البحث الثقافي في معرفة قيمة ومكانة الإنسان في هذه السياسات، وما يتمخض عنها من علاقات وممارسة بين الناس وسلطتهم السياسية من جهة ، وبين أبناء المجتمع، من جهة أخرى.

لنلق نظرة سريعة على الثقافة ، بالقدر الذي يساعدنا على الإلمام بمسائل الثقافة وفي رسم نموذج جديد للتنمية الثقافية يؤهلنا إلى أن نرى شخصيتنا بأنفسنا ، ونختار ما نريد ونقرر ما نحتاجه من أجل قوة نبض الوحدة في توجهنا الوحدوي الحضاري. ولكن هذه الخطوة تحتاج إلى فرز أنواع الثقافات ومستوياتها اعتمادا على المؤشرات التي تقدمها السياسات الثقافية العربية. ويمكن فرز هذه الثقافات إلى نوعين:

أولا- “الثقافات الديناميكية” ، وتمتاز بسياستها الواضحة إزاء معطيات الوجود المادي والاجتماعي، وإعطائها مكانة مرموقة للإنسان، وإمكاناتها في إقناع الناس بقيمها وتقاليدها وبدائلها. وتمتلك هذه الثقافات القدرات الخلاقة لطرح الحاجات وتوفير الردود اللازمة عليها من أجل تحقيق الاستجابات التي توفي بمطالب الناس.

ثانيا – “الثقافة التقليدية وتشتهر بتفكك عناصرها وبانحدار قيمة الإنسان فيها ، وتداخل القديم مع الجديد على النحو الذي يؤدي إلى الازدواج الاجتماعي في سلوك الأفراد ، وتكثر فيها عناصر الزجر والاضطهاد والقمع، ويصبح فن توليد القهر والكبت تجاه الإنسان أكثر العناصر بروزا ووضوحا في الثقافة السياسية ، وتكثر فيها الثغرات الثقافية. فإلى جانب القانون يوجد الثأر، وإلى جانب الاشتراكية توجد الرشوة والوساطة. وإلى جانب الحرية يوجد القمع السياسي. وفلسفتها “ماضوية ” تحمل الرفض من جهة ، والأخذ الحضاري السهل الهين من جهة ثانية.

وإذا بحثنا عن موقع الثقافة العربية الراهنة فإننا نجدها في قلب الثقافات التقليدية التي تنتج لنا في بعض الأحيان الفرد الضعيف الخنوع الخائف المزدوج بمواقفه وانتماءاته وولاءاته، والذي تتكاثر في جهازه النفسي ردود الفعل العصابية ، والاتكال على الآخرين والقلق وحب الانتقام والميل للثأر والضغينة ، وتقوي عنده حبه للاستسلام والتبعية والانطواء على النفس وتتعالى في ضمير صيحات الاعتداء والإسقاط على الآخرين. وفي هذه الثقافة تقوى العناصر الثقافية القبلية والعشائرية والمذهبية وتزداد الدوافع الانعزالية والإقليمية وتضعف في أبنائها الروح الوطنية ، وتنمي فيهم القابلية لحب الأجنبي والتبعية له.

ما العمل حيال ثقافة هذه عناصرها وخصائصها ، وشخصية هذه ملامحها ومعالمها؟ ‏غاية هذا السؤال إعادة طرح الثقافة واعتبارها محور العمل في المشروع الثقافي الذي تريد إشادته خطط التنمية الثقافية. ولكن هذا النوع من العمل الإنمائي له عدة مستلزمات لا يصح بدونها ، ويصبح الحديث عنه لغوا لا فائدة ترجى منه. وأهم هذه المستلزمات:

  1. إيجاد مناخ ملائم للتجديد الثقافي خطوته الأولى العودة إلى التراث باعتباره تأصيلا للحياة العربية المأمولة ، لأن هذا التراث مشحون بالقيم والمقولات و الأطروحات والنماذج التي أثبتتها التجربة التاريخية للعرب في ماضيهم، وهو الضمانة لتحقيق التواصل والتناغم بين ماضي الأمة وحاضرها ومستقبلها داخل عمق مجالها التاريخي. وهنا يكون التحديث الثقافي اتصالا مع محاولات التحديث التي أقدم عليها العرب في ماضيهم، وبهذا نمارس عملنا التاريخي كعمل ‏واع ، نعرف ما نريد وأصحاب سيادة لا كظل وتابع للحضارات الأجنبية. وثمة شروط أخرى يحتاج إليها التجديد الثقافي مرهونة بواقع السلطة السياسي وأدواتها التي تتجه إلينا وتغزونا من أجل وضعنا في دائرة مصالحها الاقتصادية ، بينما يتجه العرب نحو التجديد الثقافي التوحيدي ، باعتباره فاتحة العمل في النهضة التي يسعون إليها أي أن نقيم علاقة مع تراثنا على ضوء الوفاء بالحاجات الأساسية للوحدة العربية والنهضة ، وكشرط للانطلاق في هذا الاتجاه ، لابد أن يكون الواقع العربي الراهن مجال دواستنا ورؤيتنا لإشكالاتنا الثقافية والاجتماعية والاقتصادية.
  2. تصميم ورسم إستراتيجية للتنمية الثقافية ، تضع في اعتبارها اختلاف مستويات التطور الاقتصادي – الاجتماعي بين الأقطار العربية في مستوييها المحلي والقومي ، على أن تبنى هذه الإستراتيجية على ضوء المؤشرات الحضارية المستمدة من الحياة العربية ، وأن تطرح بدائلها على ضوء الحاجات الداخلية للوطن العربي ، وبطأ بالمستوى الحضاري الذي وصلت إليه المجتمعات الصناعية .. وهنا يكون الاعتماد على النماذج الأوروبية مشروعا في إغناء خطط التنمية ونماذجها وبرامجها ، لأن الإستراتيجية في إطارها العام ما هي إلا إطار موجه لأساليب العمل في التنمية.
  3. التحديد الدقيق لأبعاد التنمية الثقافية في بعديها القومي والوطني وانتقاء مفاهيمها ومصطلحاتها من خلال التجارب الإنمائية التي تتم في الوطن العربي ، وكذلك المشتركات بينها ، بحيث تساعد هذه التحديدات في استكشاف الحلول الجذرية للإشكالات الثقافية و الشخصانية فيه.
  4. توسيع دائرة الرؤية لدور وحدات البحث ومراكز الدراسة ومنظمات جامعة الدول العربية ، والجامعات والمعاهد المتخصصة في التنمية الثقافية ، باعتبار أن التوحيد الثقافي يمثل القاسم المشترك بين أطروحات الحكومات العربية ، ويمثل قاعدة الانطلاق نحو التوحيد السياسي والاقتصادي والاجتماعي.
  5. التناسق السليم بين خطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية على ضوء الحاجة والتحديات.
  6. الاعتماد على التخطيط الاجتماعي والثقافي في التنمية باعتباره الأداة التي تحدد أولويات التنمية الثقافية ، وفي اختيار الوسائل الكفيلة بإنجاز خطط التنمية ، والكيفية التي يتم بها إدخال تلك الوسائل لممارسة دورها في التنمية الثقافية. وبهذه المناسبة فإن الحديث عن التخطيط التربوي كإجراء منهجي في ميدان التنمية الثقافية يصبح واردا ومشروعا باعتباره أكثر الإجراءات جذرية في تحقيق التوحيد الثقافي بين أبناء الوطن العربي في المرحلة الراهنة ، وعندما نؤكد على التخطيط كأحد من مستلزمات التنمية القافية فإننا نؤكد على عدة أمور لابد من مراعاتها وأخذها بالحسبان.
  7. اختلاف مستوى التطور الاقتصادي والاجتماعي داخل الوطن العربي في المستويات المحلية ( بادية – ريف – حضر ) وبين الأقطار العربية ، وهيكل الطاقة ، ودرجة تطور الوعي الاجتماعي، وتركيب السلطة السياسي، وتوازن القوى الاجتماعية.
  8. اشتراك الجماهير الشعبية في خطط التنمية وفي إنجازها وهذا الاشتراك يظل رهنأ بنوعية السلطة وسياستها الثقافية وإيمانها بالشأن العام ودوره بل وظائفه.
  9. العمل على تحقيق الاستقلال الاقتصادي والاجتماعي والثقافي بكل معانيه وأبعاده، وكذلك إنتاج طرائق الاستهلاك التي تناسب وجهتنا الحضارية.
  10. تعميق التحالف الوطني والقومي في ظل برنامج توحيدي يضع في الحسبان طابع التناقض القائم بين الأنظمة السياسية من جهة وبين القوى الاجتماعية من جهة ثانية.
  11. تحقيق التحولات الاجتماعية والثقافية الجذرية الكفيلة بالقضاء على الفئات الطفيلية التي تتكاثر وحداتها وأنشطتها في الوطن العربي في أعقاب الردة التي حصلت بعد الحرب الرابعة مع إسرائيل، وهما أشكال الاستخدام الاجتماعي والسياسي للرساميل العربية والحيلولة دون دخول أنماط وطرائق الاستهلاك الأورو – أمريكي إلى صميم حياتنا الاقتصادية.
  12. توفير الحريات الديمقراطية وتيسير سبل العمل للجهات المعنية بشؤون الوطن وقضاياه المصيرية ، فالديمقراطية هي الضمانة الحقيقية لنجاح أي خطة تنموية.
  13. تكوين النظرية الثقافية القادرة على إنتاج الحلول لإشكالات الثقافة والشخصية في الوطن العربي، وإعداد العدة لبناء الإنسان العربي الجديد باعتباره أكثر عناصر التنمية إلحاحا.

الشروط للانطلاقة الحضارية:

وبهذه المناسبة نشير إلى أن التنمية الثقافية تهدف أول ما تهدف إلى إتاحة الفرصة أمام الفرد العربي للمشاركة في القرار السياسي باعتباره في النهاية قراره ولأن الفرد يمثل على الدوام مصدر ديناميكية الحياة العربية ، وهذا يعني بداهة إدخال المتغيرات السياسية إلى السلطة السياسية وبشكل خاص العلاقة بين الحاكم والمحكوم. فلقد انتهى عصر ” أنصاف الآلهة ” وأصبحت الأمة العربية بحاجة إلى الحاكم الذي تتوفر فيه مقومات التوحيد والتحديث الثقافي الذي يشكل محركا لكل ما هو إيجابي في شخصية الفرد العربي على غرار ما فعل الرسول العربي وصحبه. والأجيال الجدية من أبناء الأمة العربية.

‏إتاحة الفرصة أمام الشباب العربي للانتقال بين الأقطار العربية بالسهولة الممكنة ، وبالقدر الذي يساعد هذا الجيل على تحقيق التواصل الثقافي والفكري بينه. ويقتضي هذا المستلزم من الحكومات العربية عدة إجراءات أهمها : ربط الأقطار العربية بمزيد من وسائل الاتصال البرية والبحرية والجوية ، وحبذا لو أقدمت الأقطار العربية في مشرقها ومغربها على إقامة السكك الحديدية التي تسير عليها القطارات السريعة ، وتسهيل إجراءات السفر الأمنية ، وتنزيل تكاليف السفر، وتوفير دور النزل لهم بأسعار وخيصة ورمزية تتحمل الحكومات العربية جزءا منها . وتوفير المناسبات الفكرية والثقافية أمام الشباب العربي. وتطوير اللقاءات التي تقيمها الدول العربية تحت إشراف الجامعة العربية بين الشباب العربي ، والانتقال بها من كونها مهرجانات دعائية رسمية إلى مهرجانات شبابية تعكس نشاط الشباب ‏وهواياتهم وهمومهم وتطلعاتهم ، وترك الحوار والتفاعل بينهم طليقا من القيود والمراقبة والتوجيهات التي تقيد طاقة الشباب الخلاقة لصالح الثقافة السياسية السلطوية.

مصاعب التنمية الثقافية :

ستكون الصعوبات والعقبات التي تعترض التنمية الثقافية كثيرة ، وخاصة في أعقاب تنامي أجهزة الدولة ، وانحسار دور الجماهير الشعبية ، واندماج المعارضة في مقولات السلطة السياسية ، وفقدانها زمام المبادرة في المشاركة باتخاذ القرار السياسي غير أنها أي الصعوبات لن تضلل سوى دعاة الإقليمية والمذهبية والعشائرية ، ولجان ” الطابو ” الفكرية المنتشرة في كل صوب من الوطن العربي، ذات الدعوة المنهجية الأحادية.

إذ ذاك يسترعي انتباهنا كأكاديميين ننتمي إلى هذه الأمة وإلى قدرها ، أن نمو هذه الظواهر في أعقاب حرب تشرين/أكتوبر يعود لخلل أصاب القوى الوحدوية ، وأنزلها من سماء مهماتها ، وأوقعها في شراك المقولات والمفهومات التي كانت تؤسس هياكلها ومنظوماتها القوى القطرية التي ترى في العمل الوحدوي مقبرة لها ، وكذا أوهام الحكم والمناصب التي أوقعت القوى الوحدوية في خندق القوى المضادة التي تخاف الجماهير وتتعامل معها بمنطق الاحتقار. وبهذا تكون هذه القوى قد خسرت مواقعها داخل المعارضة فانحسرت عن الجماهير وتطلعاتها وهمومها ، وخسرت معها طليعتها وحيزا كبيرا من وحدويتها. وقادها هذا الأمر إلى تحلقها حول المنظومة الإيديولوجية للسلطة ورموزها.

كيف تنصرف كيما نستمر في إيقاف حكم التاريخ الذي تصدره قوى التخلف بحق الوطن العربي ونستمر في طرح مفردات جديدة للتنمية الثقافية التي تستهدف تحقيق التنمية القومية الشاملة ؟ ‏.

هذا السؤال – التساؤل يجد جوابه في التحريض من أجل الوقوف بوجه حملات التزوير التي يقوم بها الآخر لتاريخ الأمة العربية ولأهدافها ، وكذلك التصدي لأصحاب الموديلات الفكرية أولئك الذين يخجلون من الانتماء إلى العروبة والإسلام معا ، وسؤالهم الاستفزازي : ماذا يريد أهل الاتجاه العروبي؟

على أن جوهر صعوبات التنمية الثقافية ليس هنا فقط، وإنما توجد أيضا في القوانين التي تفرضها الأوضاع القطرية خلال تاريخ طويل، والتقاليد والأعراف البالية التي تمت إلى منطق التخلف والانحطاط الحضاري بصلات عديدة ووثيقة ، وفي التربية الإيديولوجية التي تحفل بها الكتب المدرسية والجامعية والمجلات والصحف وأجهزة الإعلام العربية ، وفي التنشئة السياسية التي تضع رموزها المؤسسات والكوادر المتخلفة التي تقوي نزعة الاستبداد ، وتقوي روح المجانبة بين الشباب العربي، وتسهل لرموز الثقافة الأجنبية أن تصبح الأساس المنطقي للعادات السلوكية للعقلية العربية. والمتجهة إلى ترشيد الإنسان العربي لصالح أنماط الاستهلاك المقتربة بالكماليات التي تنتجها في مصانعها. من أجل أن تعم كافة مجال حياتنا من الجنس حتى الفلسفة ، ومن أنماط الأكل والملبس حتى الاقتصاد والسياسة والفكر هذا بالإضافة إلى العقبات النفسية المتمثلة في القهر النفسي والفكري وأشكال الإحباط الموجهة على الدوام إلى الفرد العربي ليكون مقبولا من السلطة ومن الأجنبي، وكذلك ركام رواسب العزلة التي أنجزتها التجزئة خلال قرون طويلة ، وشكلت العزلة هذه حاجزا أمام الاتصال الثقافي بين الأقطار العربية ، ومعوقات لا يستهان بها أمام محاولات التنمية القومية.

وأكثر هذه المعوقات أهمية عدم توفر القطر الوحدوي الذي يأخذ على عاتقه مباشرة العمل من أجل توفير القواعد والمرتكزات والثوابت التي تحتاجها التنمية للثقافة العربية من أجل مباشرتها عندما يصبح الظرف ممكناً.

تلك هي، على وجه الدقة الصعوبات الأساسية التي تعترض التنمية الثقافية في الوطن العربي، والتي تظهر أمامنا عندما نتطلع لوضح خطة التنمية الثقافية القومية.

لا سبيل إلى الوحدة عن طريق الصناعة وحدها ، أو توسيع دائرة العقلانية أو الإكثار من الكلام الممجوج عن الوحدة العربية والتكامل الاقتصادي العربي ……الخ. وإنما الوحدة تتم بإعداد أداتها ، وحقنها بكل ما هو مضاد للأجنبي وفي مقدمتها ثقافته التي لا تواكب تحركنا الحضاري. وتحريض هذه الأداة ضد التجزئة والتخلف والتبعية ، وتعويدها ، أي الأداة على رفض كل أشكال التهادن مع أعداء الأمة العربية.

ما تبقى لنا إيجابيا في هذا الوطن يملي علينا أن نجهز على الصمت الذي بدأناه عندما قبلنا التعامل والحوار مع معطيات الواقع العربي من خلال مقولات السلطة السياسية وحدها (4).

‏ومنطق الإجهاز على الصمت، يتحدد بإعلان أن الفرد العربي هو الأداة الأكثر أهمية وحسماً في بناء الحياة الجديدة.

ولنستأنف الآن طرح التوصيات التي نعتقد أنها تشكل منطق الأمان والنجاح للتنمية الثقافية.

أولاً : الاعتراف بأن التراث العربي يشل قاعدة العمل في التنمية الثقافية ، وهو القادر على تمليكنا المفاتيح المنهجية للتعامل مع إشكالات الثقافة في المرحلة الراهنة ، وامتلاكها على نحو فعال ومنتج، واعتباره ألف باء ورقة العمل السياسية في التنمية الثقافية.

ثانياً : نقترح أن يتضمن جدول العمل لمؤتمر علماء الاجتماع والانثروبولوجيا المقترح الموضوعات التالية: الثقافة العربية. الشخصية العربية ، مقوماتها وملامحها ، الجدل الثقافي. التخلي والاكتساب في الثقافة العربية يسهل التجديد الثقافي، التنشئة الاجتماعية ، السياسة الراهنة ومصادرها الثقافية والتربوية ، مستلزمات التنمية الثقافية ، طابع العلاقة بين الشخصية والثقافة.

ثالثاً : تشكل لجان بحث متخصصة تنبثق عن المؤتمر المقترح تكون مهمتها التأليف والتوحيد بين التوصيات وبين موضوعات ورقة العمل. على أن تأخذ هذه اللجان على عاتقها تحديد الظواهر الثقافية المطلوب دواستها وتحليلها ، وكذلك تحديد مناطق البحث الحقلي(5).

ولا شك أن هذا الأمر يستدعي تخصيص ميزانية تغطية النفقات. وحبذا لو شاركت مراكز البحث الاجتماعي في الوطن العربي ، والمنظمات المتخصصة في جامعة الدول العربية ، والجامعات والمعاهد العلمية في تمويل هذه الدراسات وترشيدها . ونتمنى مخلصين لو توفر القطر العربي الذي يوفي الظروف المناسبة لهذه اللجان لتبدأ مهامها بعيدا عن منطق الوصاية والتحيز السياسي(6).

رابعاً : إنشاء مراكز للبحث الثقافي بمستوييه النظري والحقلي ، وتخصيص مجلة علمية تكون مهمتها نشر الأبحاث والدواسات الثقافية التي يكتبها علماء الاجتماع والأنثروبولوجيا في الوطن العربي.

المراجع :

  • ‏ القرآن الكريم – تفسير و مفرد‏ات القرآن الكريم – دار الرشد – مؤسسة الإيمان – ‏دمشق
  • الدكتور محمد بكر إسماعيل – وصايا الرسول وأثرها في تقويم الفرد ‏وأخلاقه – ج 1 – ج2 ‏- دار‏ المنار 1987 – 1999
  • ‏ محمد إقبال – تجديد التفكير الديني في الإسلام – ت : عباس محمود ‏- القاهرة – 1955
  • عبد الرحمن ابن خلدون – المقدمة -تحقيق عبد الواحد وافي – لجنة البيان العربي – ط2 – 1965 .
  • ‏ ألكزندو هجرتي كراب – علم الفلكلور – ت: د‏. رشدي صالح – وزارة الثقافة – دار الكتاب العربي – ‏1967
  • محمد عابد الجابري : نحن والتراث – قراءة معاصرة في تراثنا العربي – بيروت – دار الطليعة 1967
  • مالك بن نبي –شروط النهضة » ت : عمر مسقاوي ، عبد الصبور شاهين – دار الفكر – ط2 1969
  • د. محمد عمارة – الغزو الفكري – وهم أم حقيقة – دار الشروق – ط1 – 1989
  • د. عز الدين دياب سيسيولوجيا ظاهرة الشطارة – قضايا عربية بيروت -1983
  • عز الدين دياب – التحليل الاجتماعي لظاهرة الانقسام السياسي في الوطن العربي – مكتبة مدبولي – القاهرة – 1993‏
  • ‏د. أنور عبد الملك – الفكر العربي في معركة النهضة – دار الآداب – لبنان – بيروت – 1981.

 

‏ هوامش ومراجع الدراسة :

  • ‏ لنلاحظ بكثير من الدقة والحذر المنهجي العديد من الدراسات التي أفرزتها هزيمة الخامس من حزيران/ جوان ‏1967 والخاصة بالشخصية العربية وعلى وجه الخصوص تلك التي اعتمدت واستخلصت العديد من السمات السلبية مثل (الفهلوية) و(الشطارة) و(العقلية العاطفية) وربطتها وحصرتها بالشخصية العربية.
  • يقصد بالزعار والشطار هذا النفر من الناس الذي اعتاد الوصول إلى أغراضه ومصالحه بالحيلة والتملق واللف والدوران على طريقة علي الزيبق ودليلة وجحا..الخ.
  • ‏ حول عملية التخلي والاكتساب راجع مؤلفات العالم الأمريكي رالف لنتون وخاصة كتابه: دراسة الإنسان _ترجمة عبد الملك الناشف – 1964 ‏بيروت مؤسسة فرانكلين .
  • د. أنور عبد الملك _ الفكر العربي في معركة النهضة – الآداب _ بيروت 1974.
  • ‏حبذا لو شكلت ورشة عمل من علماء الاجتماع الثقافي وغير من المراكز العربية.
  • يرجى الرجوع إلى كتابنا : التحليل الاجتماعي للانقسامات السياسية في الوطن العربي – مكتبة مدبولي _ مصر- 1993.

 

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.